استمرار تركز السيولة المحلية في الودائع الادخارية
على الرغم من بدأ انخفاض أسعار الفائدة، إلا أن المؤشرات النقدية الرئيسة محلياً لا زالت تظهر التركز الأكبر للسيولة في وعاء الودائع الادخارية، بما وصلت نسبته إلى 36.5 % من إجمالي الودائع البنكية حتى العاشر من أكتوبر الجاري (أعلى نسبة منذ نوفمبر 2009)، وبالطبع فهذا أمرٌ متوقع مسبقا، ومسار مختلف للسيولة عما حدث لها بمجرد بدء ارتفاع أسعار الفائدة حينما كانت نسبة الودائع الادخارية إلى إجمالي الودائع لا تتجاوز 21.9 % في يونيو 2021، وشهدت تلك النسبة لاحقا ارتفاعا مطردا بالتزامن مع تسارع ارتفاع أسعار الفائدة، حتى استقرّت ولا تزال عند مستوياتها المرتفعة الراهنة منذ مطلع العام الجاري.
وكما يبدو أن السيولة المتحفظة قد تبقى في مراكزها الراهنة لفترة أطول، حتى وإن شهدت أسعار الفائدة تراجعاً آخر قبل نهاية العام الجاري، ولهذا عديدٌ من الأسباب المؤثرة التي يُعزى أهمها إلى ارتفاع الأخطار المرتبطة بالأسواق عموماً، خاصةً مع تسجيلها لأعلى مستوياتها التاريخية خلال الشهر الجاري، وترقبا لنتائج الانتخابات الأمريكية في الخامس نوفمبر المقبل، إضافةً إلى اتساع دائرة الصراعات الجيوسياسية في مختلف أنحاء المعمورة في الشرق الأوسط وأوروبا وشرق آسيا، ودون اغفال الصراع التجاري المتصاعد بين كلٍ من الولايات المتحدة والصين، وتوقع أن ترتفع حدته بمجرد فوز الحزب الجمهوري بمقد الرئاسة.
كل تلك العوامل كأبرز الأسباب، تدفع إلى استمرار حالة التحفّظ لدى المستثمرين/المودعين، وتفضيلهم في المرحلة الراهنة للاستثمار في أعلى قنواته أمانا وأقلها مخاطرة، في الوقت ذاته الذي سيبقى الباب مفتوحا لسؤال تم طرحه قبل أقل من 4 أشهر مضت : إلى أين ستتجه فوائض السيولة التي تراكمت لدى البنوك المحلية بمجرد بدء تراجع أسعار الفائدة محليا وعالميا ؟ ويستمد هذا السؤال أهميته القصوى من أهمية المستوى القياسي للودائع الادخارية (أكثر من 0.9 تريليون ريال)، وزيادتها المطردة بالتزامن مع ارتفاع أسعار الفائدة خلال الفترة الماضية بنحو 0.5 تريليون ريال.
وجاء السؤال بصورة مبسطة متضمنا، هل سيتدفق أغلب تلك السيولة المحلية نحو سوق الأسهم المحلية؟ أو أنها قد تتجه إلى أسواقٍ أخرى للأصول كالعقار أو أي نشاط آخر ؟ وكم حجم ما سيتدفق من تلك السيولة الضخمة نحو الانفاق الاستهلاكي، وهو ما قد يدفع بمعدل التضخم محلياً نحو الارتفاع مجددا، أم أن هذا الأمر مستبعدٌ خلال الفترة الراهنة، خاصة مع ارتفاع سداد القروض البنكية على أغلب الأفراد والأسر.
تظل هذه الأسئلة وغيرها تجتذب وتحظى باهتمام العموم دون استثناء، بدءاً من المستثمرين والتجار وصولاً إلى مختلف شرائح المستهلكين المحليين من مواطنين ومقيمين على حد سواء، إضافة إلى دوائر واسعة من المهتمين بالبحث عن الإجابة الأقرب إلى الصواب والدقة على تلك الأسئلة أعلاه، تشمل البنوك التجارية والاستثمارية والشركات، وقبل جميع تلك الأطراف يأتي مخططي وراسمي السياسات الاقتصادية الكلية على رأس تلك القائمة.
وكما سبق التأكيد عليه سابقا، فإن الأهم في كل ما تقدم وانتهازا أمثل لهذه السيولة المتأهبة للاستثمار والإنفاق على حدٍ سواء، أن يتم تحفيز أكبر قدر ممكن استغلال فرص الاستثمار المحلية أمام تلك السيولة المحلية، والمتوقع أيضا تصاعدها مع الاستثمارات الأجنبية، ما سيسرع بدرجة أكبر من تنفيذ الإصلاحات الهيكلية تحت مظلة رؤية السعودية 2030، وهو المنجز التنموي والاقتصادي الأهم على الإطلاق، الذي سيدفع كثيرا من توليد مزيد من فرص العمل الكريمة أمام الموارد البشرية المواطنة، ويسرع أيضا من رفع مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي، وتنويع قاعدة الإنتاج المحلية، وبالتأكيد فإن جميعها مستهدفات إستراتيجية تلتقي بنسبةٍ كبيرة مع الأهداف الإستراتيجية لرؤية السعودية 2030.