ديون العالم بلا مكابح
"طوبى للأجيال الجديدة، التي سترث الديون الوطنية"
هيربرت هوفر، الرئيس الحادي الثلاثين للولايات المتحدة
الأزمة مستمرة، وتتخذ أشكالاً بعضها يدخل بالفعل دائرة الخطر، وبعضها الآخر، يمكن التعامل معه، ولكن مع خسائر محققة. ومن أشكالها أيضاً، أنه بالإمكان السيطرة عليها، عبر آليات الإنتاج والنمو. إنها أزمة الديون العالمية، التي تؤرق العالم، بآثارها الحالية، وتلك التي تتركها للعقود المقبلة. البلدان الهشة اقتصادياً تعاني منها بصورة قوية، بعض هذه البلدان وصل حقاً إلى مرحلة العجز عن السداد، ليواجه سلسلة من الإجراءات غير الشعبية بالطبع.
وهناك دول مهددة بالوصول إلى هذه الحالة الخطيرة، التي ما يعني أنها ستخسر سمعتها الائتمانية، الأمر الذي سينال (في أحسن الأحوال) من تدفق الاستثمارات إليها، وخروج ما هو موجود منها في أسواقها. التحذيرات من "غول" الديون لا تتوقف، والأرقام التي تظهر بين الحين والآخر، تثير الدهشة والخوف في آن معاً.
ليس غريباً وسط هذا المشهد، أن يتجاوز الدين العالمي بنهاية العام الجاري، 100 تريليون دولار. صندوق النقد الدولي، يعتقد بأن هذا الدين قد ينمو بسرعة أكبر من المتوقع. لماذا؟ لأن الخطاب السياسي هنا وهناك، صار أكثر توجهاً لزيادة الإنفاق، خصوصاً في ظل نمو عالمي بطيء. ويبدو هذا طبيعياً (رغم خطورته)، لأن الأعباء العالمية تضاعفت منذ مطلع العقد الحالي، بانفجار جائحة "كورونا"، وتعطل حركة النمو دولياً، وما تلاها بعد ذلك من المشاكل الناجمة عن الموجة التضخمية الطويلة، ناهيك عن الآثار التي تتركها المواجهات الجيوسياسية، بما في ذلك، الاضطراب الطويل فعلاً في سلاسل التوريد. هذه الأخيرة قللت الصادرات التي تمثل محوراً رئيساً للنمو.
بنهاية العام الجاري، سيتجاوز حجم الدين العالمي 93 % من الناتج المحلي الإجمالي. وإذا ما سارت الأمور على هذا المنوال، سيصل بنهاية العقد الحالي إلى 100 % من هذا الناتج. وهذا يعني، أنه سيتجاوز الذروة التي بلغها خلال "كورونا" عند 99 %. الديون "المرعبة" لا تقتصر بالطبع على البلدان الناشئة أو الأشد فقراً، بل تشمل دولاً كبرى تؤثر مباشرة في حراك الاقتصاد العالمي. وعلى رأسها الولايات المتحدة التي تجاوز حجم ديونها 129 %من ناتجها المحلي. ومع إدارة الجمهوريين المقبلة، سترتفع هذه الديون، خصوصاً في ظل سياستهم القائمة على خفض الضرائب على الشركات. السيناريو الأشد قتامة، يشير إلى أن الدين العالمي قد يصل إلى 115 % من الناتج المحلي الإجمالي.
لا شيء يقلل من أخطار الديون، سوى وجود حالة من اليقين تلف الاقتصاد العالمي، وتحقيق حد مقبول من النمو. صحيح أن أسعار الفائدة بدأت تتراجع منذ أشهر، الأمر الذي يحفز النمو، لكن الصحيح أيضاً، هناك مخاوف من "انفلات" وتيرة الاقتراض، على صعيدي الحكومات والأفراد. وفي حالات بعض الدول المتزايد علها، قد يؤدي ذلك إلى مزيد من العجز عن السداد. وكالة "ستاندرد أند بورز" الأمريكية، لم تتردد في طرح توقعات، بارتفاع حالات العجز بالعملات الأجنبية بصورة كبيرة في العقد المقبل. وهذا الأمر وارد، إذا ما أخذنا في الحسبان، الزيادة المتصاعدة لتكاليف الاقتراض. فأغلبية الاقتصادات الهشة، أنفقت أكثر من 20 % من إيراداتها، لخدمة ديونها. ما يتسبب في تراجع الإنفاق المحلي على الخدمات بشكل كبير.
الديون العالمية تنمو، بصورة لا تتناسب من مستويات النمو الاقتصادي حتى في الدول الكبرى. فقد بلغ حجم ديون اليابان مثلاً 264 % من ناتجها المحلي الإجمالي. ويبدو واضحاً، أن الديون سيهيمن في العقد المقبل، إلا إذا حدثت قفزات نوعية على صعيد النمو، وعمليات اقتراض أكثر وعياً، بعيداً عن السياسية.