الخلاف ليس عميقا بين دول الخليج والاتحاد الأوروبي حول اتفاقية تأسيس منطقة تجارة حرة
أكد ميشيل لاستشنكو Michel Lastschenko سفير بلجيكا لدى السعودية, أنه ليس هناك خلاف عميق بين دول مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي حول الاتفاقيات الخاصة بتأسيس منطقة حرة, وأن الاتجاه السائد هو أن ينتهي هذا الوضع إلى حل إيجابي يرضي الطرفين.
وقال ميشيل في حوار أجرته «الاقتصادية» على هامش زيارة الأمير فيليب ولي عهد بلجيكا إلى السعودية التي تبدأ اليوم وتستغرق أربعة أيام: يرافق الأمير وفد رفيع المستوى يضم وزراء متخصصين في مجالات الاقتصاد والاستثمار والصحة للدخول في مفاوضات يتم خلالها توقيع مذكرات تفاهم تجارية بين عديد من الشركات في البلدين.
وأشار لاستشنكو إلى أن التبادل التجاري بين البلدين شهد تطورا كبيرا بدليل تزايد الأرقام خلال السنوات الخمس الماضية.
وتحدث ميشيل في هذا الحوار عن الوضع الاقتصادي في بلاده عقب الأزمة المالية التي ضربت العالم خلال عام 2008 حتى الآن، والحلول لمواجهة ما تمر به أركان الاقتصاد البلجيكي من أضرار.
وتطرق في هذا الحوار إلى الحديث عن نقاط عديدة تتعلق بوضع بلجيكا على خريطة الاقتصاد الأوروبي ودورها في تفعيل دور الاتحاد الأوروبي عالميا عقب زيارة عدد من الدول المنضمة إلى هذا الاتحاد .. فإلى محصلة الحوار:
ما التطورات التي يشهدها الاقتصاد البلجيكي في ضوء الدراسات والأبحاث التي صدرت أخيرا؟
ليس لدي فكرة عن الدراسات الأخيرة، لكن أعلم أن الاقتصاد البلجيكي يسير بخطى حثيثة ومتينة وقوية ويحقق نجاحات ملحوظة على الرغم من الأزمة الاقتصادية التي يشهدها العالم منذ عام 2008 حتى الآن، وبلدنا مثل أي دولة أخرى تأثر بهذه الأزمة المفاجئة، لكنه انتعش واسترد الاقتصاد عافيته في قطاعاته كافة, إلا أننا عانينا تسريح عديد من الوظائف المختلفة, نظرا للكساد الذي شهدته صناعة السيارات.
طبعا واجهتم مشكلات في الاقتصاد وبطئا في النمو وازدادت نسب التضخم والبطالة .. هل في الإمكان ذكر إحصاءات وأرقام في هذا الجانب؟
بالنسبة إلى نسب البطالة فقد احتسبها العام الماضي وفقا للمعيار الخاص بالدول المنضمة تحت لواء الاتحاد الأوروبي، حيث لم تتعد نسبة البطالة تقريبا نحو 9 في المائة في بلجيكا.
نريد منكم التحدث عن المنتجات التسويقية النشطة التي تمثل نسبا كبيرة في أرقام التصدير؟
بلجيكا بلد صناعي, نعتمد عموما على الصناعات باعتبارنا بلدا يهتم بالصناعات التقليدية المختلفة، حيث نصدر كثيرا من أنواع الأجهزة والآلات والمكائن والبتروكيماويات, ونصدر أيضا جواهر مثل الألماس ومواد غذائية من خضراوات وفواكه معلبة, ونحن متخصصون أيضا في تصدير ما يعرف بالصناعات الخدمية لعديد من الدول.
كيف ترى وتقيّم العلاقات الاقتصادية بين بلجيكا والدول العربية خاصة السعودية؟
حسنا، العلاقات الاقتصادية مع السعودية جيدة جدا, حيث نصدر ما يعادل مليون يورو سنويا، ونستورد ما قيمته أيضا نحو مليون يورو سنويا، والغريب في الأمر أن بلجيكا تصدر مواد بتروكيماويات, وأيضا الوضع نفسه فإننا نستورد مواد بتروكيماوية من السعودية، ويمكن أن نصف هذا الوضع بأن فيه نوعا من التناقض، وتعد السعودية ثاني أكبر دولة في التعامل التجاري معنا بعد أبو ظبي في منطقة الخليج.
تقدم السعودية تسهيلات خاصة للمستثمرين الأجانب مثل الإعفاءات الضريبية والجمركية .. كيف تطمح الشركات البلجيكية إلى الاستفادة من هذا الوضع؟
يعد موضوع الاستثمارات من أهم الأهداف الرئيسية لزيارة الأمير فيليب ولي عهد بلجيكا، حيث سيكون بصحبته عدد كبير من الوزراء المختصين ورجال الأعمال, وستتم مناقشة مسألة الاستثمارات المتبادلة بين البلدين للاستفادة من التسهيلات والفرص المتاحة.
والاستثمارات أحد أهداف الزيارة الرسمية التي سيقوم بها ولي عهد بلجيكا وسيكون بصحبته أكبر ممثلي الشركات البلجيكية, وستعقد هناك مناقشات على مستوى بين الشركات, ونحن على علم بالتسهيلات التي تقدمها السعودية في هذا الموضوع، وبناء على هذا جاءت الشركات لتقوم بدراسة هذه التسهيلات والفرص المتاحة للاستثمار مع بعض وإقامة علاقات عامة.
ما المنتجات أو المصانع التي ترغب وتهدف الشركات البلجيكية الدخول بها إلى السوق؟
يشمل برنامج ولي العهد زيارة لثلاثة قطاعات:
القطاع الأول: الطاقة والبتروكيماويات, وسيكون له لقاءات مع شركتي سابك وأرامكو.
القطاع الثاني: لقاء مع الشركات المتخصصة في القطاع الصحي وتجهيز المستشفيات, وهناك عدد من الشركات مرتبطة بعلاقة متينة ولها عقود مع عدد من المستشفيات السعودية.
القطاع الثالث: قطاع الإنشاءات.
هذه المرة الوفد الذي يرافق ولي عهد بلجيكا ضخم ورفيع المستوى ويضم عددا كبيرا من الوزراء المختصين .. لماذا؟
كانت آخر زيارة قام بها الأمير فيليب إلى السعودية عام 2002 لتقديم واجب العزاء في وفاة الملك فهد بن عبد العزيز - يرحمه الله - أي قبل نحو سبعة أعوام، ولم يزر الأمير فيليب السعودية منذ هذه الفترة، هذا هو السبب الأول، الذي جعل الوفد يكون بهذا الحجم الكبير ويضم الشخصيات المهمة, أما السبب الثاني فإن الاقتصاد السعودي خلال الفترة الماضية سجل نموا وتطورا متسارعين وذلك بشهادة البنك الدولي الذي أكد في تقارير رسمية قوة الاقتصاد السعودي وتطوره، ما جذب عددا كبيرا من المستثمرين والمتخصصين البلجيكيين.
في 2005 كانت هناك قائمة طويلة لحظر البضائع البلجيكية هل ما زالت مستمرة؟ وكيف تم علاجها؟
هذا المشكلة واجهتها بلجيكا فيما يخص صناعة اللحوم وتمت معالجتها وحلها نهائيا، ولم نتلق أي شكاوى من الشركات البلجيكية بمنع دخول منتجاتها إلى الأسواق السعودية، وعقدنا اجتماعات خلال الشهر الماضي وناقشنا مع الجهات المختصة في السعودية في مجال سلامة ومراقبة الأغذية، وقد أخبروني بأنه لا توجد مشكلات نهائيا فيما يتعلق بتصدير المنتجات البلجيكية وتسويقها في السعودية في الوقت الراهن.
الرجاء إعطاءنا فكرة بالأرقام عن تزايد حجم التبادل التجاري بين السعودية وبلجيكا وفي أي مجال؟
كما ذكرت في السابق أن معدل التبادل التجاري ارتفع بين البلدين خلال السنوات الخمس الماضية في مجالات الصادرات بين 900 مليون يورو إلى مليار يورو سنويا، والآن وصل إلى أكثر من مليار يورو، كما وصلت صادرات السعودية إلى الرقم نفسه.
قيّم لنا موقع بلجيكا في خريطة أوروبا الاقتصادية بعد دخول عدد من الدول الأوروبية في الاتحاد الأوروبي؟
طبعا تعد مملكة بلجيكا من الأعضاء المؤسسين للاتحاد الأوروبي ومن بين الدول الست العظمى التي أيدت ودعمت فكرة تأسيس هذا الاتحاد، ودائما نسعى إلى توسيع دائرة هذا الاتحاد الذي وصل عدد الدول المنضمة تحت لوائه إلى 27 دولة - وذلك بانضمام أكبر عدد من دول القارة من أجل تحقيق أهداف اقتصادية وسياسية، حيث بقي عدد قليل من الدول لم يحظ بالانضمام إليه. كلما زاد عدد الدول زادت الصادرات ونسعى إلى توسيع المجال أكثر وأكثر.
#2#
حدثني عن مستقبل حركة النشاط الاقتصادي في بلجيكا من ناحية زيادة الدخل القومي في ظل التقلبات التي يشهدها الاقتصاد العالمي؟
في المقام الأول مثل أي دولة في العالم لا بد من إعادة الوضع الطبيعي للاقتصاد قبل الأزمة وهذا الوضع يكلف الدولة أموالا ضخمة، خاصة فيما يتعلق بإصلاح الأوضاع في القطاع البنكي الذي تأثر تأثرا» شديدا» في بلجيكا، وهذا الجانب تعطى له الأولوية. ثانيا تنمية الاقتصاد في جميع القطاعات، ودفعت هذه الأزمة معظم الدول ومن بينها الاتحاد الأوروبي (الذي يمثل 27 دولة كما أنه يمثل عضوا في مجموعة العشرين) إلى توحيد القوانين المالية والقوانين الاقتصادية وسيعكفون على وضع أزمة تعالج وضع الاقتصاد العالمي من الأزمة التي أعاقته.
خلال زيارة ولي العهد للسعودية هل يتوقع أن يكون هناك توقيع اتفاقات استثمارية حول حرية تبادل الأموال وإنشاء المؤسسات وفق القوانين المعمل بها في البلدين؟
خلال الزيارة سيتم توقيع عدد من مذكرات التفاهم بين شركات سعودية وبلجيكية، لكن لن يكون هنالك توقيع اتفاقيات حول تبادل التجارة الحرة، لأن هناك مفاضاوت بدأت بين الاتحاد الأوروبي والدول الخليجية من قبل، لتأسيس مناطق تجارة حرة، وهنالك مفاوضات في هذه الجانب إلا أنها توقفت منذ كانون الأول (ديسمبر) 2008 عقب قمة مسقط، ونتمنى العودة إلى المفاوضات قبل نهاية هذا العام.
هل بالإمكان الحديث عن نقاط الخلاف بين دول الخليج والاتحاد الأوروبي حول مفاوضات التجارة الحرة وهل الخلاف عميق ومعقد؟
أولا أريد أن أطمئنك وأصحح أنه لا يوجد خلاف عميق بين دول الخليج والاتحاد الأوروبي لكن هناك نقاط خلاف صغيرة يمكن تلافيها، والاتفاقية تم حل أو إجازة 95 في المائة من بنودها، وبقيت فقط نقطتان صعبتان في الطريق إلى الحل، النقطة الأولى خلاف سياسي والثانية اقتصادية، أما فيما يتعلق بالجانب السياسي فإنه ليس صعبا ويمكن حله ونحن في الاتحاد الأوروبي نبحث عن صيغ مرضية من أجل اتفاقيات تجارة حرة بين الدول كافة, حيث المعيار لهذه الاتفاقيات واحد لا يتغير وليس لدول الخليج وحدها وهو ثابت, ومثالا لذلك ما تم توقيعه مع كوريا الجنوبية في هذا المجال. والخلاف الاقتصادي يتمثل في قضية الصادرات والضوابط المرتبطة بها مثل أن تكون البضائع معفية من الجمارك، فدول الخليج أصرت على بعض البضائع أن تبقى عليها الضرائب المدفوعة، لكن في إطار المناقشة والدراسات ستتم معالجة الأمر. وقد عقد في تموز (يوليو) الماضي اجتماع بهذا الشأن وهو في إطار الدراسة وممكن أن تحل. إذن الخلاف ليس عميقا، وموقف بلجيكا شأنه شأن موقف الاتحاد الأوروبي ولا يختلف عنه، مثل موقف دول الخليج التي تدخل مفاوضات كمجموعة واحدة وليس كل دولة على حدة.
تعاني أوروبا الهجرة بشكل عام وهنالك جهود من الاتحاد الأوروبي لمعالجة هذا الأمر .. هل بلجيكا متأثرة بهذا الوضع؟
مثل أي دولة في العالم تواجه وتعاني بلجيكا أيضا هذه المشكلة، وتحاول حكومتنا معالجة هذه الظاهرة من خلال وضع أنظمة لمساعدة المجموعات التي تأتي منفردة وتأتي لفترة مؤقتة للبقاء، ولكن على دول الجنوب أن تتفهم أن القدوم إلى بلجيكا لا يعني أنهم سيحصلون على العمل والسعادة في الحياة، ولا يعني أن أي دولة غنية تتوافر لديها فرص للعمل، فهذا المفهوم خاطئ، لذا فمن جانب آخر نبحث عن حلول لهؤلاء المهاجرين في بلدانهم أولا ونشجع سكان دول الجنوب بالحضور بطريقة رسمية, كما نشجعهم بتقديم المساعدات لبلدانهم لنخلق لهم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي وتهيئة الظروف لهم من أجل الاستقرار، ونطالب الشباب الذين ينشدون الهجرة إلى أوروبا باستخدام المراكب بالبقاء في بلدانهم.
هل لديك أي شيء تريد أن تضيفه في هذا الحوار وترى أنه لم يتم التطرق له؟
لا, لكنني أود أن أقدم لكم الشكر ولجريدتكم على إجراء هذا الحوار.