الحج وأمن المقدسات

لم يعد الحج كما كان قبل عشرات السنين رحلة مغامرة يتعرض فيها الحاج للأخطار والمشاق وأنواع المشكلات, لقد أصبحت رحلة الحج رحلة ماتعة ونزهة روحية وسياحية إيمانية مريحة, فمنذ أن تطأ أقدام الحجاج أرض هذه البلاد الطيبة والبقاع الطاهرة إلا ويشعرون بالأمن والطمأنينة والراحة التامة, حيث الأمن الوارف يظلل أرجاء هذه الديار المقدسة «أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا..», «أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء..».
وهذا الأمن هو من خصائص هذا البلد ومستلزماته, وقد دعا أبونا إبراهيم ـ عليه السلام ـ ربه ـ عز وجل ـ منذ أول يوم أن يجعل هذا البلد آمنا «وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا» وفي آية أخرى «وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا».
ولم يسلم هذا البيت وتلك الديار على مر التاريخ من محاولات حاقدة أرادت أن تفسد هذا الأمن وتعكر صفوه, وكانت تلقى الجزاء الرادع والعقاب الأليم من رب هذا البيت الذي تكفل بحفظه, فللبيت رب يحميه ـ كما قال عبد المطلب حينما أراد أبرهة هدم الكعبة, فجاءه عذاب الله في الدنيا قبل الآخرة: «ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل. ألم يجعل كيدهم في تضليل. وأرسل عليهم طيرا أبابيل. ترميهم بحجارة من سجيل. فجعلهم كعصف مأكول».
وهذه رسالة واضحة لكل من يريد بهذه البلاد سوءا أو يضمر لها شرا.
وقد قامت الدولة السعودية منذ تأسيسها على يد الإمام البطل عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود ـ رحمه الله ـ على خدمة بيت الله الحرام وجميع البقاع المقدسة ورعاية قاصديها من الحجاج والعمار والزوار وتوفير أقصى درجات الأمن لهم لينعموا بالراحة التامة والطمأنينة المطلوبة لينصرفوا إلى أداء عبادتهم ونسكهم الذي شدوا الرحال من أجله.
واستمر هذا النهج وتطور لدى حكام الدولة السعودية بعد عبد العزيز وسار أبناؤه على المنهج نفسه وأولوا أمور الحرمين عناية خاصة واهتماما كبيرا إلى وقت خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ـ وفقه الله ـ الذي طلب أن ينادى بخادم الحرمين الشريفين تأكيدا لهذا المعنى العظيم وتشرفا بهذا العمل الجليل.
وقد ظل حكام هذه البلاد وكل أفراد شعبها أوفياء لهذه الرسالة أمناء على هذا البيت سعداء بخدمته والقيام على شؤون قاصديه, يتقربون بهذا كله إلى الله ـ عز وجل.
وحرص حكام هذه البلاد على تحقيق المعنى العظيم من الحج الذي أسس هذا البيت من أجله من أول يوم ألا وهو توحيد الله بالعبادة أن يعبد وحده لا شريك له: «وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين ..» ويقول الحق ـ عز وجل ـ «وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت ألا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود».
فللتوحيد وحده أسس هذا البيت ورفعت قواعده وأقيمت أركانه.. ليبقى واحة آمنة كما أرادها الله: لا يأمن فيها الإنسان فحسب, بل حتى الطير والحيوان والجماد, فلا ينفر صيدها ولا يعضد شجرها.. بذلت كل الإمكانات وسخرت كل الطاقات لتحقيق هذه الأهداف السامية والغايات النبيلة, وما فتئ ولاة الأمر يؤكدون على هذه الثوابت في كل مناسبة من المناسبات, مناشدين الشعوب المسلمة أن يتمسكوا بالأهداف العليا للحج وأن يتصدوا لكل عمل غير مسؤول يخرج به عن غاياته العظيمة, وأن يعملوا على تجسيد معاني المحبة والخير والسلام والوئام في كل بقعة من بقاع هذه الأرض الطاهرة.
وجاء التأكيد واضحا وصريحا بأن الدولة لن تسمح لأي كائن كان يزج بهذه الشعيرة في متاهات قضاياه ومشكلاته وأزماته وتصفية حساباته مع شعبه أو مع دول وشعوب العالم أو مع تطلعاته وطموحاته على حساب قيم هذه الأمة ومثلها وثوابتها الكريمة.. وهي رسالة موجهة إلى كل من يفكر في المساس بأمن هذه الديار المباركة والبقاع الطاهرة.
ولم تتوقف محاولات الدس والتشويه والتشكيك وإفساد هذه الشعيرة وإخراج الحج عن هدفه السامي عند مؤامرة أبرهة الفاشلة وابن سبأ الباطني, بل تكررت عبر التاريخ, وها نحن نشهد في سنواتنا الأخيرة من يحاول إفساد هذه العبادة وإدخال قاصدي هذا البيت في مسرحيات عبثية هزيلة حينما يحاول الإيرانيون تنظيم المسيرات وإقامة المظاهرات ورفع الشعارات ويصرون على هذا العبث كأنه من أركان الحج أو واجباته.
إن من حق حجاج إيران أو غيرهم أن يعملوا في بلادهم ما يشاءون من المسيرات والهتافات ويرفعوا ما يريدون من الصور والشعارات, أما هنا في هذه الأرض الطاهرة والبلد الآمن فلا ينبغي أن يسمع الناس إلا هتافا وشعارا واحدا هو «لبيك اللهم لبيك .. لبيك لا شريك لك لبيك», فلا ينبغي أن يذكر إلا اسمه ـ عز وجل وحده لا شريك له ـ أما الذين يأتون بصور زعمائهم الأحياء منهم والأموات ويريدون رفعها وترديد أسماء تلك الزعامات فإن هذا هو الشرك بعينه.
فمن أراد أن يؤدي الحج كما فرضه الله وكما بينه رسوله ـ عليه الصلاة والسلام, فالمملكة ترحب به وتجند كل إمكاناتها لخدمته والسهر على راحته منذ وصوله حتى عودته سالما غانما إلى وطنه, ومن أراد غير ذلك فلن يقبل منه وله أن يفعل ما يشاء في بلده وليس في رحاب البيت العتيق الذي طهره الله للطائفين والعاكفين والركع السجود, وفي مكة التي كرمها الله وعظمها وحرمها وفي موسم الحج حيث لا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج .. هذا هو مطلب الأمة كلها لأنها راغبة في التوحيد والوحدة والأمن والاستقرار حريصة على أن تعبد الله بما شرع.
ولقد أفتى علماء المسلمين وفقاؤهم في مثل هذه التصرفات الغوغائية واعتبروها من البدع الباطلة التي يحرص أهلها على ترويجها بين المسلمين.
نسأل الله أن يحفظ هذه البلاد من كل مكروه وأن يديم عليها نعمة الأمن والاستقرار والرخاء وأن يجعلها كما أرادها الله مثابة للناس وأمنا.. إنه سميع مجيب.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي