كيف تؤثر التجاوزات الاقتصادية الخاصة بالماضي في الحاضر؟

كيف تؤثر التجاوزات الاقتصادية الخاصة بالماضي في الحاضر؟

إن البيئة الاقتصادية العالمية للأموال الرخيصة من العقدين الماضيين كانت أمراً غريباً ومختلفا، حيث أدت إلى «دمار للطاقة واسع النطاق» إلى يومنا هذا في الموارد الطبيعية، كما تقول بيبا مالمجرين، رئيسة ومؤسسة مشاركة لشركات الخدمات المالية «كانونبيري جروب برينسيباليس أسيت مانجمنت».
ونتيجةً لذلك، فإن دولاً مثل الصين تندفع إلى التزود الآمن بالسلع، بينما تسلط حزم الحوافز الاقتصادية المُطبقة من جانب الحكومات الخاصة بمقاومة الكساد العالمي، الضوء، على خطورة التضخم الذي من الممكن أن يهدد الاستقرار الاجتماعي، كما تجادل مالمجرين.في حديثها في الآونة الأخيرة في حرم انسياد في آسيا، سنغافورة، وصفت مالمجرين كيف للسياسة والسياسات الجغرافية أن تؤثرا في مخاطر النشاطات العملية. وكونها كانت تعمل كمستشارة اقتصادية للرئيس السابق جورج بوش، وخبيرة استراتيجية كبيرة سابقة في الاستثمارات في بنك يو بي إس واربورج، وبانكرز ترست، فهي تؤمن بأن نهاية الحرب الباردة وتدفق مليارات الناس إلى الاقتصاد العالمي ولّد بيئة من التضخم والتقلب، وقد وصفتها بأنها «محيط استثنائي». «الكثير من الناس يعتقد أن السنوات الـ 20 إلى 25 كانت سنوات عادية. ومن وجهة نظري هي لم تكن عادية»، كما تقول مالمجرين.
«كان خللاً في التاريخ بأن تتوافر لديك مثل هذه الظروف، وقد بدأت الآن بالتنحي. وأن المرحلة التي على وشك أن ندخلها هي بيئة اقتصادية أكثر طبيعية، وأنها عودة إلى ما كان لدينا سابقاً قبل هذه المجموعة من الظروف الاستثنائية».
رغم أنه يبدو أن الاقتصاد العالمي في تحسن، بدعم من الحوافز الاقتصادية، بينما الأسواق المالية تستجمع قواها من جديد وسط ارتفاع قيمة الأصول وتضاؤل التقلب، فإن مالمجرين تحذر من أنه سيكون من الخطورة تفسير أنه ستكون تلك الإشارات كضوء أخضر بالنسبة للناس لكي يرفعوا مخاطر استثماراتهم بدلاً من تقليلها.
مع ترك سنوات الازدهار خلفنا، فإن النشاطات العملية تصارع ألم تخفيف أعباء الاقتصاد بتقليص طاقات الإنتاج بصورة كبيرة. وتقول مالمجرين إن أصحاب النشاطات العملية قالوا لها إن «دمار الطاقة الهائل» لإنتاج السلع، حدث نتيجة لذلك.
فعلى سبيل المثال، تشير مالمجرين إلى أن طاقة الإنتاج العالمي لبعض المعادن تراجعت بنحو 80 في المائة، بينما المزارعون في الولايات المتحدة الأمريكية يحدون من عدد قطعانهم من الأبقار الحلوبة لأن الاعتناء بالفائض منها أصبح مكلفاً للغاية.
وبالتالي، مع تجاوز أسعار السلع أسواق الأسهم أقصى الحدود، تعتقد مالمجرين أن أسعار السلع المتزايدة ستكون بمثابة تحطيم هامش ربحي كبير للشركات.
وتركز أعينها على الصين، وتقول مالمجرين إن الانكماش الاقتصادي الحالي، وأسواق الاكتتاب العام المحلية الضعيف تجبر المصنعين في الصين على رفع الأسعار، الأمر الذي يعني أن الصين لن تصدر بعد الآن عوامل مكافحة التضخم للعالم. ولكن بدلاً من ذلك، ستكون الصين مصدراً للتضخم، كما تقول مالمجرين.
ومن المؤكد، أن التضخم يفرض خطراً على الصين، كونه يهدد الاستقرار الاجتماعي. وتشير مالمجرين إلى أن الاحتجاجات في ساحة تيانانمن في بكين قبل 20 عاماً كانت ضد بيئة التضخم المرتفع، بينما المظاهرات التي تحدث في الآونة الأخيرة في التبت شهدت رهباناً يحتجون في الشوارع لأن سعر صحن الأرز مرتفع لدرجة أن لا أحد يريد أن يشتريه.
«لذا فإن السلطات الصينية مرعوبة، وتقول إنه لا يوجد شيء يمكن أن يمزق النسيج الاجتماعي أسرع من التضخم»، كما تقول مالمجرين.
«نحن نرى هذا للمرة الأولى في التاريخ، وهنالك الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة، والعديد من الأوروبيين، واليابانيين، وبصراحة نحن في الصين مشمولون بالأمر، حيث نقضي على كافة الحدود المعروفة للحوافز النقدية، والمالية، ونقوم بها في وقت متزامن لأول مرة في التاريخ».
«ما الذي نعتقد أنه سوف يحدث؟ نعتقد أن الأمر سينجح، وإذا نجح، فلا توجد لدينا آلية للتحقق ضمن اقتصادنا فيما يتعلق بالتضخم».
«لذا، فإننا نريد أن نجري حواراً معكم أيها الأمريكيون، لأننا نريدكم أن تتوقفوا عن القيام بذلك لمصلحة استقرارنا الاجتماعي».
إن خطة الصين هي تسريع استراتيجيتها طويلة الأجل للأصول المالية الموجودة أصلاً، والاستثمار في «الأصول الصعبة»، كما تقول مالمجرين. ويشمل ذلك بناء المرافئ العميقة، والجسور، والطرق في أمريكا اللاتينية، وإفريقيا لتأمين الحصول على السلع.
وهنالك في الوطن، تطور الصين بنيتها التحتية الهوائية، والبحرية، والأرضية كجزء من هذه الاستراتيجية، بينما تكتنز الموارد اللازمة، مثل الحديد، والفولاذ. وتضيف مالمجرين أنها لم تفاجأ حين اعتقلت الصين أحد كبار المفاوضين من ريو تينتو في الصين حول مزاعم التجسس الصناعي لمنع ريو تينتو من رفع أسعار السلع بكفاءة، لأن القيادة الصينية كانت تخشى التضخم إلى حدٍ كبير.
إن الخوف من التضخم كان السبب وراء عدم رغبة الصين في إعادة تدوير عملتها من فائض التداول مغ الولايات المتحدة إلى سندات الخزانة الأمريكية، خوفاً من تبديد هذه الاستثمارات وتلاشيها، كما تقول مالمجرين.
إلى جانب الصين، هنالك غيرها من الجهات وراء صناديق الثروة السيادية الأخرى التي تسعى إلى تأمين «الأصول الصعبة» في الدول الغنية بالسلع، وهي تشمل الدول الإسلامية مثل إندونيسيا، وماليزيا، كما تقول مالمجرين. ومع تدفق صناديق الاستثمارات إلى هذه البلاد، فإن معدلات تبادل الصرف الأجنبي ستصبح أكثر تقلباً، كما تضيف.
«إن مدى التقلب سيكون نتيجة عامة لبيئة الاقتصاد الكلي»، كما تقول مالمجرين.
ومن وجهة نظر اقتصادية أوسع، يمكن أن يبدو الاقتصاد العالمي في تحسن، ولكن ما تغير هو عبء الديون التي سوف تولد مجموعة جديدة من الضغوطات على الحكومة، كما تجادل مالمجرين.
«لقد كان مسار النمو القديم حاداً للغاية، وإن مسار النمو الجديد ضحل للغاية».
وبالتالي، فإن الحكومات ستحاول تحسين وضع تدفقها النقدي برفع الضرائب. ولكن بينما يولّد رجال الأعمال معظم الوظائف، سيكون عبء الضرائب أعلى عليهم، وسيكون تجاوب توليد الوظائف أبطأ»، كما تقول مالمجرين.
«الأمر الوحيد الذي يقودنا إلى الانتعاش والتعافي بصورة فعالة هو المجازفة بمخاطر القيام بالمشاريع الحرة».
وقدمت الدكتورة مالمجرين عرضاً تقديمياً بعنوان «السياسات، والسياسة، والجغرافيا السياسية كمخاطر على نشاطات الأعمال»، في حرم إنسياد آسيا، في سنغافورة، في الخامس من تشرين الأول (أكتوبر)، 2009.

الأكثر قراءة