الابتكار في "الصحة".. تأثيرات اقتصادية وفرص مستقبلية
أصبح الابتكار محركاً رئيساً للتقدم في مختلف القطاعات، ولا يُعد قطاع الصحة استثناءً، بل على العكس، هذا القطاع يعد من أهم المجالات التي تستفيد بشكل مباشر من التطورات التكنولوجية والعلمية التي تهدف إلى تحسين جودة الرعاية الصحية وزيادة الكفاءة وتقليل التكاليف، وفي عصرنا الحالي، أصبح تعزيز الابتكار في قطاع الصحة أكثر ضرورةً، نظراً للتحديات المتزايدة مثل ارتفاع تكلفة الرعاية الصحية نتيجة للشيخوخة وتفشي الأوبئة العالمية، التي قد تصل إلى 7 تريليونات دولار سنوياً حسب تقديرات منظمة الصحة العالمية، لعلي في هذا المقال، استعرض الأثر الاقتصادي لذلك والفرص المستقبلية التي يمكن استغلالها لتعزيز النمو الاقتصادي.
عندما نتحدث عن الابتكار في قطاع الصحة، فإننا نتناول مجموعة التطورات التي تشمل مجالات عدة مثل الأدوية والأجهزة الطبية المتقدمة، وتقنيات التشخيص والعلاج، وتطبيقات الذكاء الاصطناعي في الطب، وتحسين نظم الإدارة الصحية، ويتضمن أيضاً تطوير الأساليب الجديدة في تقديم الرعاية عن بُعد، وغيرها من الابتكارات.
في السنوات الأخيرة، ظهر الابتكار كأداة أساسية ليس فقط لتحسين جودة الرعاية الصحية، ولكن أيضًا لتخفيض التكاليف التشغيلية على المستشفيات والشركات الصحية، ما يسهم في تقليل الفجوة بين الطلب المتزايد على الرعاية الصحية والموارد المتاحة، ولذا لا يقتصر تأثيره في قطاع الصحة على تحسين الرعاية الصحية فحسب، بل يمتد ليشمل النمو الاقتصادي على نطاق واسع. فعلى سبيل المثال، تسهم تقنيات الذكاء الاصطناعي في تحسين التشخيص الطبي وتقليل الأخطاء الطبية، ما يقلل الحاجة إلى إعادة الفحوصات أو العلاجات غير الضرورية. كما أن الأجهزة الطبية الحديثة تسمح بإجراء العمليات الجراحية بتدخلات أقل، ما يقلل من فترة الاستشفاء وتكاليف العناية. علاوة على ذلك، الرعاية الصحية عن بعد تتيح للمرضى الحصول على الاستشارات الطبية دون الحاجة إلى التنقل إلى المستشفيات، ما يقلل من التكاليف اللوجستية لكل من المرضى ومقدمي الرعاية الصحية. ومن الأمثلة أيضاً: الابتكارات في مجال الجينات وتكنولوجيا المعلومات الصحية تتيح تطوير علاجات مخصصة بناءً على الاحتياجات الفردية للمرضى. وتتيح تقنيات الطباعة ثلاثية الأبعاد تصنيع الأعضاء بدقة عالية، مثل الأطراف الاصطناعية أو حتى الأعضاء الحيوية والأنسجة، هذه التكنولوجيا فتحت آفاق جديدة في المجال الطبي.
يؤدي الابتكار ايضاً في هذا القطاع إلى نمو صناعات متعددة، مثل صناعة الأدوية والتكنولوجيا الطبية والتقنيات الحيوية. وكل ذلك في مجمله يسهم في تحسين الصحة بشكل عام، ما يزيد من الإنتاجية الاقتصادية للمجتمعات على المدى الطويل، وتسهم أيضاً في تحسين جودة الحياة، فعلى سبيل المثال، الأدوية الجديدة لعلاج الأمراض المزمنة مثل السكري والضغط توفر للمرضى حياة صحية أطول وأكثر إنتاجية. وتقليل الفاقد الاقتصادي الناتج عن تلك الأمراض يقلل من الأعباء المالية على الأنظمة الصحية والحكومات، ما يسمح بتوجيه الموارد إلى مجالات أخرى تعزز التنمية الاقتصادية.
الابتكار في المجال الصحي يقدم عوائد مالية كبيرة واستثمارات هائلة، حيث تشير بعض التقارير الصادرة من جراند فيو للأبحاث والخاصة بحجم سوق التكنولوجيا الصحية وتحليل الاتجاهات في ذلك، أنه سيفوق الخمسة تريليون دولار بحلول 2025، ولا شك أن الدول التي تستثمر في تعزيز البحث والتطوير والابتكار في هذا القطاع ستتمتع بالقدرة التنافسية الكبيرة التي تعزز من مكانتها وقوتها الاقتصادية وتأثيرها العالمي بشكل كبير.