نهاية الأزمة المالية العالمية .. تفاؤل مشوب بالحذر!!
بدأت بوادر الانتعاش العالمي .. حسنا،ً هذا ما تناقلته وسائل الإعلام مُعتمدةً على بواكير التعافي في بعض الاقتصادات الرئيسة. لابأس، فالفأل مطلوب لكن علينا ألا نُفرط في التفاؤل خشية انتكاسات اقتصادية مستقبلية. اهتم الاقتصاديون بالناتج المحلي الإجمالي كمقياس للإنتاج بحيث يُستخدم على نطاق واسع، وعبر الزمن نجد أن هناك فترات يرتفع فيها وأخرى ينخفض, وهذا النمط من الارتفاع والانخفاض يُسمى الدورات الاقتصادية أو التجارية, وقد يحصل مرات ومرات. وبالنظر إلى التاريخ، نجد أن الاقتصاد الأمريكي ـ على سبيل المثال ـ مرت عليه فترات من الهبوط والصعود منذ عام 1959، مع أن متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي كان في حدود 3 في المائة سنوياً. في الأدب الاقتصادي فترات النمو أو الرخاء تتبعها فترات من الانكماش أو الركود الاقتصادي ومع هذا فإن النمو في الأجل الطويل يعتمد وبشكل رئيس على وفرة المصادر واستخدامها الاستخدام الأمثل, مثل الأرض، العمل، رأس المال، والوسائل التكنولوجية المُتاحة. وهكذا يمكن القول إن هناك 12 حالة ركود مر بها الاقتصاد الأمريكي منذ عام 1929، يُضاف إلى هذه الأزمة المالية الحالية وما خلفته من انخفاض حاد في الناتج المحلي الإجمالي وما تبعها من بطالة، ولعل أشهر الحالات ما يُسمى الكساد الكبير بين 1929 و1933، حيث انخفض الناتج الوطني 25 في المائة. ما يُميز الاقتصادات المتقدمة وجود مؤشرات اقتصادية تتحرك قبل أو بعد الناتج المحلي الحقيقي, بحيث تُعطي إشارة لوضعٍ ما يستدعي التدخل منها قيادية، متزامنة، ومتأخرة، فالمؤشرات القيادية تحصل عادةً قبل هبوط الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي وتشمل متوسط العمل الأسبوعي، مطالبات البطالة، طلبات المصنعين الجديدة، أسعار الأسهم، وطلبات المصانع الجديدة من المعدات والآلات. المؤشرات الاقتصادية المتزامنة فتحصل بالتزامن مع هبوط الناتج المحلي الحقيقي مثل مرتبات العمالة، الإنتاج الصناعي، الدخل الشخصي، المبيعات التجارية والصناعية، رخص البناء الجديدة، وقت توصيل الطلبات التجارية، معدل الفائدة، عرض النقود، وتوقعات المستهلكين. أما المؤشرات الاقتصادية المتأخرة فتشمل تكلفة وحدة الإنتاج للعامل، نسبة المخزون على المبيعات، الفترة التي تستغرقها البطالة، نسبة التمويل إلى الدخل الشخصي، معدل الفائدة الأساس، القروض التجارية غير المدفوعة، وأخيراً معدل التضخم لأسعار الخدمات. في المسح الذي نشرته الجمعية الوطنية للاقتصاد والأعمال الأمريكية الأربعاء 2 أيلول (سبتمبر)، ووفقا لـ cnn فإن 45 من كبار الاقتصاديين أكدوا أن نهاية الانكماش وزوال الأزمة المالية باتت وشيكة حيث ظهرت مؤشرات تُفيد بأن الاقتصاد الأمريكي يتجه نحو الاستقرار. من جهة ثانية، أفاد ثلاثة من أربعة اقتصاديين شاركوا في المسح بأن علامات التعافي ستظهر في الربع الثالث من هذا العام، في حين يرى 19 في المائة ممن شملهم المسح أن نتائج التحسن ستبدو للعيان في الربع الرابع من هذا العام. من جهة أخرى، أكد عميد كلية الاقتصاد والأعمال في جامعة نيويورك و33 من زملائه أن أسوأ مرحلة من مراحل التدهور الاقتصادي العالمي انتهت لكن الحذر مطلوب لأن كثيرا من المشكلات ما زالت قائمة ولم تُحل بعد. وهكذا نجد أن اقتصاد هونج كونج بدأ في التعافي, إذ سجل نسبة نمو ناهزت 2.3 في المائة خلال ثلاثة أشهر بداية من نيسان (أبريل) ما دفع الحكومة إلى رفع سقف توقعاتها بالنمو للسنة كلها. يُرجع البعض هذا التحسن إلى ارتفاع معدلات الاستهلاك بنسبة 4 في المائة، البورصة بنسبة 80 في المائة، والعقارات 30 في المائة منذ آذار (مارس) لهذا العام. وطبقاً لبعض المُحللين، فإن انتعاش الاقتصاد العالمي سيُنعش أسواق المواد الأولية, ومع تزايد الاستهلاك العالمي وضعف الاستثمارات نتيجة للأزمة المالية العالمية فإن أسعار المواد الأولية ستقفز, كما حدث في عام 2008. الانتعاش من الركود العالمي أتى بصورة أسرع مما هو متوقع منذ عدة أشهر, لكن سرعة هذا الانتعاش تبقى ضعيفة إلى العام المقبل طبقاً لتقرير حديث لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD التي أبدت فيه تفاؤلها الشديد بانتهاء موجة الركود الاقتصادي العالمي إن لم تكن قد خرجت منها بالفعل، واستندت في تفاؤلها إلى التوقعات الإيجابية لنمو الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة في الربع الثالث من هذا العام بحدود 6.1 في المائة، بينما توقعات الانكماش لمجموعة السبع انخفض من 1.4 في المائة إلى 7.3 في المائة. أيضاً من المتوقع أن يحصل تحسن طفيف للناتج المحلي الإجمالي لليابان، منطقة اليورو، وبريطانيا، بينما لم تتغير التوقعات للولايات المتحدة لهذا العام. يبقى السؤال المُلح: هل نعيش مرحلة انتعاش حقيقية تدفع للتفاؤل؟ البيانات التي صدرت لا نجد في ثناياها ما يدفع إلى التفاؤل المُفرط، على الرغم من أهمية التفاؤل النسبي في رفع مستوى الثقة في أداء الاقتصاد العالمي ومن ثم الاستهلاك العالمي. ومن هذا المُنطلق يبقى التفاؤل مرتبطا وبشكل أساس بالدور الحكومي أثناء الأزمة وبعدها, وهو الدور التحفيزي على المستوى الكلي، وسيبقى مرتبطاً بالوجود الحكومي على الساحة الاقتصادية إلى أجل غير مُسمى لضمان عدم تراجع النمو الاقتصادي، وإلى أن يتمكن القطاع الخاص من الوقوف على قدميه، وبذا تنطبق «الرأسمالية المُوجهة» على الدول المُتقدمة. أما النفط فلم يكن يوماً مؤثرا في النمو العالمي عندما كانت أسعاره في القمة ولا محفزاً للنمو عندما تدنت أسعاره، عوامل غير العرض والطلب تُحدد أسعاره. لنكن جاهزين لكل الاحتمالات، التراجع وارد لأن التنبؤات الاقتصادية القياسية مبنية على نماذج رياضية قد تتأثر بالعوامل المُفترض ثباتها وقت التحليل، ولذا فانسحاب الحكومات مبكراً من السياسات التحفيزية سينعكس سلباً على أداء القطاع الخاص وتبقى مهمة لمعالجة البطالة وضعف السوق العقارية مع المحافظة على معدلات الفائدة عند مستوياتها الحالية إلى أجل غير مُسمى.