المكاسب الاقتصادية ليوم التأسيس .. أكثر من مجرد احتفال وطني

المكاسب الاقتصادية ليوم التأسيس .. أكثر من مجرد احتفال وطني
انتعاش القطاع السياحي انعكس بدوره على قطاعات أخرى. المصدر: واس

في محاوراته الفلسفية رأى الفيلسوف اليوناني أفلاطون أن بقاء أي دولة مرهون بقوتها الحربية واقتصادها المزدهر وأي إخلال بعنصر من العنصرين يعني زوال تلك الدولة، وهذه القاعدة كان أول من طبقها في الجزيرة العربية هو الإمام محمد بن سعود حين أسس في 22 فبراير 1727 الدولة السعودية الأولى ليضع حدًا فاصلًا لما عاشته الدرعية آنذاك من انتشار الفقر واللصوص.

فبمجرد توليه الحكم تمكن من تأمين السكان ونشر الأمن والأمان في المدينة ومن حولها، ثم سرعان ما انتقل إلى العنصر الثاني حين أقام نظاما اقتصاديا قويا جعل دولته مضرب الأمثال في الدول المجاورة، كما سطّر تاريخا عريقا ما تزال تحتفل فيه الأجيال على مدار 3 قرون، قبل أن يتحول اليوم 22 من فبراير إلى احتفال وطني اسمه "يوم التأسيس".

جزء من بقاء الدولة السعودية الأولى في ذاكرة الأجيال يعود إلى ما عاشه أجدادهم من رخاء خلالها، وتوضح المصادر التاريخية أن سكان "الدرعية" تمكنوا من بناء بيوت غلب عليها الترف والزخرفة أثناء عهد" الإمام" وهو ما يعني حالة من الرخاء سادت تلك الفترة.

كما تشير المصادر مثل كتاب المؤرخ ابن بشر "عنوان المجد في تاريخ نجد" أن حالة الازدهار الاقتصادي تعود إلى السياسة المالية التي اتبعها "الإمام" بداية من تقسيم موارد الدولة إلى مصروفات وإيرادات ومرورًا بتأسيس ما يشبه المؤسسات المالية مثل أفرع بيت المال ووصولًا إلى صك عملة نقدية سميت آنذاك بـ"دولار ماريا تريزا" أو كما اشتهرت لاحقًا بـ"الريال الفرنسي".

ولأن تاريخ المملكة هو تاريخ موصول من بطولات الأجداد إلى إنجازات الأبناء والأحفاد، ظل البعد الاقتصادي ملاصقًا ليوم التأسيس بعد أن تحول إلى احتفال وطني بمرسوم ملكي في 2022، إذ تشير الأرقام أن هذا اليوم لم يقتصر عن كونه احتفال بل أصبح سببا في ازدهار اقتصادي ومناسبة يحقق فيها كثير من السعوديين أرباحا ضخمة لدرجة دفعت قطاع المال والأعمال ينتظرون هذا اليوم بترقب وتفاؤل كبيرين.

يدلل على ذلك بعض الأرقام خلال الأعوام الماضية إذ تشير سكاي سكانر إلى أن عمليات البحث عن رحلات الطيران إلى السعودية تزداد في الاحتفالات الوطنية ومنها يوم التأسيس بنسبة تتخطى 71%، كما يفضل السياح زيارة المملكة في تلك الأوقات للتمتع بالأجواء الفلكلورية التي تصاحب الاحتفالات الوطنية في الغالب.

بينما أوضح تقرير الباروميتر الصادر عن الأمم المتحدة سبتمبر الماضي أن السعودية واصلت تصدرها لقائمة دول مجموعة العشرين في مؤشرات نسبة نمو عدد السياح الدوليين إذ حققت ارتفاع بنسبة 73% مقارنة بعام 2019، كما ارتفعت الإيرادات بنسبة 207% في نفس الفترة.

انتعاش القطاع السياحي انعكس بدوره على قطاعات أخرى مثل قطاع المطاعم المرشح أن يصل قيمته داخل المملكة 45 مليار دولار في 2030، كما أسهم في زيادة نسبة الإشغالات الفندقية التي باتت تزداد وتنتشر في مختلف أنحاء السعودية لاستيعاب الزائرين، خاصة في أوقات الاحتفالات الوطنية أو المواسم الترفيهية التي باتت تشتهر بها كل مدينة داخل المملكة.

في السياق ذاته، أصبح يوم التأسيس أكبر من مجرد احتفالات خاصة عند تجار الحرف اليدوية والأسرة المنتجة للملابس الفلكلورية إذ بات اليوم بمثابة "موسم" لرواج بضاعتهم وتحقيق أرباح كبيرة مقارنة بالأشهر الأخرى، وهذا ما تؤكده الهيئة العامة للإحصاء التي أوضحت أن مبيعات الأقمشة التراثية ترتفع مبيعاتها بنسبة 100% في الأيام والاحتفالات الوطنية، نتيجة إقبال السعوديين والوافدين والأجانب أيضًا.

وبحسب متوسط الأسعار، فإن سعر العقال المقصب يصل إلى 100 ريال قابل للزيادة، بينما يبلغ ثمن البرقع 90 ريالا وأكثر، واستثمارًا لتلك الحالة دأبت وزارة التجارة على تقديم تخفيضات بالتزامن مع يوم التأسيس، مثلما حدث في 2022 حين حددت 14 يوم تخفيضات لأكثر من 3 ملايين منتج.

من جانب آخر، فإن الاحتفالات والأيام الوطنية تعزز روح الانتماء أكثر لدى المواطنين كما تعمل على ترسيخ هويتهم وتقوية روابطهم مع الأرض التي يعيشون فوقها، وهذا يخلق في النهاية جبهة داخلية قوية تمكن الدول من مواجهة تحدياتها وتحقيق أحلامها.

ولهذا تحرص أكثر الدول على إنفاق مليارات الدولارات على كل ما يحقق ذلك، فالاستثمار في المواطن بات أكثر أنواع الاستثمارات ربحًا بلغة الأرقام، وهذا ما نجده في يوم التأسيس حين نشاهد الجد والابن والحفيد يرتدون الشماغ والعقال ويحملون علم بلادهم حافظين التاريخ من "يوم بدينا"، ومدركين التحديات التي عبروها على مدى عقود والغايات التي يريدون الوصول إليها في المستقبل.

الأكثر قراءة