منافع الحج 8.. آفاق استثمارية..

منافع الحج 8.. آفاق استثمارية..

التجار ورجال الأعمال وأصحاب الفكر يجدون في موسم الحج سوقاً رائجة، حيث تُجبى إلى البلد الحرام ثمرات كل شيء من أطراف الدنيا.. ويقدُم الحجيج من كلّ قطر ومعهم خيرات بلادهم.. وما تفرّق في أرجاء الأرض في شتى المواسم يتجمع كله في البلد الحرام في موسم واحد، فهو موسم تجارة ومعرض نتاج وسوق عالمية تقام في كلّ عام.. يجتمع ملايين البشر في فترة محددة وكلهم له احتياجات ورغبات متفاوتة.. وكل حاجة ورغبة تمثل مجالاً خصباً لعمل استثماري.
ثلاثة أصدقاء في دولة تركيا لاحظوا وجود رغبة عند شريحة من الحجاج الأتراك ليحصلوا على خدمات خاصة فأسسوا نشاطاً مشتركاً.. وخلال عدة سنوات أصبح لديهم أكثر من خمسة فروع داخل تركيا ويعملون على مدار العام في الحج والعمرة للشخصيات الموسرة ويخدمون عدة آلاف سنوياً. وبالمثل في إحدى مدن السعودية ذات الحجم الصغير لم تكن هناك حملة حج ولا شركة سياحة متميزة.. فقام أحدهم بأخذ وكالة حملة حج كبرى لتولي التسويق والتنسيق من بلده، وقام أيضاً بالتنسيق مع شركة سياحة لتسيير رحلات عمرة على مدار العام وخاصة في رمضان، وحقق عائدا جيداً. وهذا يعني أن على من يفكر استثمارياً أي يتلمس الحاجة المطلوبة من حوله ويسعى في توفيرها بأقل التكاليف وبما يوفر عائداً مجزياً للجهد وحجم السوق.
من النقاط المهمة في موضوع الاستثمار.. أنك تبدأ بفرصة قد تبدو صغيرة.. ثم تتفتح لك الأبواب شيئاً فشيئاً.. أحدهم بدأ العمل في موسم الحج قبل قرابة عشرين عاماً.. كان ينسق مع عائلة أو عدد من الأفراد، يأخذهم في سيارته ويوفر لهم الخيمة في منى وعرفات.. ويأخذ مبلغاً عن كل شخص منهم. تطور الأمر فأصبح ينسق السكن والمواصلات لأكثر من 50 شخصاً في العام، ثم تطور الأمر فوصل إلى أن ينسق حملة حج كاملة لعدد 300 شخص ذكوراً وإناثاً شاملاً المواصلات والسكن والتغذية.. ثم توسع فخدم أكثر من 1500 شخص في بعض سنواته.. ثم أصبح يدير أكثر من حملة في نفس العام.. ثم توسع في نشاطه حيث أصبح يؤجر الحافلات الكبيرة لبقية الحملات ويعمل في الوساطة.. وهكذا فالبداية كانت صغيرة إلا أنها منحته الفرصة لبناء خبرة متراكمة تساعد على التوسع. قد يشعر البعض بالحيرة.. من أين يبدأ وكيف؟ وخاصة إذا كان بعيداً في حياته اليومية عن مجالات الاستثمار والمال والأعمال.. والإجابة عن هذا السؤال في نقطتين سأضرب لكل منهما مثلاً.. النقطة الأولى: محاولة ربط مجال عملك الحالي بموسم الحج بطريقة تحقق فائدة مادية.. أعرف تاجر أغنام يعمل بحجم متواضع في المنطقة التي يعيش فيها.. فكّر أن يعمل في الحج ووجد أن الطريقة المثلي هي الاتفاق مع حملة حج يعرف أصحابها بحيث يكون هو المورّد الرئيسي لاحتياجهم من اللحم والهدي والأضاحي والفدية المطلوبة.. وعقد اتفاقاً معهم بحيث تتحقق المنفعة للطرفين.. فحقق فائدة مادية من أوّل عام تقارب ما كان يحققه في عامٍ كامل.. كان هذا دافعاً له ليعقد في العام التالي اتفاقيات أكثر ويتوسّع بشكل مناسب مرتبط بمجال عمله الرئيسي.
النقطة الثانية: محاولة الارتباط بمن يعملون في الحج وسؤالهم عن حاجاتهم أو إمكانية التعاون معهم.. والقضية بمنطقية بسيطة أنك حين تجهل شيئاً لا يمكنك التقدم فيه.. فأنت تجهل كيف يمكن الاستثمار بالاستفادة من موسم الحج. وأذكر أنني قابلت شخصاً من إحدى الدول الشرق آسيوية يعمل سائق تاكسي، وسألته عن الحج وأنا أتوقع أنه لم يسبق له ذلك مثل كثير من الناس في تلك البلاد خاصة أنه ما زال دون الأربعين من عمره.. ففاجأني حين قال إنه حج أكثر من سبع مرات، ثم وضح لي أنه يعمل في موسم الحج مع إحدى الحملات مسؤولاً عن المطبخ.. فاستفاد حجاً وعائداً مادياً.
شركات الحجّ والشركات السياحية تتطلب وجود مشرفين لديهم الحدّ الأدنى من المعرفة بأحكام الحج لتولي مساعدة الحجاج في العمل الصحيح وتوجيههم بالطريقة المناسبة.. وقد استثمر البعض هذه الفرصة بتكوين مجموعات رجالية ونسائية بغرض بيع الخدمات الثقافية للحملات.
المجموعات الكبرى من دول محددة تطلب عادة مساكن جماعية كبيرة، فيسعون لاستئجار عمارة كاملة مثلا ليسكنوا فيها.. وهذا النوع من الخدمات فتح مجالاً واسعاً أمام نوعيات مختلفة من المستثمرين: هناك مستثمر يبني العمارة ليؤجرها فقط في موسم الحج من كل عام، وهناك مستثمر يستأجر المبنى بالكامل ليشغله مع بعثات الحج والعمرة، وهناك مستثمر يعمل في دور الوساطة بين أصحاب المباني وبين شركات البلاد المختلفة التي تتطلب ترجمة وربما لا تستطيع أن تأتي لتبحث بنفسها.. وهكذا فهي دورة استثمارية واسعة.
خدمات الطعام والشراب والضيافة مجال واسع جداً لأن الحجاج لا يمكن أن يستغنوا أبداً عن ذلك.. والعجيب أن هذا المجال استفيد منه كبرى شركات الأغذية المحلية والعالمية وبعضهم يدخل السوق السعودية خصيصاً لاستهداف سوق الحج والعمرة، وبعض أصحاب المطاعم والمحال الصغيرة يقولون إن دخلهم في الحج يربحهم ويغطي مصاريف باقي العام كاملاً، ونلاحظ مطاعم وفنادق وأفراداً يقدمون خدماتهم لشركات الحج لتولي أعمال الطبخ والتقديم والنظافة.. وكل هذه مجالات واسعة للاستثمار والراغبين في زيادة دخلهم.. وهناك وجبات خاصة تصنع خصيصاً لتخدم الحجاج خلال فترات تنقلاتهم في المشاعر..
شركات الحج والعمرة بحاجة إلى محاسبين وإداريين ومنسقين في الميدان وعمال نظافة.. بحاجة إلى برامج حاسب آلي لضبط حسابات الحجاج وتوزيعهم في الموقع للسكن، وحركة تنقلاتهم.. بحاجة إلى مخازن ومستودعات.. وكل هذه مجالات واسعة للاستثمار للمتخصصين.. هذه النماذج من الأفكار التجارية والاستثمارية تصنع بمجملها حراكاً اقتصاديا كبيراً.. يجعنا ننتقل إلى منفعة جديدة بعنوان اقتصاديات الحج..

الأكثر قراءة