كيف يبدو مستقبل الشركات الناشئة السعودية في 2025؟
مرّ قطاع التكنولوجيا الناشئة بعديد من الصعوبات في السنوات الأخيرة، بعد الطفرة التي شهدتها الصناعة في أعقاب انتشار جائحة كورونا، مستفيدة من ارتفاع الطلب على الخدمات التكنولوجية وأسعار الفائدة المنخفضة. لكن ومع اندلاع الأزمة الروسية - الأوكرانية واتجاه البنوك المركزية لسياسة نقدية أكثر تشددًا، أوجد ذلك صعوبات للقطاع تتعلق بشكل أساسي بصعوبة الوصول إلى التمويل. ففي ظل أسعار الفائدة المرتفعة اتجه جزء كبير من الأموال إلى بدائل استثمارية لا تحمل مخاطرة مثل السندات، وما زاد الأمر سوءًا كان الانهيار المفاجئ لبنك "سيليكون فالي" في الولايات المتحدة، الذي كانت أعماله ترتبط بشكل وثيق بنشاط الشركات الناشئة.
في السعودية كان الاتجاه صعوديا على الرغم من الاضطرابات العالمية. وذلك بفضل عدة عوامل أهمها خطط التنويع الاقتصادي والسوق الكبيرة، إضافة إلى الدعم الحكومي لنمو الشركات الناشئة وبيئة الأعمال المتطورة، بجانب البنية التحتية القوية وتوافر التمويل.
وخلال 2024 بلغ حجم التمويل الذي جمعته الشركات الناشئة السعودية 750 مليون دولار، مستحوذة بذلك على 40% من إجمالي حجم التمويل في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وخلال الفترة من (2019-2023) جمعت الشركات السعودية نحو 3.3 مليار دولار. وقد حقق 2023 أعلى مستوى على الإطلاق بوصول حجم التمويل إلى 1383 مليون دولار. على مستوى الصفقات فقد حققت السعودية رقما قياسيًا خلال 2024 مع تسجيل 178 صفقة وذلك مقارنة بـ125 صفقة في 2023.
ويتوزع التمويل للشركات الناشئة السعودية على مختلف القطاعات، ففي خلال 2023 استحوذ قطاع التقنية المالية (FinTech) على نحو 51% من إجمالي حجم التمويل. بينما جاء قطاع التجارة الإلكترونية في المرتبة الثانية بنحو 31%. وتتمتع أيضا قطاعات مثل برمجيات الشركات والتعليم الإلكتروني والرعاية الصحية بأهمية كبيرة في السوق السعودية.
الزخم الكبير الذي اكتسبته الشركات الناشئة السعودية نتيجة النمو في أنشطتها دفع عددا منها للاتجاه إلى الأسواق المالية لطرح أسهمها للاكتتاب العام، والتحول من شركات ملكية خاصة إلى شركات عامة. ويسهم ذلك بشكل مباشر في دعم خطط السعودية الاقتصادية للتنويع.
ويشكل تطوير قطاع التقنية الناشئة في السعودية محورا مهما في خططها للتحول إلى مركز للتكنولوجيا المتقدمة في العالم حيث تقوم السعودية بضخ استثمارات في التقنيات المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي، ومراكز البيانات، مع جذب كبرى الشركات التكنولوجية في العالم لفتح مقار إقليمية في مدينة الرياض واتخاذ السعودية كمركز لإدارة أنشطتها في المنطقة.
ويحمل 2025 توقعات أكثر تفاؤلًا بالنسبة إلى الشركات الناشئة سواء في السعودية أو العالم، حيث سيؤدي استمرار البنوك المركزية في خفض أسعار الفائدة وتكاليف الاقتراض إلى توجيه أنظار المستثمرين من جديد لقطاع التكنولوجيا والشركات الناشئة. الأمر الذي سيسهم في توفير الفرص للوصول إلى التمويل اللازم لدعم الأنشطة والتوسع في الأسواق الجديدة.
استمرار الزخم العالمي تجاه التكنولوجيا المتقدمة وبالأخص الذكاء الاصطناعي. سيعمل على دعم الشركات الناشئة في مختلف القطاعات سواء في السعودية أو الخارج، ويساعد على تحويل جزء مهم من الاستثمارات العالمية إلى شركات التكنولوجيا الناشئة.
استقرار الأوضاع الاقتصادية والجيوسياسية العالمية سيلعب دورا مهما في دعم الشركات الناشئة في السعودية خلال 2025. فانخفاض حدة المخاطر الناتجة عن التقلبات الجيوسياسية وبالأخص في منطقة الشرق الأوسط سيسهم في عودة الثقة للمستثمرين، بجانب تحسين التقييمات الخاصة بالشركات.
ختامًا، تعيش الشركات الناشئة في السعودية أفضل أيامها مدعومة بشكل أساسي بخطط التنويع الاقتصادي والبنية التحتية المتقدمة، وتدفق الاستثمارات الأجنبية من الخارج. ومن المتوقع أن يشهد العام الحالي مزيدا من التطور للقطاع في ظل بيئة محلية مهيّأة، وظروف اقتصادية وجيوسياسية عالمية أكثر استقرارا.