الأكلات تترجم ثقافات الشعوب وتنشرها على امتداد الكون

الأكلات تترجم ثقافات الشعوب وتنشرها على امتداد الكون

لم يعد الأكل ومفهومه في حاضرنا مقتصرا على حدودنا الإقليمية أو موروثنا الشعبي فحسب، بل إن الذائقة تهوى كل ما هو جديد حتى وإن كان وافدا من الخارج، فالثقافات بتنوعها قد تجتمع على طاولة واحدة رغم ما يفصل بينها من اختلافات.
يقول سمير عواد أحد المقيمين العرب في العاصمة الرياض، إن هوسه بالمأكولات الآسيوية وخاصة الصينية منها، جعله زبونا دائما للمطاعم المتخصصة في إعدادها، مشيرا إلى أنه على الرغم من ارتفاع الأسعار في تلك المطاعم إلا أن رغبته في تناول وجباتها تدفعه إلى ارتيادها قسرا، كلما سنحت له الفرصة.
وأضاف أن ولعه بالمأكولات الآسيوية قديم، منذ كان يدرس الهندسة في إحدى الجامعات الماليزية، معللا ذلك بأنه حينما كان طالبا هناك لم يكن يجد الوقت الكافي ليطبخ المأكولات العربية التي اعتاد عليها، فكان غالبا ما يرتاد المطاعم الصينية المنتشرة في ماليزيا بشكل كبير، فاستلذ ما تقدمه من وجبات كالشوربات بأنواعها النباتية والبحرية، والمكرونة الصينية الشهيرة، وفطائر «سبرنج رول»، وغيرها من الوجبات الصينية المتنوعة.
وأكد أن ما كان يشده للوجبات الصينية، هو طريقة تحضيرها واستمتاعه بالمراقبة المباشرة للطهي، موضحا أن الإعداد يمر في تناغم فريد ما بين اللون والرائحة والطعم، فضلا عن الطرق السريعة والاحترافية التي يتبعها الطهاة الصينيون، التي تنم عن مهارة عالية وقدرة على تجاوز عائق الوقت، وصولا لإعداد وجبات لذيذة بعناصر صحية ومتنوعة.
من جهته، رأى خليل الأزمع - مقيم عربي آخر في العاصمة الرياض - أن الأكل عبارة عن بوابة واسعة للدخول إلى ثقافات الشعوب، حتى وإن كانت متباعدة فيما بينها، فالمكون للوجبة حتما يرتبط بجذوره الأصلية في بلد المنشأ، فالبهار الهندي مثلا علامة ثقافية وتجارية ارتبطت قديما بأذهاننا كعرب وما زالت، فهذا المنتج يضاهي في عراقته الإرث الهندي بأكمله، ويضيف أن البهار كمطيب للأكل، وفاتح للشهية، انتقل عبر التاريخ، إلى عامل يميز المطبخ الهندي عن غيره، فلهذا المطبخ رواده وعشاقه على امتداد الشرق الأوسط والعالم بأكمله، لأن جبال الهند وأوديتها ومياهها وأشجارها انتقلت في ذهنيتنا واستشعرناها من خلال البهارات، حتى أصبحت بالغة التأثير وأقوى من أن تقاوم. ويشير الأزمع إلى أن شغفه بهذا النوع من الأكل لم يؤثر أو يطغى على حبه للأكلات الشعبية لبلده الأصلي، وإنما دمج بين الأصل والجديد بطريقة تميل إلى التنوع والمزج الثقافي المتجانس كما يقول، مضيفا أن زوجته، تراعي هذا الجانب فأصبحت تتفنن في ابتكار أكلات جديدة تجمع ما بين الثقافتين، وإن كان طبق الأرز هو المكون المشترك بينهما في أغلبية الوجبات.
وفسر جينيروسو بونغ مدير أحد المطاعم الآسيوية الإقبال الواسع على الوجبات التي يقدمها مطعمه بنوعية الأطباق وتعدد مكوناتها، إلى جانب المصادر الرئيسة لتلك المكونات من الأسماك والروبيان وغيرها، إضافة إلى العناصر المدعمة للوجبات الرئيسية كالأرز، موضحا أن الدقة في الاختيار والتحضير وطريقة التقديم إلى جانب مستوى النظافة، تشكل انطباع الزبون عن المطعم منذ الوهلة الأولى، مؤكدا حرص إدارته على إبراز الهوية الأصلية للمطعم من خلال الديكور واللوحات الجانبية والزخارف، كونها من وجهة نظره تنقل الزبون إلى قلب البلد المعني بنوع الأكل. أما المواطن عبد العزيز الرملة فيرى أن النظام الغذائي المتكرر يبعث على الملل، وأن طلب الجديد دائما والبحث عن التغيير والتنويع هو المحفز الأساس لارتياد مطاعم ذات هوية مختلفة، ذلك أنه يجد المتعة في التذوق وليس في سد الجوع أو الشبع فحسب، فالأكل من منظوره تلذذ واستمتاع وتحليق في فضاءات جديدة.

الأكثر قراءة