قرار الملك..استشعار للمسؤولية ورسالة لكل مقصر أو مخل بالأمانة
عد مسؤولون ورجال أعمال وحقوقيون ومواطنون في جدة توجيه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بالتحقيق في حادثة غرق سيول جدة التي راح ضحيتها أكثر من مائة شهيد وتدمير الممتلكات أنه استشعار بعظم مسؤولية حقوق المواطنين، مشيدين بما يوليه حفظه الله من اهتمام وحرص ومتابعة للمواطنين.
وكان خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز قد أصدر أمرا ساميا بتكوين لجنة للتحقيق وتقصي الحقائق في أسباب هذه الفاجعة برئاسة أمير منطقة المكرمة وعضوية عدة جهات أمنية وحكومية ، وتحديد مسؤولية كل جهة حكومية أو أي شخص ذي علاقة بها وللجنة كذلك استدعاء أي شخص أو مسؤول كائناً من كان بطلب إفادته ، أو مساءلته - عند الاقتضاء - كما للجنة الاستعانة بمن تراه من ذوي الاختصاص والخبرة، وعلى اللجنة الرفع لنا بما تتوصل إليه من تحقيقات ونتائج وتوصيات بشكل عاجل جداً، وعليها الجد والمثابرة في عملها بما تبرأ به الذمة أمام الله عز وجل، وهي من ذمتنا لذمتهم، مستشعرة عظم المسؤولية وجسامة الخطب . وجاء في الأمر السامي الكريم « اضطلاعاً بما يلزمنا واجب الأمانة والمسؤولية التي عاهدنا الله تعالى على القيام بها والحرص عليها تجاه الدين ثم الوطن والمواطن وكل مقيم على أرضنا فإنه من المتعين علينا شرعاً التصدي لهذا الأمر وتحديد المسؤولية فيه والمسؤولين عنه جهات وأشخاصاً ومحاسبة كل مقصر أو متهاون بكل حزم دون أن تأخذنا في ذلك لومة لائم تجاه من يثبت إخلاله بالأمانة، والمسؤولية الملقاة عليه والثقة المنوطة به، أخذاً في الاعتبار مسؤولية الجهات المعنية كل فيما يخصه أمام الله تعالى، ثم أمامنا عن حسن أدائها لمهماتها ومسؤولياتها، والوفاء بواجباتها، مدركين أنه لا يمكن إغفال أن هناك أخطاءً أو تقصيراً من بعض الجهات، ولدينا الشجاعة الكافية للإفصاح عن ذلك والتصدي له بكل حزم، فهؤلاء المواطنون والمقيمون أمانة في أعناقنا وفي ذمتنا، نقول ذلك صدقاً مع الله قبل كل شيء، ثم تقريراً للواجب الشرعي والنظامي، وتحمل تبعاته، مستصحبين في ذلك تبرؤ النبي صلى الله عليه وسلم من صنيع بعض أصحابه فيما ندبهم إليه.
لذا وامتثالاً لقول الله تعالى «إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا» ولقول النبي صلى الله عليه وسلم ( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته). وبناءً على ما تقتضيه المصلحة العامة.
واعتبر المسؤولون والمواطنون في حديثهم لـ«الاقتصادية»، أن هذا الأمر السامي الكريم رسالة لكل مسؤول وأن هناك من سيحاسبه ويستدعيه إذا قصر في حق مسؤولية أمانة العمل أو أخل بها، مشيدين بما حمله الأمر السامي الكريم من مضامين كبيرة للمواطنين وللمقيمين وحفظ حقوق الناس ومحاسبة المقصرين. وهنا قال الدكتور نايف الشريف أستاذ القانون في جامعة الملك عبد العزيز إن قرار خادم الحرمين كان شجاعا وجريئا ويمتاز بحدة لهجته، وهذا يدل على الأثر النفسي لدى المليك بعد المعاناة التي عاشها سكان الأحياء المتضررة من السيول في جدة.
وزاد«الملك عبد الله معروف بإنسانيته وشعوره بأبناء شعبه ووقوفه بجانبهم في المحن ولم أستغرب قرارا مثل الذي أصدره خادم الحرمين أمس بتعويض أسر الضحايا ومحاسبة المتسببين في الكارثة» مضيفا « أتمنى من اللجنة التي أمر خادم الحرمين بتشكيلها والمكلفة بالتحقيق مع المسؤولين المتسببين في الكارثة، أن تبت في التحقيق والرفع بالمتسببين في أسرع وقت حتى لو توسعت اللجنة في أعضائها وضمت أطرافا محايدة كأساتذة الجامعات وإشراكهم في التحقيق وعمل بحث وتقصي عن أسباب المشكلة وطرق معالجتها والتركيز على العمل الميداني للجنة وعدم الاكتفاء بالتقارير المكتبية وعمل استقصاء لآراء الناس في الشارع حتى يكون للمواطن كلمته في القضية». وأكد الشريف أهمية تقديم المتورطين في القضية من المسؤولين للعدالة ومحاكمتهم شرعا والتشهير بهم حتى يكونوا عبرة لمن يتبعهم حتى وإن كان المسؤول قد ترك منصبه وتقاعد لأن ذلك لا يعفيه من المسؤولية فقد تسبب في إزهاق أرواح الأبرياء. منبها إلى الأخذ في الحسبان مستقبل المشاريع في جدة وتلافي التقصير فيها وخصوصا أن الدولة ضخت سبعة مليارات لمشاريع الصرف الصحي وتصريف السيول في جدة ولم يستفيد الأهالي منها ولا أحد يعلم إلى أين ذهبت أو على ماذا صرفت. وطالب أستاذ القانون في جامعة الملك عبد العزيز بإدخال الشركات الأجنبية كشريك استراتيجي في تنفيذ مشاريع البني النحتية الكبرى في جدة بعد فشل الشركات المحلية وتسببها في عديد من الكوارث. وتساءل الشريف عن دور هيئة مكافحة الفساد التي شكلت بأمر سام قبل أكثر من ثلاثة أعوام واختفائها عن الساحة وعدم مشاركتها في التحقيق فيما يحدث في جدة من فساد في المشاريع الحكومية مطالبا بإنشاء محاكم متخصصة يحاكم فيها المسؤولون المتورطون في قضايا رشوة واختلاس من المال العام والمتهاونون في أداء أعمالهم وواجباتهم الوطنية. من جانبه، قال الدكتور ماجد قاروب، رئيس المحامين في غرفة جدة التجارية، أن قرار الملك الصادر أمس الأول والذي احتوى على أربعة بنود لمعالجة المشكلة يعتبر قانونا بحد ذاته ومرجعا نظاميا لأنه صدر من ولي الأمر والذي يمثل أعلى سلطة في الدولة وعن محاكمة المسؤولين المتورطين في مشاكل جدة قال قاروب:»هذا أمر وارد في النظام وليس مستبعدا ولها آليات محددة، وزاد قاروب:«نتمنى من أعضاء اللجنة أن يمتلكوا الشجاعة والقدرة على التشهير بالمتورطين وأن يقتدوا في ذلك بشجاعة خادم الحرمين الشريفين وأن يكون مثلهم الأعلى في ذلك حتى ولو كانت المؤسسات التي يمثلونها هي أحد المتهمين والمتورطين في الأزمة التي خلفتها السيول»
وأشار إلى ضرورة إسراع اللجنة في بعض البنود كحصر الأضرار وتعويض المتضررين وذوي الموتى، أما فيما يخص التحقيقات فالاستعجال فيها قد يضر أكثر مما ينفع.
واعتبر رئيس المحامين في جدة أن جميع الأجهزة الحكومية والخاصة والجهات الإعلامية شريكة في المسؤولية فكل كان له يد مباشرة أو غير مباشرة في كوارث جدة مستشهداً على ذلك ببحيرة المسك فكان من المفترض أن كتابة العدل لا تصدر الصكوك للمناطق القريبة منها وأخطأت الأمانة عندما صرحت للمخططات وأخذت ترمي مياه المجاري فيها. وأخطأت وزارة التجارة عندما صرحت بالنشاطات التجارية حولها ولم يقم الإعلام بدوره في التنبيه والتوعية كما يقوم الآن بعد أن وقعت الكارثة وأصبحت جدة مهددة بسيل من المجاري يجتاح الأحياء الشمالية منها.
وكما أكد الدكتور عمر الخولي، أستاذ القانون في جامعة الملك عبد العزيز بأن القرار الملكي بتشكيل لجنة في التحقيق في كارثة جدة أتى مناسبا لحجم الأزمة وتمنى أن يكون للجنة دورها الفاعل وأن تطلع المواطنين على ما كشفته من تواطؤ وتجاوز من قبل المسؤولين.
فيما قال المحامي هاشم كوشك: «إنه قرار حكيم انتظرناه ونتطلع إليه كحل جذري لمشاكل المياه والصرف الصحي التي عانت منها جدة طوال الـ 30 عاما الماضية ولقد حدد المسؤوليات والواجبات على كل جهة ونرى فيه إصلاحا للأوضاع القائمة وستشمل فائدته جميع مناطق المملكة.
ولفت المحامي كوشك إلى أن القرار تضمن معاقبة المتسببين من موظفي الدولة بالرجوع لأنظمة التأديب الوظيفي وهي تشتمل على بنود معاقبة حتى المتقاعدين والمنتهية خدمتهم من الدولة.
من جانبه، قال رجل الأعمال عبد اللطيف بن محمد العبد اللطيف الرئيس التنفيذي لشركة الغزالي، إن هذا القرار ليس غريبا على ملك الإنسانية والعدل الذي تعودنا منه دائماً الوقوف إلى جانب المواطنين والمقيمين وأصحاب الحق وإنصافهم في كل زمان ومكان. وقد أسعدنا ما وجه به خادم الحرمين الشريفين بخصوص محاسبة المقصرين والمسؤولين الذين تقاعسوا عن أداء الأمانة مجازفين بأرواح الناس. كما أن لفتته الإنسانية بمساعدة ذوي الشهداء ودعمهم مادياً يعد عملا نبيلا يدل على شعور الملك عبد الله بن عبد العزيز بما تعانيه هذه العائلات جراء فقدهم لذويهم في كارثة السيول والأمطار التي أغرقت أحياء مدينة جدة قبيل عيد الأضحى المبارك.
من جهته أكد سليمان التويجري مدير عام جمرك ميناء جدة الإسلامي أن قرار خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز من المواقف التي عودنا عليها والتي تؤكد حرصه واهتمامه بجميع فئات الشعب وأبنائه المواطنين، ويظهر جليا في القرارات التي اتخذها خادم الحرمين والتي تنم عن إحساسه بأبناء الشعب والمواطنين كأبنائه. وأضاف التويجري قائلا:«ما نراه اليوم من إيواء للمتضررين وصرف المبالغ المالية وعلاج المصابين دليل على اهتمام ولاة الأمر بالمواطنين وتحسسهم همومهم وحل جميع مشاكلهم والوقوف بجانبهم عند وقوع أي مكروه. في ذات الشأن اعتبر الدكتور سامي بادواد مدير عام الشؤون الصحية في محافظة جدة أن القرار يعتبر أفضل مواساة وبلسم لتخفيف وعلاج المصابين في الحدث واستشعار من خادم الحرمين الشريفين بمسؤوليته تجاه أبنائه وبناته من المواطنين والمقيمين، والقيادة عودتنا دائما على التلاحم مع الشعب في السراء والضراء، وعن أثره في المتضررين أوضح باداود أن الفرق الطبية الميدانية في مراكز الإيواء وجدت ارتياحا في التعامل مع المتضررين حيث شهدت تعابير الارتياح في مراكز الإيواء والرضا بما قدمه خادم الحرمين الشريفين وهي ليست بالقيمة المادية بل بالقيمة المعنوية وإحساس مشاركة القيادة لهم في مصابهم.