«كونسورتيوم» أمريكي يستحوذ على موانئ قناة بنما بعد ضغوط ترمب

«كونسورتيوم» أمريكي يستحوذ على موانئ قناة بنما بعد ضغوط ترمب

أعلنت شركة هاتشيسون أنها وافقت على بيع موانئها المربحة في قناة بنما إلى تحالف شركات أمريكية، استجابة لضغوط الرئيس الأميركي دونالد ترمب.

وقالت شركة "سي كاي هاتشيسون القابضة" إنها ستنقل حصتها البالغة 90 % في "شركة موانئ بنما" وستبيع عددا من الموانئ الأخرى غير الصينية إلى مجموعة تقودها شركة "بلاك روك" العملاقة لإدارة الأصول.

وسيحصل البائعون في المقابل على مبلغ نقدي قدره 19 مليار دولار، بحسب ما جاء في بيان للشركة.


"شركة موانئ بنما" التي هي أحد فروع "هاتشيسون" تدير منذ عقود موانئ في بالبوا وكريستوبال على طرفي الممر المائي الرابط بين المحيطين الهادئ والأطلسي.


لكن ترمب اشتكى منذ توليه السلطة في يناير من أن الصين تسيطر على القناة التي تحمل أهمية استراتيجية وأدارتها الولايات المتحدة في الماضي، ومنذ يومه الأول في المنصب، تعهد باستعادة السيطرة على قناة بنما، حيث قال في خطاب تنصيبه "سنستعيدها".

وفي غضون أسابيع، كان ملياردير وول ستريت لاري فينك على اتصال مباشر بالبيت الأبيض، وقدم عرضا كان واضحاً، معربا عن اهتمام "بلاك روك"، شركة الاستثمار التي يديرها، بشراء الموانئ الواقعة على جانبي الممر المائي، ونقل ملكيتها إلى أيدٍ أمريكية، وفقاً لأشخاص مطلعين على المحادثات. وبهذا، لن تكون هناك حاجة لأن تستعيد الولايات المتحدة السيطرة على القناة التي يعود عمرها إلى قرن من الزمن بالقوة.

وهكذا انطلقت أيام من المفاوضات المكثفة، التي من المقرر أن تسفر الآن عن منح السيطرة على تلك الموانئ إلى تحالف استثماري تقوده "بلاك روك"، الشركة الاستثمارية العملاقة التي تدير أصولاً بقيمة 11.6 تريليون دولار، تحت قيادة فينك منذ نحو أربعة عقود.

صفقة قناة بنما و"بلاك روك"
تعكس الصفقة، التي ستدر على البائع 19 مليار دولار، مزيجا استثنائيا بين رؤية ترمب "أمريكا أولاً" وطموحات وول ستريت في تحقيق أرباح عبر الأسواق العالمية.

استغل فينك رغبة ترمب في السيطرة على القناة لإبرام أكبر صفقة للبنية التحتية في تاريخ "بلاك روك"، مما منح ترمب انتصاراً في وقت يستعرض فيه نفوذه في قضايا التجارة الدولية والحروب في أوكرانيا وغزة وحلف "الناتو" وما إلى ذلك.

كما أن هذه الصفقة تعكس طموح فينك و"بلاك روك" لاقتناص صفقات ضخمة في الأسواق الخاصة النائية والتنافس مع عمالقة إدارة الأصول البديلة. وفي بيان صدر يوم الثلاثاء للإعلان عن الصفقة، تفاخر فينك بعلاقات "بلاك روك" مع الشركات والحكومات حول العالم، قائلاً: "نحن الخيار الأول على نحو متزايد".

"بلاك روك" تستحوذ على عشرات الموانئ
أعلنت "بلاك روك" موافقتها على شراء مينائي بنما، إلى جانب أكثر من 40 ميناء آخر حول العالم، من شركة "سي كيه هوتشيسون هولدينغز" (CK Hutchison Holdings)، وهو تكتل ضخم تملكه عائلة لي، إحدى أغنى العائلات في آسيا. وخلال الأشهر الأخيرة، وجدت العائلة، التي تتخذ من هونغ كونغ مقراً لها، نفسها في خضم جدل سياسي حول الجهة التي تسيطر على ممر قناة بنما الحيوي والموانئ الرئيسية.

بالنسبة لترمب، فإن انتقال ملكية هذه الموانئ إلى شركة استثمار أمريكية يعد خطوة من شأنها أن تحد من النفوذ الصيني في المنطقة، وفقاً لأشخاص مطلعين على المفاوضات، الذين تحدثوا مثل غيرهم بشرط عدم الكشف عن هوياتهم نظراً لحساسية المسألة دبلوماسياً. وأكد هؤلاء الأشخاص أن الصفقة ما كانت لتتم لولا دعم ترمب.

تنفذ "بلاك روك" هذه الصفقة بالشراكة مع "غلوبال إنفراستركتشر بارتنرز" وهي شركة متخصصة في البنية التحتية استحوذت عليها العام الماضي، ويرأسها أديبايو أوغونليسي. كما تضم قائمة المستثمرين الأخيرين "تيرمينال إنفستمنت"، التي تدير موانئ تخدمها "ميدترينيان شيبينغ"، أكبر شركة شحن في العالم.

دور فينك في إتمام الصفقة
على مدار أعوام، تحرك فينك في دوائر قريبة من ترمب، ويؤكد أشخاص مطلعون على الصفقة أن تدخله الشخصي كان عاملاً حاسماً في إنجازها. وفي الأيام الأخيرة، أطلع فينك ترمب على تطورات المحادثات التي كانت تسير بوتيرة متسارعة. كما تم إطلاع وزير الخزانة سكوت بيسنت ووزير الخارجية ماركو روبيو على التفاصيل.

وفي بيان، أكد فرانك سيكست، المدير الإداري المشارك في "سي كيه هوتشيسون"، أن الصفقة نتجت عن "عملية سريعة ومتفردة لكن تنافسية"، لا تحمل أي أبعاد سياسية. ووفقاً لأشخاص مطلعين على الأمر، فقد درست شركات أخرى مثل "بلاكستون"  و"كيه كيه أر آند كو" تقديم عروض استحواذ أيضاً، لكن ممثلي الشركتين رفضوا التعليق. كما لم يستجب البيت الأبيض لطلب التعليق.

ووفقاً لبيان نشره رئيس بنما خوسيه راؤول مولينو على حسابه في منصة "إكس" (X)، ستقوم بنما بمراجعة الصفقة، بينما سيستمر التدقيق في عقد شركة "بنما بورتس" (Panama Ports).

صفقة تجارية "بحتة"
بموجب الشروط التي تم الكشف عنها يوم الثلاثاء، ستستحوذ "بلاك روك" و"غلوبال إنفراستركتشر بارتنرز" و"تيرمينال إنفستمنت" على وحدات تمتلك 80% من مجموعة "هوتشيسون بورتس" (Hutchison Ports). كما سيحصل التحالف الاستثماري على 90% من "بنما بورتس"، المسؤولة عن تشغيل مينائي بالبوا وكريستوبال الواقعين على جانبي قناة بنما.

وصرح فينك خلال مؤتمر مالي يوم الثلاثاء: "من المحتمل أن نحصل على ملكية موانئ قناة بنما قريباً جداً".

بينما كان ترمب يعبر علناً عن قلقه بشأن نفوذ الصين على القناة، كانت حكومة بنما تدرس إمكانية إلغاء عقدها لتشغيل الموانئ مع "سي كيه هوتشيسون"، وفقاً لما ذكرته "بلومبرغ" الشهر الماضي.

يأتي ذلك رغم أن "سي كي هوتشيسون" تتخذ من هونغ كونغ مقراً لها، وهي منطقة صينية تتمتع بحدودها الخاصة وعملتها ونظامها القانوني المستقل. إلا أن بكين تشدد قبضتها على المستعمرة البريطانية السابقة منذ عام 2020، عندما فرضت قانون الأمن القومي الشامل الذي فتح الباب أمام حملة قمع للمعارضة.

وعند التواصل معها صباح الأربعاء في آسيا، أحالت "سي كي هوتشيسون" الصحفيين إلى البيان السابق لسيكست، الذي قال فيه: "أود أن أؤكد أن هذه الصفقة تجارية بحتة، ولا علاقة لها إطلاقاً بالتقارير السياسية الأخيرة المتعلقة بموانئ بنما".

سمات

الأكثر قراءة