هل يستطيع الرئيس الأمريكي حقاً تغيير اسم خليج المكسيك؟
من بين سلسلة الأوامر التنفيذية التي وقعها الرئيس الأميركي دونالد ترمب في 20 يناير، أول أيام ولايته الثانية، أمر يقضي بإعادة تسمية المسطح المائي المعروف تاريخياً باسم خليج المكسيك ليصبح "خليج أميركا".
ويستهدف هذا الإجراء قلب أعراف متأصلة منذ قرون رأساً على عقب، وبدأ بالفعل في إثارة ردود فعل دولية.
لماذا يريد ترمب تغيير اسم خليج المكسيك؟
خلال مؤتمر صحفي في أوائل يناير الماضي، تحدث ترمب عن الخليج الأكبر في العالم، قائلاً: "ندير معظم الأنشطة هناك، وهو ملكنا".
لا شك أن هذا المسطح المائي يمثل عنصراً رئيسياً في الرخاء الاقتصادي للولايات المتحدة الأميركية، إذ يربط موانئ خمس ولايات أميركية جنوبية بالمكسيك ومنطقة الكاريبي، كما أنه مصدر لحوالي 14% من إنتاج النفط الأميركي.
أما من ناحية الملكية، فإن الحدود البحرية الأميركية تمتد تقريباً في منتصف الخليج، بدءاً من مركز مصب نهر ريو غراندي الفاصل بين ولاية تكساس والمكسيك، وتمتد شرقاً قبل أن تنحني جنوباً لاستيعاب سواحل ولاية فلوريدا وكوبا.
لكن يبدو أن الدافع الأساسي لترمب لم يكن قانونياً بقدر ما كان قوميّ النزعة. حمل أمره التنفيذي عنوان "استعادة الأسماء التي تُجسد عظمة أميركا بفخر".
أثناء خطابه في حفل تنصيبه، قال: "ستستعيد أميركا مكانتها المستحقة بوصفها أعظم وأقوى وأكثر دولة مرموقة على وجه الأرض، ما سيبهر العالم ويثير إعجابه".
بموجب المرسوم الرئاسي نفسه، أصدر ترمب أمراً بأن تتم الإشارة إلى أعلى قمة جبلية في الولايات المتحدة باسمها القديم، جبل ماكينلي، نسبة إلى الرئيس الأميركي ويليام ماكينلي الذي تولى المنصب بين عامي 1897 و1901، مبرراً ذلك بقوله إن ماكينلي "جعل بلادنا غنية للغاية من خلال الرسوم الجمركية والموهبة".
أُعيد تسمية قمة جبال ألاسكا خلال 2015 في عهد الرئيس باراك أوباما إلى جبل دينالي، وهو اسم مستوحى من أحد أسمائها الأصلية في لغة السكان الأصليين.
هل بإمكان ترمب إعادة تسمية خليج المكسيك؟
نعم، بطريقة ما. ينص أمر ترمب التنفيذي على أن تبدأ الحكومة الأميركية باستخدام اسم "خليج أميركا" للإشارة إلى الجزء من الخليج الواقع ضمن الحدود البحرية الفاصلة مع المكسيك وكوبا.
ورغم أن لا يوجد ما يمنع ترمب أو الأميركيين من استخدام هذا الاسم، فإن ذلك لا يضمن بالضرورة أن يحذو بقية العالم حذوهم، إذ تملك الدول عموماً حق تسمية المعالم الجغرافية كما تشاء.
على سبيل المثال، يُعرف نهر ريو غراندي في الولايات المتحدة باسم ريو برافو في المكسيك، وهناك اختلاف في تسمية الخليج العربي بين الدول العربية وإيران، كما أن طوكيو تطلق على بحر اليابان هذا الاسم، في حين تسميه كوريا الجنوبية بالبحر الشرقي.
من جانبها، أعلنت شركة ألفابيت، مالكة محرك البحث "جوجل"، في أواخر يناير المنصرم أن اسم "خليج أميركا" سيحل محل "خليج المكسيك" لجميع المستخدمين الأميركيين على خدمة خرائط جوجل، بينما سيظل الاسم الأصلي ظاهراً لمستخدمي الخدمة في المكسيك. أما بالنسبة للمستخدمين في بقية أنحاء العالم، فسيظهر الاسمان معاً. وقالت جوجل إن هذا القرار يأتي في إطار "ممارستها طويلة الأمد" في تحديث الأسماء وفقاً للمصادر الرسمية الحكومية.
ما الجهة المسؤولة عن تنفيذ التعديل؟
كلف ترمب وزير داخليته، وهو حاكم ولاية نورث داكوتا، دوغ بورغوم الذي صادق مجلس الشيوخ على تعيينه في 30 يناير الماضي، بـ"اتخاذ جميع الإجراءات المناسبة" لتنفيذ إعادة التسمية، بما في ذلك تحديث نظام معلومات أسماء المناطق الجغرافية في البلاد، وهو قاعدة بيانات تتضمن الأسماء الرسمية للمعالم الجغرافية في الولايات المتحدة.
كما وجه الرئيس المجلس الأميركي لأسماء المناطق الجغرافية بتقديم الإرشادات اللازمة لضمان أن تبدأ جميع الوكالات الفيدرالية باستخدام اسم "خليج أميركا" في خرائطها وعقودها ومستنداتها الرسمية ومراسلاتها.
ومنذ 1890، يتولى المجلس الأميركي لأسماء المناطق الجغرافية مهمة توحيد أسماء الأماكن في الولايات المتحدة الأميركية، ومعالجة أي تغييرات تطرأ عليها. أُنشئت هذه الهيئة في فترة شهدت توسعاً كبيراً في استكشاف واستيطان الغرب الأميركي، إذ أصبحت "التناقضات والتباينات في العديد من الأسماء والاستخدمات التطبيقية المختلفة مشكلة جدية بالنسبة لمهندسي المساحة وواضعي الخرائط والعلماء"، وفقاً لما ورد على موقع المجلس الإلكتروني.
ولضمان امتثال المجلس لتوجيهاته، دعا أمر ترمب التنفيذي الوكالات الفيدرالية التي توظف أعضاء المجلس إلى "مراجعة المعينين من قبلها، والنظر في استبدالهم وفقاً لما يسمح به القانون".
لماذا أُطلق عليه اسم خليج المكسيك؟
تشير الجمعية التاريخية لولاية تكساس إلى أن أول أوروبي أبحر في الخليج كان المستكشف الإسباني سيباستيان دي أوكامبو، الذي دار حول كوبا بين عامي 1508 و1509، وعاد من رحلته حاملاً أخباراً عن "المسطح المائي الذي يقع وراءها".
لكن الخليج بقي بلا اسم حتى أربعينيات القرن السادس عشر، عندما أُطلق عليه اسم "سينو مكسيكانو" أو "الخليج المكسيكي"، وهو اسم مستوحى من كلمة "ميشيكا" التي استخدمتها مجموعات السكان المحلية الأصلية للإشارة إلى نفسها بلغة الناواتل. بحسب بعض الروايات، بدأ اليسوعيون الفرنسيون في استخدام اسم "غولف دو مكسيك" أو خليج المكسيك منذ عام 1672.
هل لدى المكسيك أي وسيلة للاعتراض؟
في حقيقة الأمر، لا. تقدم مجموعة خبراء الأمم المتحدة المعنية بأسماء المناطق الجغرافية توصيات فنية بشأن توحيد الأسماء على المستوى الدولي، إلا أن قراراتها غير ملزمة.
كما ذكرت المجموعة في عرض تقديمي حديث، فإنها ليست "جهة تحكيم في النزاعات حول الأسماء"، ولا "منصة لطرح القضايا السياسية، حتى وإن كانت تتعلق بأسماء الأماكن".
على أي حال، قد لا تكون مسألة تغيير الاسم هي أكبر مخاوف المكسيك. فإلى جانب خططه لتعديل أسماء المعالم الجغرافية في المنطقة، أعلن ترمب حالة الطوارئ على الحدود مع الجنوبية للحد من الهجرة غير النظامية، كما صنّف عصابات المخدرات المكسيكية باعتبارها منظمات إرهابية أجنبية، وهدد بفرض زيادات كبيرة في الرسوم الجمركية على الواردات من المكسيك، التي تعتمد على السوق الأميركية لتصدير نحو أربعة أخماس منتجاتها.
الرئيسة المكسيكية كلوديا شينباوم انتقدت قرار "جوجل"، ودعت الشركة إلى إعادة النظر فيه. وأكدت أن تغيير الاسم لا يمكن أن ينطبق إلا على المياه الواقعة ضمن نطاق 12 ميلاً بحرياً من السواحل الأميركية، حيث ينتهي نطاق السيادة الأميركية وفقاً لما تحدده اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار.
لكنها مازحت أيضاً بأنه إذا تغير اسم الخليج، فعلى العالم أن يفكر في استخدام الاسم القديم للجنوب الغربي من الولايات المتحدة الأميركية. اختتمت حديثها خلال مؤتمر صحفي وهي تعرض خريطة تعود للقرن السابع عشر: "يبدو اسماً جيداً، أليس كذلك؟ دعونا نطلق عليه اسم أميركا المكسيكية".