ما أهم القطاعات الخاسرة خلال 2024؟

تناولنا في المقال السابق أهم القطاعات والملاذات الآمنة التي استفادت من عام 2024، وما ارتبط بها من أحداث اقتصادية وجيوسياسية. وقد كان الذهب والعملات المشفرة، بجانب القطاعات المرتبطة أنشطتها بالتكنولوجيا وبالأخص الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات أبرز الرابحين خلال العام. وسنتطرق اليوم للقطاعات التي تأثرت سلبًا خلال العام الحالي. فالأوضاع الجيوسياسية غير المستقرة في العالم، بجانب ضعف الطلب وأسعار الفائدة المرتفعة القت بمزيد من الضغوط على القطاعات المختلفة وبالأخص الصناعية منها.

البداية من صناعة السيارات التقليدية، فقد عانى القطاع ضغوطات كبيرة مثل انخفاض معدلات الطلب مع دخول عديد من الاقتصادات المتقدمة وبالأخص في أوروبا في مرحلة انكماش في ظل أسعار الفائدة المرتفعة. بجانب المنافسة الشرسة من السيارات الكهربائية وبخاصة القادمة من الصين، مع تصاعد الدعوات لتبنى تلك الشركات خطط تحولية لخفض الانبعاثات الكربونية والتحول تجاه التكنولوجيا النظيفة. كل تلك العوامل وضعت القطاع في مأزق كبير ودفعت كبرى الشركات العالمية وفي مقدمتها عملاق صناعة السيارات الألمانية فولكس فاجن (Volkswagen) إلى تبني خطة للتقشف وخفض التكاليف وذلك عبر إغلاق مصانع في ألمانيا وتسريح آلاف العاملين.

قطاع الشحن البحري كان واحدًا من أكثر المتأثرين سلبًا خلال 2024. حيث دفعت التقلبات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط إلى تأثير مباشر في حركة الشحن عبر الممرات الملاحية المهمة للتجارة العالمية، وفي مقدمتها مضيق باب المندب وقناة السويس. الأمر الذي دفع شركات الشحن للاعتماد على مسارات أطول وصاحبها بالطبع تكاليف أعلى للشحن.

على سبيل المثال ارتفعت تكاليف شحن الحاوية النمطية قياس 40 قدما من 1,390 دولارا في 5 أكتوبر 2023، لتصل بحلول 28 نوفمبر 2024 إلى 3,331 دولارا بمعدل زيادة بلغ 140%. وقد بلغت تكاليف الشحن ذروتها خلال 2024 وبالأخص في شهر يوليو مقتربة من مستويات 6 آلاف دولار للحاوية.

اضطرابات الشحن البحري كانت جزء من المعاناة التي عاشتها التجارة العالمية. فتصاعد حدة الحمائية التجارية بين الاقتصادات الكبرى والاتجاه إلى فرض تعريفات مرتفعة على عديد من السلع. بهدف حماية الصناعة الداخلية أو عوامل تتعلق بالأمن القومي أثرت بشكل كبير في تدفقات التجارة العالمية، وتنذر بمزيد من التعقيدات المستقبلية في حالة استمرار تلك السياسات.

القطاع العقاري كان واحدًا من المتأثرين سلبًا من العام الحالي. حيث دفعت أسعار الرهون العقارية المرتفعة إلى تأثير مباشر في معدلات الطلب على الوحدات العقارية. وأدت إلى ضغوط كبيرة على أسعار مواد البناء المختلفة مثل الحديد والأسمنت.

وفي الصين التي تعد واحدة من أكبر أسواق العقارات في العالم، تعمقت الأزمة خلال 2024 ودفعت إلى إعلان عدد من الشركات للإفلاس في ظل عدم القدرة على الوفاء بالالتزمات المتعلقة بالديون. وقد فشلت الجهود الحكومية في احتواء الأزمة التي يمر بها المطورون، وذلك في ظل أزمة الثقة التي يعيشها الاقتصاد.

ويتوقف مستقبل تلك القطاعات خلال عام 2025 على عوامل عدة، الأولى هي نجاح الجهود الحكومية في انتشال الاقتصاد من حالة الانكماش. عبر السياسات المختلفة مثل رفع مستويات الإنفاق الحكومي والاستمرار في خفض معدلات الفائدة. الأمر الذي يسهم في تنشيط الطلب.

العامل الثاني يتمثل في هدوء الأوضاع الجيوسياسية العالمية، بما يسمح باستعادة حركة الشحن العالمية لعافيتها بما ينعكس في النهاية على سهولة تدفق التجارة وخفض مستويات التضخم الناتجة عن الاضطرابات التجارية العالمية.

العامل الثالث هو قدرة الحكومات العالمية على الوصول لصيغة اتفاق تنهي الخلافات التجارية وتسهم في تجنب التعريفات المرتفعة التي سيكون لها أثار سلبية في الاقتصاد العالمي.

ختامًا فقد دفعت الظروف الاقتصادية الصعبة الناتجة عن دورة التشديد النقدي ورفع تكاليف الاقتراض، بجانب الأوضاع الجيوسياسية غير المستقرة. إلى تأثير مباشر في صناعات مهمة في مقدمتها السيارات والشحن. وتشير التوقعات إلى استمرار الأثار السلبية خلال العام المقبل في ظل عدم وجود آفاق واضحة للخروج من تلك الأزمات.


الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي