«التجارة العالمية» تسعى لتجاوز «مشاكل» جولة الدوحة
تبدأ في جنيف غدا أعمال المؤتمر الوزاري السابع لمنظمة التجارة العالمية في جنيف تحت شعار ''منظمة التجارة العالمية .. النظام التجاري المتعدد الأطراف والبيئة الاقتصادية العالمية الراهنة''، حيث ذكر أن المؤتمر لن يناقش موضوعات جولة الدوحة العالقة منذ ثماني سنوات، وإنما ستتركز أعمال المؤتمر الذي سيستمر لمدة ثلاثة أيام على تقييم أعمال وأنشطة المنظمة، وقد أعدت الأمانة العامة للمؤتمر لهذا الغرض 35 وثيقة تتوزع على مقترحات لقرارات ستصدر عن المؤتمر الوزاري ونحو 21 تقريرا من بينها تقارير الأمانة العامة وحول تسوية المنازعات ومراجعة السياسات التجارية والتجارة في السلع والتجارة والتنمية والتجارة العالمية والدول الأقل نموا والتطورات الراهنة في البيئة التجارية العالمية وغيرها.
وذكر أن الاجتماع الوزاري السابع لمنظمة التجارة العالمية سيبحث موضوعا عاما يتعلق بوسائل تعزيز دور المنظمة العالمية وتحسين أدائها من خلال مناقشة وضع منظمة التجارة العالمية والنظام التجاري متعدد الأطراف والمناخ الاقتصادي العالمي الحالي دون أن يتعرض للمفاوضات الخاصة بالمنظمة والمواضيع العالقة في مفاوضات أجندة الدوحة.
ويناقش الاجتماع أيضا بعض الأعمال أو القرارات الوزارية مثل الدعاوى في حالة عدم خرق القواعد المتعلقة باتفاق الجوانب التجارية المتصلة بحقوق الملكية الفكرية ''التربس'' وتمديد الهدنة أو حظر فرض الرسوم على معاملات التجارة الإلكترونية.
فيما يعقد على هامش الاجتماع جلسات عمل موازية تتضمن مراجعة أنشطة منظمة التجارة العالمية بما فيها برنامج عمل الدوحة برئاسة مدير عام المنظمة باسكال لامي وإسهام منظمة التجارة العالمية في الانتعاش الاقتصادي والنمو والتنمية برئاسة رئيس المؤتمر السابع للمنظمة.
ويؤكد مراقبون أن اختيار الأمانة العامة للمنظمة وضع موضوعات جولة الدوحة في اجتماعات على هامش المؤتمر يعكس فشل المفاوضين الرئيسيين في التوصل لحد الآن إلى تسويات بشأن هذه الموضوعات، وتجنبا لصدور إعلان آخر عن المؤتمر يعلن الفشل مجددا مما يصيب الأعضاء بالمزيد من الإحباطات. لذلك، تم اللجوء إلى استبعاد موضوعات جولة الدوحة عن جدول الأعمال الرئيسي، بحيث أي تقدم ينجز في الاجتماعات الجانبية سيحسب لصالح المؤتمر، بدلا من تسليط الضوء عليها مع ما يستتبع ذلك من مخاطر ارتدادية.
وقال مسؤولون خليجيون إن هذا المؤتمر سيكون مختلفاً عن المؤتمرات السابقة بحيث سيتم التركيز فيه على العمل الاعتيادي للمنظمة وليس على مفاوضات أجندة الدوحة، التي كانت محور أعمال عدة مؤتمرات وزارية سابقة.
وقال جمعة محمد الكيت، المدير التنفيذي لشؤون التجارة الخارجية في وزارة التجارة الخارجية الإماراتية إن قواعد عمل المنظمة تنص على أن يعقد المؤتمر الوزاري مرة كل عامين إلا أنه قد مضت ثلاثة أعوام ونصف العام منذ انعقاد المؤتمر الوزاري السادس في هونج كونج في كانون الأول (ديسمبر) من عام 2005.
ومن الجدير بالذكر أن المؤتمر الوزاري للمنظمة هو أعلى أجهزة المنظمة المسؤولة عن اتخاذ القرارات ويجتمع مرة كل سنتين، وأما المجلس العام للمنظمة فيقوم بمهام المؤتمر الوزاري خلال الفترة ما بين انعقاد المؤتمر الأخير واللاحق.
من جهته، قال السفير المصري لدى الأمم المتحدة في جنيف هشام بدر إن الدول النامية قررت عقد اجتماع في الـ 30 من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري قبيل انطلاق المؤتمر الوزاري السابع لمنظمة التجارة العالمية بهدف توجيه رسالة واضحة وقوية حول قلقها من تعثر مفاوضات جولة الدوحة لتحرير التجارة مؤكدا أن ذلك سيكون له ثقله ومدلوله السياسي في مواجهة المواقف المتشددة لبعض الشركاء التجاريين الرئيسيين التي تتسبب في تعثر المفاوضات.
وعبر المندوب المصري عن قلق الدول الإفريقية والنامية من تضييع الفرص التنموية التي توفرها جولة الدوحة فضلا عن محاولات المساس بتسلسل العملية التفاوضية ومستوى الطموح المراد بلوغه من هذه المفاوضات ومساعى البعض لتغيير العملية التفاوضية متعددة الأطراف.
كما استبقت الدول العربية اجتماع المؤتمر الوزاري في جنيف باجتماع تنسيقي نظم في بيروت منتصف شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري بتنظيم من الإسكوا بهدف الإضاءة على القضايا المطروحة على جدول أعمال مؤتمر منظمة التجارة العالمية، ومواقف الدول العربية منها، إضافة إلى النظر في إمكانية تنسيق المواقف العربية في هذا المجال.
وقال مسؤولون عرب حضروا الاجتماع إنّ الاجتماع الوزاري السابع ينعقد في بيئة إقليمية ودولية تستدعي إعادة النظر والتفكر في السياسات التجارية التي تعتمدها الدول النامية، والعربية خصوصاً. وفي ظل الأزمة المالية العالمية الراهنة، والمحاولات الحثيثة لدفع جولة المفاوضات التجارية المتعددة الأطراف. لذلك، فإنّ الدول النامية، ومنها الدول العربية، مطالبة اليوم أكثر من أي يوم مضى بإجراء وقفات مراجعة وتقويم لأداء سياساتها التجارية ومواقفها التفاوضية وانعكاساتها على المستويات الوطنية. كما أنها مدعوة إلى تقويم البدائل المختلفة المتاحة لها بما يسهم في بناء قدراتها الإنتاجية والتصديرية وتحسين فرص نفاذها إلى الأسواق الخارجية وتقويم انعكاسات مواقفها التفاوضية على أدائها الاقتصادي والتنمية والنمو.
وحذروا من الحمائية التي عادت لتبرز مجدداً بقوّة، ليس فقط من قبل الدول النامية وإنما كذلك من قبل الدول المتقدمة، معربين عن تخوفهم بأن يأتي هدف تحقيق انفراج في جولة مفاوضات الدوحة على حساب تحقيق مصالح وطموحات الدول النامية في التنمية والنمو، وبما يدفعها للقبول بنتائج قد لا تلبي بالضرورة طموحاتها الإنمائية، مما يقلل من قدراتها على انتقاء السياسات التجارية والاقتصادية الأكثر تلبية لاحتياجاتها الإنمائية.
كما عقد وزراء تجارة دول رئيسية اجتماعا في نيودلهي أوائل الشهر الجاري بهدف إعادة إطلاق المحادثات التي انهارت في تموز (يوليو) من العام الماضي لأسباب يعود معظمها إلى خلافات بين الولايات المتحدة ودول صاعدة كبيرة مثل الصين والهند بشأن إجراءات لحماية الزارعين من طوفان الواردات وإلغاء الرسوم في بعض الصناعات. وقال هارشا فادهانا سينغ نائب المدير العام للمنظمة في نيودلهي آنذاك إن التوصل إلى اتفاق تجارة عالمي في وقت مبكر ممكن بمزيد من التعاون مضيفا أن المفاوضين يضاعفون جهودهم لإنجاح جولة الدوحة التي انطلقت من العاصمة القطرية في أواخر 2001 لمساعدة الدول الفقيرة على تحقيق النمو عبر التجارة.
ويقول خبراء إن الخلافات التي تواجه الجولة الجديدة من المفاوضات في نيودلهي تتركز على ثلاثة مسارات أساسية، هي حجم التخفيض المنتظر على الدعم الداخلي للزراعة، ونسب التخفيض الممكنة على التعريفات الجمركية للمنتجات الزراعية، وتخفيض التعرفات للنفاذ إلى أسواق السلع غير الزراعية.
وأصبح مستقبل هذا المثلث التفاوضي العصيب، يعتمد بدوره على مواقف ثلاث مجموعات تفاوضية رئيسية، فعلى الاتحاد الأوروبي أن يحقق المزيد نحو خفض التعريفات على الواردات الزراعية، وعلى الولايات المتحدة أن تحقق المزيد نحو خفض مستوى الدعم الزراعي الداخلي، وعلى مجموعة العشرين للدول النامية أن تحقق المزيد نحو خفض التعرفات على وارداتها الصناعية.
وقد استبق أمين عام منظمة التجارة العالمية باسكال لامي اجتماعات المؤتمر الوزاري بإطلاق تصريحات طالب فيها بالحفاظ على نظامية اجتماعات المؤتمر الوزاري، ملمحا مجددا بأن موضوعات جولة الدوحة ستخيم على الاجتماع على الرغم من عدم إدراجها على جدول أعماله، مشيرا إلى أن هذه الاجتماعات تعقد في إطار إيجاد حلول للأزمة المالية الحالية والتي تعتبر الأولى من نوعها التي تؤثر في العالم ككل وتلحق الضرر بالتجارة الدولية موضحا أن المنظمات الدولية ومنظمة التجارة العالمية قد اتخذت خطوات من أجل المساعدة في التقليل من آثار الأزمة مع الأخذ بعين الاعتبار الاعتماد الكبير للعديد من الدول النامية على قطاع التجارة.
وأضاف أنهم في البداية عملوا في سبيل المحافظة على التدفق التجاري من خلال توجيه الجهود في التمويل التجاري ودعم الأعضاء في محاربة الضغوط التي يفرضها مذهب الحمائية عن طريق ضمان الشفافية في المعايير التي تطبقها في الاستجابة لآثار الأزمة والاستمرار في الدعم الدولي للدول النامية لزيادة إنتاجها وقدرتها التجارية من خلال تعزيز مبادرة دعم التجارة.
يذكر أن تقريرا للبنك الدولي صدر حديثا قال إن التجارة العالمية تعاني في الوقت الراهن الكثير من الصعاب من جرّاء الأزمة المالية العالمية، وذلك كما لو كانت قاطرة تحاول صعود تل شديد الانحدار. فالصادرات آخذة في الانخفاض، والشركات تسرح عمالها، وبعضها يغلق أبوابه. وفوق هذا وذاك، فإن شحم التزييت الذي يسهل دوران عجلات قاطرة التجارة العالمية يكاد يكون قد نضب، إلا الدول التي حافظت على معدلات إنفاقها تقدم شحم الزيت لعودة تلك القاطرة للتحرك.
ويتوقع البنك الدولي حالياً انكماشاً بنسبة 6.1 في المائة في عام 2009 في حجم التجارة العالمية في السلع والخدمات. وستواصل قيمة التجارة العالمية انهيارها من جرّاء انخفاض أسعار السلع الأولية.
وبعد أكثر من عام منذ اندلاع الأزمة المالية الراهنة، أدى تقلص الطلب العالمي على السلع والخدمات إلى انخفاض قيمة التدفقات التجارية بأكثر من 1.5 تريليون دولار. ويرجع السبب في هذا الانخفاض في جانب منه إلى زيادة تكاليف تمويل التجارة فضلاً عن انخفاض توافر هذا التمويل. ومن الواضح أن نقص تمويل التجارة يشكل عائقاً حقيقياً أمام المصدرين في عدد من بلدان العالم التي لم يعد بمقدورها ببساطة الحصول على النوع نفسه من التمويل الذي اعتادت الحصول عليه في السابق.