عوائد "مبادرة مستقبل الاستثمار" والاستقرار العالمي
لم تقتصر "رؤية السعودية 2030" على مجموعة لا حدود لها من المشاريع والمخططات والمبادرات والأعمال التي تضمن التحولات المستهدفة لسعودية، بل صاحبتها أدوات فاعلة تدفع بقوة أيضاً نحو تحقيق الغايات. وهذه الأدوات توفر الطاقة الإضافية لمسار "الرؤية، الذي يتسارع بثبات، إلى حد تم إنجاز مشاريع متعددة قبل مواعيدها الزمنية الموضوعة لها.
فتنفيذ "الرؤية"، لا يتم على أسس تحاكي المستقبل ومتطلباته فقط، بل يجري وفق آلية تضع المتغيرات وتأثيراتها في مسار عملية التنفيذ هذه، إضافة طبعاً إلى توسيع نطاق المشاركة فيها محلياً وإقليمياً ودولياً، بفتح الطرق أمامها. فالابتكارات لا تتوقف، وهي جزءاً أصيلاً من هيكلية "رؤية السعودية"، والاستثمارات المفتوحة التي لها الطريق على الساحة السعودية، عبر سلسلة من التحولات والتسهيلات، تبحث عن حصة لها في "ورشة" البناء الاقتصادي الإستراتيجي، التي تتسع دائرتها يوماً بعد يوم.
من هنا، يمكن النظر إلى "مبادرة مستقبل الاستثمار" التي انطلقت أمس النسخة الثامنة لها، بعد 7 جولات، أثمرت كثيراً في مختلف المجالات، كما أنتجت اتفاقيات واستثمارات وصلت قيمتها إلى 125 مليار دولار. وهذا العائد لا يتوقف عند حدود أيضاً، في ظل اتساع نطاق هذه "المبادرة التي اتفق على وصفها بـ "دافوس الصحراء". إنها ساحة، تجمع الأفكار والابتكارات والحراك الاستثماري، إلى جانب المبادرات وكل ما يدعم مسار "الرؤية".
وعلى مر دوراتها جمعت "المبادرة" مؤسسات محلية وإقليمية ودولية وبنوك استثمارية مؤثرة في الحراك الاقتصادي ككل. كما وفرت المنصة اللازمة لطرح مبادرات وأفكار وابتكارات تحاكي المستقبل، وتوفر الزخم اللازم للـ "الرؤية". صحيح أنها تعنى بالترويج لهذه الأخيرة، لكن الصحيح أيضاً، أنها تفتح آفاقا مطلوبة لكل جهة ترغب في الوصول إلى السوق السعودية.
النسخة الثامنة من "المبادرة"، حملت عنواناً له دلالاته الواحة "أفق لا متناه: الاستثمار اليوم، لصياغة الغد". وهذا ينسجم بالضبط مع الأهداف العريضة لـ "رؤية السعودية 2030". بمعنى آخر، دعم الخطوات الثابتة الراهنة نحو مزيد من التنويع الاقتصادي، والابتعاد عن الطاقة كمصدر أساسي للدخل الوطني. واللافت، أن السعودية تمكنت منذ إطلاق "رؤيتها" من خفض حصة الناتج المحلي الإجمالي، من 80 إلى 40 %.
الذي يؤكد نجاعة هذا الحراك، أن المدة الزمنية لخفض حصة الطاقة تعد قصيرة بالفعل. فالنشاط الاستثماري يقفز بصورة متوالية على الساحة المحلية، مع ارتفاع متواصل لعدد الجهات الساعية لدور لها في هذه الساحة. وبدا ذلك واضحاً، من ارتفاع الاستثمارات عموماً في قطاعات مثل السياحة والصناعة والخدمات والتكنولوجيا، والذكاء الاصطناعي، وكذلك ساحة المناخ التي باتت على رأس أولويات هذا العالم.
والأمر لا يتوقف عند هذه الحدود في ميدان "دافوس الصحراء"، فهو يحتضن نقاشات ومبادرات أيضاً، تختص بقضايا محورية، مثل دور الحكومات، والأزمات الاقتصادية العالمية المتتالية، والصراعات الجيوسياسية، وسلسال التوريد، وغيرها من قضايا يمكن ببساطة أن توفر دعماً كبيراً للجهود المبذولة من أجل الوصول إلى حالة عالمية أكثر عدلاً وأماناً وازدهاراً. فالاستقرار الاقتصادي بات يشكل الهم الأول على الساحة الدولية، ولا بد من إيجاد حلول لتكريس هذا الاستقرار، وتقليص مساحة التقلبات الناجمة عن مشاكل مختلفة، أضرت بالمسار العالمي ككل.
عوائد "مبادرة مستقبل الاستثمار" لا توفر آليات ضرورية إضافية لـ "رؤية السعودية" فحسب، بل تؤدي دوراً في الاستقرار العالمي. وهذه نقطة تكرس مرة أخرى دور السعودية دولياً، كونها لاعباً أساسياً، يضع في رأس أولوياته، المصلحة الوطنية، مع الحرص على تمكين استدامة الاستقرار الدولي، في عالم متشابك متصل، يواجه العاصفة تلو الأخرى.