عهد "الملك دولار" يبدو آمنا حتى الآن

الدولار نجا من الولاية الأولى لترمب ومن المرجح أن يصمد في الثانية ولن تزول هيمنته إلا بكارثة حقيقية

الأمر يتطلب وقتاً أكثر من 90 يوماً المحددة لتعليق الرسوم الجمركية لنرى مصير الدولار

لم يمضِ على "يوم التحرير" سوى أسبوعين بالكاد، ومع ذلك بدأت صدمته تحتل مكانها في سجلات التاريخ الحديث. وسرعان ما استُحضرت المقارنة بالقرار المفاجئ الذي اتخذه الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون في 1971 بإنهاء نظام أسعار الصرف الثابتة الذي استمر لجيل كامل. أُصيب الدبلوماسيون والمستثمرون حينها بالذهول، وظن كثيرون أن زمن الدولار كمرتكز للتجارة العالمية قد شارف على الانتهاء، أو هكذا سادت هذه الرواية بين الناس.

كان الإجراء الأحادي من قبل نيكسون صادماً، ولم تكن الاتهامات لفريقه بالتغطرس والبلطجة بلا أساس، وهي الاتهامات ذاتها الموجّهة اليوم إلى الرئيس دونالد ترمب على خلفية الرسوم الجمركية العقابية التي فرضها هذا الشهر. حينها، كما هي الحال في الأسبوعين الماضيين، شاعت التكهنات بأن هذا الاضطراب قد يكون نذيراً بنهاية هيمنة الدولار. ومما لا شك فيه أن مكانة الولايات المتحدة قد تضررت؛ إذ يتعرض الدولار لضغوط هبوطية من قبل المتعاملين، وباتت سندات الخزانة الأمريكية، أحد أعمدة النظام المالي بعد الحرب، في مهب التقلّبات.

مع ذلك... تمهّلوا قليلاً. نهاية اتفاق "بريتون وودز" لم تُسقط الدولار، وإن شهد سنوات صعبة. كما لم تؤدِّ إلى صعود اليابان، ولا أزمة الرهن العقاري، ولا غيرها من الهزات الكبرى. لا بأس إن خسر الدولار بعضاً من قيمته أمام الين أو اليورو أو الدولار الأسترالي لبعض الوقت.

فمنذ نهاية ديسمبر، هوى أمام معظم العملات الكبرى. نعم، ستضر إجراءات ترمب بالاقتصاد الأمريكي، فقد ارتفعت توقعات الركود منذ الثاني من أبريل. والسؤال الجوهري هو: هل دخل الدولار مساراً نحو تراجع طويل الأمد؟ أم أننا نشهد مجرد تصحيح صحي في سوق العملات؟ وعادة ما يختلط الأمر بين الاحتمالين. هل تذكرون أوائل الألفية حين قيل إن العجز المتزايد في الحساب الجاري والموازنة ينذر بهلاك الدولار؟ تبدو تلك المخاوف اليوم أقرب إلى الدعابة.

زوال هيمنة الدولار قريبا ؟

كيف نعرف متى، أو ما إذا، كانت النهاية الحقيقية؟ بادئ ذي بدء، لا تتوقعوا زوال الدولار في المستقبل المنظور، بحسب بول بلوستين، مؤلف كتاب "الملك دولار: ماضي ومستقبل العملة المهيمنة عالمياً". فقد نجت العملة الأمريكية من الولاية الأولى لترمب وهي في ذروة مجدها، ومن المرجّح أن تصمد في الثانية أيضاً. لا بد أن تحدث كارثة حقيقية لتغيير هذا الواقع. يرى بلوستين أنه ليس من الضروري أن يكون تراجع الدولار أمراً سيئاً بطبيعته؛ بل ربما يُضعف من قدرة زعيم أمريكي على ليّ ذراع الحلفاء وتهديدهم بالغزو.

هل كان الثاني من أبريل بذلك السوء؟ على ما يبدو، ليس بعد. "ليس لأنه ليس تصرفاً متهوراً وغير مسؤول وكارثياً، فهو كذلك بالتأكيد"، هكذا أخبرني بلوستين من منزله قرب طوكيو، "لكنني لا أقصد فقط ما إذا كان الناس ما زالوا يعتبرون سندات الخزانة ملاذاً آمناً أو التزاماً من حكومة تُدار بكفاءة. أنا أتحدث عن الهيمنة من حيث استخدام الدولار في جميع أنواع التجارة الدولية بدرجة تفوق أي عملة أخرى".

مزايا العملة المهيمنة كبيرة جداً، فيما يعاني المنافسون المحتملون نقاط ضعف كبيرة تجعل الدولار يبدو منيعاً. المؤشرات لافتة فهو العملة الأساسية في الأغلبية العظمى من تعاملات الصرف الأجنبي، ويُستخدم بنسبة غير متكافئة في فواتير التجارة. كما أن عديدا من القروض مقوّمة بالدولار، وعلى الرغم من تراجع حصته من الاحتياطيات العالمية، إلا أنه لا يزال بعيداً عن أي منافس. وفي سوق المقايضات المالية الحيوية، يحتفظ الدولار بنفوذ لا مثيل له، وهو أمر يراه بلوستين بالغ الأهمية.

فك ارتباط الدولار بالذهب

يتضمّن كتابه حكاية مفيدة عن جون كونالي، أحد وزراء الخزانة الأربعة في عهد نيكسون، الذي عبّر عن سخطه خلال نقاش حول رد فعل الحلفاء السلبي إزاء فك ارتباط الدولار بالذهب. قال، بحسب ما يروي بلوستين: "من يهتم بما يظنون؟ لا يمكنهم فعل الكثير على أي حال". وهي رؤية لا تختلف كثيراً عن نظرة فريق ترمب إلى شركاء التجارة وحاجتهم إلى التفاوض خلال فترة تعليق الرسوم الجمركية لثلاثة أشهر.

يُذكر أن كونالي اشتهر أيضاً بكونه حاكم تكساس السابق، ورافق الرئيس جون كينيدي في سيارة الليموزين يوم اغتياله في دالاس. وأُصيب كونالي بجروح في الحادث. نعم، إنها أوقات محفوفة بالمخاطر. ومن الطبيعي تماماً أن يراهن المتعاملون على انخفاض الدولار مقابل نظرائه. لكن هل يعني ذلك نهاية الدولار كمرتكز للرأسمالية المعاصرة؟ لطالما كانت هناك إنذارات زائفة. وسنحتاج إلى ما هو أطول بكثير من 90 يوماً للإجابة عن هذا السؤال.

خاص "بلومبرغ"

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي