عباس ميراخور.. المطلوب تأسيس إطار تنظيمي عالمي لنشر المعرفة عن نظام البنك الإسلامي
دروس قيمة يطرحها عباس ميراخور المدير التنفيذي السابق لصندوق النقد الدولي ونور الدين كريتشن اقتصادي في البنك الدولي ومستشار سابق في بنك التنمية الإسلامي في جدة، حيث يوضح ميراخور مدى استفادة صناعة التمويل الإسلامي من الأزمة العالمية، مؤكداً بروزه بشكل واضح لدى عديد من دول العالم, وطالب ميراخور بقيام البنوك الإسلامية بتأسيس إطار تنظيمي عالمي لنشر المعرفة بنظام البنك الإسلامي, كمرجعية لتحديد انحرافات المؤسسات الممارسة للمصرفية الإسلامية, مشيراً إلى أهمية مثل هذه الأطر حتى لا تؤثر بعض النماذج التي تبدو ظاهرياً إسلامية في سمعة المصرفية الإسلامية. جاء ذلك في بحث منشور في مجلة "نيوهورايزون" الإلكترونية.
اهتز النظام المالي التقليدي القائم على عقود الدين والفائدة بفعل الأزمات المتعددة التي كانت لها آثار مختلفة عبر القرون في كل الدول تقريبا التي عمل فيها هذا النظام المالي. فالدول الغنية والفقيرة على حد سواء عانت أزمات بنكية كبيرة ومنها أزمات كانت قاتلة، وكل أزمة من هذه الأزمات استلزم حلها أن تكون هناك ضمانة حكومية على شكل إيداعات وضمانات للبنوك, التي من دونها كان أثر هذه الأزمات المعدي سيؤدي إلى انهيار كامل
لنظام البنوك وما يترتب على ذلك من عواقب وخيمة على الاقتصاد.
وقد تم التأكيد على دور البنك المركزي كمصدر اقتراض آخر كملاذ من قبل الاقتصادي والصحفي البريطاني الشهير والتر باغهوت (1873). وقد تم إدخال تأمين الإيداع Deposit insurance في عام 1935 كرد فعل على الخسارات الكبيرة للإيداعات التي حدثت خلال كل أزمة. وكان لكل أزمة بنكية آثار دراماتيكية على النمو الاقتصادي وعلى التوظيف وسببت كسادا أو تباطؤا اقتصاديا.
حدثت الأزمات المالية بالرغم من وجود الأطر الإشرافية والتنظيمية التي من ضمنها قيود «بازل 1» و «بازل 2» وكل أزمة تطلبت قيودا وإشرافا أكثر، وهذا كان شأن قانون بيل peel act في عام 1844 في المملكة المتحدة، وتأسيس نظام الاحتياطي الفيدرالي في الولايات المتحدة في عام 1913 والقيود البنكية التي فرضتها إدارة روزفلت في عام 1935.
وفي بعض المناسبات أصبحت القيود (أي اللوائح والتنظيمات) المصدر لعدم استقرار جديد، فعلى سبيل المثال كانت القيود الفيدرالية سببا رئيسيا مساهما في الكساد العظيم. والقيود الجديدة غالبا ما تعرض مراجحة تنظيمية regulatory arbitrage للخطر عندما تتجاوز الابتكارات المالية هذه القيود. كما أن الفجوات التشريعية هي أيضا عامل في إدامة الأطر التنظيمية القديمة أو الضعيفة. وبالإضافة إلى ذلك، فاقم تحرير القيود deregulation الأيديولوجية الجهود لتشكيل إطار تنظيمي يمكنه تشجيع الاستقرار.
واستنتج بعض المفكرين أن النظام المالي التقليدي يحمل في طياته بذور عدم الاستقرار المتأصل بسبب عدد مرات تكرار الأزمات البنكية التي خلقت عواقب وخيمة على مستوى الدخل والتوظيف على مر الوقت وفي مختلف بلدان العالم.
والنظرية المتعلقة بعدم الاستقرار المتأصل للنظام المالي المستند إلى الفائدة والديون تم شرحها على الأقل منذ أواخر القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر. وأحد أهم المناصرين لنظرية عدم الاستقرار المتأصل هو الاقتصادي الأميركي هايمن منسكي (1966) الذي بدأ منذ بداية النصف الثاني من القرن العشرين بملاحظة أن الاستقرار في هذا النظام (إذا/أو عندما يحدث) لا يمكن له الاستمرار، وهذا لأن التمويل التقليدي كان مقدرا له أن يتطور من حالة الاستقرار (التي تنتج عن الصفقات المالية التي يسيطر عليها بالأسهم من قبل الشركات والتي سماها بالتمويل لتحوطي), إلى عدم الاستقرار الذي ينتج عن التمويل المستند إلى الدين والفائدة. عدم الاستقرار هذا لا يشكل مفاجأة عندما نستذكر الآية القرآنية التي تشير بصراحة إلى أن الصفقات التجارية المبنية على الربا تحمل في طياتها بذور الخراب. فعدم الاستقرار لا يمكن تجنبه عندما يقوم الذين يلجأون إلى الصفقات الربوية بالدعوة إلى إعلان الحرب المباشرة على الله سبحانه وتعالي ورسوله عليه السلام .
ولترويج وتشجيع البنوك الإسلامية هناك ثمة أولوية لتطوير الأطر التنظيمية واللوائح والنظم الإشرافية لإظهار وإثبات قوة وثبات البنوك الإسلامية.
#2#
خلال فترة الكساد العظيم، كان هناك عدد من الباحثين وبخاصة الاقتصاديين الذين كانوا مع قسم الاقتصاد بجامعة شيكاغو قدموا مقترحا لحكومة الولايات المتحدة لإصلاح النظام المالي. وكان جوهر خطة إصلاح شيكاغو يتماشى إلى حد كبير مع جوهر النظام المالي الذي جاء من التعاليم الإسلامية. وقد قدم المقترح أنظمة بنكية بمستويين: أولا، احتياط بنكي يبلغ 100 % لمنع النظام البنكي من خلق أو تدمير النقود وهو ما سيؤدي إلى حماية كاملة للإيداعات ويحمي نظام المدفوعات للأمة. ثانيا، نظام بنكي للاستثمار المنظم دون حماية الحكومة مثل نظام التأمين على الإيداعات.
والتمويل الإسلامي يقوم بتحويل الأساس الثاني إلى نظام يستند إلى حفظ حقوق المساهم ويمنع فيه إتمام صفقات ربوية. وبرهنت التحليلات النظرية لمثل هذا النظام على الاستقرار المتأصل. وتنبع هذه النتيجة من حقيقة أنه لا توجد إمكانية لـخلل في الاستحقاق (maturity mismatching) لأن هناك 100 % من النقود في النظام الاحتياطي.
##أسباب عدم الاستقرار المالي التقليدي
في الأدبيات الاقتصادية هناك تحليل بتفصيل كبير لأسباب عدم الاستقرار المالي. فمنذ بداية القرن التاسع عشر، قام هنري ثورنتون (1802) وهو الاقتصادي والمصرفي الإنجليزي، بملاحظة قيام البنك المركزي بخلق أوراق مالية دون تكلفة، وقام بشرح أزمة البنوك التي تحدث بالضرورة نتيجة العاملين التاليين: أولا، انحراف في معدل الفائدة في السوق من معدل فائدة طبيعي وغير ملاحظ, يقيس معدل الربح أو الإنتاجية الهامشية لرأس المال في الاقتصاد، وثانيا، التوسع المضاعف والانكماش في قاعدة الإيداع للبنك فتصبح ديونا. وإذا كان معدل الفائدة هو أقل من المعدل الطبيعي فإن الطلب على الدين يزداد. وليس هناك مشكلة لدى البنوك في منح القروض بشكل أكبر بكثير من الإيداعات لديها أو رأس المال المتوافر لديها. كما أن أسعار الموجودات والأصول والسلع ترتفع، كما أن النقص في صك النقود من قبل الحكومة يسبب سيولة كثيرة، ويقلل من معدلات الفائدة ويؤدي إلى ارتفاع وزيادة الدين. وعندما يصبح هرم الدين المقلوب غير ثابت بالنسبة للاقتصاد الحقيقي أو بالنسبة لأساس الضريبة فإن الحكومة والمقاول والمستهلك يواجهون صعوبات في خدمة ديونهم. وبالتالي يحدث تقلص سريع وتنخفض أسعار السلع والأصول ويحدث فشل بنكي كبير.
كتاب آخرون أسهبوا كثيراً في الحديث عن نظرية ثورنتون حول معدلات الفائدة. ومن ضمن هؤلاء الكتاب ما قام به جوان غوستاف نت ويكسيل (1989) عندما قام بإعادة فحص نظرية الكمية والنقود. وهذا الاقتصادي السويدي المرموق جادل بأن الانحرافات في معدلات الفائدة من المعدلات الطبيعية تؤدي إلى تغيرات في سرعة واتجاهية النقود وكذلك في كمية النقود، وهذا بدوره يتحول إلى تغيرات في مستوى الأسعار وكذلك في النشاط الاقتصادي الحقيقي.
أما الاقتصادي الأميركي إفرينغ فيشر (1933) الذي راقب تطور الكساد الكبير فقد استبعد كل الأسباب المحتملة باستثناء الدين الكبير الذي يأتي من النقود الرخيصة المتبوعة بانكماش الدين كسبب وحيد للأزمة المالية. ويستنتج بقوة كبيرة أن الأزمات المالية يمكن شرحها فقط بالتوسع الزائد عن الحد في الدين والفوضى الاقتصادية والمالية التي تتبع مثل هذا التوسع ومن ضمنها الانكماش في الدين والنقود وانخفاض الأسعار والإفلاس وانتشار البطالة بشكل كبير.
أما الأزمة المالية الأخيرة التي اندلعت في شهر آب عام 2007 فإنه يمكن شرحها بنفس العوامل التي ذكرت في الأدبيات وهي على وجه التحديد الفائدة وارتفاع حجم الدين. وقامت الأمولة (Financialisation) وبشكل كبير بإضعاف الرابط بين القطاعين المالي والحقيقي مما سمح بهرم الدين المقلوب أن يصل إلى معدل فاعلية مالية بالنسبة لإجمالي الناتج المحلي, التي من الممكن أنها وصلت إلى أكثر من 50 مرة. وقد لاحظ ميراخور (2002) النمو اللافت والخطر لهرم الدين المقلوب قياسا بإجمالي الناتج المحلي, وحدد أن الأمولة قامت تقريبا بمفاقمة العلاقة بين التمويل والإنتاج. وقال إنه إزاء كل دولار من الإنتاج هناك آلاف الدولارات من مطالبات الدين, وتوقع حدوث انهيار قريب لمثل هذا الهرم من الديون.
وتشير الخريطة إلى أن الأزمة سبقتها فترة طويلة من سجل معدلات الفائدة المنخفضة ومن معدلات فائدة حقيقية سلبية بسبب الفيدرالية الأميركية, ووجود كثير من السيولة التي غذت وزودت التكهنات الكثيرة والزائدة في أسواق السلع والأصول. وكان تمويل أميركا للحرب والعجز الكبير في حساب الجاري الخارجي الذي وصل إلى 5 أو 7 % خلال أعوام 2002 - 2007 والذي سمح لإيداعات البنوك المركزية للدول الأخرى بالدولار في البنوك الأميركية, قد زاد بشكل كبير ووفر سيولة أكثر وقروضا أكثر في أسواق الولايات المتحدة. ولا يمكن استيعاب وامتصاص السيولة الكبيرة جدا من قبل الأسواق الرئيسية. والأمولة التي تضم أوراقا مالية ومعاملات الدين المشتقة شكلت ضغطا لتدفق السيولة إلى أسواق ثانوية وسببت مشكلات عقارية وسلعية.
وارتفع معدل الدين إلى مستويات غير مسبوقة قياسا بإجمالي الناتج المحلي ما أدى إلى إيجاد صعوبات لخدمة وسداد هذا الدين. ولم تتمكن العائلات من دفع أثمان المضاربة وأرباحها, ولم تتمكن أيضا من دفع الرواتب العالية إلى تجار الدين. وأصبح كل هذا عبئا على العائلات. وحبس الرهن قام بتحويل كل الأعباء إلى البنوك التي عانت خسائر كبيرة وتم إنقاذها من قبل الحكومات .. إذ وصلت خطة الإنقاذ إلى تريليونات الدولارات.
وأصبحت بنوك الاحتياط الرئيسية قوى زعزعة استقرار خطرة, وأصبحت أيضا وكالات سن ضرائب قوية وإعادة توزيع ثروة. وقد اختفى كثير من الغنى المالي على شكل البورصات. وكان واضحا أنه لا يوجد أي نظام مالي بصرف النظر عن صرامته في القيود يمكن له أن ينجو من سياسة النقد الرخيصة على شكل معدلات فائدة منخفضة بشكل كبير وكثير من السيولة. وعلى الرغم من حقيقة أن معدل الدين بالنسبة لإجمالي الناتج المحلي كان على أعلى مستوى له, كانت البنوك المركزية طائشة في الضغط باتجاه ديون غير مضمونة بالعمل على إحداث تدفق بتريليونات الدولارات على شكل سيولة بمعدلات فائدة أقرب إلى صفر. وعندما تقوم البنوك المركزية بخفض الفائدة وطباعة غير محدودة من النقود فإنها تمهد الطريق لأزمة مالية قوية وتخلق عديدا من التشوهات وتفرض الضرائب الباهظة على العمال والمتقاعدين الذين لهم دخول ثابتة.
##التمويل الإسلامي مستقر بشكل طبيعي
من المنطقي القول إن أي نظام مالي يشتق مبادئه التشغيلية من القرآن والسنة سيكون مستقرا بشكل طبيعي. ففي مثل هذا النظام، لا تقوم البنوك بصفقات دين بنظام الفائدة ولا تقوم بخلق أو تدمير النقود. وهي لا تمول صفات مضاربة ولا تقوم بالمتاجرة بالديون. وبالرغم من أن الاقتراض غير محرم في الإسلام، فإن الاقتراض يجب أن يكون خاليا من أي عنصر يمكن اعتباره متعلقا بالفائدة. ولا يمكن أن يكون الاقتراض المستند إلى الفائدة جزء امن النشاط الاقتصادي الإسلامي. فمثل هذا النوع من الإدانة والإقراض يعيد توزيع الثروة عندما يكون هناك تذبذب كبير في السعر, وهو لذلك لا يمكن أن يكون جزءا من التمويل الإسلامي الذي يستند إلى العدالة. والإقراض يمكن أن يزيد من ثروة المستقرضين في طرق لا يستحقونها, وعلى حساب العمال والطبقات ذات الدخل المتدني. وبالإضافة إلى ذلك تسبب التضخم عندما تتجاوز الادخار, وعندها يمكن أن تدعم المضاربة. وأكثر من ذلك، يقوم المستقرضون دائما بتغيير المخاطر للمقرضين، ويقومون بدفع الفائدة فقط عندما تربح مشاريعهم. ولكن عندما تخسر المشاريع، فإن المستقرضين يقصرون, مما ينتج حالة من تدهور محفظة البنك.
#3#
وقد عرف ميراخور (1988) النظام المالي الإسلامي بأنه نظام واحد لا يكون فيه ضمان من المخاطر على الأصول, وتكون فيه كل الترتيبات المالية تستند إلى مخاطر الربح والخسارة, وتكون فيه مشاركة في الربح والخسارة. لذلك تخضع كل الأصول المالية لمطالب محتملة, ولا توجد هناك آلية دين بمعدلات فائدة ثابتة أو متغيرة. وبعد تنميط النظام المالي كواحد غير مضارب وفيه أسهم مالية, يتبين لنا أن معدل الربح قياسا بالأصول المالية يحدد بشكل رئيس بعوائد القطاع الحقيقي ومن ثم في النمو الاقتصادي, فيكون للبنوك الإسلامية دائما عائد إيجابي.
ويلاحظ ميراخور غياب هرم الدين المقلوب ويظهر وجود تشابه بين القطاع المالي والحقيقي. ولأن الفائدة غائبة لا يكون هناك تناقض بين معدلات الفائدة والربح وبالتالي يعمل الاقتصاد دائما على مستوى توازن بتوظيف كامل. وعلى وجه أدق فإن التوازن في النقص في التوظيف (مصطلح أوجد من قبل الاقتصادي الإنجليزي جون كينز) يعتمد على الدور المحوري لمعدلات الفائدة ومصيدة السيولة ونقص الطلب وهو غير قابل للتطبيق في التمويل الإسلامي. ومفاهيميا يمكن القول إن نظام البنوك الإسلامي له نوعان أساسيان من نشاطات البنوك. أولا، حماية ونشاط دفع كما هو في فترات ما قبل الإسلام وصدر الإسلام وكما هو في بيوت صاغة الذهب, أما الثاني فهو نشاطات الاستثمار. النوع الأول من النشاط مشابه لنظام الاحتياط الـ 100 % مع وجود ودائع تكون سيولة وتكون في الخدمات الجارية متوافرة. ويجب أن يعتمد هذا النظام على نظام الرسوم لتغطية تكاليف الحماية والتحويل وخدمات الدفع. أما النوع الثاني وهو النشاط الاقتصادي فيكون عندما تعتبر الودائع توفيرا على المدى الطويل وعندها تقوم البنوك بأخذ المخاطرة في التجارة والتأجير والاستثمارات الإنتاجية في الزراعة والصناعة والخدمات.
والميزة الأهم بالنسبة لهذا النوع من النشاط هو أنه محصن ضد التوسع للدين غير المدعوم. ومن المفروض أن يلائم البنك الإسلامي استحقاقات الودائع مع استحقاقات الاستثمار. فالودائع قصيرة الأجل من الممكن لها أن تمول عمليات تجارية قصيرة المدى يقوم فيها البنك بشراء المواد الخام أو البضائع ويقوم ببيعها لشركات أخرى، وتكون السيولة معوضة عندما تأتي الأرباح من عمليات البيع. أما فيما يتعلق بالاستثمارات طويلة الأجل، فإنه من الممكن استعمال الإيداعات طويلة الأجل. ويمكن تعويض السيولة عندما تتوافر مبالغ السداد، ويمكن أيضا أن تعوض بصفقات البورصة عن طريق بيع أو شراء الأسهم.
وفي كل هذه الحالات، فإن البنوك الإسلامية هي المالك المباشر للاستثمار. وفي مثل هذا النظام، فإن المؤسسة المالية تشارك مباشرة في عملية التقويم والإدارة والرقابة لعملية الاستثمار. وتبدأ عوائد الأموال المستثمرة بمعزل عن الخسائر والأرباح من هذه العملية, ويتم توزيعها على المودعين وكأنهم أصحاب أسهم رأس مال. وبما أنه لا يوجد تقصير لسداد القروض فإن المودعين يواجهون مخاطر ضئيلة على أصولهم، وفي الأسواق التقليدية فإن العجز أو التقصير في سداد الدين هو أمر سائد, وبالفعل فإن معدل التقصير في السداد يزداد أكثر قياسا بمعدل التوسع في الاستدانة. وأكثر من ذلك، فإنه كلما زادت حصة قروض المستهلك فإن مخاطر التقصير في السداد تزداد. التقصير في الدين يمكن له أن يصبح خطرا منتظما ويمكن له أن ينتهي بأزمة بنكية. ومن دون ضمانة حكومية فإن المودعين يواجهون خطرا كبيرا يتمثل في فقدانهم إيداعاتهم. مثل هذه المخاطر غير موجودة في التمويل الإسلامي.
## الدروس للتمويل الإسلامي
أدت الأزمة المالية الأخيرة إلى بروز التمويل الإسلامي على المسرح الرئيسي. وتنظر الأماكن المالية الرئيسية للتمويل الإسلامي كنوع جديد من البنوك التي يمكن لها أن تشجع استقرارا دائما وتعمل على نمو مستدام في الإنتاج، التجارة, والتوظيف. وكي تنتشر البنوك الإسلامية هناك أولوية لتطوير الأطر التنظيمية والرقابية ولإثبات قوة وثبات البنوك الإسلامية ولتأسيس إطار تنظيمي عالمي ولنشر المعرفة عن نظام البنك الإسلامي يمكن أن يساعد جلب المستثمرين ورجال الأعمال إلى الحقل.
العديد من الصفقات المالية والأدوات يجب أن تستثنى من قبل التمويل الإسلامي وبخاصة السندات والأوراق المالية التي تعتمد على نظام الفائدة, التي عادة ما تختفي كآليات رهن والتي تجعل منها أعلى سعرا من التي تصدر تحت النظام التقليدي.
والإطار التنظيمي والرقابي للتمويل التقليدي لا يمكن له إزاحة السببين الرئيسيين لعدم الاستقرار البنكي وهما تحديدا: الفائدة والدين. والتمويل الإسلامي هو بطبيعته مستقر لأن هذين العاملين على وجه التحديد غير موجودين. غير أن الممارسين يعترفون بأن التمويل الإسلامي كما يمارس الآن وفي هذه المرحلة لا يمكن تمييزه عن التمويل التقليدي. فالأمولة تستمر على المعدل نفسه كما هو الحال في التمويل التقليدي.
#4#
وهناك دليل على أن البنوك الإسلامية الفاشلة كانت تقوم ببساطة بعمل البنوك التقليدية وقد تأثرت بالأسباب نفسها التي جعلت من البنوك التقليدية هشة وعرضة للفشل. والمنظمون (regulators) عليهم أن يتفقوا على تعريف التمويل الإسلامي. ومن وجهة نظرنا فإن التمويل الإسلامي هو ذلك النظام المكون من مكونين: مكون احتياطي الـ 100 % ومكون استثمار رأس المال. ويجب تفويض القيام بهذين الغرضين إلى مؤسسات مستقلة ومنفصلة. وهنا يجب أن يكون هناك مانع تشريعي وتنظيمي ليبقي كلا الغرضين منفصلين.
ويمكن للمكون الاستثماري أن يتعهد بالصفقات المالية التي تأتي من أنماط تعاقدية من التمويل مثل المضاربة والمرابحة والإجارة والستسناء. وبشكل أعم يجب أن يكون مكونا مستندا إلى حق استغلال رأس المال. وعندما تكون هناك حاجة يمكن أن يكون هناك تمويل من دون فائدة لتسهيل الصفقات التي لا تكون ملائمة للمشاركة في استغلال رأس المال. وعلى المنظمين أن يأتوا بمجموعة من القواعد العامة للتأكد من صحة وقابلية المكون الاستثماري من خلال تحليل حديث للمخاطر والانصياع لقواعد الشريعة.
إن انتشار الإطار التنظيمي النظري الذي يمثل تعريفا عليه إجماع للتمويل الإسلامي سيمكن الناس من تحديد انحرافات المؤسسات الممارسة عن تمويل إسلامي نقي, وكذلك تحديد درجة الانصياع لقواعد الشريعة الإسلامية. وحاليا تعمل المؤسسات المالية الإسلامية تحت سلطات تنظيمية مختلفة وتحت مدارس فقه لها فهم متباين لفكرة البنوك الإسلامية. وبالتالي فإن وجود إطار تنظيمي عالمي من شأنه أن يسمح بقياس الاختلافات بين الدول. فقط البنوك المرخصة من قبل البنوك المركزية يجب أن يسمح لها بممارسة نظام البنوك الإسلامية. وهذا من شأنه أن يمنع الغش والمشاريع التي تسرق الزبائن تحت غطاء البنك الإسلامي.
وكثير من الصفقات المالية والآليات يجب أن تستثنى من التمويل الإسلامي وبالأخص السندات التي تعتمد على الفائدة والتي عادة ما تختفي كآليات رهن والتي تجعل منها أعلى سعرا من التي تصدر تحت النظام التقليدي. وبالإضافة إلى ذلك يجب أن يستثنى من التمويل الإسلامي التمويل المستند إلى الأوراق المالية للأصول غير الحقيقية وتمويل المضاربة الذي لا يكون مدعوما بأصول حقيقية. وفي مثل هذا النوع من التمويل، فإن الأصول المكتسبة هي أوراق مالية أو القروض التي ليس لها دعم حقيقي والتي لا تساهم في إنتاج النشاط الحقيقي أو دخل أو توظيف. وعلى وجه الدقة، فإن القروض التقليدية للزبون هي بالإضافة إلى كونها مرتفعة الثمن بالنسبة للزبائن, لها خطر عال للعجز والتقصير في السداد. وبالتالي لا يمكن لها أن تفرز ثروة جديدة.
أما الابتكارات المالية مثل الأوراق المالية فهي توجد وتوزع نماذج, وكثير من الآليات التي تقود إلى المضاربة أو إلى أصول غير حقيقية لا يمكن أن تكون موجودة في النظام الإسلامي. والمحاولات من قبل البنوك لإصدار أموالها الخاصة بها والتزاماتها أعلى من التقارب بين الأصول والتزامات ستكون ممنوعة بشكل كبير. ويجب أن تكون هناك رقابة وإشراف بشكل لصيق للتأكد من الانصياع التام لمبادئ البنوك الإسلامية، ويحب أن تكون هناك عقوبات على المخالفات.
وقدرة عديد من البنوك الإسلامية على التأقلم والتكيف مع الأزمة الآسيوية وكذلك الأزمة المالية الأخيرة برهنت على أن الاستقرار هو متأصل في هذه المؤسسات. وهذه القابلية للتكيف والمرونة ستزداد من خلال إصدار خطوط عريضة تنظيمية وإشرافية عالمية للتمويل الإسلامي ووضع إطار مرجعي فاعل يمكن له أن يقيس الانصياع لنظام البنوك الإسلامية الحقيقي ويهدف إلى تقليل الدين الحقيقي ومخاطر معدل الفائدة التي يمكن لها أن تؤثر سلبا في مدخرات المودعين ويمكن لها أن تقوض سلامة البنوك الإسلامية.
مثل هذا الهيكل لإطار إشرافي وتنظيمي عالمي موحد هو حاجة ملحة متزايدة حتى لا يؤدي فشل أعداد قليلة إضافية من المؤسسات التي تبدو ظاهريا إسلامية إلى تدمير السمعة التي قد تكون مدمرة للتمويل الإسلامي أكثر مما هو عليه الأمر في حالة النظام التقليدي. فبينما في النظام التقليدي لا يهدد فشل عدد محدود من المؤسسات النظام الكلي, فإن تدمير سمعة التمويل الإسلامي هو خطر كامل.