رسوم ترمب الجمركية.. لكمة في وجه الشركاء التجاريين تهدد بتأجيج التضخم الأمريكي
نفّذ الرئيس الأمريكي دونالد ترمب تعهداته وتهديداته بفرض رسوم جمركية على 3 شركاء تجاريين رئيسيين، هم كندا والمكسيك والولايات المتحدة، في خطوة يرى خبراء ومحللون أن الولايات المتحدة لن تسلم من آثارها السلبية.
أعلن البيت الأبيض يوم السبت فرض رسوم نسبتها 25% على المنتجات الكندية والمكسيكية، و10% على موارد الطاقة الكندية، حتى تعملان مع الولايات المتحدة على مكافحة تهريب المخدرات والهجرة، فضلا عن رسوم نسبتها 10% على السلع الصينية، تضاف إلى الرسوم الحالية.
يتهم ترمب الدول الثلاث بأداء دور في أزمة الفنتانيل، وهو مادة مخدرة قوية تسبب أزمة هائلة في الولايات المتحدة.
لكن تلك الدول مجتمعة تمثل أكثر من 40% من الواردات الأمريكية؛ لذلك، فإنّ محللين وخبراء اقتصاد يرون أن فرض هكذا رسوم ضخمة على تلك الواردات قد ينعكس سلبا على الاقتصاد الأمريكي نفسه من عدة أوجه، بما في ذلك مستويات التضخم، الذي تعهد ترمب أصلا بخفضه.
في المقابل، يرى مؤيدو ترمب وسياساته أن من شأن هذه الرسوم أن تعزز قطاعات الصناعة المحلية، ومن ثم الوظائف. كما أن الرئيس الأمريكي كان قد تحدث عن 3 أهداف رئيسة للرسوم الجمركية، وهي زيادة الإيرادات وتحقيق التوازن التجاري وإرغام الدول المنافسة على التفاوض بشأن عدة ملفات.
رسوم مضادة
بعد أن خرجت الرسوم الجمركية الأمريكية من دائرة التهديد إلى حيز التنفيذ، ظهرت بوضوح ملامح حرب تجارية تلوح في الأفق، أو بالأحرى حرب رسوم ورسوم مضادة بين الولايات المتحدة من جهة، وعدة أطراف من جهة أخرى.
أعلنت كندا على لسان رئيس وزرائها جاستن ترودو أنها ستفرض رسوما جمركية بنسبة 25% على ما مجموعه 155 مليار دولار كندي (102 مليار يورو) من المنتجات الأمريكية.
المكسيك أيضا أكدت على لسان رئيستها كلاوديا شينباوم فرض رسوم جمركية على الولايات المتحدة ردا على تلك التي أعلنها ترمب؛ وقالت شينباوم إن حكومتها ستنتظر أي إعلان رسوم جمركية بهدوء وإن لديها "خطة أ، وخطة ب، وخطة ج لأي قرار تتخذه الحكومة الأمريكية"، دون الخوض في تفاصيل.
وتصدّر المكسيك 85% من منتجاتها إلى الولايات المتحدة؛ لذلك، فإن الزيادة العامة في الرسوم الجمركية قد تكون لها تداعيات خطرة مع انخفاض ناتجها المحلي الإجمالي بنسبة 3.6%، حسب تقديرات الأستاذ في جامعة كورنيل ويندونغ تشانغ.
الصين بدورها تعهدت باتخاذ إجراءات مضادة مماثلة لحماية حقوقها ومصالحها. وقالت وزارة التجارة الصينية: إن بكين سترفع دعوى ضد واشنطن في منظمة التجارة العالمية وستطعن على الرسوم الجمركية الأمريكية عبر المنظمة الدوليّة.
ضرر للناتج المحلي وتأجيج التضخم
يرى غريغوري داكو، كبير خبراء الاقتصاد في شركة "إي واي"، أن الرسوم الجمركية التي فرضها ترمب على الشركاء التجاريين الرئيسيين ستكون لها انعكاسات سلبية على الاقتصاد الأمريكي تمتد إلى الناتج المحلي وترفع مستويات التضخم.
وتوقع داكو أن تؤدي تلك التعريفات الجمركية إلى انخفاض نسبته 1.5% في الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي في 2025 و2.1% في 2026 مقارنة مع التوقعات السابقة، بسبب تباطؤ الاستهلاك والاستثمار، فضلا عن أثر الإجراءات المضادة المحتملة.
توقع داكو أيضا أن يرتفع التضخم في الولايات المتحدة بمقدار 0.7 نقطة مئوية في الربع الأول من هذا العام مع التعريفات الجمركية، قبل أن يتراجع تدريجا.
وتستورد الولايات المتحدة لائحة طويلة من المنتجات الزراعية من البلدين الجارين، المكسيك وكندا، بدءا بالأفوكادو وحتى الدواجن، وقد بدأت أسعارها ترتفع بالفعل.
وقالت شركة "إس آند بي غلوبال موبيليتي" إن التعريفات الجمركية ستؤثر أيضا في صناعة السيارات بشدة، بحيث تمثل واردات المركبات الخفيفة الأمريكية من كندا والمكسيك في العام 2024 نسبة 22% من كل المركبات المبيعة في البلاد.
الطاقة وصناعة المعادن
تمتد الانعكاسات السلبية لتلك الرسوم الجمركية إلى أسواق النفط والمعادن؛ فعلى المستوى المحلي، توقّع مركز أبحاث "المجلس الأطلسي" ارتفاع أسعار الطاقة في القطاع الأوسط من الولايات المتحدة، الذي يستهلك الكثير من النفط من كندا.
كما حذّر البنك من ارتفاع أسعار البنزين في منطقة الغرب الأوسط الأمريكي.
وتعد كندا أكبر مورد خارجي للخام إلى الولايات المتحدة، حيث تعتمد المصافي في الغرب الأوسط الأمريكي على هذا الخام في شحناتها.
من جهة أخرى، دعا مصنعو الألمنيوم في الولايات المتحدة ترمب إلى إعفاء الألمنيوم الكندي من الرسوم الجمركية، مع اتخاذ جميع الإجراءات الممكنة على الحدود الأمريكية ضد الألمنيوم الصيني "المتداول بشكل غير عادل".
وأكد المصنعون أن إعفاء الألمنيوم الكندي من الرسوم الجمركية سيساعد على حماية شركات التصنيع المحلية وحماية الوظائف في هذا القطاع.
حرب تجارية مرشحة للتوسع
لم يخف ترمب استعداده للتوسع في فرض الرسوم الجمركة، لتشمل الاتحاد الأوروبي، وهو ما ينذر بحرب تجارية واسعة النطاق.
وقال ترمب "هل سأفرض رسوما جمركية على الاتحاد الأوروبي؟ هل تريدون الإجابة الحقيقية أم الإجابة الدبلوماسية؟ نعم بالتأكيد. الاتحاد الأوروبي عاملنا بشكل سيء جدا".
اليابان بدورها استبقت أي احتمال لفرض رسوم جمركية عليها، حيث بدا رئيس وزرائها شيغيرو إيشيبا محاول استمالة ترمب قبل قمة مرتقبة بينهما، تخيم عليها مخاطر فرض رسوم جمركية مفاجئة من الرئيس الأمريكي.
وقال إيشيبا إنه سيطلب من ترمب تأمين إمدادات مستقرة من الطاقة خلال لقائهما، في إشارة إلى صفقات قد يسعى إلى إبرامها خلال المحادثات المقبلة.
كما سلط رئيس الوزراء الياباني الضوء على حجم استثمارات اليابان في الولايات المتحدة، قائلاً: "أتطلع إلى زيادة الاستثمارات اليابانية هناك، وآمل أن نسهم في خلق مزيد من فرص العمل".