هل السياسات المالية المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي في 2025؟
تشكل السياسات المالية الممثلة بصورة رئيسية في الإنفاق الحكومي والضرائب أهم أدوات الحكومات لإدارة الاقتصاد، ويتوقف استخدامها على أهداف كل مرحلة. على سبيل المثال بعد تفشى جائحة كورونا دخل الاقتصاد العالمي في مرحلة ركود، لجأت الحكومات إلى سياساتها المالية لدعم الاقتصاد. حيث قامت بزيادة الإنفاق الحكومي وذلك في أشكال مختلفة مثل الدعم والمنح للقطاعات الإنتاجية والمستهلكين. أسهمت الحزم التحفيزية في إنقاذ كثير من الصناعات من الإفلاس وحافظت على مستويات الطلب والإنفاق والتشغيل عند مستويات مناسبة.
ومع اندلاع الأزمة الروسية الأوكرانية وارتفاع أسعار السلع المختلفة مثل الطاقة والغذاء، الأمر الذي أدى إلى تأجيج التضخم. أخذت السياسات المالية منحنى معاكسا، فخفضت الحكومات معدلات إنفاقها سواء في شكل دعم للقطاعات الاقتصادية أو إنفاق على مشروعات البنية التحتية. أثر ذلك بالسلب في المؤشرات الاقتصادية الأساسية مثل التشغيل والنمو وبالأخص في الدول المتقدمة. ولكن يبدو أن المشهد سيتغير مع بداية 2025 مع اتجاه الحكومات لتبنى سياسات مالية أكثر توسعية.
تتنوع الأسباب التي تدفع الحكومات لتخطى الانضباط المالي التي حافظت عليه منذ الازمة الروسية الأوكرانية. على رأسها أن الأداء الاقتصادي يعاني بشدة مع تأثر القطاعين الإنتاجي والاستهلاكي بتكاليف الاقتراض المرتفعة. بالتالي فإن تدخل الحكومات أصبح ضروريا لتنشيط الطلب ودعم معدلات التشغيل. بجانب التقلبات الجيوسياسية والنزاعات التجارية المتوقع تصاعد وتيرتها خلال 2025، والتي تفرض على الدول ضرورة التدخل وتقديم الدعم لتجنب الصدمات المتوقعة في سلاسل الإمداد والتوريد العالمية.
تبنى السياسات المالية التوسعية سيشمل الاقتصادات المختلفة. في الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم التي تعاني ضغوطا انكماشية نتيجة الطلب الضعيف. أعلنت الحكومة مع بداية العام برنامجا لدعم الاستهلاك بقيمة تصل إلى 81 مليار يوان. يهدف البرنامج إلى تشجيع الأفراد على شراء سيارات الطاقة الجديدة، والأجهزة الكهربائية. وتشكل تلك الحوافز حلقة من سلسلة السياسات التي تتبنها الحكومات والتي تهدف إلى إعادة ثقة المستهلكين في الاقتصاد وتعزيز قدرتهم على الشراء والإنفاق.
في الولايات المتحدة يعتزم الرئيس المنتخب دونالد ترمب إجراء مجموعة من التخفيضات الضريبية لتشجيع الاستثمار. تشمل خفض معدل الضرائب على الشركات إلى 15% مقارنة بمستوياتها الحالية البالغة 21%. يهدف ترمب من السياسات الجديدة إلى إعادة بلاده كمركز جاذب للاستثمار من جديد، بما يسهم في دعم النمو الاقتصادي.
ألمانيا أكبر اقتصاد في القارة الأوروبية والتي يعاني اقتصادها تباطؤا في طريقها إلى تعديل سياسة "مكابح الديون" التي تفرض قيودا على الاقتراض الحكومي. التعديل يهدف بشكل أساسي إلى زيادة الإنفاق وتقديم الدعم المباشر للأسر لمواجهة التكاليف المرتفعة الناتجة عن ارتفاع فواتير الطاقة ودعم الطلب الاستهلاكي. إضافة إلى دعم القطاع الصناعي المتعثر في مواجهة الصدمات التجارية المتوقعة من الشركاء التجاريين الأهم مثل الصين والولايات المتحدة.
ويتوقف نجاح السياسات المالية التوسعية المتوقعة الجديدة وقدرتها على انتشال الاقتصاد العالمي من مرحلة الخمول التي يعيشها على عوامل عدة، يأتي على رأسها انخفاض حدة التقلبات الجيوسياسية العالمية وما ينتج عنها من صدمات في أسعار السلع الأساسية مثل الطاقة والغذاء. إضافة إلى قدرة العالم على الوصول إلى تفاهمات لحل أزمة الرسوم الجمركية وبالأخص بين أكبر الفاعلين مثل الولايات المتحدة والصين وأوروبا.
على جانب آخر تحمل السياسات المالية التوسعية أخطارا تتعلق بشكل مباشر بارتفاع معدلات الديون الحكومية. حيث ستقوم الحكومات بتمويل خططها لزيادة الإنفاق عبر الاقتراض، سيترجم ذلك بصورة مباشرة في شكل زيادة في مستويات الدين المحلي. يهدد ذلك الاستقرار المالي في الدول، مع الارتفاع القياسي في نسب الدين إلى الناتج المحلي التي تتجاوز 100% في بعض الدول مثل الولايات المتحدة.
ختامًا يدفع الوضع الاقتصادي الصعب عديدا من الاقتصادات الكبرى لتبنى سياسات مالية أكثر انفتاحًا تؤدي إلى تنشيط الطلب ودعم الإنتاج. ولكن نجاح تلك السياسات في تحقيق غايتها غير مؤكد في ظل تحديات جيوسياسية وتجارية عالمية متصاعدة.