ترقب عودة الإمارات للوحدة النقدية.. وابتعاد موعد العملة الموحدة
تأمل الكويت أن يكون أهم إنجاز تتمخض عنه قمتها الخليجية المقبلة هو إقرار المجلس النقدي الخليجي، تمهيدا لبدء العمل به مع مطلع العام المقبل، وفي هذا الإطار – أي إطار توفير مستلزمات نجاح القمة الخليجية في أجندتها الاقتصادية – تندرج جهود الكويت لإقناع الإمارات بالعودة إلى مسار الوحدة النقدية الخليجية.
وبغض النظر عن هذه الجهود، وحتى إذا ما نجحت جهود الإمارات وبدء المجلس النقدي أعماله العام المقبل، فأن ما بات يكرسه هذا الرتم من العمل الخليجي المشترك، أن الموعد الذي كان محددا سلفا للوحدة النقدية الخليجية وهو عام 2010 بات واضحا الآن استحالة الإيفاء به، ووفقا لمعظم المراقبين، فإن الموعد الجديد لن يكون قبل ثلاث أو أربع سنوات. ويجمع هؤلاء على أنه حتى لو تشكل المجلس النقدي في الموعد المقرر فإن التفاصيل التقنية ووضع الإجراءات واللوائح سيتطلب وقتا طويلا. ولا ينتظر كثيرون أن تكون هناك عملة خليجية موحدة قبل العام 2013 أو العام الذي يليه.
ونسب إلى عبد الرحمن العطية الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي في كلمة ألقاها نيابة عنه ناصر القعود نائب الأمين العام المساعد للشؤون الاقتصادية في مؤتمر ضم جمعا من المصرفيين في البحرين قبل أشهر، إن المجلس النقدي سيضع جدولا زمنيا جديدا لطرح العملة الموحدة للتداول. ويتفق مراقبون أن المجلس النقدي الخليجي إذا ما بدأ بأعماله مطلع العام المقبل، لن يكون سوى الخطوة الأولى نحو إنشاء البنك المركزي الخليجي.
في الوقت نفسه، ووفقا لهؤلاء المراقبين، أنه بالنظر إلى تجربة الوحدة النقدية الأوروبية، فقد تم تأسيس البنك الأوروبي الموحد الذي تولى منذ البدء تقريب وتنسيق وتوحيد السياسات النقدية والمالية الأوروبية، وبعد ثمان سنوات تم توحيد العملة الأوروبية (اليورو). ولذلك فقد كان من المفترض التوصل إلى تأسيس مجلس النقد الخليجي قبل ثلاث أو أربع سنوات على الأقل لكي يتم الإيفاء بموعد الوحدة النقدية الخليجية.
وبينت دارسة أعدها بنك الكويت الوطني، أن مجلس النقد الخليجي قد يتركز دوره في البداية على التحضيرات الفنية وتحسين آلية التنسيق وعلى الأرجح، فإن مجلس النقد الخليجي سيمارس مهامه بالموازاة مع البنوك المركزية لدول الخليج، إلا أنه في الوقت ذاته لن يتمتع بسلطة رسمية أو ربما بسلطة محدودة جدا في إدارة السياسة النقدية، حيث سينحصر دوره بالدرجة الأولى في تحسين آلية التنسيق بين دول الخليج، وتشجيع عملية التقارب ما بين الأنظمة المالية، إلى جانب القيان بالتحضيرات الفنية اللازمة لإصدار العملة الموحدة، وتوقير بيانات اقتصادية ومالية متجانسة عن دول المجلس باستخدام منهجية احتساب موحدة.
وتتكون اتفاقية تأسيس المجلس النقدي الخليجي الذي أقره قادة دول المجلس في قمتهم في مسقط من 20 مادة، إذ اقروا إنشاء المجلس النقدي الذي يمارس مهامه إلى حين قيام البنك المركزي الخليجي الـذي سيحل بصفة تلقائية محل المجلس النقدي فـور الانتهاء مـن الإجراءات المتعلقة بإنشاء البنك المركزي.
ويهدف المجلس النقدي، بصفة أساسية، إلى تهيئة وتجهيز البنى الأساسية المطلوبة لقيام الاتحاد النقدي، وعلى الأخص إنشاء البنك المركزي وإرسـاء قدراته التحليلية والتشغيلية. وتشمل المهام المنوطة بالمجلس تعزيز التعاون بين البنوك المركزية الوطنية لتهيئة الظروف اللازمة لقيام الاتحاد النقدي، وتهيئة وتنسيق السياسات النقدية وسـياسات أسعار الـصرف الوطنية إلـى حين إنـشـاء البنك المركزي، ومتابعة الالتزام بحظر إقراض البنوك المركزية الوطنية الجهات العامة في الدول الأعضاء، ووضع القواعد اللازمة لتنفيذ ذلك، ثم يحدد الإطار القانوني والتنظيمي واللوجستي اللازم لقيام البنك المركزي بمهامه بـالـتعـاون مـع الـبـنوك الـمركزيـة الوطـنية، حـيث يـتم تـطوير الأنظمة الإحصائية للبنك المركزي لتمكينه من القيام بمهامه، والإعداد لإصدار أوراق النقد والمسكوكات النقدية للعملة الموحدة، والعمل على وضع وتطوير إطار عمل إصدارها وتـداولها في منطقة العملة الموحدة، حيث يتم التأكد من جاهزية نظم المدفوعات ونظم تسويتها للتعامل مع العملة الموحدة.
وفي مجال الرقابة سيتم الإعداد لدور البنك المركزي في مجال الرقابة على المؤسسات المالية، ومتابعة وفاء الدول الأعضاء بالتزاماتها تجاه الاتحاد النقدي وإصدار العملة الموحدة وتحديدا في ما يتعلق بمعايير تـقـارب الأداء الاقـتـصـادي، والتوصية بشأن التشريعات اللازمة لقيام الاتحاد النقدي وإنشاء البنك المركزي وإصدار العملة الموحدة.
وتلتزم الدول الأعضاء بالتشاور مع المجلس النقدي في ما يتعلق بأي تشريع مقترح يتعلق بالاتحاد النقدي، وتتألف العضوية في المجلس النقدي من البنوك المركزية الوطنية، ويحظر على المجلس النقدي وعلى أي عضو من أعضاء مجلس إدارته وجهازه التنفيذي تلقي أي تعليمات أو توجيهات من أي من أجهزة مجلس التعاون أو حكومات الدول الأعضاء أو من الغير، من شأنها التأثير في أداء واجباتهم ومهامهم الموكلة إليه بموجب الاتفاقية.
وتتخذ قرارات المجلس بإجماع الحاضرين في المسائل الموضوعية، وبالأغلبية المطلقة للحاضرين في المسائل الإجرائية، ويكون لكل عضو من أعضاء مجلس الإدارة صوت واحد، وفي حالة تساوي الأصوات يرجح الجانب الذي منه الرئيس.
ويتألف المجلس النقدي من مجلس إدارة وجهاز تنفيذي ولكل جهاز من الجهازين المشار إليهما إنشاء ما يراه من لجان أو أجهزة فرعية، وتتألف عضوية مجلس الإدارة من محافظي البنوك المركزية الوطنية.
وبالمحصلة، ترى الدراسة أن الاتفاقية لم تتضمن سوى القليل من البنود التي لم تكن متوقعة، إلا أنها بلا شك توفر دفعة قوية لمشروع العملة الخليجية الموحدة، وتساعد على زيادة درجة الالتزام على أعلى المستويات بهذا المشروع. كما إن رسم إطار السياسة النقدية الموحدة قد يلاقي تحديات أكبر من إنشاء مجلس النقد ومن وجهة نظر الجهاز المالي، وتطال نقاط الحوار التشريعات اللازمة في المجال النقدي، وصلاحيات البنك المركزي الخليجي، وإنشاء هيئة قضائية كإحدى منظمات مجلس التعاون تسمى «محكمة الاتحاد النقدي». كما ستزيد لائحة المهام والتعقيدات بصورة أكبر أيضا إذا ما نظرنا إلى مؤشرات التقارب نظرة بعيدة المدى. وكانت معايير الوحدة النقدية الخليجية المتفق عليها تتمثل في الآتي: ألا تتجاوز نسبة العجز في الموازنة 3 في المائة، وألا تتجاوز نسبة الدين العام إلى إجمالي الناتج المحلي 60 في المائة، إلى جانب عدم تجاوز نسبة التضخم 2 في المائة، كذلك تبرز قضية التضخم كتحد آخر أمام تفعيل أداء السوق الخليجية المشتركة، ويرتبط التضخم في الخليج بمؤثرات محلية وخارجية، تتمثل الأخيرة في الربط بالدولار المتراجع واضطرار مصارف المنطقة المركزية خفض فوائدها تماشيا مع قرارات الاحتياطي المركزي الأمريكي. ويفيد محللون وخبراء اقتصاديون بأن دول الخليج ستتأثر بتوجه الاقتصاد العالمي نحو الانكماش إلا أن العائدات النفطية الكبيرة التي وفرتها خلال السنوات الماضية ستحد من وطأة الأزمة عليها.
ويضيف خبراء حتى في حالة إمكانية تحقيق معايير التوصل في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة، فإن إضفاء الاستقرار الطويل الأجل على هذه الوحدة يتطلب إعادة النظر في بعض معايير الوحدة النقدية المشتقة من التجربة الأوروبية نظرا لاختلاف الأوضاع والهياكل الاقتصادية للبلدان في كلا المجموعتين. ففي حالة الدول الخليجية الست، فإن الاستقرار الطويل الأجل للوحدة النقدية سيعتمد على ثلاثة عوامل رئيسية أولا الانخفاض التدريجي في الإيرادات النفطية، حيث من المعروف أن ثلاث دول خليجية هي البحرين وقطر وسلطنة عمان يتوقع نضوب مواردها النفطية خلال العقود القليلة المقبلة، غير أنه في حالة قطر ستعوض ذلك عن طريق إنتاج الغاز الذي يتوقع أن تكفي احتياطياته لمدة 300 سنة وفقا لمعدلات الاستهلاك الحالية. وثانيا عملية التنويع الاقتصادي وخفض الاعتماد الكبير على الإيرادات النفطية، حيث يلاحظ هنا أيضا تفاوت درجة نجاح الدول الست في تحقيق هذا الهدف. وثالثا، الضغوط المتعلقة بالنمو السكاني وأسواق العمل، حيث تعاني بعض الدول الخليجية ضغوطا حادة فيما يخص توفير فرص العمل للمواطنين بينما لا تزال هذه الضغوط في بدايتها في دول أخرى. وتبلغ نسبة المواطنين الخليجيين ما دون سن الـ 20 نحو 50 في المائة من السكان، بينما يتوقع نمو حجم القوى العاملة بنسبة 3 في المائة حتى عام 2020. لذلك، فإن معدلات البطالة في بعض هذه الدولة بدأت منذ الآن بالارتفاع إلى مستويات مقلقة. ونظر لهذه الأوضاع، فأن دول الخليج الست ستواجه تحدي التعويض عن الإيرادات النفطية في أزمنة متفاوتة بعضها خلال 20 عاما والبعض الآخر مثل الإمارات خلال 100عام. كما أن زيادة مساهمة العمالة الوطنية في القوى العاملة سيكون له مردود إيجابي على الاقتصاد ككل، إلا أنه سيقلص من مرونة تكيف هذه الأسواق من حيث الأجور في حالة تراجع النشاط الاقتصادي. كما أن معدلات الصرف ستتأثر بدورها من هذه الفروق في الأداء الاقتصادي.
ونتيجة لهذه المعطيات، توضح الدراسة أن معايير الوحدة النقدية الأوروبية غير دقيقة في حالة الدول الخليجية الست، وخاصة معيار نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي والذي يفترض ألا يتجاوز نسبة 60 في المائة.
لذلك، تقترح الدراسة أن يتم تبني معايير مالية للوحدة النقدية تمثل بشكل أدق العوامل الأساسية المتحكمة في استقرار الأوضاع المالية في دول التعاون الست، وتساعدها في المحصلة النهائية على الاستعداد التدريجي لمرحلة نضوب النفط والإيرادات المتأتية منه. إن الاتحاد الاقتصادي والنقدي هو فرصة لبلدان لا يزيد عدد سكانها على 36 مليون نسمة، فيما يبلغ إجمالي ناتجها المحلي أكثر من 800 مليار دولار، وحصّة الفرد من الناتج المحلي فيها تزيد على 17 ألف دولار. وهي تنتج 23 في المائة من النفط العالمي، إضافة إلى 8 في المائة من إنتاج الغاز، وتختزن 40 في المائة من مخزون النفط العالمي و23 في المائة من احتياط الغاز. وما زال أمام هذه الدول مشوار طويل كبير لتحقيق أهداف بعيدة، عبر الوحدة النقدية والاقتصادية. إذ أنها، على رغم ما تتمتع به من قوّة وثروات طبيعية، لا تمثل أكثر من 1.5 في المائة من الناتج المحلي العالمي، وحصتها في التجارة العالمية لا تتناسب مع قدراتها وإمكاناتها.