ما الذي يحدث في قطاع البتروكيماويات لماذا النزيف؟
واجه قطاع البتروكيماويات وما زال أوقاتاً صعبة وتحديات كبيرة في ظل معاناة واضحة وعقبات جمة تقف في مسار تعافيه ووضع قدمه على بداية طريق النمو من جديد، فقد شهد عام 2025 تراجعًا كبيرًا في أداء أسهم شركات البتروكيماويات العالمية وخسر المؤشر العالمي للقطاع نحو 30% من قيمته مقارنة بعام 2024 هذا الانكماش لم يكن وليد الصدفة، بل نتج عن تداخل عوامل اقتصادية وبيئية وسياسية أعادت تشكيل خريطة الطلب والعرض العالمي في سوق البتروكيماويات.
كان أحد العوامل الرئيسية في تباطؤ الطلب العالمي هو اتجاه الاقتصادات الكبرى نحو التخلص من الكربون وانتهاج سياسة صارمة حول تقليل نسب الكربون الناتجة من المنتجات البتروكيماوية والبلاستيكية فانخفض الطلب العالمي على البلاستيك الأولي الخام بـ6% في 2025 بسبب الإجراءات والسياسات الصارمة للحد من النفايات البلاستيكية التي تبنتها عديد من الدول والحكومات على مستوى العالم. كما شكل التراجع المتوقع في نمو الاقتصاد الصيني إلى 4.5% في 2025 من 5% في 2024 ضربة قوية للقطاع الذي من المتوقع أن يقود إلى انخفاض في استهلاك البلاد من المنتجات البتروكيماويات يصل إلى 10%.
في أوروبا تسببت الانخفاضات الحادة في أسعار البولي إيثيلين بسبب فائض المعروض الذي غزى الأسواق إلى انخفاض هوامش ربح شركات البتروكيماويات الأوروبية إلى 4% في 2025، مقارنة بـ12% في 2020 لقد كان إقرار اتفاقية باريس المُعدَّلة في 2024، التي فرضت على الدول خفض استخدام البلاستيك غير القابل لإعادة التدوير بـ50% بحلول 2030، عاملاً آخر حاسما في زيادة تحديات القطاع وتباطؤ تعافيه، وفي الصين تم الإعلان عن حظر كامل على استيراد النفايات البلاستيكية في 2025، ما قلل من فرص إعادة التدوير وأثَّر في الطلب المحلي.
أما في الولايات المتحدة فقد قفز الإنتاج في العام الماضي وبداية العام الحالي بسبب مشاريع التكسير الهيدروجيني الجديدة التي أوجدت فائضًا في الأسواق، وأشارت التقديرات إلى أنه من المتوقع أن يبلغ متوسط إنتاج الإيثان وحده نحو 3 ملايين برميل يوميًا في العام الحالي وهو ما يشكل زيادة تفوق 5% على أساس سنوي مع 2023، هذه الزيادة السنوية تتجه إلى الأسواق التي ترزح تحت تأثير ارتفاعات سابقة من الإنتاج. كما أنه من المتوقع أن تضيف الولايات المتحدة طاقة إنتاجية تبلغ 2.5 مليون طن من البولي أوليفينات في 2025 ليضيف إلى مستويات الإنتاج الحالية في الولايات المتحدة الأمريكية.
في آسيا لا تزال العوامل المؤثرة في القطاع تتزايد بزيادة مخزونات البولي بروبيلين في القارة لتسجل أعلى مستوياتها منذ 10 سنوات.
سيشهد 2025 تحديات أخرى تتعلق بالحرب التجارية التي من المتوقع أن تأخذ زخماً كبيراً بين الصين والولايات المتحدة التي فرضت زيادة في الرسوم الجمركية لتصل إلى 20% على الصين وبين والولايات المتحدة وجارتيها كندا والمكسيك التي فرض الرئيس ترمب زيادة في التعرفة الجمركية على واردتها بـ25%، كما أن أوروبا قد تكون في القائمة حسب التصريحات الأمريكية التي أعلنت عدم رضاها عن وضع الميزان التجاري الحالي وحجم التبادلات التجارية التي تظهر عجزاً تجارياً لصالح أوروبا. هذه الحرب الحمائية التجارية ستشكل عبئاً إضافياً على القطاع.
ولكن ماذا عن السؤال الجوهري: هل سيعود القطاع إلى الانتعاش؟
رغم التحديات، يُتوقع أن يعيد القطاع هيكلة نفسه عبر:
الاستثمار في تقنيات التقاط الكربون
والتحالفات الإستراتيجية التي قد تستهدف اندماج شركات أوروبية وأمريكية لخفض التكاليف وخصوصاً في 2026 ، كما أن التوجه نحو الأسواق الناشئة حيث النمو المتوقع على الطلب على البلاستيك في إفريقيا على سبيل المثال يشكل 8% سنويًا حتى 2030 قد يكون مساراً للخروج من حالة التباطؤ والانكماش.
بيد أن السيناريو الأرجح هو استمرار هيمنة المواد البديلة والسياسات الخضراء، ما يضع القطاع أمام مفترق طرق: إما التكيف وصنع أسواق جديدة أو الاختفاء التدريجي.