تقرير مصرفي: الإنفاق الحكومي حمى القطاع الخاص من التباطؤ

تقرير مصرفي: الإنفاق الحكومي حمى القطاع الخاص من التباطؤ
تقرير مصرفي: الإنفاق الحكومي حمى القطاع الخاص من التباطؤ
تقرير مصرفي: الإنفاق الحكومي حمى القطاع الخاص من التباطؤ
تقرير مصرفي: الإنفاق الحكومي حمى القطاع الخاص من التباطؤ
تقرير مصرفي: الإنفاق الحكومي حمى القطاع الخاص من التباطؤ
تقرير مصرفي: الإنفاق الحكومي حمى القطاع الخاص من التباطؤ
تقرير مصرفي: الإنفاق الحكومي حمى القطاع الخاص من التباطؤ
تقرير مصرفي: الإنفاق الحكومي حمى القطاع الخاص من التباطؤ
تقرير مصرفي: الإنفاق الحكومي حمى القطاع الخاص من التباطؤ
تقرير مصرفي: الإنفاق الحكومي حمى القطاع الخاص من التباطؤ
تقرير مصرفي: الإنفاق الحكومي حمى القطاع الخاص من التباطؤ
تقرير مصرفي: الإنفاق الحكومي حمى القطاع الخاص من التباطؤ

توقع تقرير اقتصادي أعده البنك السعودي الفرنسي أن يزيد الإنفاق الحكومي هذا العام بنسبة 20 في المائة عما هو مقدر في الميزانية ليصل إلى 579 مليار ريال، فيما كانت الميزانية تقدر بـ410 مليارات ريال. وأعاد التقرير الذي أعده الدكتور جون سفكياناكيس كبير الاقتصاديين ومدير مجموعة البنك السعودي الفرنسي وتركي عبد العزيز الحقيل ـ باحث ومحلل اقتصادي ـ في البنك وداليا مرزبان ـ محللة اقتصادية ـ هذه الزيادة المتوقعة إلى بدء برنامج الحكومة للإنفاق بهدف إنعاش الوضع الاقتصادي.

ويعتقد التقرير أن عودة أسعار النفط للارتفاع سيمكن الحكومة السعودية من أن تسجل فائضا غير متوقع يصل إلى نحو 2.3 مليار ريال لهذا العام، وفي أسوأ الأحوال يمكن أن تسجل عجزا طفيفا جدا في الميزانية.

ويعرج التقرير إلى جانب ثان يتعلق بتداعيات الأزمة المالية العالمية، حيث يشير إلى ظهور مؤشرات التعافي الاقتصادي من خلال قروض القطاع الخاص التي ارتفعت بنسبة 1.9 في المائة بعد آب (أغسطس) الماضي، وهي أعلى زيادة تسجل خلال 11 شهرا، مع الإشارة إلى أن عودة الاعتمادات ستكون تدريجية وتتسم بالحذر. إلى التفاصيل:

#2#

من المتوقع أن يزيد الإنفاق السعوديّ على الأهداف الموضوعة للإنفاق الحكوميّ بنحو 20 في المائة، وذلك ليصل إلى نحو 579 مليار ريال سعودي في عام 2009، وذلك مع بَدْء برنامج الحكومة للإنفاق بهدف إنعاش الوضع الاقتصاديّ.
عودة أسعار النفط للارتفاع يعني أنه يمكن للحكومة السعودية أن تسجل فائضاً غير متوقَّع يصل إلى نحو 2.3 مليار ريال سعوديّ لهذا العام. وفي أسوأ الأحوال يمكن أن تسجِّل الحكومة عجزاً طفيفاً جداً في الميزانية.

ظهرتْ مؤشِّرات التعافي الاقتصاديّ من قروض القطاع الخاصّ التي ارتفعت بنسبة 1.9 في المائة شهراًً بعد شهر في آب (أغسطس)، وهي أعلى زيادة تُسجَّل خلال 11 شهراً. كما أن عودة الاعتمادات ستكون تدريجية وتتّسِم بالحذَر.
بيانات التحويلات النقدية القوية بالرغم من الأزمة المالية العالمية تشهد على دور المملكة في تحقيق الاستقرار في الاقتصاد العالميّ. فقد ارتفعت قيمة التحويلات المالية بنسبة 33 في المائة في عام 2008 واستمرت في الارتفاع في عام 2009.

#3#

يشهد الاقتصاد العالميّ مرحلة من التوسع الماليّ لم يشهد لها العالم مثيلاً من قبلُ، وهو الأمر الذي يُهدِّد بضغوط على الميزانية لسنوات طويلة مقبلة وقد يؤدي كذلك إلى دوامة جديدة من التضخم على المدى المتوسط. واستناداً إلى هذه المرجعية فإن مشروع إنفاق الدولة السعودية بهدف إنعاش الوضع الاقتصاديّ يتناقض مع المعيار العالميّ.

لقد أطلقت الحكومة السعودية خُطّة طموحاً للإنفاق العامّ ولكن يمكن إدارتها بالرغم من طموحها، ويمكن أن تؤدِّي إلى بعض الضغوط المحدودة على الوضع الماليّ للمملكة ولكن من غير المتوقَّع أن تؤدِّي إلى تشجيع حالة من التضخم. فالسعودية تنتهج إنفاقاً يفوق الميزانية المقرَّرة ولكن بكثير من التدُّبر والحصافة.

#4#

بالرغم مّما قد ينطوي على ذلك من تناقضات واضحة، ومع تراجع عقود الاستثمارات الخاصّة وتراجع معدَّلات الاستهلاك الخاصّ فإن الحكومة تجد نفسها مضطرة إلى زيادة الإنفاق على الأقلّ حتى تتمكن الاستثمارات الخاصّة ومعدَّلات الاستهلاك العودة للارتفاع في عام 2010.

ومع استمرار تخطِّي عائدات النفط توقعاتنا المبدئية وتوقُّعات الحكومة كذلك، فإن خزانة الدولة بدأتْ تتلقى ما يكفي من الأموال وبالسرعة الكافية للتخفيف من أي أعباء وضغوط على الميزانية التي يمكن أن تكون حدثتْ خلال السنوات الطويلة من أسعار النفط المتدنية.

#5#

وقد تدخَّلت الحكومة وضخَّت السيولة النقدية لتعبئة الفراغ الذي نجم عن التردد الذي ساد في أوساط الأعمال الخاصّة والمصارف المحلية التي تأثرت في مرحلة ما بعد إفلاس «ليمان» وتراجع أسواق الاعتماد المالي وأسعار الأسهم في جميع أنحاء العالم. فالقطاع الخاصّ يمر حالياً بمرحلة تراجع ومن المتوقَّع أن تستمر في التأثر بأداء الأسهم العالمية ووتيرة تعافي الاقتصاد العالميّ وفي خلال العام الماضي، أصبحت الحكومة السعودية المستثمر الأكثر أهمية في الاقتصاد المحليّ، ولو افترضنا أن الدولة لم تقو بعملية الإنفاق هذه، فإننا نعتقد أن الاقتصاد السعوديّ كان يمكن أن يدخل مرحلة طويلة من المعاناة لا مَفرّ منها من الانكماش.

الاعتماد على عوائد النفط
لقد اعتمدت السلطات السعودية إلى حدٍّ كبير على فوائض عائدات النفط التي تراكمت لدى المملكة، أكبر مُصدِّر للنفط في العالم، عندما كانت أسعار النفط مرتفعة خلال هذا العقد. لقد عززت المملكة استثماراتها في الاقتصاد من خلال تحقيق زيادة ضخمة في الإنفاق. تفيد تقديراتنا أن الإنفاق الحكوميّ الفعليّ في عام 2009 سيصل إلى نحو 579 مليار ريال سعوديّ أيْ بما يزيد على الميزانية المعتمدة بنحو 22 في المائة؛ وذلك بسبب برنامج الدولة لزيادة الإنفاق في مشاريع النفط والبنية التحتية والتعليم وذلك بهدف إنعاش الاقتصاد السعوديّ وحمايته من الركود.

#6#

ولكن بالرغم من هذه الجهود، إلا أن الإنفاق الحكوميّ المرتفع لم يكن كافياً لحماية القطاع الخاصّ غير النفطيّ من التباطؤ في النمو، الذي ليس من المتوقَّع أن يزيد على 2.5 في المائة في عام 2009 وهو أبطأ معدَّل تشهده المملكة منذ عام 1995 وذلك بحسب تقديراتنا. إلا أنه لا بُدَّ من الإشارة إلى أن هذا القطاع قد توسَّع بما يزيد على 22 في المائة خلال السنوات الأربع الماضية.

وبالتزامن مع تراجع إنتاج النفط الخام، فإن الاقتصاد السعوديّ يواجه تراجعاً بنسبة 0.9 في المائة في إجماليّ الناتج المحليّ لهذا العام، وهذا هو الانكماش الأول الذي يشهده الاقتصاد السعوديّ على مدى عقد من الزمان. ونتوقَّع أن يرتفع معدل النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي للقطاع الحكومي أكثر من المعدَّل الذي وصله في عام 2008 وهو 3.5 في المائة. حيث من المتوقع أن يصل إلى 3.8 في المائة في عام 2009 وهو معدَّل قريب من المعدَّل الذي سُجِّل في عام 2005 وهو 4 في المائة.

#7#

ليس من المتوقَّع أن يؤدِّي الإنفاق الحكوميّ المتزايد إلى حالة من التضخُّم الذي تراجع بحدة العام الماضي عن أعلى المستويات التي وصل إليها خلال العقود الثلاثة الماضية. وبالرغم من معدلات التضخم المرتفعة، فإن السعودية بقيت من بين الدول القليلة في منطقة الخليج التي لم تواجه معدلات تضخم حادة خلال السنوات القليلة الماضية، ونتوقَّع أن يبقى معدَّل التضخم حتى نهاية العام قريباً من المعدَّل المنخفِض الذي استمَرّ على مدى سنتيْن وهو 4.1 في المائة التي سُجِّلتْ في آب (أغسطس).

وفي هذه الأثناء، فإنه ليس من المتوقَّع أن تؤدِّي خطة الحكومة للإنفاق إلى التخفيف من حِدّة التضخم خلال عام 2010. ونرى من وجهة نظرنا أنه لم يتمّ التعامل بشكل مناسب مع قضية التضخم. ويبدو أن نقطة الضغط الرئيسة المتمثلة في الإيجارات يمكن أن تؤدِّي إلى ضغوط على الأسعار. كما أن أي ضغوط تضخم عالمية أو على أسعار الطعام والسلع الاستهلاكية ستكون لها آثار عابرة. إن حدوث ارتفاع في الطلب المحليّ في عام 2010 يمكن أن يؤدِّي إلى مزيد من الضغوط على الأسعار ولكن التضخم سيبقى بعيداً جِداً من المعدَّلات المرتفعة التي سُجِّلت في عام 2008.

#8#

البحث عن مؤشِّرات على عودة الانتعاش الاقتصاديّ
إن التراجع الاقتصاديّ الذي تشهده السعودية لن يكون طويلاً أو عميق التأثير ولن يكون للتضخم التبعات التي تشهدها الاقتصادات المتقدِّمة؛ فالتباطؤ الاقتصاديّ الذي تركَّز في النصف الأول من عام 2009 والذي طال القطاع الخاص بشكل خاصّ يشهد الآن تحولاً تدريجياً للتعافي. فقد شهدتْ أسعار النفط تحسُّناً خلال الربع الثالث، حيث يسمح للسعودية بتخطي توقعاتها بعجز في الميزانية بنحو 65 مليار ريال سعودي، وقد تواجه في أسوأ الحالات عجزاً طفيفاً يمكن تمويله بسهولة، وإذا ما بقيت أسعار النفط تحوم حول 70 دولارا للبرميل، فإننا نتوقع أن تنهي السعودية العام بفائض قليل في الميزانية العامّة.

ومن وجهة نظرنا نرى أن عملية الإقراض المصرفيّ التي تُعتبَر شريان الحياة بالنسبة للاقتصاد، ستشهد تحسُّناً تدريجياً خلال الأشهر القليلة المقبلة. وستتسارع عملية التعافي الإنمائيّ خلال عام 2010. وستؤدِّي نتيجة لذلك إلى مُعدَّلات أفضل في كل من القروض والودائع. إلا أن إقراض المصارف لن يعود إلى المعدَّلات التي عرفناها خلال عام 2008. فعمليات إقراض المصارف إلى القطاع الخاصّ شَهِدت للشهر الثالث على التوالي تحسناً ملموساً في آب (أغسطس) بعد الانكماش الذي وصلت نسبته إلى 2.5 في المائة خلال الأشهر الستة التي سبقت أيار (مايو). وحرصاً منا على وضع كل ذلك في الإطار الصحيح، فإن مستحقّات البنوك السعودية على القطاع الخاصّ تضاعفتْ ثلاث مرات بين عاميْ 2003 و2008. لقد ولت أيام هذا النمو المتزايد إلى غير رجعة على الأقل حتى السنة التالية. فالمصارف ستصبح أقلّ تساهلاً واندفاعاً للإقراض وستسعى إلى الإقراض للأعمال التي ستوفِّر السيولة وبالأُسُس التي تحمي حقوق المصرف ورأسماله، وهو الأمر الذي يعد جيداً لقطاع المصارف والاقتصاد بشكل عامّ.

#9#

إن عودة الإقراض من البنوك إلى المستويات المتوقَّعة تتطلب ثقة عالية يؤكدها القطاع الخاص خصوصا بعد اهتزاز هذه الثقة التي هزتها صعوبة إعادة تسديد الديون المترتبة من مجموعتي سعد وأحمد حمد القصيبي. وبالرغم من أن المصارف بدأت الحدّ من إعطاء القروض قبل شهور من ظهور هذه المشكلات، إلا أن هذه الحادثة ضاعفت من المخاطر التي قللتْ من رغبة المقرضين في إعطاء القروض كما كانت تفعل في السابق وتزايدت القروض والديون بعد سنوات من معدَّلات النمُوّ العالية.

لقد بدأت الثقة بين المستثمرين الحذِرين في القطاع الخاصّ وبين المصارف تشهد تحسناً بطيئاً وذلك بعد اتخاذ خطوات تؤكِّد أنه تمّ التوصل إلى تسوية بين إحدى المجموعتين والدائنين المحليين. ونعتقد أنه ستتم تسوية جميع هذه المشكلات مع مرور الوقت. كما يشعر المستثمرون بارتياح تام بالتزام الحكومة المستمِرّ للإنفاق المرتفع كجُزء لا يتجزَّأ من صُنْع السياسة المالية.

الارتفاع الحادّ للإنفاق الحكومي
لقد بدأ البرنامج الحكومي للإنفاق المحلي الذي سيستمر على مدى خمس سنوات وبقيمة إجمالية تبلغ 400 مليار دولار، بدأ هذا العام بهدف دعم الاقتصاد السعوديّ الذي يعتمد على تصدير النفط وذلك لمساعدة هذا الاقتصاد ليتخطى أسوأ أزمة مالية عالمية من ناحية، ولتلعب السعودية دوراً في المحافظة على توازن الاقتصاد العالميّ الذي يعاني انكماشا حادا من ناحية أخرى.

#10#

السياسة الاقتصادية للسعودية تتبع نموذجاً يمكن تسميته بالدورة المالية المعاكسة، إذْ تقوم الدولة بتوفير عوائد النفط واستثمارها على المدى البعيد في أصول قليلة المخاطر وتعتمد على مستوى عالٍ من السيولة، وذلك عندما تكون أسعار النفط فيه مرتفعة. ثم تقوم بالاعتماد على هذه الأموال الموفرة عندما تشهد أسعار النفط تراجعاً. لقد بدأت هذه السياسات تُؤتِي ثمارها في أكثر من طريقة ويقوم صندوق النقد والبنك الدوليان بتشجيع اتباع مثل هذه السياسة على مستوى العلاقات متعددة الأطراف.

نحو ثلث المبلغ الإجماليّ وهو 400 مليار دولار في مشروع الإنفاق الحكوميّ مقرَّر حتى عام 2013 وسيكرَّس لزيادة قُدْرة المملكة على إنتاج النفط مع تخصيص المبلغ المتبقِّي لتقليل اعتماد المملكة على عوائد النفط التي تتعرَّض لتقلبات حادة بسبب ارتفاع وانخفاض أسعار النفط. وفي إطار حرصها على خُطّة التنويع افتتحت في المملكة الشهر الماضي جامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا وهي مؤسَّسة تعليمية تقع خارج مدينة جدة بمبلغ 20.6 مليار ريال سعودي كوقفية مخصَّصة لها. كما أن المملكة التي تُشيِّد الآن الجامعة الأولى المخصَّصة للنساء بتكلفة تفوق 20 مليار ريال سعوديّ، تعهَّدتْ بالاستمرار في تنفيذ مشاريع المواصلات وتمويلها من خزانة الدولة.

هناك فرص وتحديات في المشاريع التي ترعاها الدولة مثل مركز الملك عبد الله الماليّ، وتشرف عليها المؤسَّسة العامّة للتقاعد بتكلفة إجمالية تقدر بأكثر من 25 مليار ريال سعودي. الفرصة الواضحة هي أن أموال الدولة التي تُضخّ في هذه المشاريع ستكون لها تبعات إيجابية أفضل مما كان عليه الوضع قبل عام وذلك بسبب تراجع تكلفة الإنشاءات المقدرة بين 18 و22 في المائة.

أما التحدي الآن فيكمن في كيفية توزيع هذه المشاريع؛ فمعظم هذه المشاريع تذهب للشركات الكبيرة ولا تصل إلى شركات المتوسطة ولا الصغيرة إلا القليل من عوائد هذه المشاريع. مشاريع البنية التحتية تحسِّن من كفاءة وإنتاجية الاقتصاد؛ وهو الأمر الذي يعود بالفائدة على عامّة الشعب. وفي الوقت الذي غالباً ما يؤكِّد فيه كبار المقاولين أن عامل الوقت في غاية الأهمية بالنسبة للحكومة، إلا أننا نعتقد أنه لا بُدّ من إيجاد الحوافز للشركات المتوسطة والصغيرة للمشاركة والاستفادة من فرصة الإنفاق الحكومي غير المسبوق.
لقد وافقت الحكومة على ضِعف قيمة المشاريع التطويرية في الربع الأول من هذا العام مقارنة بالعام الماضي ونجحتْ في ضمان خُطّتها لاستمرار تدفق الأموال في مشاريع البنية التحتية الضرورية ويتضمَّن ذلك تطوير ثلاثة مشاريع للسكك الحديدية حيث يقدر لكل منها نحو 26 مليار ريال سعودي، مثل خط الحرميْن السريع الذي يبلغ طوله 450 كيلومتراً يربط جدة بمكة والمدينة، حيث يتوافد ملايين الحجاج والمعتمرين الذين يؤدُّون العمرة. لقد أعطت الحكومة عقداً مهماً للأشغال المدنية في وقت سابق من هذا العام بتكلفة قدرها 6.8 مليار ريال سعودي. كما أعلنت الحكومة خلال عام 2009.

#11#

عن صفقات تزيد قيمتها على عشرة مليارات ريال سعوديّ لهذا المشروع ولمشروعين آخرين هما مشروع خط الشمال ومشرع الجسر البري الذي يبلغ طوله 950 كيلومتراً الذي يربط الشرق بالغرب مرورا بمدينة الرياض. يذكر أن هذه المشاريع تعمل على الوقت المحدد دون أي تأخير. مشاريع السكك الحديدية ستسهم في تخفيف الازدحام في الطرق السريعة وتخفيف صيانتها وأيضا لها أهمية استراتيجية بالنسبة للمملكة لأنه ستسمح بقدرات تعبئة عسكرية أكبر. فمساحة السعودية تعادل ربع قارة أمريكا وتمتلك أكبر شبكات الطرق السريعة في منطقة الشرق الأوسط.

ومع ارتفاع حماسة القطاع الخاصّ، فإن من المهمّ الإشارة إلى أن الحكومة كانت حريصة وترغب في التدخُّل للإبقاء على استمرار تنفيذ هذه المشاريع. فقد حَصَلت الرياض في وقت سابق من هذا العام على مشروع رأس الزور لتحلية المياه بتكلفة إجمالية نحو ستة مليارات دولار وذلك من شركة سوميتومو وذلك بعد انسحاب أحد المستثمرين وهو شركة مالاكدف الدولية الماليزية من المشروع الذي كان مقرراً أن يكون لتحلية المياه وتوليد الطاقة الكهربائية. وتفيد بعض التقارير أن الحكومة ستعيد طرح هذا المشروع على الشركات خلال الأشهر الستة القادمة لكن مع إبقاء المشروع تحت سيطرة الدولة.

إن التوجُّه نحو التنمية التي تقودها الدولة قد يؤدِّي إلى ارتفاع نسبة مساهمة القطاع الحكوميّ غير النفطيّ في الناتج المحليّ الإجماليّ هذا العام. في عام 2008 أسهمت الحكومة بنسبة 22 في المائة من الناتج المحليّ الإجماليّ مقارنة بنحو 46 في المائة للقطاع غير النفطيّ ونحو 31 في المائة لقطاع النفط. من المتوقَّع أن ترتفع هذه النسب قليلاً لمصلحة الدولة عام 2009 لكن ليس من المتوقع أن يترك ذلك أثراً كبيراً في القطاع الخاصّ. ونتوقع أن الناتج المحليّ الإجمالي للقطاع الحكوميّ غير النفطيّ سيرتفع إلى 3.8 في المائة هذا العام مقارنة بـ 3.5 في المائة للعام الماضي وهو الأمر الذي أدَّى إلى تعويض التراجع الذي حصل في القطاعات الأخرى. لا بُدّ من أن نذكر مجدداً أن العامل الأساسيّ وراء التراجع العام للناتج المحليّ الإجماليّ هو تراجع إنتاج النفط.

تكلفة الطاقة الإنتاجية غير المستغَلّة من النفط
من المؤكَّد أن السعودية تريد عودة التعافي المستدامة للاقتصاد العالميّ. فليس من مصلحة المملكة إلحاق الأذى بعودة التعافي للاقتصاد العالميّ التي لا تزال تبدو حتى الآن حَذِرة إن لم نقل إنها لا تزال هَشّة. وكون المملكة تحتل المكانة الأولى بين مُصدِّري النفط في العالم فإن دورها الأساسيّ في عملية إعادة العافية للاقتصاد العالميّ هو سعيها الحثيث للإبقاء على أسعار النفط مستقِرّة داخل منظَّمة الدول المصَدِّرة للنفط «أوبك» والعمل في الوقت ذاته على ضمان توفير ما يكفي من الاستثمارات في مشاريع النفط؛ وذلك لتعزيز القُدْرة على تلبية الطلب الذي سيزداد خلال دورة الازدهار المقبلة في الاقتصاد العالمي.

#12#

لقد صرَّحت السعودية مراراً وتكراراً أن السعر العادل للنفط يراوح بين 75 و80 دولاراً للبرميل. ويذهبون للقول في معرِض دفاعهم عن ذلك إن هذا السعر سيمكِّن المستثمرين في القطاعيْن العامّ والخاصّ من رصد ما يكفي من الأموال في جميع مشاريع الطاقة من عمليات التنقيب حتى عمليات التكرير والتوزيع؛ وذلك لتلبية الطلب العالميّ المتزايد وخصوصاً من آسيا مع الاحتفاظ في الوقت نفسه بما يكفي من الأموال للمحافظة على التوازن في الميزانية العامّة. إلا أن هناك قلقاً يتعلَّق بقِلّة الاستثمارات وتراجعها في الطاقة العالمية لإنتاج النفط. فوكالة الطاقة العالمية التي تُقدِّم النصح لـ 28 دولة صناعية، تشعر بالقلق لأن الاستثمارات الحالية في قِطاع الطاقة قد لا تكفي لتلبية الطلب بحلول عام 2014 و2015. وتؤيد الوكالة أيضاً أن سعر 75 دولاراً للبرميل يعد ضرورياً لجذب الاستثمارات في قطاع الطاقة.

إذا كان سعر برميل النفط لا يزال نحو 70 دولاراً للبرميل في ظلّ أسوأ ركود شهده العالم منذ ثلاثينيات القرن الماضي، فإن السؤال الذي يفرض نفسه بقوة هو: أين ستصل أسعار النفط حالما يستعيد الاقتصاد العالميّ عافيته ويرتفع الطلب العالميّ على النفط؟ إن إدارة معلومات الطاقة التابعة لوزارة الطاقة الأمريكية في توقعاتها الأخيرة على المدى القصير، توقَّعتْ أن استهلاك العالم من النفط خلال الربع الأخير سيرتفع مقارنة بالعام الماضي وسيسجل أول ارتفاع على مدى خمسة أرباع. وتتوقع وكالة الطاقة الأمريكية أن يرتفع الاستهلاك إلى 1.1 مليون برميل في اليوم في عام 2010. وستأتي معظم هذه الزيادة من خارج بلدان منظَّمة التعاون الاقتصاديّ والتنمية. يبلغ الطلب العالميّ على النفط 83.67 مليون برميل في اليوم لهذا العام وتتوقع الوكالة الدولية للطاقة أن ينخفض بنحو 1.79 مليون برميل في اليوم مقارنة بعام 2008. أمّا الطلب في عام 2010 فمن المتوقَّع أن يصل إلى 84.77 مليون برميل في اليوم. وبعد التوقعات التي صدرت عن وكالة الطاقة الدولية، قامت منظمة أوبك برفع توقعاتها للطلب العالمي على النفط إلى 84.93 مليون برميل في اليوم للعام المقبل أي بزيادة 0.8 في المائة.

أكَّدت تصاريح سابقة لعلي النعيمي وزير النفط السعوديّ التزام السعودية ببذل كل ما يمكن لمنع تكرار تذبذب الأسعار الذي حدث في عام 2008. فعندما تأرجحت الأسعار بين السعر الأعلى الذي اقترب من 150 دولاراً للبرميل وبين 30 دولاراً للبرميل فإن لدى المملكة الآن فائضاً كبيراً من النفط ولا سِيّما بعد قرار «أوبك» بخفض الإنتاج هذا العام لمنع مزيد من التدهور في أسعار النفط. فالمملكة تنتج ما يقرب من 8.2 مليون برميل في اليوم مقارنة بقُدْرتها الإنتاجية التي تصل إلى 12 مليون برميل في اليوم. إن الإبقاء على هذا الفائض الهائل غير المستخدم الذي يصل لنحو 30 في المائة من إجماليّ الطاقة الإنتاجية يكلف المملكة ثمناً باهظاً غالباً ما يتجاهله المجتمع الدوليّ. فالمملكة تتحمَّل خسائر كبيرة؛ وذلك بسبب تكلفة الاحتفاظ بهذه القُدْرة على الإنتاج، علماً أن هذه الطاقة سيتمّ استخدامها حالما يرتفع الطلب على النفط.

يذهب بعضهم إلى القول إنه إذا أرادت السعودية أن تستمِرّ في لعب دور البنك المركزيّ للنفط، فإن عليها زيادة طاقتها الإنتاجية، إلا أن بعضهم يمكن أن يرد بقوله إن ذلك ليس بالأمر الصحيح تماماً؛ فيمكن للمملكة أن تركِّز اهتمامها فقط على مصالحها الوطنية وأن تنتج ما يكفي من النفط الخام لتلبية الطلب المحليّ وضمان عوائد تكفي لتغطية نفقاتها. وبالتخلي على مر التاريخ عن هذا الخيار فإن المملكة تنفق ما يزيد على 20 مليون دولار يومياً للمحافظة على طاقتها الفائضة. وتفيد تقديراتنا أن المملكة تتكبَّد خسائر بسبب ذلك تُقدَّر بنحو 53 مليار دولار على الأسعار الحالية للنفط. كما أن المملكة التي تستثمر 130 مليار دولار في مشاريع الطاقة على مدى السنوات الخمس المقبلة، قد استثمرت ما يقرُب من 65 مليار دولار لرفع طاقتها الإنتاجية إلى المعدَّلات الحالية.

عودة مشاريع الطاقة
إلى مسارها السابق
على الرغم من تكاليف الإبقاء على القُدْرة الإنتاجية غير المستخدَمة. فإن شركة أرامكو التي تمتلكها الحكومة السعودية وشركاءها في القطاع الخاصّ، نجحوا في إعادة مشاريع التكرير المشتركة إلى مسارها السابق في فصل الصيف وذلك بعد تحسُّن أوضاع أسواق الاعتمادات وبعد تراجع أسعار السلع التي أدَّت بدورها إلى تراجع تكلفة موادّ البناء. فقد أخَّرت شركتا أرامكو وتوتال الفرنسية طرح عقود جديدة تتعلَّق بمشروع مصفاة النفط هذا العام؛ لأنهما تنتظران أن يقدِّم المقاولون أسعاراً أقلّ من التي قُدِّمت في السابق. فقد تمكَّنتا من خفض التكلفة المقدَّرة لمحطة بطاقة 400 ألف برميل في اليوم إلى نحو 9.6 مليار دولار مقارنة بالتكلفة المقدَّرة سابقاً وهي 12.5 مليار دولار أيْ بتراجع يبلغ نحو 2.9 مليار دولار في التكلفة.

كما تفيد بعض التقارير أن شركتا أرامكو واداو كميكال استطاعتا أن توفِّرا نحو أربعة مليارات دولار في تكلفة مجمَّع مشترك للبتروكيماويات بتكلفة إجمالية تبلغ 23 مليار دولار لإنتاج أكثر من 300 نوع من المواد البتروكيماوية، مثل البلاستيك وغيرها من الموادّ من نحو 35 وحدة إنتاجية. وفي هذه الأثناء، قامت شركة أرامكو وكونوكو فيليبس باستئناف العمل في محطة تكرير في حزيران (يونيو) بطاقة إجمالية تصل إلى 400 ألف برميل يومياً، وذلك بعد أن أوقفتا المشروع بسبب الأزمة المالية العالمية.

ليس هناك ما يدعو للاعتقاد بأن المصارف المحلية والعالمية قد تتردد في تمويل مثل هذه المشاريع. فعلى المصارف التمييز بين المشاريع الجيدة والمشاريع السيئة، وبين الأعمال الخاصة «الجيدة» وبين تلك المعرَّضة للمخاطر. نحن نرى أن مشاريع الدولة التي تطلقها أرامكو السعودية وسابك وكهرباء السعودية وشعيبة للماء والكهرباء وغيرها من الشركات الحكومية، هي مشاريع قليلة المخاطر وتقدِّم عائداً جيداً وانتشاراً واسعاً. يجب أن يبقى معدل المخاطرة لدى السعودية منخفضاً وتعمل دائماً على الارتقاء بقدرتها للحصول على تمويل أجنبي لتنفيذ مشاريع ضخمة بتمويل حكومي.

ومع مؤشِّرات تفيد بارتفاع الطلب على النفط في الصين والهند ومنطقة الشرق الأوسط، فإن الاستثمارات في مشاريع النفط في غاية الأهمية لمنع حدوث نقص في الإمدادات والذي يمكن أن يؤدِّي إلى صعود حادّ في أسعار النفط ليصل إلى 150 دولاراً للبرميل كما حدث في العام الماضي. ومن المتوقَّع أن تتحسَّن وتيرة هذه الاستثمارات حتى إذا بقيت أسعار النفط عند مستوياتها الحالية.

زيادة مفرِطة في الإنفاق لكن تحقيق الفائض لا يزال ممكناً
بينما أسعار النفط لا تزال قريبة من السعر العادل المستهدَف ولكنها أقل منه، فإن لدى السعودية مجالاً للمناورة في إنفاقها على مشاريع البنية التحتية في الوقت الذي تشجِّع القطاع الخاص على الدخول والمشاركة في هذه المشاريع. الصورة القائمة الآن هي أن الدولة هي العميل للمشاريع الكبيرة التي يتمّ تنفيذها، بينما تقوم شركات خاصّة كبيرة بتنفيذ هذه المشاريع. عندما أعلنت الحكومة عن ميزانية عام 2009 في كانون الأول (ديسمبر)، كانت أسعار النفط قريبة من عتبة 40 دولاراً للبرميل أو أقلّ من ذلك.

فلو بقيت أسعار النفط قريبة من ذلك المعدَّل لما أقدمت الحكومة على زيادة الميزانية بهذا الشكل الهائل، على الرغم من قُدْرة الحكومة على إدارة الإضافات التي طرأت على الميزانية، ولكن أصول الدولة الخارجية كان يمكن أن تتراجع بسرعة أكبر بسبب تمويل الإضافات التي طرأت على الميزانية؛ فعوائد النفط بلغت نحو 89 في المائة من إجماليّ عوائد الدولة خلال العام الماضي، وهو معدَّل لا بُدّ من المحافظة عليه وعلى نطاق واسع خلال العاميْن المقبلين.

إن تحسُّن أسعار النفط في الربع الثالث لعام 2009 ليصل إلى 68 دولارا للبرميل ساعد خُطّة المملكة للإنعاش الاقتصاديّ، ويبدو أن المملكة تسعى الآن لتحقيق فائض على إجمالي الإنفاق المتوقَّع لهذا العام وأن تستمر في الإنفاق الزائد لدعم الاقتصاد المحليّ. ففي عام 2008، زاد الإنفاق عن توقُّعات الحكومة بنحو 27 في المائة، وأنفقت وزارات الحكومة نحو 520 مليار ريال سعوديّ في وقت سجَّلت فيه الحكومة فائضاً قياسياً قُدِّر بنحو 590 مليار ريال سعودي.

على الرغم من أن عوائد الدولة مرشَّحة للتراجع عام بعد عام قد يصل إلى 47 في المائة بحسب تقديراتنا، فإن الأمر قد يتكرَّر هذا العام ولا سِيّما أن قطاعات مثل التعليم والصحة والمياه والسكك الحديدية تحتل أولوية قصوى في إنفاق المملكة. ونتوقع أن يصل إنفاق الدولة الفعليّ لهذا العام نحو 579 مليار ريال سعوديّ وهو معدَّل قريب من فائض الميزانية للعام الماضي، وبنهاية الصيف أنفقت الحكومة ما يقرب من 505 مليارات ريال سعوديّ بحسب تقديراتنا.

تمويل الزيادة في الإنفاق
يصعب معرفة إنفاق الحكومة بالتحديد قبل أن تنشر وزارة المالية الموازنة الأولية في كانون الأول (ديسمبر)، لذا سيتم الاعتماد على موازنة مؤسسة النقد العربي السعودي «ساما» التي تُعنى بإدارة الأصول الأجنبية للمملكة.

اعتمد المصرف المركزي إلى حد كبير على الودائع المصرفية في الخارج من أجل تمويل الإنفاق. ووصلت قيمة هذه الأرصدة في آب (أغسطس) إلى 225.13 مليار ريال سعودي أي أقل بـ 159 مليار ريال (أو أقل بـ 41 في المائة) من ودائع تشرين الثاني (نوفمبر) الفائت. ولوحظ أيضاً تدنٍّ بنسبة 6.2 في المائة أو بـ 71.92 مليار ريال سعودي في استثمارات «ساما» في السندات المالية الأجنبية.

وليست هذه السيولة التي توازي 231 مليار ريال سعودي سوى جزء من إجمالي نفقات الدولة. وتقدر عائدات هذه الأخيرة من تصدير النفط بـ 135 مليار دولار أمريكي أي 506 مليارات ريال سعودي هذا العام. إلا أنه منذ آب (أغسطس) يُخصص 2.7 مليار ريال فقط ليعاد استثمارها في السندات المالية الأجنبية أو لإيداعها في المصارف الأجنبية.

منذ أشهر قليلة بدا من المستحيل للسعودية أن تستفيد من الفائض لهذا العام، نظراً للحد من إنتاج النفط وخطط الإنفاق الضخمة التي اعتمدتها الحكومة. وتوقعت هذه الأخيرة عجزاً يُقدَّر بـ 65 مليار ريال في الموازنة، لتسجل العجز الأول لها منذ عام 2002. إلا أن عائدات الدولة من النفط يُفترض أن تفوق توقعاتها لهذا العام. في الواقع يُقدّر متوسّط سعر برميل النفط السعودي لهذا العام بـ 58 دولارا أمريكيا، وإن استمر إنتاج ثمانية ملايين برميل نفط يومياً على ما هو عليه، كما هو متوقع، فستصل العائدات إلى 581 مليار ريال سعودي مما سيمكن الحكومة من جني فائض صغير، ولكن مهم من الناحية النفسية يوازي 2.3 مليار ريال.

وتؤكد البيانات الأخيرة لمؤسسة «ساما» هذا التقييم، إذ سجلت المؤسسة في آب (أغسطس) أول مكسب لها منذ تشرين الثاني (نوفمبر) من صافي الأصول الأجنبية. كما ارتفعت استثماراتها في الأوراق المالية الأجنبية بنسبة 0.6 في المائة وارتفعت ودائعها في المصارف الأجنبية أيضاً بنسبة 0.9 في المائة. وتشير هذه الأرقام إلى أن الحكومة السعودية سجلت أول فائض سيولة لهذا العام.

على مشارف الانتعاش
أظهرت البيانات الاقتصادية الأخيرة إشارات إيجابية للاقتراب من الانتعاش الاقتصادي في السعودية فيما بدأت النفقات العامة التحفيزية تعزز ثقة المستثمر في القطاع الخاص. بات من المرجح إذاً أن نشهد بداية التغير في الأشهر الأخيرة من عام 2009، لكن الارتداد سيكون حذراً بما أن القطاع الخاص وقطاع المصارف سيتبنون سلوكاً أكثر حذراً تجاه المخاطر وحفظ رؤوس الأموال.

من وجهة نظرنا، لا يعود التباطؤ في استثمارات القطاع الخاص إلى نقصٍ في السيولة لأن الأعمال والمصارف تستمر بكسب المال النقدي. ومع ذلك لا شك في أن قلة الاستثمارات تبطئ الاقتصاد نوعاً ما. ويُتوقع أن يستمر السلوك الاحترازي في الأشهر الأولى من عام 2010. ولكن إلى أي مدًى سيسهم هذا السلوك في دعم انتعاشٍ اقتصاديٍّ كاملٍ؟
نفضل اعتماد الحذر سياسةً في الوقت الحالي، على الأقل في الربع الأول من عام 2010، بانتظار أن يتكيّف الجو العام في مجال الأعمال مع التوجه العالمي. إذ إن أداء الأسهم العادية العالمية سيحدد التوجه في سوق الأسهم المحلية وفي الأعمال وفي الإقبال على المخاطر. ولا حاجة للتذكير بأن الأسهم السعودية وغيرها من الأسهم العربية ارتبطت بأداء السوق العالمي في انهيارها أكثر مما ارتبطت به في ارتفاعها.

انتعاش القروض المصرفية
بعد التدهور الحاد الذي شهده مطلع هذا العام بدأ قطاع المصارف يبدي مؤشرات تعافٍ لجهة الإقراض. فنمو القروض في القطاع الخاص وتحسن دعم التجارة الأجنبية يؤكدان ذلك وسيتيحان عودة نمو إجمالي الناتج المحلي بنسبة 4 في المائة في المائة عام 2010 وفقاً لتقديراتنا الأولية.

يُذكر أن المصارف كانت بدأت تحد من القروض الممنوحة في كانون الأول (ديسمبر) بعد مدة من انكماش القروض بشكلٍ عام في النصف الأول من السنة. أما القروض الضخمة فجُمدت. واعتمدت المصارف سياسات إقراض أكثر حذراً نظراً لضيق السوق الائتماني العالمي وعادت لتركز على اجتذاب الودائع، حتى تعدت نسب الاقتراض مقابل الإيداع 85 في المائة في بعض الحالات.

من جهة أخرى، لا شك في أن قضية مجموعتي شركات «سعد» و»القصيبي» وعدم قدرتها على تسديد الديون أثرتا سلباً على صورة الشركات السعودية في العالم. لكن المشهد العام على صعيد الشركات والاقتصاد الكلي يبدو سليماً وهناك ما يدعو للاعتقاد بأن تأثير هذه الاضطرابات على القروض المصرفية سيضمحل إلى حد ما العام المقبل. وسيكون على الشركات السعودية تعزيز شفافيتها تماشياً مع متطلبات المصارف المقرضة المحلية والدولية.

ازدادت القروض المصرفية الممنوحة للقطاع الخاص بنسبة 1.9 في المائة في آب (أغسطس) مسجلةً أعلى مستوى لها منذ أيلول (سبتمبر) من العام الفائت، حين أدخل إفلاس المصرف الاستثماري «ليمان براذرز» العالم في الأزمة المالية من بابها العريض. وتعطي أوراق الاعتماد أيضاً فكرة عن الاقتصاد السعودي لجهة واردات المملكة الضخمة، ما يشير أيضاً إلى التحسن. وفي أغسطس أيضاً سجلت أوراق الاعتماد ارتفاعاً بنسبة 7.9 في المائة بالمقارنة مع الشهر السابق، على الرغم من أن أوراق الاعتماد السنوية كانت لا تزال تسجل تراجعاً بنسبة 31.5 في المائة بالمقارنة مع العام الماضي. أما أوراق الاعتماد الجديدة فبشرت بارتفاع بنسبة 3.9 في المائة في الشهر التالي.

ولكن هل هذه المعطيات كافية لإطلاق النمو من جديد في القطاع الخاص؟ في غالب الظن، لا. بيد أن التغيرات التدريجية أوضحت أن الاقتصاد لامس قعر الهوة قبل فصل الصيف، ومن الآن فصاعداً ستستمر عملية النهوض الاقتصادي وإن كنا لا نتوقع قفزة نوعية أو اختراقاً في القروض المصرفية في الربع الأخير من هذا العام والربع الأول من العام المقبل على الأقل. ونرى أن المصارف لا تعاني من مخاطر شاملة، فرؤوس أموالها جيدة وتحافظ على كفاية لرأس المال تعادل ضعف نسبة «بازل».

ويتوقع أن تقدم سياسة معدلات الفائدة التي تضعها مؤسسة النقد العربي السعودي دعماً للانتعاش ما إن يستعيد القطاع المصرفي عافيته. كما أن معدلات الفائدة بين المصارف (سيبور) سجلت حداً أدنى قياسياً قارب 0.65 في المائة مدة ثلاثة أشهر منذ حزيران (يونيو) حين خفضت مؤسسة «ساما» سعر الريبو العكسي (أي إعادة الشراء)، الذي يمثل سعر الإيداع لدى المؤسسة من قبل المصارف، بـ 25 نقطة أساس إلى ربع في المائة في محاولة لتشجيع المصارف على عدم التمسك بالسيولة. وكانت «ساما» خفضت منذ كانون الأول (ديسمبر) سعر الريبو العكسي بـ 175 نقطة أساس وسعر الريبو المعياري، الذي يمثل سعر الإقراض للبنوك من قبل المؤسسة، بـ 100 نقطة أساس. ويرجَّح أن يكون التخفيض الأخير الذي قامت به «ساما» نهاية دورة التساهل النقدي.

نتيجةً لهذه الإجراءات، أبدت المصارف ميلاً أقل للإيداع لدى «ساما». فقد أودعت المصارف في آب (أغسطس) 65.6 مليار ريال سعودي لدى «ساما» أي أقل بكثير من أي شهر في 2009. ويشير ذلك إلى تدفق السيولة إلى الاقتصاد المحلي فيما ارتفعت الاستثمارات في الخارج في الشهر نفسه إلى 95 مليار ريال سعودي من 66 مليارا في شباط (فبراير).

الهامش «في المربع المظلل»: تقدم الأسهم السعودية
أسهم وضوح شركتي «سعد» و»القصيبي» وملاءتهما إضافة إلى الإشارات بأن مشكلات الإعسار عن تسديد الديون هذه لن تنتقل إلى مؤسسات سعودية أخرى في دعم الانتعاش الاقتصادي الأطول في سنتين على صعيد سوق الأسهم، وبالأخص أسهم تداول، وذلك في أواخر أيلول (سبتمبر). فقد ارتفع المؤشر بنسبة 12.2 في المائة بين في أيلول (سبتمبر) بفضل ارتفاع أسهم المصارف. وبقي المؤشر مستقراً في الأيام العشرة الأولى من تشرين الأول (أكتوبر).

في الواقع ارتفعت المؤشرات بعد مدة من التباطؤ خلال شهر رمضان، واستعاد السوق عافيته حتى استقر عند 6300 نقطة، ولكن هذا لا يعني أنها ربما لا تتراجع. كما أننا نعتبر أن قضية «سعد» و»القصيبي» يجب أن تجد حلاً وأن تفضي إلى حلول ملموسة وليس إلى المزيد من الشكوك. علاوةً على ذلك، إن استقرار سعر برميل النفط فوق 65 دولارا يدعم الاقتصاد ويخفف ضغوط البيع عن الأسهم المحلية. وبناءً على معلوماتنا عن السوق، نظن أنه في الأسابيع الأربعة الأخيرة ازدادت اتفاقيات المقايضة بين الشركات المستثمرة الأجنبية، ما يعطي زخماً أكبر للاقتصاد. كما بلغت قيمة الاتفاقيات المتبادلة الخارجية 921 مليون ريال سعودي في أيلول (سبتمبر) أي بزيادة 48 في المائة عن آب (أغسطس).

بالطبع يصعب استشراف توجه السوق دائماً لأنه يعتمد في معظم الأحيان على مزاج الأفراد المستثمرين المحليين الذين تشكل تقلبات البورصة بالنسبة لهم موضوع حديثهم اليومي المفضّل.
سيعتمد أداء السوق بالتالي في الشهر المقبل على رد فعل المستثمرين على نشرة عائدات المصارف والمؤسسات الرئيسة وأرباحها في الربع الثالث من السنة. وتتبع مؤشرات الأسهم توجه السوق الدولية، كمؤشر «داو جونز» الأمريكي مثلاً، لأنه ليس هناك من إشارات لانفصال السوق المحلية عن السوق الدولية. أما إن كنا سنسلّم بنظرية الذين يعتبرون أن الأسهم المحلية قد شهدت إسرافاً في البيع فهذا يعني أن أسعار الأسهم المحلية ستنخفض أيضاً.

الهامش «في المربع المظلل»: الأهمية العالمية للواردات والتحويلات
لا يعتمد الدور الذي تلعبه السعودية في استقرار الاقتصاد العالمي على سياستها النفطية فحسب. فالمملكة بدأت تسهم في استقرار الاقتصاد العالمي، قبل أن توكل مهمة إدارة الاقتصاد العالمي لمجموعة العشرين في قمةٍ محوريةٍ في بيتسبورج الشهر الماضي، وذلك من خلال سياسات مباشرة وغير مباشرة لم تحظ ربما بالاهتمام الذي تستحقه.

إضافة إلى ذلك، إن الدور النظامي الذي تلعبه المملكة في سوق النفط الدولية يشكل عاملاً أساسياً في تقويم الاختلالات المالية. وترتبط مشاركة السعودية في قمة مجموعة العشرين مباشرةً بالتزامها مساعدة الدول النامية وبكونها مموّلاً أساسياً في المساعدة على التنمية في الخارج، إذ تخصص الحكومة السعودية 1 في المائة من إجمالي الناتج المحلي لديها للمساعدات للتنمية في الخارج، فيما يخصص معظم الدول أقل من 0.5 في المائة.

الواردات
وللسعودية، العضو الوحيد بين دول مجلس التعاون الذي يحظى بمقعد بين مجموعة العشرين، أثرٌ مضاعِف على الاقتصاد العالمي. فهي تنفق مقابل كل 2.6 دولار من عائدات النفط دولاراً واحداً للواردات. وفي عام 2008 كان ميل المملكة للواردات بنسبة 0.81 في المائة أي إن مقابل كل زيادة من دولار أمريكي في الاستهلاك الخاص والاستثمار ينفق 70 سنتاً من أجل استيراد السلع والخدمات. وتعتبر هذه النسبة الأعلى من بين الدول الناشئة.
ارتفعت الواردات السعودية العام الماضي بنسبة 27.7 في المائة لتبلغ 431.75 مليار ريال سعودي. ويعود الجزء الأكبر من هذا الارتفاع إلى زيادة في واردات السلع الغذائية كجزء من سياسة حكومية تقضي بإلغاء إنتاج السلع الغذائية محلياً تدريجياً من أجل تخفيف الضغط عن الموارد المائية. وفي هذا الإطار ستتخلى الحكومة عن برنامج إنتاج حاجتها من القمح مدته 30 عاماً. فهذه السياسة عرّضت المملكة لتذبذب شديد لجهة أسعار السلع الغذائية الدولية ما أدى إلى معدلات تضخم هائلة السنة الماضية.

بعد الانكماش الذي شهدته الواردات في مطلع السنة بدأت الآن تنتعش من جديد. وسجلت واردات القطاع الخاص التي تمولها المصارف التجارية ارتفاعاً بنسبة 13 في المائة في حزيران (يونيو) وتموز (يوليو) وآب (أغسطس)، بعد أن تراجعت بنسبة 39.5 في المائة في الأشهر التسعة التي سبقت أيار (مايو). ويتوقع أن يستمر هذا التوجه إلى أن يبلغ ذروته في أواخر 2009 أو مطلع 2010. صحيحُ إذاً أن قيمة الواردات انخفضت إلى 91 مليار دولار عام 2009 من 100 مليار و600 مليون دولار عام 2008، إلا أن معظم هذا التراجع لا يعود بالضرورة إلى خفض حجم الواردات بل إلى تدني قيمة استيرادها.

التحويلات الخارجية
للتحويلات الخارجية أثرٌ اقتصادي واجتماعي في آن على الدول التي تتلقاها، لا سيما تلك التي تعتمد على تدفق رؤوس الأموال من الخارج. وكان البنك الدولي أفاد أن زهاء 125 مليار دولار تم تحويلها من السعودية بين عامي 2001 و2008، أي ما يعادل 50 في المائة من إجمالي التحويلات الصادرة عن منطقة الخليج.

ولم تشهد المملكة تدنياً في عدد الأجانب العاملين فيها والذين يشكلون 27 في المائة من إجمالي سكانها الذين يقدرون بـ 24.8 مليون نسمة السنة الماضية، وذلك على خلاف الدول المجاورة لها. وتؤكد أرقام التحويلات ذلك، إذ حوّل الأجانب العام الماضي نحو 78.6 مليار دولار أي أكثر من 33 في المائة من العام الذي سبقه فيما كانت الأزمة الاقتصادية في أوجها. وتبين بيانات «ساما» أن التحويلات الشخصية لغير السعوديين وصلت إلى 6.96 مليار ريال في نهاية آب (أغسطس) أي زيادة سنوية بنسبة 7.5 في المائة. وتشكل هذه التحويلات أحد الدخول الأساسية لعدد من الدول. واحتلت السعودية المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة من حيث التحويلات للخارج عام 2006. وتفيد البيانات الرسمية أن السعودية شكلت مصدر 19.4 في المائة من إجمالي التحويلات التي تلقتها باكستان محتلةً أيضاً المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة. كما أنها شكلت مصدر 30 في المائة من إجمالي التحويلات التي تلقتها بنجلادش، و12.5 في المائة من التحويلات إلى مصر، و8.4 في المائة من التحويلات إلى الفلبين. وقياساً بإجمالي الناتج المحلي، أسهمت المملكة بنحو 9 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في الأردن، وبـ 6 في المائة في اليمن. وستستمر السعودية بالمساهمة في ميزانيات مدفوعات الدول المتلقية لا سيما أن اعتمادها على القوة العاملة الأجنبية سيستمر كما سيستمر النمو السليم لعام 2010.

المساعدات الخارجية
- ساهم صندوق التنمية السعودي بـ7.71 مليار دولار كمساعدة للدول النامية منذ تأسيسه عام 1975 وحتى نهاية 2008، وأُنفق 1.2 مليار من هذه المساعدات عام 2008 وحده بحسب بيانات الصندوق.

- قدمت السعودية أيضاً مساعدات للتنمية خارج إطار الصندوق، على غرار المساعدة التي بلغت مليار دولار في كانون الثاني (يناير) 2009 لإعادة إعمار غزة. وتقدر مساعدات السعودية من 1973 إلى 2008، مع الأخذ في الحسبان عامل التضخم، بـ117 مليار دولار (أي تقريباً أكثر من ثلث إجمالي الناتج المحلي لهذا العام).

- وفي الإطار نفسه، بلغت المساعدات على التنمية بين 1975 و1987 نحو 48 مليار دولار، أي أنها احتلت المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة أيضاً وبين عامي 1990 و2004 عندما سجلت المملكة عجزاً في ميزانيتها باستثناء ثلاث سنوات، بلغت قيمة المساعدات الخارجية السعودية والقروض الميسرة 25.6 مليار دولار. ووهبت المملكة عام 2008 أكثر من 500 مليون دولار على دفعة واحدة لبرنامج الغذاء العالمي لمساعدة الدول الفقيرة على مواجهة ارتفاع أسعار السلع الغذائية والوقود. كما أنها أعلنت في فصل الصيف أنها ستغطي تكلفة القمة العالمية للأمن الغذائي في تشرين الثاني (نوفمبر) 2009 في مقر منظمة الأمم المتحدة للتغذية والزراعة (الفاو) في روما.

الأكثر قراءة