هل يستطيع محبو العملات المشفرة إنقاذ السلع الفاخرة خلال 2025 ؟
الإقبال على العملات المشفرة يعزز الآمال في تزايد الإنفاق على حياة الرفاهية
صعود بيتكوين يجذب شركات تجارة البضائع باهظة الثمن للسوق الأمريكية
تباطؤ الاقتصاد الصيني وراء تراجع المبيعات في ثاني أكبر اقتصاد عالمي
خطط ترمب بفرض رسوم جمركية تثير قلق شركات تصنيع منتجات الرفاهية
نيويورك مهووسة بالعلامة التجارية "لوي فيتون".
بدأت العلامة التجارية الكبرى التابعة لشركة "إل في إم إتش مويت هنسي لوي فيتون" تجديد متجرها الرئيسي في زاوية شارع إيست 57 وفيفث أفينيو في مانهاتن. جرت تغطية أعمال البناء بتركيب مجسم فني يبلغ ارتفاعه 230 قدماً يُظهر 6 حقائب مزينة بشعار العلامة التجارية، لتتجاوز في ارتفاعها المعالم القريبة، ما جعلها معلماً سياحياً مفاجئاً وقد لاقى انتشاراً واسعاً على "تيك توك".
يوجد سبب وراء إنفاق "إل في إم إتش" (LVMH)، أكبر مجموعة للسلع الفاخرة في العالم، جزءاً من مواردها الكبيرة على هذا العرض، وليس فقط من أجل تحقيق انتشار واسع على الإنترنت.
التحول نحو السوق الأمريكية
مع انحسار طلب الصين نتيجة التراجع الكبير في قطاع العقارات، وانشغال كوريا الجنوبية باضطرابات سياسية، أصبحت العلامات التجارية الفاخرة تعيد توجيه اهتمامها بالسوق الأمريكية مجدداً. مع زوال حالة عدم اليقين التي كانت تحيط بالانتخابات الأمريكية وارتفاع أسواق الأسهم ووصول سعر بيتكوين إلى عتبة 100 ألف دولار، هناك فرصة جيدة أن يعود الأمريكيون إلى الإنفاق بقوة على السلع الفاخرة. مع ذلك، كان "محبو العملات المشفرة" أنقذوا القطاع خلال 2021 عندما كانت الصين تعاني قيود الإغلاق بسبب وباء كوفيد وأجندة "الرخاء المشترك" للرئيس الصيني شي جين بينج.
عادةً ما يرتبط الطلب على المنتجات الفاخرة في الولايات المتحدة الأمريكية بأداء سوق الأسهم. ومع الصعود الكبير لمؤشر "ستاندرد آند بورز 500"، باستثناء التراجع الذي حدث في أغسطس الماضي، كان من المفترض أن يدفع ذلك الإنفاق على المنتجات الفاخرة إلى مستويات أعلى.
رغم أن هناك بعض التعافي، يبدو أن متسوقي السلع الفاخرة في الولايات المتحدة الأمريكية ترددوا قبل انتخابات نوفمبر الماضي، ربما بسبب المخاوف من نتائج قد تكون عرضة للتشكيك فيها. يشير محللو "مورجان ستانلي" إلى أن الجزء الأكبر من الثروة التي تم تكوينها أخيرا ذهب إلى الأجيال الأكبر سناً، بينما كان المحرك الرئيسي لنمو القطاع الفاخر في السنوات الأخيرة هو جيل الألفية وجيل "زد" (جيل ما بعد الألفية). ليس من المستغرب أن تكون ديبي هاري البالغة من العمر 79 عاماً هي وجه الحملة الإعلانية الجديدة لحقيبة "بلوندي" من غوتشي.
العلامات التجارية الفاخرة تعيد توجيه اهتمامها نحو السوق الأمريكية مجدداً بعد تباطؤ الطلب في الصين.
عوامل تجاوز المرحلة
منذ الانتخابات، تبددت بعض هذه المخاوف. رغم أن جميع المستهلكين لن يكونوا راضين، فإن احتمالات خفض الضرائب، لا سيما المفروضة على الأمريكيين الأثرياء، ربما تساعد على تجاوز هذه المرحلة.
في نوفمبر الماضي، ظلت مبيعات العلامات التجارية الفاخرة الكبرى في الولايات المتحدة الأمريكية سلبية بالمقارنة بالسنة السابقة، متراجعةً بعد تسارع خلال سبتمبر وأكتوبر الماضيين، وفق بيانات إنفاق بطاقات الائتمان الصادرة عن "سيتي جروب". يُعزى ذلك جزئياً إلى أن الوضع لم يكن سيئاً للغاية في الفترة نفسه من 2023. ربما لعب الطقس الدافئ هذا الخريف، الذي أثر في مبيعات الملابس الفاخرة، دوراً في ذلك. رغم ذلك، كان الإنفاق على الجواهر قوياً، ما أسهم في بقاء المبيعات أعلى من مستويات 2019.
رغم تراجع الإنفاق في نوفمبر بالولايات المتحدة، فإن الإنفاق على السلع الفاخرة شهد نشاطاً، خاصة على الجواهر والساعات
بدأت تُظهر ساعات اليد أيضاً بوادر تحسن. ذكرت شركة "واتشز اوف سويتزرلاند جروب" (Switzerland Group)، التي حققت 45% من مبيعاتها في الولايات المتحدة الأمريكية خلال النصف الأول من سنتها المالية، بزيادة في إقبال هواة اقتناء القطع الحصرية أو الإصدارات المحدودة منذ الانتخابات.
بعد أيام قليلة من الاقتراع، أعلنت شركة "سييه فينانسيير ريشمون" (Cie Financiere Richemont)، المالكة لعلامة "كارتييه"، أن قسمها للساعات عاد أخيرا للنمو في السوق الأمريكية، ما عزز ثقتها تجاه فترة ما بعد الانتخابات.
مبيعات الساعات السويسرية تشهد تعافياً في الولايات المتحدة، فيما تتباطأ في الصين.
صعود بيتكوين عامل مساعد
في ظل هذه الظروف ربما يكون صعود قيمة بيتكوين عاملاً مساعداً. ارتبطت موجة ارتفاع العملة المشفرة خلال 2021 بزيادة كبيرة في أسعار الساعات المستعملة.
ربما يستغرق الأمر بعض الوقت حتى تنتقل مكاسب العملات المشفرة إلى السوق، ولكن توجد بالفعل مؤشرات على الاستقرار. تراجع المؤشر العام للسوق الخاص بمنصة البحوث "ووتش تشارتس" (WatchCharts) 0.7% فقط خلال الأشهر الثلاثة الماضية، بعد التعافي في أكتوبر الماضي.
بعد رحلة هبوط، أسعار الساعات المستعملة تشهد استقراراً في أكتوبر.
لكن العلامات التجارية الفاخرة تأمل أن يتجاوز تأثير صعود بيتكوين قطاع الساعات، وأن يشمل أيضاً المستهلكين الشباب الذين يتمتعون بمستويات دخل مريحة والذين أُقصي عديد منهم عن السوق بسبب ارتفاع الأسعار. إذا تحقق ذلك، ستكون العلامات التجارية الأوروبية في وضع جيد للاستفادة من ذلك.
فرص نمو السوق الأمريكية
رغم أن تقديرات 2024 تشير إلى أن الأمريكيين يستحوذون على 29% من المبيعات العالمية، متفوقين على المستهلكين الصينيين، وفق شركة "مورنينج ستار" (Morningstar)، فإن سوق السلع الفاخرة في الولايات المتحدة الأمريكية تملك إمكانات نمو كبيرة.
توقعات باستحواذ الأمريكيين على النصيب الأكبر في الإنفاق على السلع الفاخرة عالمياً في 2024
خلال السنوات القليلة الماضية، توسع انتشار العلامات التجارية الأوروبية إلى ما وراء المناطق التقليدية مثل نيويورك ولوس أنجلوس وسان فرانسيسكو وشيكاغو. أصبحت مواقع مثل أوستن وأتلانتا وشارلوت وسكوتسديل وجهات جديدة لشركات السلع الفاخرة. مع الإيجارات المعقولة وقوة الدولار الأمريكي، التي تزيد من قيمة المبيعات عند تحويلها إلى اليورو، تبدو عائدات هذه الاستثمارات واعدة.
بعد أن كانت تُعد في السابق علامات نخبوية، أصبحت الآن جزءاً من الثقافة الشعبية، ولا سيما علامة "لوي فيتون"، بفضل تعيينها أولاً للمصمم الراحل فيرجيل أبلوه ثم للموسيقي فاريل ويليامز في منصب المدير الإبداعي لأزياء الرجال.
توسع انتشار العلامات الفاخرة الأوروبية في الولايات المتحدة خلال السنوات الأخيرة.
تتمتع "إل في إم إتش" بأفضل موقف للاستفادة من هذا التحول، إذ حققت 25% من مبيعاتها من السوق الأمريكية خلال الربع الثالث من العام الجاري. إضافة إلى علامات مثل "ديور" (Dior) و"سيلين" (Celine) و"لويفي" (Loewe) تملك أيضاً العلامة التجارية "تيفاني آند كو" (Tiffany & Co). وتملك "لوي فيتون" أكبر قاعدة متاجر في الولايات المتحدة الأمريكية، بحسب تحليل أبحاث بنك "إتش إس بي سي". كما وسعت كل من "برادا" و"غوتشي" (Gucci) وجودهما، خاصة في المدن الثانوية.
أعداد متاجر علامات السلع الفاخرة الأوروبية في الولايات المتحدة
تحديات السوق في الولايات المتحدة
لكن عملية الاستفادة من الطلب الأمريكي لا تخلو من صعوبات. أبرز هذه الصعوبات تتمثل في احتمال فرض رسوم جمركية من قبل الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترمب.
رغم أن التواجد المحدود لعمليات التصنيع الخاصة بمعظم شركات السلع الفاخرة داخل الصين حيث تتركز سلاسل التوريد بصورة أساسية في فرنسا وإيطاليا وسويسرا، فإن خطط فرض رسوم شاملة على جميع السلع المستوردة ربما تطالها.
عادةً ما تتمكن هذه الشركات من تمرير التكاليف الإضافية إلى المستهلكين، ولا سيما وأنها تبيع منتجات باهظة الثمن والتي لا يتأثر الطلب عليها كثيراً بزيادة الأسعار. ومع ذلك، فإن ارتفاع معدلات التضخم في الصناعة على مدى السنوات الخمس الماضية يعني أن هامش المناورة لديهم أصبح أقل.
التصنيع في أمريكا
ربما تتوافر فرصة لتوسيع أعمال التصنيع داخل الولايات المتحدة الأمريكية. تتقدم في هذه الحالة "إل في إم إتش" مرة أخرى، إذ تصنع "لوي فيتون" بعض حقائب اليد والمنتجات الجلدية الصغيرة بولايتي تكساس وكاليفورنيا. لكن مع ارتباط عديد من العلامات التجارية بإرثها الأوروبي بوصفه جزءاً أساسياً من هويتها، ربما يكون نطاق التوسع محدوداً. من الممكن أن تضطر الشركات لتحمل الرسوم الجمركية، ما سيزيد الضغط على هوامش الربح.
رغم ذلك، يبدو أن هذا التهديد ما يزال بعيداً. ربما يكون هذا السبب وراء افتتاح "إل في إم إتش" متجراً مؤقتاً لـ"لوي فيتون" في موقع متجر نيكيتاون القديم في شارع إيست 57، بينما تعمل على تجديد الموقع الرئيسي القريب. يضم المقر المؤقت مطعماً يقدم "وجبات خفيفة فاخرة" وأول متجر شوكولاتة لـ"لوي فيتون" في الولايات المتحدة الأمريكية. ربما يكون هذا المتجر مؤقتاً لبضع سنوات فقط، لكن خلال هذه الفترة سيكون المستهلك الأمريكي عنصراً حاسماً في حجم ثروة الرئيس التنفيذي "برنارد أرنو".
خاص بـ "بلومبرغ"