"الذكاء الاصطناعي" .. هل يصمد المسمى في زحمة الأخطاء "التقنية"؟
المسألة لم تعد طرفة اسمها "الذكاء الاصطناعي"، الحياة يدق قلبها بنبض "خوارزمي" وتسري في شرايينها ملايين الأوردة المعلوماتية، من الصحة للتعليم للاقتصاد للمعرفة لكل شيء، أصبحت كل الطرق تؤدي إلى "الذكاء الاصطناعي".
إلا أن العارفين بدهاليز البرمجيات المعقدة، يشيرون بأصابع خجولة إلى أخطاء تقنية غير متوقعة تثير تساؤلات حول حدود الذكاء الاصطناعي. فهل العالم أمام مواجهة مفتوحة بين ذكاء اصطناعي يتطور بسرعة أو "غباء" قد يكون كامنا في أعماق خوارزمياته؟ بدأت أولى خيوط الذكاء الاصطناعي تنسج في الخمسينيات الميلادية من القرن الماضي، خيطٍ تلو خيط حتى وصلت التكنولوجيا إلى ذروتها في الأعوام الأخيرة، فحولت صناعات وسياسات كثيرة، وأصبحت ساحة معركة بين بلدان العالم المتقدم، والساعي للتقدم.
اليوم يسود الذكاء الاصطناعي في عالم البشر، يتسيّد ويتقدم حتى يكاد يهيمن على مفاتيح المستقبل.
وسط ذلك، هناك أخطاء شهدها العالم وتسبب فيها الذكاء الاصطناعي، حيث شهد مصنع في كوريا الجنوبية حادثا مميتا، إذ لم تفرق آلة للذكاء الاصطناعي بين الفلفل ويد عامل فسحقت وجهه وصدره.
ومن الشرق إلى الغرب، خصوصا في موطن وادي السيلكون الولايات المتحدة الأمريكية، استخدمت شركة زيلو العقارية خوارزمية التعلم الآلي للتنبؤ بأسعار المنازل لبرنامج زيلو أوفرز، بهدف شراء المنازل وبيعها بكفاءة، فكانت النتيجة: شراء منازل بأسعار تجاوزت أسعار بيعها المستقبلية، وشطب 304 ملايين دولار من قيمة مخزون الشركة، وتسريح ألفي موظف بما يعادل 25% من موظفيها.
ولا تنتهي أمثلة ما قد يصفه البعض بـ"الغباء الاصطناعي" عند هذه الحدود، فمن الولايات المتحدة إلى الصين، سعت شركة صينية لاستخدام برنامج للذكاء الاصطناعي في التوظيف، لكنه استثنى المتقدمات الإناث اللاتي تتجاوز أعمارهن الـ55، والمتقدمين من الرجال فوق 60 عاما، والأثر: قضية أمام المحاكم دفعت على إثرها تسوية مالية بلغت 365 ألف دولار.
ويقول الدكتور محمد الشريف، المختص في هندسة الاتصالات، إن من أمثلة أخطاء الذكاء الاصطناعي أو التجارب الفاشلة لاستخداماته تتمثل في تجربة "جوجل فلو تريندز".
يوضح الشريف خلال حديثه لـ"الاقتصادية"، أن برنامج جوجل كان يهدف إلى توقع انتشار الأنفلونزا بناء على بيانات البحث على الإنترنت، لكنه لم ينجح في تقديم توقعات دقيقة، وألغي المشروع.
يضيف "من الأمثلة في القطاع الصحي، تطبيق واستون فور أونكولوجي من شركة "آي بي إم" الذي كان يهدف إلى تحسين تشخيص وعلاج السرطان، لكنه واجه مشكلات في الدقة، ونتائجه كانت مخيبة للآمال في بعض الحالات".
ورغم التقدم في مشاريع السيارات ذاتية القيادة، التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، بيد أن بعض شركات التوصيل مثل "أوبر" واجهت تحديات جسيمة، من ضمنها حوادث أدت إلى إعادة تقييم بعض هذه المشاريع، وفقا للشريف.
وفي عالم التداولات المصرفية، يحذر دانييل سليبفر، الرئيس والمدير التنفيذي لشركة سيليكت فانتج، في مقال نشرته "فوربس" في يونيو الماضي، من احتمالية حدوث أخطار شاملة على النظام بفعل عمليات صنع القرار الغامضة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي.
يقول سليبفر، إن التداول البرمجي يضخم اضطرابات البجعة السوداء (مصطلح يستخدم للدلالة على عدم القدرة على التنبؤ بالأحداث النادرة وكأنها مستحيلة الحدوث)، لأن التقلبات تشكل أحد أهم المدخلات في الخوارزميات المعدة مسبقا، المستخدمة في إجراء الصفقات المحوسبة، وعندما تضرب التقلبات الحقيقية السوق، تُفاقم أجهزة الكمبيوتر المشكلات.
من جانبه، يرى الدكتور محمد العضاضي، المختص في الهندسة والأنظمة الابتكارية، أن الذكاء الاصطناعي ثورة تقنية بما يقدمه من الإمكانيات الهائلة، لكنه ليس خاليا من الأخطاء.
ويضيف لـ"الاقتصادية"، أن "أخطاءه تثير مخاوف فعلية حول قدرته على فهم المشاهد المعقدة على أرض الواقع، خصوصا في مجالات حساسة مثل الصحة والأمن".
ويعزي العضاضي الأمر إلى نوعية البيانات التي يعتمد عليها نظام الذكاء الاصطناعي بشكل كبير جدا، سواء لكونها محدودة أو غير صحيحة، لافتا إلى بعض القيود التقنية ومحدوديتها.
ويقول "رغم أن الذكاء الاصطناعي ليس واعيا بذاته ولا يمتلك إرادة، فإن هناك مخاوف نظرية مستقبلية من أن يتطور تطورا قويا يمكنه من التفوق على القدرات البشرية، لذلك لابد من سن قوانين صارمة تحكم كيفية تطويره وتطبيقه، بما يحفظ حقوق الإنسان ويمنع من إساءة استخدامه".
ويشير إلى أن احتمالية انهياره ليست متوقعة، لكن قد يكون هناك تباطؤ أو تأخير وصعود وهبوط في عمليات تطويره، لأسباب تتعلق بتحديات تقنية، وبالقيم والأخلاقيات، والقوانين والتنظيمات التي قد تحد من انتشاره، وأخرى تتعلق بعدم الثقة وفقدان المصداقية حال تكرر أخطائه، كما أن التكاليف العالية لتطويره واستخدامه منهكة اقتصاديا.
محصلة آراء المختصين، أن للذكاء الاصطناعي هفوات وأخطاء ساذجة وفادحة، وما في جعبته غامض مهما كان واضحا، فهل له حدود يقف عندها؟ وهل يمكن أن يجابه العقل البشري بقوته ودقته وذكائه؟ وعند طرح السؤال على برنامج الذكاء الاصطناعي لاستكشاف رأي التقنية نفسها عبر "شات جي بي تي"، أجاب: "سؤال رائع ويثير التفكير! مع استمرار تطور الذكاء الاصطناعي، نلاحظ ازدياد التحديات التقنية والأخلاقية المحيطة به، حيث تمتلك خوارزميات الذكاء الاصطناعي القدرة على التعلم والتحليل واتخاذ القرارات بناءً على بيانات ضخمة، ما يمنحها مستوى عاليا من الذكاء.
الشاهد، أن "شات جي بي تي" أعاد في رده رمي كرة لهب السؤال إلى الإنسان، حين قال: "يمكن وصف أن اعتماده هذا الذكاء على ما يقدم له من معلومات، قد يعرضه لنتائج غير دقيقة أو قرارات خاطئة، وأحيانا ذات طابع "غبائي"إذا كانت البيانات مشوشة أو مشوهة".