مصادر لـ "الاقتصادية" : ماليزيا تلغي منصة التداول للبيع على المكشوف
كشف لـ ''الاقتصادية'' مصدر مطلع على صناعة المال الإسلامية أن ''البورصة الماليزية ألغت بالفعل خططها لإطلاق منصة يمكنها أن تساعد على تسهيل التعاملات التنظيمية في البيع على المكشوف ونشاطات التحوط بحلول نهاية العام''، حيث أكد مسؤول في البورصة نفسها - طلب عدم ذكر اسمه - صحة هذا الإلغاء، مضيفا أن ''البورصة الماليزية تنوي التركيز على مبادرات أخرى''. إلا أن المصدر ألمح في الوقت ذاته إلى إمكانية عدم إطلاق منصة عمليات البيع على المكشوف الماليزية العام المقبل، وهو الأمر الذي يفتح المجال لكثير من التكهنات حول مصير المشروع. وامتنع المسؤول الماليزي خلال حديثه لـ ''الاقتصادية'' عن التأكيد ما إذا كان هذا القرار جاء نتيجة للضغوط الشرعية التي مارسها بعض الفقهاء العرب الذين يعملون في البنوك الماليزية خلال الأشهر الماضية، من خلال ظهورهم في وسائل إعلام دولية وانتقادهم تلك المبادرة، إضافة إلى وصف عقود البيع الخاصة بهذه المنصة بأنها ''تقليدية'' تحت ''غطاء إسلامي''. وبحسب ''رويترز''، أنشأت ماليزيا صورة لنفسها في أذهان منطقة الخليج وذلك بأنها أكثر ميلاً إلى توجهات السوق منها إلى الالتزام بالأحكام الشرعية في منهجها في المصرفية الإسلامية، حيث تجيز بعض العقود التي لا يجيزها الفقهاء التقليديون. وعادة ما تحاول ماليزيا في مثل هذه المبادرات الاقتصادية المبتكرة الحصول على رضا العلماء الخليجيين، ولا سيما أن منطقتهم تحضن أكبر أصول إسلامية تقدر بـ 42.9 في المائة على مستوى العالم بقيمة تبلغ 353.2 مليار دولار.
انتقادات شرعية ..
ودفاع ماليزي
ودائماً ما تقوم ماليزيا بجس نبض المتعاملين في السوق الإسلامية قبل أن تطلق مبادراتها بشكل رسمي.
ولكن بعد أن تزايدت الانتقادات الشرعية حول هذه المنصة التي تسهل التعاملات الإسلامية المنظمة في البيع على المكشوف وفي نشاطات صناديق التحوط، خرج يوسلي محمد يوسف، كبير التنفيذيين في البورصة الماليزية، وقال في مقابلة له مع ''رويترز'' إن ''الإسلام يسمح بعمليات البيع على المكشوف، شريطة أن يتم تنفيذها ضمن نطاق الشريعة'' وأضاف أن البيع ''الإسلامي على المكشوف يمكن أن يساعد على تطوير الأسواق الرأسمالية الإسلامية''. وكان يدافع عن خطط لإنشاء منصة يوجد خلاف بشأنها على أمل تحسين السيولة في السوق.
التضحية بالمبادئ الدينية
وترغب ماليزيا في وجود عمليات بيع إسلامية على المكشوف ولكن بطريقة ''منظمة'', إلا أن هذه الخطوة لاقت بعض الانتقادات لكونها - بحسب ''رويترز'' ''تضحي'' بالمبادئ الدينية لصالح مصلحة السوق. وعما إذا كانت منصة ''البيع على المكشوف'' منتجا ابتكاريا أو أنها مجرد حركة للالتفاف حول الأحكام الشرعية وتغليف بيوع مشبوهة من وجهة النظر الشرعية، يقول الفقيه عبد العظيم أبو زيد الذي يعمل في شركة ميثاق للتأمين التكافلي في دبي ''أولاً أنت تبيع أشياء لا تملكها. ثانياً أنت تقترض أسهماً، ومقابل هذا الاقتراض يُفرَض عليك رسم معين, معنى ذلك أنه ''قرض تقليدي''. ويتابع الفقيه، الذي يعارض اقتراح الدعوة إلى إجازة البيع على المكشوف في التعاملات الإسلامية عن طريق السماح للمستثمرين بشراء الأسهم بدلاً من اقتراضها، كما اقترحت البورصة الماليزية, بقوله ''عقد البيع يتسم بالمخاطر بطبيعته، في حين أن عقد القرض لا يشتمل على أية مخاطر. إذا قمنا بهيكلة عقد البيع على نحو نجد فيه أن رأس المال محميٌّ، والأرباح محميَّة، فإن هذا من الناحية الفعلية لا يعتبر عقد بيع حقيقي. إنه تمويل تقليدي تحت غطاء إسلامي''. وقال أبو زيد إن الأحكام الشرعية تبيح المضاربة بمعنى الاحتياط والتحسب للمخاطر التي يشتمل عليها المشروع التجاري. هذا النوع من المضاربة أمر تفرضه الأحكام الشرعية في أي تعامل، بمعنى أنه يجب ألا يكون هناك أي نوع من الحماية للأرباح، أو ضمان الربح، أو ضمان رأس المال''. وتابع: ''إن المضاربة للدخول في نوع من المراهنات هي أمر تحرمه الشريعة لأنها ''لعبة يفوز فيها طرف على حساب الشخص الآخر. إذا فاز الأول فإن الثاني سيخسر''. معلوم أن علماء الدين في منطقة الشرق الأوسط لا يجيزون استخدام المشتقات والخيارات لأنهم يعتبرونها شكلاً من أشكال القمار الذي يحرمه الإسلام. وتعزى هذه الاختلافات بين المراكز المالية حول استخدام المشتقات والخيارات إلى الاختلاف في تفسير أحكام الشريعة الإسلامية. فماليزيا التي توجد فيها أكبر سوق للسندات الإسلامية تتبع المذهب الشافعي الذي يوفر ''أكبر قدر من المرونة في تفسير الأحكام الشرعية فيما يتعلق بالتمويل.
الدعم الفقهي الأمريكي
معلوم أن الفقهاء الشرعيين، بحسب مناطقهم الجغرافية منقسمون على أنفسهم حول المدى الذي يجوز فيه شرعاً استخدام المشتقات. ويرى يوسف طلال ديلرنزو، أبرز فقهاء أمريكا الشمالية وأحد أعضاء هيئة المحاسبة، أن المصلحة العامة تقتضي أن تحذو المصارف الإسلامية حذو ماليزيا, وذلك في تداولات البيع على المكشوف الإسلامية. يقول ديلرنزو الرئيس التنفيذي لشؤون التدقيق والرقابة الشرعية في شركة ''شريعة كابيتال'': ''الأمر الذي تعلمته وزارة الخزانة الأمريكية هو أن المالية الإسلامية نجت من أسوأ أزمة مالية لأن المصارف الإسلامية والمستثمرين المسلمين تجنبوا التداول في السندات والأوراق المالية الاصطناعية التي كانت مبنية فقط على القيمة الاسمية. والآن تعلن ماليزيا إلى العالم أنها تدرس أساليب إسلامية لإدارة المخاطر والسيولة من خلال وسائل تتفق مع الأحكام الشرعية. وذلك بدلاً من التداول في الدَّين والسندات عن طريق استخدام مشتقات تقليدية من قبيل عقود التأمين المتقابل على الائتمان، التي أحدثت الدمار في الأسواق الرأسمالية في السنة الماضية''. ويواصل في حديثه مع ''الاقتصادية'': ''باستخدام المنطق نفسه، تدرس السلطات المالية الماليزية الآن بدائل شرعية لتعاملات البيع على المكشوف. وبدلاً من محاكاة البيع على المكشوف في التداولات التقليدية، التي يتم فيها بيع الأوراق المالية قبل أن تقع في حيازة الشخص المتعامل، تدرس السلطات الماليزية بدائل تقوم على هيكلين من الهياكل التي تعمل وفق الأحكام الشرعية، وهما بيع السلَم والعربون. على هذا النحو يمكن حماية المستثمرين من مخاطر التعاملات المكشوفة (أي التي لا تشتمل على الملكية)، خصوصاً في تعاملات البيع على المكشوف، حيث يتم بيع الأوراق المالية من قبل أشخاص غير مالكين لها، وحتى دون اقتراضها أو إشعار المالكين الأصليين. وسيكون من المصلحة العامة أن تحذو البنوك الإسلامية والأجهزة التنظيمية في مختلف أنحاء العالم حذو المثال الماليزي، إذا كانت تريد حماية أسواقها من المشكلات التي أطاحت بـ ''وول ستريت''.