البطاريات الضخمة تحدث نقلة نوعية في شبكات الكهرباء عالميا
تصطف أكثر من ألف خزانة معدنية سوداء بحجم ثلاجة داخل مبنى إسمنتي بسيط في مجمّع شركات في وادي السيليكون. تحوي كل منها 20 بطارية ليثيوم-أيون جديدة ستباشر في الربيع بتغذية الشبكة الكهربائية في كاليفورنيا، التي غالباً ما تتعرض لضغوط هائلة، وسيساعد هذا على تجنب انقطاع التيار.
تبدو هذه البطاريات أشبه بنسخ كبيرة من البطاريات القابلة لإعادة الشحن الموجودة في الهواتف النقالة والكمبيوترات المحمولة والسيارات الكهربائية. وستسهم مجتمعة بتزويد الشبكة بنحو 76 ميجاواط من الطاقة الكهربائية، أي ما يكفي لإمداد 56250 منزلا.
ارتفاع الطلب
هذا المبنى في سان خوسيه، الذي كان يضم مركزا تابعا لشركة "إي بي إم" تحول إلى مقر لشركة ناشئة للطاقة الشمسية توقفت عن العمل، تستخدمه اليوم شركة "هامينجبيرد إينرجي ستوريج"، وهي تنتمي إلى قطاع لم يكن قائماً تقريبا قبل 10 أعوام، لكنه أصبح اليوم أساسيا في استمرار التزويد بالتيار الكهربائي في ولايات مثل كاليفورنيا وتكساس وغيرها، كما بدأت تنتشر حول العالم.
يعود النمو السريع لتخزين الطاقة على نطاق واسع إلى الانخفاض الكبير في أسعار البطاريات، وارتفاع الطلب على الكهرباء، وإدراك المشغلين وشركات المرافق والمسؤولين الحكوميين أنه لم يعد بالإمكان التعويل على الشبكات الكهربائية كما في السابق.
قال جوزيف ويليامسون، نائب رئيس المشاريع في شركة "إيس فولتا"، مطورة ومالكة منشأة "هامينغبيرد"، إن "تخزين الطاقة أصبح أساسياً"، إذ ستخزن المنشأة الكهرباء القادمة من محطة فرعية قريبة تابعة لشركة "بي جي آند إي"، على أن تعيد "إيس فولتا" بيع الطاقة إلى عملاء الشبكة عند الحاجة.
بدأت كاليفورنيا باعتماد البطاريات دعماً لشبكتها في 2013، حين حددت لجنة حكومية محلية أهدافاً تتعلق بتخزين الطاقة للمرافق الكبرى. وقد دفع ذلك شركات المرافق إلى إبرام عقود تركيب بطاريات مع شركات مثل "إيس فولتا" و"تسلا" و"فلوينس إنيرجي".
وزاد الإقبال على تركيب البطاريات إثر موجة حرّ شديد ضربت الولاية في أغسطس 2020 وتسببت في انقطاعات متكررة بالتيار الكهربائي، فأعاد صناع القرار تقييم جاهزية الولاية لمواجهة آثار تغير المناخ.
أضافت الولاية بين 2021 و 2023 سعة تخزين قدرها 8171 ميغاواط، أي أكثر من منشآت توليد الكهرباء في آلاسكا وهاواي مجتمعةً، ولم يحدث أي انقطاع متكرر بالتيار الكهربائي منذئذ رغم ارتفاع درجات الحرارة.
قال إليوت ماينزر، الرئيس التنفيذي لشركة "إنديبنديت سيستيم أوبوريتر" في كاليفورنيا التي تدير معظم شبكة الكهرباء في الولاية، إن ذلك "كان ليصعب إحداثه لولا أسطول البطاريات". كما ساهمت البطاريات في تعويض النقص الناتج عن إغلاق محطات الطاقة القديمة التي تعمل بالغاز.
مزايا خاصة
رغم أن البطاريات لا تنتج الكهرباء ذاتياً، إلا أنها تقدم مزايا عديدة مقارنة بألواح الطاقة المتجددة أو محطات توليد الكهرباء العاملة بالغاز، وهي الأساليب التقليدية التي تعتمدها شركات المرافق لإنتاج الكهرباء. مثلاً، يمكن إنشاء مزارع البطاريات في أي مكان تقريبا، ونادرا ما يعترض السكان على وجودها قرب منازلهم.
علاوة على ذلك، بدأت البطاريات تصبح أرخص، فقد انخفضت الأسعار العالمية لأنظمة تخزين الطاقة واسعة النطاق بنسبة 73% منذ 2017، وفقاً لـ"بلومبرغ إن إي إف"، وهي تمتاز بإمكانية تشغيلها وإيقافها على الفور، ما يتيح شحنها عند انخفاض أسعار الكهرباء وبيع الطاقة عند ارتفاعها. كما يمكن تركيبها بسرعة، فقد استغرق إنشاء منشأة "هامينغبيرد" أقل من عام.
قال جون زاهورانسك، نائب الرئيس الأول لمنطقة الأمريكيتين في "فلوينس إنرجي"، إحدى أكبر الشركات المطورة للبطاريات في الولايات المتحدة: "السرعة التي دخلت بها هذه الأنظمة إلى الخدمة مذهلة".
تساعد البطاريات أيضاً على معالجة مشكلة تواجهها الطاقة المتجددة. فغالباً ما تنتج معامل الطاقة الشمسية كمية كهرباء خلال النهار أكثر ممّا تحتاجه كاليفورنيا، فتعمد الولاية لبيع بعض الفائض إلى مناطق غرب الولايات المتحدة، لكن كثيراً من ذلك يُهدر.
اليوم، تستخدم بعض هذه الكهرباء في شحن أسطول البطاريات، وبعد المغيب تعيد البطاريات بعضاً من تلك الكهرباء إلى الشبكة، فتحافظ على الإنارة وتشغيل أجهزة التلفزيون ومكيفات الهواء.
هذه الآلية تعمل بشكل ممتاز لدرجة أن معظم المزارع الشمسية ومزارع الرياح في الولايات المتحدة وخارجها باتت تضم بطاريات ضخمة.
انتشار البطاريات في أمريكا وخارجها
تأخرت تكساس عن كاليفورنيا في تركيب بطاريات من أحجام صناعية، لكنها سرعان ما لحقت بها. بحلول نهاية 2023، باتت تملك سعة تخزين كافية لإمداد نحو 758400 منزل بالتيار الكهربائي، مقارنة مع 59000 في 2020، بحسب "بلومبرغ إن إي إف".
قال وودي ريكرسون، مدير العمليات في شركة "إلكتريك ريابيليتي كاونسيل" (Electric Reliability Council) في تكساس التي تدير الشبكة الكهربائية في الولاية، إن النمو الاقتصادي المتسارع يستنزف إمدادات الكهرباء، كما يحتاج مديرو الشبكة لكل مصدر كهرباء متاح عند حلول الصيف الحار.
أثبتت السعة التخزينية الجديدة جدواها في الصيف الماضي، حين كانت درجات الحرارة تلامس 40 درجة مئوية في معظم أرجاء الولاية، حتى خلال الليل. قال ريكرسون "لولا البطاريات لكنا في موقف حرج جداً".
امتد تركيب البطاريات الضخمة إلى ولايات أخرى في 2024، ومنها أريزونا وكولورادو وفلوريدا وفيرمونت. كما أنشأت "تسلا" نظام بطاريات ضخماً في أستراليا. أما الصين، التي تفرض تركيب البطاريات في مزارع الطاقة الشمسية أو الرياح الجديدة، فقد تخطت الولايات المتحدة لتصبح أكبر سوق للطاقة التخزينية في العالم في 2023.
ويُتوقع أن تضيف الصين 36 جيغاواط من البطاريات في 2024، أي ما يعادل إنتاج 36 مفاعلاً نووياً. في المقابل، كانت الولايات المتحدة في طريقها لإضافة 13 جيغاواط في 2024، بحسب "بلومبرغ إن إي إف"، مع 14 جيغاواط إضافية في 2025.
بطاريات متطورة
مع ذلك، للبطاريات محدوديتها، فبعد عدة حرائق وقعت في منشآت كبيرة للبطاريات، منها حريق في 2022 أدى لإغلاق الطريق السريع رقم 1 في كاليفورنيا، عدّل المطورون على تركيبة البطاريات للحدّ من تعرض خلاياها لفرط الاحترار. (نشب حريق آخر في منشأة مجاورة لتخزين الطاقة في 16 يناير، أدى إلى إغلاق الطريق السريع نفسه مجدداً ولإجلاء سكان المنازل القريبة).
ويُتوقع أن يرتفع الطلب على الكهرباء في الولايات المتحدة بعد ثباته منذ بداية الألفية، نتيجةً لاستهلاك مراكز البيانات والمعامل الجديدة والمركبات الكهربائية لمزيد من الكهرباء. فقد خصصت تكساس 5.4 مليار دولار لتشييد منشآت توليد أخرى وقودها الغاز الطبيعي، رغم اعتمادها البطاريات، كما اكتسبت مساعي بناء مفاعلات نووية زخماً جديداً.
قال ريكرسون: "يمكننا الاستمرار في إضافة مزيد من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، لكن عند الساعة 8:30 مساءً في أغسطس، الكميات الإضافية من الطاقة الشمسية لن تسعفنا".
يكمن التحدي الآن في عدد ساعات عمل البطاريات، إذ قد تعطل الأنواء القاسية شبكة الكهرباء لأيام. لذا تتسابق الشركات على تطوير بطاريات قادرة على أن تدوم لفترات أطول، مستخدمة تركيبات تختلف تماماً عن ليثيوم-إيون.
تقدم "إيوس إنيرجي إنتربرايزيز" في نيو جيرسي بطارية تستند إلى الزنك قادرة على توفير الكهرباء لما يصل إلى 16 ساعة. وتصنع شركة "فورم إنيريجي" (Form Energy) بطارية "إيرون-إير" يمكنها إمداد الشبكة على مرّ 100 ساعة متواصلة.
لقد جمعت هذه الشركة الناشئة 1.2 مليار دولار، وافتتحت حديثاً أول معاملها قرب بيتسبرغ، حتى أن شركات مرافق في كولورادو وجورجيا وقعت عقوداً لتركيب هذا النوع من البطاريات، ويُتوقع بدء تركيب أول دفعة في 2025.
قال رئيس "فورم إنيريجي" التنفيذي ماتيو غاراميلو إن التحدي الآن هو "بناء شبكة كهربائية بفاعلية تفوق تأثير الطقس".