هل يعزز تفاوت معدلات التضخم في دول أوروبا بوادر أزمة؟

هل يعزز تفاوت معدلات التضخم في دول أوروبا بوادر أزمة؟

أصدر البنك المركزي الأوروبي هذا الأسبوع تقديراته الشهرية للتضخم والتي أظهرت بلوغه في منطقة اليورو هدف المركزي الأوروبي المحدد بـ 2% أو قل عنه للشهر الثاني على التوالي، وفقا لـ"ذا تيليجراف".

وأشاد البنك المركزي بهذا باعتباره انتصارا بعد سنوات شاقة من التضخم، والذي لا تزال آثاره محسوسة في مختلف أنحاء القارة كأزمة عامة في تكاليف المعيشة حتى يومنا هذا.

ويستطيع البنك المركزي الأوروبي أن يفخر بحقيقة أنه أفضل حالا من الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في هذا الشأن. ففي الولايات المتحدة، ظل التضخم أعلى قليلا من الهدف بين 2.4% و2.6% على مدى الأشهر القليلة الماضية. وتسير بريطانيا على خطى منطقة اليورو، إذ يبلغ التضخم المعدل المستهدف أو يقل عنه.

لكن في حين انخفض التضخم في مختلف أنحاء منطقة اليورو، يبدو أن تفاوت معدلات التضخم داخل الكتلة قد عاد.
فعلى النقيض من الولايات المتحدة وبريطانيا، منطقة اليورو ليست اقتصادا واحدا بل عشرين اقتصادا منفصلا، وإذا بدأت معدلات التضخم في التفاوت بين هذه الاقتصادات، قد يسبب ذلك مشكلات.

إذا نظرنا إلى بيانات التضخم في أكتوبر بالتفصيل، سنجد بعض الأسباب التي تدعو إلى القلق. سجلت بلجيكا وبلغاريا وكرواتيا معدلات تضخم مرتفعة للغاية: 4.5% و4.5% و3.6% على التوالي. بينما يبدو أن أيرلندا وليتوانيا وسلوفينيا تتجه نحو الانكماش بمعدلات بلغت 0.1% و0.1% و0% على التوالي.

المشكلة في تفاوت معدلات التضخم هي أنه قد يؤدي إلى تقويض استقرار العملة الموحدة. فالعملة الموحدة تتطلب سعر فائدة واحد ــ السعر الذي يحدده البنك المركزي الأوروبي. وبطبيعة الحال، يتم تحديد أسعار الفائدة حسب معدل التضخم في كل دولة. وإذا كانت معدلات التضخم شديدة الاختلاف في بلدان مختلفة، فمن الصعب للغاية تحديد سعر الفائدة المناسب.

والنتيجة المترتبة على هذه المشكلة النقدية في الاقتصاد الحقيقي هي القدرة التنافسية. عندما يرتفع التضخم بشكل أسرع في اقتصاد ما عن اقتصاد آخر، تنخفض القدرة التنافسية للاقتصاد الذي يعاني تضخما أعلى مقارنة بالاقتصاد الذي يعاني تضخما أقل لأن الأسعار والأجور ترتفع بشكل أسرع في الاقتصاد الأكثر تضخما.

عادة، تتحرك العملات بالنسبة لبعضها بعضا للتعويض عن هذا التغيير في القدرة التنافسية. بالتالي الدولة التي تعاني تضخما أعلى ستشهد انخفاض قيمة عملتها مقارنة بالدولة التي تعاني تضخما أقل. لكن لا توجد عملات منفصلة في منطقة اليورو لذا لا توجد آلية للدول لتعديل قدرتها التنافسية بسلاسة.

هذا ما حدث في الفترة التي سبقت أزمة الديون في منطقة اليورو في 2011. أصبحت الدول ذات معدلات التضخم الأعلى غير قادرة على المنافسة مقارنة بالدول ذات معدلات التضخم المنخفضة.

وهذا دفعها إلى استيراد كميات هائلة من الواردات دون زيادة صادراتها بالتوازي، ما يعني سقوطها بشكل أعمق في الديون. وعندما ضربت الأزمة المالية، انهار كل شيء وأُجبرت الدول غير القادرة على المنافسة على برامج التقشف القاسية.

لمقارنة كيف يبدو التفاوت بين معدلات التضخم اليوم بالتاريخ سنأخذ أعلى معدل للتضخم في منطقة اليورو ونطرحه من أدنى معدل. وهذا يعطينا "فارق التفاوت بين معدلات التضخم".

بين 2005 و2013، أثناء الفترة التي كانت فيها الاختلالات في التوازن تزداد، كان فارق التفاوت بين معدلات التضخم 7.7% في المتوسط. وفي الفترة بين 2014 و2021، عندما أُجبِرت الاقتصادات على التكيف، كان الفارق 4.1% في المتوسط.

وعندما ننظر إلى الفترة التضخمية في الأعوام القليلة الماضية، نرى أنه بين 2022 واليوم كان الفارق 12.5% ​​في المتوسط. وحتى أكتوبر، بلغ الفارق 5%.
لذا يمكن القول إن العامين الماضيين كانا أسوأ بكثير من الفترة التي تراكمت فيها الاختلالات قبل الأزمة الأخيرة، واليوم، حتى مع التغلب على التضخم الإجمالي، لا يزال الفارق أعلى بكثير من الفترة المستقرة 2014-2021.

هذا يعني أننا نشهد بالفعل اختلالات في التوازن تبدأ في التراكم في منطقة اليورو. وإذا ضربت موجة أخرى من التضخم إضافة إلى مشكلة التفاوت بين معدلات التضخم فمن المرجح أن تواجه منطقة اليورو أزمة أخرى، وستضطر الاقتصادات ذات التضخم المفرط إلى تكبد تغييرات قاسية في مستويات المعيشة.

الأكثر قراءة