غلاء الأراضي وغياب الأنظمة أسهما في تدني نسبة تملك المساكن
دعا اقتصاديون إلى ضرورة أن تتعامل البنوك والشركات التمويلية مع «مثمنين عقاريين» يقدمون تقييماً عادلاً للعقارات لتجنيب الاقتصاد السعودي مخاطر التمويل العقاري، مشيرين إلى أن السعودية لا يوجد فيها إلا 500 مثمن عقاري وأنها بحاجة إلى أضعاف هذا العدد ليعكس العقار القيمة العادلة له.
وذكروا مجموعة من الأسباب تتقاسم مسؤولية عدم تمكن السعوديين من تملك منزل، منها غلاء أسعار الأراضي وغياب التشريعات القانونية للأنظمة التمويلية وغياب الدعم الحكومي.
من جانبه، يرى الدكتور حمزة السالم أستاذ المالية في جامعة الأمير سلطان أن البنوك التجارية تمتنع عن تمويل شركات التطوير العقاري بسبب حالة عدم الوضوح في الاقتصاد العالمي مما يخلق وضعا يسمى Adverse Selection وهو أن البنك يفتقد المعلومات الكاملة عن طالب التمويل وقد تكون الجهة طالبة التمويل في وضع حرج ماديا ولا يعلم البنك عنه، فالمتمول إذن متفوق معلوماتياً عنه، وقد يرد بأن الحل في ذلك بسيط وهو أن البنك سيرهن العقار وبوجود الرهن تزول مخاطر الائتمان.
وبين أستاذ المالية في جامعة الأمير سلطان : أن أسعار العقار عندنا فيها مبالغة بسبب غلاء الأراضي الذي هو نتاج عن المنح العشوائي قديما وقد تنخفض أسعار الأراضي بسياسة من سياسات الدولة الحكيمة فيفقد العقار قيمته كرهن، وحل ذلك أن يضع المشتري 30 في المائة مثلا من سعر العقار كدفعة أولى، وممن الممكن أن تتدخل الدولة بالتأمين على سداد هذا الجزء في حالة إفلاس المتمول على غرار VA وكذلكFHA وهي شركات تأمين حكومية أمريكية (ومن الممكن التأمين عليه من شركات التأمين الخاصة ولكن سوق التأمين لدينا لا تزال حديثة) .
وأضاف: أن تمويل العقار تمويل طويل الأجل حتى ولو كان لشركات تبني وتبيع فمن هو المشتري؟ الشركة العقارية لا تستطيع البيع ولو على التجار ما لم تكن هناك آلية تمويل طويلة الأجل لهم، وحل ذلك أن تتحرك سوق السندات وتتدخل الدولة فتبيع وتشتري في هذه السوق حتى يألفها الناس ويسهل حينذاك بيع الرهون فيها.
وقال: هناك مخاطر في أسعار الفائدة والحل أنه يمكن التخلص منها بسعر الفائدة المتغيرة ولكن تبقى المخاطر الأخرى ومنها تغير العملة والمخاطر السياسية والجغرافية والحل بأن تشتري الدولة هذه التمويلات كاستثمار داخلي لها على طريقة فاني ماي وفردي ماك (مؤسسات شبه حكومية تشتري فئة معينة من الرهون مدعومة بتعهد الدولة بالسداد).
#2#
#3#
فهشاشة ثقافة الائتمان في المجتمع السعودي تخلق تذبذبا في الدفعات الشهرية لهذه الرهون ( فيدفع المتمول شهرا ويماطل شهرين) من الصعب اتخاذ حكم ضده مما يرفع تكلفة الائتمان، وحل ذلك أن تتعهد الدولة لفئات معينة من المجتمع كالعسكريين والمتقاعدين بدفع الأقساط المتأخرة في وقتها وتحصلها منهم فيما بعد على غرار مؤسسة جني ماي الحكومية الأمريكية.
وذكر الدكتور حمزة السالم ثلاثة أسباب رئيسية تتقاسم مسؤولية عدم تمكن تملك السعودي منزلا.
أولا: غلاء الأراضي بسبب المنح العشوائي واحتكارها بعدم إخراج الزكاة.
ثانيا: غياب نظام التمويل العقاري بسبب الفتوى القديمة بتحريم التمويلات.
ثالثا: غياب دعم الدولة لهذا الهدف وفي أمريكا الدولة تشتري الرهون والدولة تؤمن على الدفعة المقدمة والدولة تتعهد بسداد الأقساط في وقتها عند التخلف والدولة تسقط قيمة الفوائد من دخل المواطن فيعفى عن جزء لا بأس به من الضرائب والدولة تدخلت في الولايات والمناطق الفقيرة فدعمتها بأنواع منوعة من البرامج لكيلا تهجر ولكي يتمكن المواطن من الانتماء للولاية ومن ثم لوطنه الأم أمريكا.
وأشار إلى أن هناك مجموعة من المعوقات يواجهها قطاع التمويل العقاري منها: جهل الناس بنظام الرهون وعدم إدراكهم وقلة ثقافتهم بثقافة الائتمان وعدم تعودهم على التضخم بسبب العقدين اللذين مررنا بهما من عدم النمو الذي صاحبه انكماش في الأسعار فتجد أحدهم يستعظم أن يتمول 100 ألف بـ 200 ألف يسددها خلال 30 عاما وما درى أن قيمتها الشرائية لن تتجاوز القيمة الاسمية و هي 100 ألف بسبب التضخم الذي ستعيشه بلادنا في العقود المقبلة كنتيجة للنمو وتسلط صيرفة الحيل على المواطنين وما تنشره من معلومات خاطئة ومضللة من أجل الدعاية لأنفسهم تدخل المواطن في دوامة من عدم الفهم.
من جانبه، يشير علي الكاشف اقتصادي سعودي إلى سبب ممانعة البنوك من تقديم تسهيلات تمويلية للمطورين العقاريين فيقول: إن جميع الصيغ المتفق عليها شرعاً وهي (المشاركة - المرابحة - الآجل - الاستصناع) تعود بالنفع على الممول (البنوك) ولكن بطرق جائزة شرعاً.
لكن المبالغة في أسعار العقارات والتقييم غير العادل وغير المنطقي له أضرار جسيمة على الاقتصاد ككل مثلما حصل في بعض دول العالم عامة ودول الخليج خاصة حينما تم تقييم عقارات بأسعار مبالغ فيها، مما أدى إلى انهيار كبير وعلى المستوى العالمي.
البنك جهاز استثماري يبحث عن أفضل عائد له فحينما يدخل في أحد العقود التي سبق أن ذكرتها فالأفضل له على سبيل المثال أن يمول شركة من قطاع البتروكيماويات أو شركة من قطاع الاتصالات لأن هذه القطاعات وأخص بالذكر قطاع الاتصالات لا يتأثر حتى بالأزمات أياً كانت وهذا يحقق لهم عوائد وأرباحاً خيالية خاصة إن كانت عقودهم التمويلية بصيغة المشاركة أو البيع الآجل ولا ننسى كذلك أن مبدأ وضع البيض كله في سلة واحدة جيد في مثل هذه الأمور والمخاطرة فيه شبه معدومة بينما توزيع المخاطرة على عدة أشخاص يكون فيها نوع من المخاطرة.
وقال الكاشف: يجب علينا أن نجد الآلية الصحيحة للتمويل العقاري بتطبيق كل ما جاء في الشريعة الإسلامية وعدم التحايل على الشرع كما تفعل بعض البنوك، كما يجب أن تكون إجراءات التمويل العقاري صحيحة ولا يدخل فيها الطمع والغش والتدليس حتى لا تحدث أزمة مستقبلاً، لذلك لا بد أن يتم تقييم العقارات تقييماً عادلاً من قبل مثمنين عقاريين ويجب النظر في حاجة مقدم الطلب وإعطاء من هم في حاجه أكثر الأولوية.
وأشار الكاشف إلى أن المخاطرة في التمويل الشخصي أكبر من المخاطرة في التمويل العقاري لأن التمويل العقاري يكون بضمان العقار في حال أخل طالب التمويل بأحد بنود العقد أو بالسداد لا سمح الله بينما التمويل الشخصي يختلف في طريقة تحصيل المبلغ.
ويعتقد الكاشف أن تحقق الصناديق العقارية رواجاً كبيراً وهي طفرة سوف تحصل وستقودنا حتماً للتضخم مثلما حصل بالضبط في صناديق الأسهم فقد كانت بدايتها ضعيفة ولا يعرفها إلا قلة من المواطنين ثم بدأت في الظهور القوي وغير الطبيعي ولا ننسى الدعايات البنكية لصناديقها فقد كانت بشكل يومي وعلى صفحات الجرائد المحلية وبأرباح قد لا يصدقها عقل ومع هذا صدقها الغالبية العظمى وانجرف الجميع خلف هذا التيار الذي قاد نسبة كبيرة لا يستهان بها من المتداولين من أرباح سنوية تتجاوز 100في المائة في بعض الصناديق لخسائر فادحة وإدارة سيئة وتنظيم عشوائي ورقابة غير موجودة وشفافية معدومة، فما حدث في صناديق الأسهم ربما يحدث أيضاً في العقار.
وأوضح الكاشف أن الصناديق العقارية ستحل بديلاً عن المساهمات العقارية متى ما حققت الصناديق أرباحاً جيدة، فهناك جانبان إيجابيان في الصناديق العقارية أنهما مرخصان ولهما عوائد مجزية.
وذكر الكاشف مجموعة من التحديات يعانيها قطاع التمويل العقاري منها:
- عدم جاهزية البيئة التشريعية.
- الارتفاع غير المبرر به لأسعار مواد البناء والأراضي.
- محدودية النطاق العمراني في بعض مناطق المملكة.
- عدم وضوح سياسات الاستثمار للأجانب.
- ضبابية بل غياب السياسات المنظمة للسوق.
وأشار إلى أن المطورين العقاريين الموجودين حالياً في السوق العقارية لا يلبون سوى 10 في المائة من إجمالي الطلب المحلي على الوحدات السكنية وهذه نسبه ضئيلة لا تتناسب مع الطلب الكبير.
وبين أنه لا تطوير من غير تمويل ولا تمويل من غير مطورين عقاريين فكلٌّ مكمل لبعضه بعضا، لذلك فالخطوة الأولى إيجاد المطورين العقاريين القادرين ووضع نظام محكم لهذه الشركات (شركات التطوير) ثم إيجاد برامج تمويلية تتناسب مع دخل كل فرد ونحن نعلم جيداً أن الغالبية العظمى من سكان المملكة لا يملكون سكناً خاصاً، ونسبة كبيرة من المواطنين يبلغ معدل دخلها السنوي 100 ألف ريال فكيف تريد منه أن يتملك سكناً في ظل ارتفاع الأسعار، هنا نذكر أنه لا بد من الحد من ارتفاع الأسعار ووضع نسبه كحد أعلى في الارتفاع كبعض الدول التي طبقت هذا النظام في الوحدات السكنية.
وقال: إن هناك تحديات قد تواجه البنوك وهي التقييم العادل لهذه العقارات فيجب على البنك أن يتعامل مع المقيمين العقاريين أو ما يسمى بالمثمنين العقاريين وهُنا نود أن ننوه بأن هناك أكثر من 500 مثمن عقاري معتمد على مستوى المملكة والعدد في تزايد والمملكة ما زالت في حاجة إلى عشرة أضعاف هذا العدد لكي تلبي الطلب المتزايد على الوحدات السكنية وتثمينها لكي يعكس العقار القيمة العادلة له حتى لا يكون هناك غش أو غرر ونحن نعلم أن سبب الأزمة العالمية هي المبالغة في تثمين العقارات وإعادة تدويرها وبيعها كسندات.
وهناك تحديات أخرى ليست فقط على مستوى المنطقة بل على مستوى الخليج ككل ومن هذه التحديات والصعوبات التي تعانيها سوق التمويل العقارية في دول الخليج العربي تتمثل في غياب التشريعات القانونية والشفافية، وعدم وجود آليات داعمة كالرهن العقاري ، نقص السيولة، وفقر البرامج التمويلية.