الدولار بين دعم الصادرات والرسوم الجمركية
لا شك أن الدولار أو العملة الخضراء كما تسمى تعد العملة الأقوى عالميا، حيث تسعّر أغلب السلع والمعادن بعملة الدولار كالذهب والنفط وغيرها، كما أن الدول تحتاج للدولار للحصول على هذه السلع، أيضا هناك عديد من الدول الاقتصادية التي تربط عملتها بالدولار، بل وتقاس بعض العملات ببعض الدول بالدولار عند مقارنة أداء حركة عملتها صعودا وهبوطا، ومن المعلوم أن الدولار يعد كذلك أحد الملاذات الآمنة عند ارتفاع معدلات الفائدة وعند الأزمات التي تعصف بالعالم بين حين وآخر، أيضاّ يسير الدولار في حركة معاكسة لعموم الأسواق كالأسهم والسلع والمعادن، لذلك يشكّل ارتفاع الدولار عامل ضغط على بقية الأسواق، والعكس صحيح تماماً، فضعف أو تراجع الدولار يمنح الأسواق دعما لا محدودا من الارتفاع.
وبعد تنصيب الرئيس "ترمب" في العشرين من الشهر الجاري كسر مؤشر الدولار اتجاهه الصاعد الذي قد سلكه منذ آواخر سبتمبر من العام الماضي أي نحو 4 أشهر، ارتفع فيه الدولار 10% من مستويات 100 نقطة إلى 110 نقاط، وقد تم كسر هذا الاتجاه الصاعد عند 108.50عندما أغلق مؤشر الدولار يوم الثلاثاء الماضي تحت هذا المستوى، ومن الطبيعي أن يعد ذلك إيجابيا لعموم الأسواق، لكن الواقع أن الأسواق لم تتفاعل مع هذا الكسر الواضح لاتجاه الدولار الصاعد بالشكل المتوقع!
وهذا يعكس مدى حالة عدم اليقين في الأسواق بل وتذبذب شهية المخاطرة مع ميلها للضعف نوعاً ما، وربما يكون لبعض القرارات التي سيتخذها الرئيس "ترمب" بما يتعلق بالرسوم الجمركية وتداعياتها على التجارة العالمية علاقة في تردد الأسواق وعدم استغلالها لتراجع الدولار، حيث ستكون الصين على رأس القائمة التي تمسّها تلك القرارات، بل أن حتى القارة العجوز "الاتحاد الأوروبي" لم يستبعدها الرئيس ترمب من تلك القرارات عندما تحدث سابقا عن نيته لرفع الرسوم الجمركية على كثير من الدول.
لكن هل سيحرص الرئيس ترمب على إضعاف الدولار؟ حيث إن مبدأ فرض الرسوم الجمركية الذي ينادي به يقوم على دعم الصادرات وتشجيع الصناعة المحلية الأمريكية، ولكن الدولار القوي لا يخدم الصادرات بعكس الدولار الضعيف الذي عادة ما يكون سببا في ارتفاع حجم الصادرات، حيث إن انخفاض الدولار يدعم الطلب على الصناعة الأمريكية بشتى مجالاتها ما يزيد من صادراتها، لكن الشركات الأمريكية سيكون لها نصيب لا بأس به من الضرر عند زيادة التعرفات الجمركية، خاصة تلك التي تعتمد بصناعتها على مكونات أساسية تستوردها بالأصل من بلدان أخرى كالصين على سبيل المثال لا الحصر، لذلك فإن رفع نسبة التعرفات الجمركية ليس كله يصب بصالح الاقتصاد الأمريكي كله، بل هناك بعض السلبيات التي قد تحدث، فارتفاع المواد الخام أو القطع التي تستوردها الشركات الأمريكية لتصنيع منتجاتها سيرفع الأسعار على المستهلك الأمريكي نفسه ما يهدد بعودة التضخم للساحة مجددا!
أيضا ما يزيد الطين بلة كما يقال أن البلدان التي يرفع عليها ترمب نسب التعرفات الجمركية على صادراتها للولايات المتحدة لن تقف مكتوفة الأيدي، بل ستتخذ هي الأخرى خطوات ربما تكون مماثلة، ما يشكل عاملا مؤثرا في حركة التجارة العالمية وبالتالي سيكون لذلك انعكاسات غير محمودة على الاقتصاد العالمي بل ربما حتى على الاقتصاد الأمريكي نفسه.
لذلك ربما يبرر تخوف المستثمرين وتراجع شهية المخاطرة لديهم رغم انخفاض الدولار، هو خشيتهم من التبعات التي قد تنعكس سلبا على أداء الشركات وبالتالي عموم الأسهم عند إقرار زيادة التعرفات الجمركية.