الاقتصاد العالمي في طريقه للاستقرار .. وانتعاش «طيب» في السعودية
## هل تتوقع أن يكون عام 2010 العام النهائي للآثار المترتبة على الأزمة المالية العالمية؟ أم أن هناك ناراً لا تزال كامنة تحت الرماد وربما تنفجر في أي وقت وتدفع بالاقتصاد العالمي إلى أجواء عام 2008؟
أعتقد أن الاقتصاد العالمي في سبيله إلى الاستقرار. الانتعاش الاقتصادي في البلدان المتقدمة سيكون متثاقلاً، وسيكون التضخم بصورة أو بأخرى لا وجود له. هذه الحركة الاقتصادية البطيئة للغاية ستكون لها آثار سلبية على التعافي في بلدان الأسواق الناشئة، رغم أن النمو سيكون أقوى من البلدان الأخرى. أعتقد أننا تجاوزنا أسوأ مرحلة في الأزمة، لكن هذا لا يعني أن طور الانتعاش الاقتصادي لا يسير بحركة سريعة. في الولايات المتحدة، فإن أسوأ ركود اقتصادي منذ الكساد العظيم في الثلاثينيات انتهى في مرحلة معينة أثناء الصيف. ومن المتوقع أن تكون هناك قيود على وتيرة الانتعاش الاقتصادي بفعل ارتفاع مدخرات الأسر، بهدف إعادة إنشاء القيمة الصافية التي تعرضت للتلف أثناء الركود الاقتصادي، وبفعل أسواق العمل الضعيفة، ومشاعر اللبس لدى الشركات، والتسهيل البطيء للظروف الائتمانية في النظام البنكي. من وجهة نظري، حتى تكون هناك عودة إلى الركود الاقتصادي مرة أخرى، فإن الأمر يستلزم ارتكاب خطأ في السياسة الاقتصادية. نحن نعطي احتمالاً مقداره 20 في المائة بالعودة إلى الركود من جديد. خرجت بلدان منطقة اليورو من الركود الاقتصادي في الربع الثالث من هذا العام، بنسبة نمو مقدارها 0.4 في المائة عند قياسها خلال الربع نفسه من عام لعام. سيستمر النشاط في اكتساب الزخم بفعل العوامل المؤقتة. لكن الطلب المحلي سيتأثر سلباً بفعل ارتفاع معدلات البطالة ومستويات الدين لدى الشركات. من المفترض أن يبلغ معدل النمو النهائي 1.2 في المائة لعام 2010 وبنسبة 1.6 في المائة في عام 2011. المخاطر السلبية في توقعاتي الرئيسية تعتبر عالية بالنسبة لبلدان منطقة اليورو. على المدى القصير هناك خطر العودة إلى التراجع في النشاط، على اعتبار أن العوامل التي يقوم عليها الانتعاش الاقتصادي هي عوامل مؤقتة. لكن الأهم من ذلك أن النظام المالي لم يصل بعد إلى مرحلة الاستقرار التام. على المدى المتوسط، أي انتعاش في الاستهلاك الخاص يمكن أن يكون ضعيفاً ومحدوداً، على اعتبار أن سوق العمل متدنية وتعاني مشكلات، ولا يرجح لها أن تتحسن خلال وقت قريب. هذا الخطر يعتبر عالياً للغاية، خصوصاً في بلدان مثل إسبانيا، حيث تبلغ البطالة معدلات مرتفعة للغاية. أعتقد أن بلدان الأسواق الناشئة يمكن أن تسترد عافيتها بقوة في عام 2010. وحتى لو كان ثمن ذلك هو التدهور في أوضاع المالية العامة (التي هي ضمن الحدود المعقولة في معظم الحالات)، فإن النمو المندفع، واقترانه بارتفاع أسعار الفائدة في بلدان الأسواق الناشئة وعودة التدفقات الداخلة الرأسمالية، فإن من المفترض أن يكون من شأن ذلك مساندة معظم عملات الأسواق الناشئة في عام 2010، ما لم يَعُد شبح الركود الاقتصادي إلى الظهور من جديد. لكن ستكون البيئة أقل نشاطاً مما كانت عليه الحال خلال الأعوام من 2004 إلى 2008. بالتالي رغم أننا نتوقع حدوث انتعاش في التجارة العالمية وواردات البلدان الصناعية، إلا أننا لن نرى في عام 2010 معدلات النمو التي شهدناها في سنوات الطفرة. بالمثل فإنه رغم أن الآفاق إيجابية بالنسبة لأسعار المعادن وبعض المنتجات الغذائية، خصوصاً بالنظر إلى النمو المندفع في آسيا، إلا أن آفاق النفط يحوطها اللبس والغموض. كذلك المساندة التي قدمتها الحكومات من المالية العامة والسياسة النقدية سيتم تخفيضها بالتدريج. لن تكون معدلات الانتعاش الاقتصادي واحدة في جميع البلدان. رغم أن الآفاق إيجابية للغاية في آسيا (+7.2 في المائة)، وإلى حد أقل في أمريكا اللاتينية (+ 4.0 في المائة)، حيث إن "المحرك" الصيني يدفع كذلك النمو في أسعار السلع، إلا أن الوضع يتسم بقدر أكبر من اللبس والغموض في الشرق الأوسط (بسبب أسعار النفط، والأثر الإقليمي لأزمة دبي، وإيران)، وفي أوروبا الوسطى والشرقية، حيث إن بعض البلدان لا تزال في مرحلة التعديل والتكيف. سيتخلف عدد قليل من البلدان، بالنظر إلى العوائق المحلية (المكسيك)، وسعر صرف العملة الباعث على الشلل (جنوب إفريقيا)، أو عوامل اللبس السياسي (الفلبين). لكن جميع البلدان تقريباً ستعود إلى النمو الموجب في عام 2010، ما يلغي معدلات التراجع التي سُجِّلت في عام 2009.
## كيف ترى أداء الاقتصاد السعودي في عام 2010؟ هل تعتقد أن النمو الاقتصادي الإجمالي سيكون في مثل مستويات عامي 2006 و2007؟ وماذا عن الوضع الاقتصادي في بلدان منطقة الخليج العربي؟
الاقتصاد السعودي سيشهد انتعاشاً طيباً في عام 2010 من حيث النمو الحقيقي في الناتج المحلي الإجمالي. أتوقع أن ينمو الاقتصاد بنسبة تقع ما بين 3.5 في المائة إلى 4 في المائة في عام 2010، وهذه نسبة متينة وقادرة على خلق مزيد من فرص العمل والتوسع في القطاع الخاص غير النفطي. كان عام 2009 عاماً صعباً، حيث كان معدل نمو القطاع الخاص أقل من السنوات السابقة. لكن عام 2010 سيكون عام الانتعاش الاقتصادي في السعودية. علينا ألا ننسى أن المملكة العربية السعودية تحملت العواصف وصمدت في وجه أسوأ أزمة اقتصادية منذ 50 عاماً. لم تعان المملكة من أزمة بنكية، وأهم ما في الأمر أن معدلات البطالة بين السعوديين لم تخلق مشكلة تؤثر في النظام بكامله. علينا ألا ننسى الحقيقة القائلة إن معظم العاملين السعوديين يعملون في القطاع الحكومي، وكان من شأن ذلك الوقاية (من كثير من الصدمات)، على خلاف ما حدث في الولايات المتحدة وأوروبا، حيث اضطرت الشركات والمؤسسات إلى تسريح عدد كبير من الناس خلال السنتين السابقتين. من عدة جوانب أدى ذلك إلى عدم وقوع المملكة في المشكلات، لكن بطبيعة الحال لا ينبغي أن يعتبر ذلك سبيلاً إلى حل مشكلات التوظيف في المملكة. لكن في هذه المناسبة عمل القطاع العام على حماية المملكة.
سيكون عام 2010 هو عام التعافي التدريجي في الشرق الأوسط. ستبدأ بلدان الخليج في اكتساب زخم النمو، لكن من المتوقع أن تكون هناك بعض الفروق من حيث معدلات النمو والفرص. حين تكون أسعار النفط فوق 70 دولاراً للبرميل فإن هذا مفيد للصورة المالية العامة في بلدان منطقة الخليج. في السنة المقبلة سينتعش النمو في المنطقة. صحيح أن الكويت تواجه مخاطر على الجانب السلبي نتيجة تصاعد الخلافات بين مجلس الأمة والحكومة، لكن المملكة ملتزمة بإنفاق 400 مليار دولار على البنية التحتية خلال خمس سنوات. ومن المتوقع أن يكون الاقتصاد القطري أسرع الاقتصادات نمواً في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في عام 2010، حيث سيبلغ معدل النمو 20.3 في المائة مع قيامها بزيادة إنتاجها من الغاز الطبيعي. ومن المتوقع أن تسجل أبو ظبي معدل نمو سنوي في الناتج المحلي الإجمالي مقداره 7 في المائة حتى عام 2015. مأزق دبي الاقتصادي سيفرض ضغوطاً إلى الأدنى على اقتصاد دولة الإمارات في عام 2010، حيث سيكون معدل النمو دون مستوى الاتجاهات العامة. في عام 2010 سوف يتقلص الناتج المحلي الإجمالي في دبي بنسبة 2 في المائة، في حين أن معدل النمو الاقتصادي في أبو ظبي سيكون 4 في المائة. وستشهد عُمان انتعاشاً اقتصادياً طيباً في عام 2010، وكذلك البحرين. بالنسبة للبحرين ستكون المخاطرة مرتبطة بقدرتها على أن تشهد التعافي في قطاعها المالي، بالنظر إلى أن شركات الخدمات المالية العالمية ستجد نفسها أمام سنة صعبة في العام المقبل. من المرجح أن يظل التضخم خافتاً في منطقة الخليج العربي، وإن كان سيشهد مستويات تاريخية عالية في السعودية والكويت. القضية المثيرة للقلق في عام 2010 والفترة المقبلة هي التضخم في أسعار المواد الغذائية. في تشرين الأول (نوفمبر) من العام وصل مؤشر أسعار المواد الغذائية (الذي تصدره منظمة الأغذية والزراعة) أعلى مستوى له منذ أيلول (سبتمبر) 2008، حيث سجل 168 نقطة. ولا أتوقع حدوث تغيير في أنظمة أسعار صرف العملات (الثابتة بصورة عامة) في منطقة الخليج العربي.
## المؤسسات المالية السعودية متباطئة في عمليات الائتمان والتمويل، وهذا ما سمح للأموال الحكومية بالتدخل وتمويل مشروعات ضخمة، مثل مشاريع البنية التحتية والمشاريع الصناعية. هل تعتقد وتتوقع أن يستمر هذا الاتجاه العام في سنة 2010، أم أن البنوك ستبدأ في عمليات التمويل وتستعيد أموالها؟
أعتقد أن البنوك ستصبح أقل عزوفاً عن المخاطر، لكننا لن نشهد مستويات النمو في القروض التي كانت سائدة خلال العامين 2007 إلى 2008. سيحتاج الأمر إلى بعض الوقت قبل أن نشهد عودة هذا المستوى من النمو إلى السوق. لكنني أتوقع بالفعل أن البنوك ستكتسب الزخم في عمليات الإقراض في النصف الأول من عام 2010. لكن النزعة المحافظة في عمليات الإقراض البنكية ليست بالأمر السيئ، بل إنني أراها تطوراً طيباً. يجب على البنوك أن تقوم بدورها في الاجتهاد اللازم واليقظة المعقولة في تقييمها للمشاريع استناداً إلى حركة النقد في داخلها. لاحظ أن الذي عمل على حماية النظام البنكي السعودي هو قدرة مؤسسة النقد العربي السعودي على تطبيق قواعد صارمة جعلت البنوك أقل عرضة بكثير للحماسة والإفراط وأكثر ميلاً إلى المحافظة من كثير من البنوك الواقعة خارج المنطقة وكذلك في منطقة الخليج. على سبيل المثال، بلغت نسبة "القروض إلى الودائع" في معظم البنوك في الإمارات معدلات تزيد على 120 في المائة، في حين أنها في السعودية لم تصل قط إلى هذه المستويات. هذه النسبة في النظام البنكي السعودي تقع دون 85 في المائة، وهذه نسبة ممتازة ومأمونة. لو تركت البنوك لشأنها لكان من الممكن أن يحدث فساد في كثير من الأمور، ومن دون إشراف مؤسسة النقد لكان النظام البنكي السعودي يمر الآن بوضع عسر.
## ماذا تتوقع أن يكون توجُّه حركة الدولار خلال عام 2010 وانعكاس ذلك على السياسة النقدية، بما في ذلك السعودية؟
أميل إلى ألا أتفق مع الآراء السائدة حول العملات والسلع. حين أسمع الناس يقولون إن سعر الذهب سيصل إلى ثلاثة آلاف دولار للأوقية أو خمسة آلاف دولار، فإنني أميل إلى الذهاب إلى الاتجاه الآخر. حين كان المحللون يطالبون بنهاية الدولار، وحين اخترق الدولار حاجز 1.50 في مقابل اليورو، في ذلك الوقت قال كثيرون إن الدولار سيهبط الآن في حالة سقوط حر. وقلت عندها إنني لا أتفق مع هذا الرأي. سيكتسب الدولار القوة في الأشهر القليلة الأولى من عام 2010، وأتوقع أن يصل إلى ما دون 1.32 في مرحلة معينة في عام 2010. لذلك لا أعتقد أننا سنشهد مزيدا من ضعف الدولار في عام 2010 ما لم تُرتكَب أخطاء خطيرة في الاقتصاد الأمريكي في تلك المرحلة. بالتالي لا أتوقع أن تشهد السعودية مزيدا من التضخم المستورد بسبب الدولار. هناك خطر من أننا يمكن أن نشهد نوعاً من التضخم المستورد على شكل ارتفاع أسعار المواد الغذائية، ولكن ليس نتيجة لعامل الدولار في عام 2010. لكن من الصعب أن نتوقع الوجهة المستقبلية للدولار وما إذا كان الدولار سيفقد أهميته العالمية. نحن بحاجة إلى أن نواصل التفكير حول التوجه المستقبلي للدولار والكيفية التي سيؤثر بها في وضعنا من حيث تخصيص الموجودات. من المؤكد أن ما هو جيد بالنسبة إلينا اليوم ربما لا يكون خيراً لنا بعد عشر سنوات أو عشرين سنة من الآن، من الزاوية السياسية والاقتصادية كذلك. الدولار الآن في مفترق طرق، على اعتبار أن السلطات النقدية الأمريكية يتعين عليها الاختيار بين سياسة تستوعب الطلب العالي على الدولار في العالم، وبالتالي فإن الطلب على الدولار سيزداد بصورة أسرع بكثير، وبين السياسة التي تحافظ على استقرار السعر التقريبي في الولايات المتحدة. من جانب آخر، يمكن للولايات المتحدة أن تتمسك بهدف التضخم، لكن هذا يتطلب تحديد عرض الدولار إلى مستوى أدنى بكثير، وهو أمر من شأنه تثبيط الطلب العالي على الدولار في أنحاء العالم.
من المؤكد أن القرار الذي نتخذه على مستوى السياسة النقدية حتى الآن يخدم المصلحة الوطنية للمملكة، ومن هذا المنطلق سنتحرك إلى الأمام.
## أسعار الفائدة الموجودة لدينا حالياً هي عند أدنى مستوياتها التاريخية. هل تتوقع ارتفاع المستويات بصورة تدريجية في سبيل تجنب الضغوط التضخمية في المستقبل. كذلك هل تتوقع افتتاح قنوات استثمارية جديدة للحفاظ على أموال البنوك داخل المملكة؟
أعتقد أنه ينبغي علينا افتراض ارتفاع أسعار الفائدة خلال فترة قريبة، وأقصد بكلامي هذا أن ذلك سيكون في أي وقت خلال النصف الأول من عام 2010. إذا أردت أن أكون أكثر تحديداً فإننا ربما نرى بعض الارتفاع في أسعار الفائدة في وقت معين خلال النصف الثاني من عام 2010، لكنني أعتقد أن الارتفاع سيكون تدريجياً وليس ارتفاعاً جذرياً على شكل طفرة. في عام 2010 سيكون الموضوع المهم بالنسبة للمملكة ليس التضخم وإنما النمو. هبط التضخم إلى مستويات معقولة نسبياً، لكنه لا يزال مرتفعاً بالمستويات التاريخية. لا أظن أن التضخم سيرتفع إلى مستويات تضطر مؤسسة النقد (ساما) إلى أن تبدأ في رفع أسعار الفائدة، على اعتبار أن هذا سيؤذي النمو في القطاع الخاص. سيستمر التضخم ليكون مشكلة محلية بالدرجة الأولى في عام 2010، خصوصاً إذا علمنا أن التضخم في الإيجارات لا يزال مرتفعاً. وسيكون ارتفاع أسعار المواد الغذائية مشكلة، خصوصاً أن أسعار المواد الغذائية عالمياً في حالة ارتفاع، وتعتمد المملكة على أكثر من 65 في المائة من استهلاكها الغذائي من وارداتها من المواد الغذائية.
ليس من الصحيح أن نفترض أن البنوك لديها كميات هائلة من الموجودات الأجنبية. تشكل الموجودات الأجنبية 14 في المائة من إجمالي موجودات البنوك، وهذه ليست كمية هائلة. البنوك بحاجة إلى أن تضع بعض الموجودات في الخارج بهدف تنويع المخاطر، لكنها بحاجة كذلك إلى الاستفادة من الفرص الاستثمارية خارج المملكة. لكن تخصيص الموجودات الأجنبية من قبل البنوك التجارية في المملكة يعتبر محافظاً للغاية، ويعود الفضل في ذلك إلى أنظمة مؤسسة النقد (ساما). الواقع أن البنوك في المملكة لم تكن معرضة فعلاً للمنتجات القائمة على القروض السكنية لضعاف الملاءة، وذلك بفضل الضوابط التنظيمية القوية من مؤسسة النقد. هناك حقيقة ليست معروفة على نطاق واسع، وهي أنه لكل عملية تحويل عبر الحدود من قبل أحد البنوك (سواء كان ذلك لشراء منتج استثماري أو تخصيص قرض لأغراض استخدامه عبر الحدود)، فلا بد لهذه العملية أن تحصل على موافقة "ساما". الانكشاف المباشر للبنوك أمام الشركات المملوكة لحكومة دبي يعتبر متدنياً، وذلك بسبب الضوابط التي تفرضها "ساما". لاحظ أن الأنظمة البنكية في المملكة هي أفضل الأنظمة في الخليج العربي، وتعبر من أفضل الأنظمة في الشرق الأوسط، وهذه الأنظمة هي بالضبط التي أنقذت البنوك.