المنتجات الشرعية.. أرقام مذهلة وتقديرات كمية مختلفة
هناك أرقام مذهلة يتناقلها أهل الاستثمار حول صناعة المصرفية الإسلامية العالمية، وهناك نقاشاً ساخناً يدور حول مدى موثوقيتها. والأرقام التي يكثر إيرادها في التقديرات هي بحدود 500 مليار دولار من الموجودات المدارة، وبنسبة نمو تراوح بين 15 و20 في المائة، تتعامل بها حوالي 300 مؤسسة كريس رايت يطرح وجهة نظره في هذه الأرقام في مقال بعنوان «المنتجات الشرعية.. أرقام مذهلة وتقديرات مختلفة» ..
هناك أرقام مذهلة يتناقلها أهل الاستثمار حول صناعة المصرفية الإسلامية العالمية، وهناك نقاشاً ساخناً يدور حول مدى موثوقيتها. والأرقام التي يكثر إيرادها في التقديرات هي بحدود 500 مليار دولار من الموجودات المدارة، وبنسبة نمو تراوح بين 15 و20 في المائة، تتعامل بها حوالي 300 مؤسسة كريس رايت يطرح وجهة نظره في هذه الأرقام في مقال بعنوان «المنتجات الشرعية.. أرقام مذهلة وتقديرات مختلفة» >
تختلف الآراء حول وضع تقدير كمي لسوق المنتجات الاستثمارية الملتزمة بالأحكام الشرعية التي تحتل أهمية عظيمة، ما يجعل المؤسسات تفكر بعمق حول نوعية ومقدار الموارد التي يحسن بها أن تكرسها لهذه المنتجات.
وبالتالي فإذا كان الأمر كذلك فلماذا لا نرى كل مدير لأحد الصناديق الدولية يحاول بيع النسخ الملتزمة بالشريعة من منتجاتهم في الأسهم العالمية إلى أصحاب الثروات في منطقة الخليج العربي؟
هذا السؤال هو أحد التعقيدات التي تصاحب هذا الموضوع الممتع. من الواضح أن الاستثمار وفقاً للأحكام الشرعية يتمتع بأهمية عظيمة، ولكن الآراء منقسمة انقساماً هائلاً حول وضع تقدير كمي له. على المستوى الإقليمي، من الواضح أنه متغلغل إلى حد كبير. ففي المملكة العربية السعودية فإن 53 في المائة من الصناديق و72 في المائة من الموجودات ملتزمة بالأحكام الشرعية. فالسعودية وحدها كان يوجد فيها 103 صناديق ملتزمة بالأحكام الشرعية بنهاية عام 2007، وفقاً لما تقوله «تداول»، وهي البورصة السعودية. وفي معظم الأسواق الأخرى فإن الصناديق الشرعية تشكل الأقلية، ولكنها تظل مع ذلك تشكل قسماً مهماً من السوق. فهناك 87 صندوقاً تدير موجودات بقيمة 1.3 مليار دولار في البحرين. وهي تشكل 33 في المائة من السوق القطرية و30 في المائة من سوق كل من الكويت ودولة الإمارات العربية المتحدة. وبالتالي فإن السؤال يثور: أين الأجانب؟ هناك نتيجة من السهل التوصل إليها، وهي أن مديري الصناديق الأجانب يخدمون المؤسسات بصورة رئيسية، وخصوصاً صناديق الثروات السيادية، التي يبدو أنها لا تكترث بالالتزام بالأحكام الشرعية في استثماراتها. حاول أن تلقي نظرة على الاستثمارات التي دخلت بها مؤسسات مثل جهاز أبو ظبي للاستثمار، أو استثمارات البعض، في البنوك الاستثمارية الدولية مثل بنك سيتي جروب Citigroup وبنك يو بي إس UBS. من الواضح أنه ليس هناك شيء شرعي في بنك استثماري أمريكي أو سويسري. يقول أحد مديري الصناديق الكويتيين: «إن الهيئة العامة للاستثمار في الكويت لن تستثمر في أية شركة تتعامل بالمنتجات الاستثمارية الشرعية لمجرد أنها شرعية، ولكن إذا كان لدى البنوك صندوق محلي جيد يستثمر في شركات محلية جيدة وصادف أن هذه الشركة كانت ملتزمة بالأحكام الشرعية فإن هذا ربما يثير اهتمامهم».
وبالتالي فإن بعض مديري الصناديق لا يظهرون حماسة كبيرة في سبيل وضع موارد ضخمة في هذا المجال. ويقول نِك تولتشارد من «إنفسكو» INVESCO: «نحن ننظر إلى المنتجات الإسلامية على أنها في الوقت الحاضر ساحة تهم البنوك المحلية أكثر من غيرها. نحن قادرون على إدارة محافظ ضمن الإطار الإسلامي، ولكننا لن نذهب بالضرورة إلى هذه السوق ومعنا مجموعة كاملة من منتجات التجزئة الإسلامية. فهناك كثير من المجالات التي يمكن الدخول فيها بمنتجاتنا ذات الطابع التقليدي». ويعرب مدير غربي آخر لأحد الصناديق الكبيرة عن وجهة النظر نفسها. ويقول: «إذا طلب العملاء منا منتجات ملتزمة بالأحكام الشرعية فإننا نستطيع بالتأكيد تلبية طلباتهم. ولكن على مستوى صناديق الثروات السيادية أو صناديق التقاعد فإن الحاجة إلى صناديق المنتجات الشرعية ليست قوية. فهي تنمو على نحو أكبر بكثير ضمن المجال الرئيسي للأفراد الأثرياء من أصحاب الثروات الخاصة الكبيرة». ولكن بعض مديري الصناديق يتحدثون فعلاً عن ازدياد الاهتمام من قبل المؤسسات الشرق أوسطية بالمنتجات الاستثمارية الإسلامية. يقول سكوت كالاندر من مؤسسة أكسا Axa: «أرى أنها قصة ذات طابع ملتصق بقوة بالمؤسسات», ثم يضيف مفسراً: إن الحماسة تدور حول فئات موجودات معينة. «لقد شهدنا نمواً يكاد يكون رأسياً في عدد التعاملات العقارية الملتزمة بالأحكام الشرعية. وهي جميعاً ملتزمة بالأحكام الشرعية، بدءاً من طبيعة الموجودات إلى الساكنين إلى الهيكل الاستثماري». ومن المجالات الأخرى المثيرة للاهتمام هناك الأسهم الخاصة، وكذلك الصكوك، التي يقول عنها كالاندر «إنها ستكون على الأرجح إحدى الدعائم الأساسية في الأسواق الرأسمالية في المنطقة». كما أن البنية التحتية هي من المجالات الأخرى التي تشهد النمو ضمن الأعمال المالية الإسلامية. ويتابع كالاندر: «هناك شهية متزايدة لاجتذاب رأس المال الأجنبي إلى المنطقة، ولا أظن أن هذه النزعة ستختفي، بل إنها من الاتجاهات العامة الأساسية المستقبلية في تطور المنطقة».
#2#
يقول دوجلاس هانسن لوك، من شركة روبيكو في البحرين: «الحل الإسلامي هو أحد منتجات التجزئة، وكذلك منتج للعملاء من أصحاب الثروات الخاصة، ومنتج للشركات. وإن أي مسلم يُعرَض عليه البديل الإسلامي وفي الوقت نفسه يُعرَض عليه البديل التقليدي فإنه يرى لزاماً عليه أن يقبل البديل الإسلامي، ما لم تكن عوائده أقل من غيره». وهذا يفسر السبب في النسبة المتزايدة من النمو في منتجات التجزئة، التي يمكن بدورها أن تحرك وتثير اهتمام المؤسسات كذلك. يقول سامي عبده، من مؤسسة إن سي بي كابيتال NCB Capital في المملكة العربية السعودية، وهي إحدى الشركات الرائدة في مجال الصناديق المشتركة التي تتعامل بالمنتجات الإسلامية، إن «غالبية الطلب يأتي من الأفراد». ولكنه يضيف: ولكن الواحد منها يغذي الآخر. فكلما ازداد عدد الأفراد الذين يطلبون منتجات استثمارية إسلامية، ازداد الضغط على الشركات لتصبح إسلامية في تعاملاتها. وسيكون للمساهمين تأثير في هذا المجال».
يرى أحد مديري الصناديق أن الوقت ليس بعيداً حين تصبح ظاهرة المساهمين النشطين من الأمور البارزة في منطقة الخليج العربي، «وبالنسبة إليهم فإن أصول الحكم الرشيد في الشركات ستعني تمويل أنفسها وتنفيذ استثماراتها بالتعاملات الإسلامية. وسيدقق المساهمون النشطون في الحسابات لشركة مثل سابك ويقولون: هل اقترضتم أموالكم على نحو يلتزم بالأحكام الشرعية؟». ويتوقع كذلك أنه حين تنتشر وتتوسع صناعة صناديق التقاعد في المنطقة، فإنه يرجح أن تقدم برامج التقاعد للمشتركين خياراً بين الحلول التقليدية والإسلامية، وفي هذه الحالة فإن الحلول الإسلامية هي التي ستزدهر. إلى جانب ذلك، هناك علامات تشير إلى أن هذه السنة يمكن أن تكون السنة التي ترى فيها المؤسسات الأجنبية أخيراً أن هناك قدراً من الاهتمام بالمنتجات الإسلامية يكفي لدفعها لإطلاق منتجات إسلامية من صنعها هي. ففي مؤسسة فرانكلين تمبلتون، يقول هارشيندو بيندال إنه يعمل الآن بصورة جدية تماماً على تقييم هذا العرض .. «ونحن نشعر أن هذا مجال يمكن لنا أن نضيف إليه شيئاً من عندنا»، رغم أنه يؤكد أن الأمر لا يزال «قيد الدراسة والإعداد». حسب ظاهر الأمر فإن أبسط الأمور بالنسبة إلى مدير أجنبي هو إطلاق نسخة إسلامية من أحد صناديقه العالمية. ففي مجال الأسهم، أليس كل ما على المدير أن يفعله مثلاً هو أن يضع «حاجزاً» يُبعِد فقط الشركات التي تتعامل في قطاعات غير إسلامية، مثل شركات الخمور، وأن يُبعِد المستويات غير المناسبة من الفوائد وغيرها من الملحقات؟ ولكن بيندال يتحدى هذه النظرة. ويقول: «إنك ستبني بنية تحتية جديدة بالكامل. قد يبدو ذلك بسيطاً للغاية، ولكن حين تود القيام بذلك على مستوى عالمي محمول، بمعنى أن الاستثمار لا يقتصر فقط على سوق أو سوقين، وإنما لكل قناة من قنوات التوزيع، فإن هذا ليس بالأمر السهل. وحين نرى أننا نستطيع تقليص التكلفة من خلال التعامل بكميات كبيرة ونستطيع الخروج بمنتج متاح للاستهلاك العالمي، فإننا سنتخذ الخطوة المقبلة».
دانييل سمولر من «ألجبرا كابيتال» Algebra Capital لديه وجهة نظر مماثلة. فهو يقول: «المجموعات الكبيرة المتخصصة في إدارة الموجودات ربما لا تكون في وضع يمكنها من التوزيع إلى هذه القاعدة من العملاء. فالمنهج التسويقي بأكمله، وإنشاء مجلس شرعي، هذه المجموعات لا خبرة لديها في هذا المقام. وليس الأمر مجرد وضع «حاجز» يستبعد الشركات غير المناسبة. فحين يكون أحد مديري الصناديق يدير محفظة من الأسهم العالمية وتطلب منه فجأة أن يستبعد 30 في المائة من هذه الأسهم، فإن هذا يجبره على إعادة النظر في عمليته الاستثمارية».
والشركات الدولية التي حاولت إطلاق منتجات استثمارية شرعية هي في عداد الأقلية. فهناك صندوق دي دبليو إس DWS التابع لـ «دويتشه بانك» Deutsche Bank، وصندوق أمانة Amanah التابع لبنك إتش إس بي سي HSBC. ومعظم المنتجات الإسلامية الأخرى من الشركات الدولية لا تأتي في الواقع من القسم الخاص بإدارة الموجودات في الشركة، وإنما من ذراع المصرفية الاستثمارية فيها، وهي منتجات مهيكلة وليست صناديق. ومن الأمثلة على ذلك بنك يو بي إس UBS. وتشعر الشركات الأخرى في السوق أن الصناديق الشرعية «لم تجمع عدداً كبيراً من الموجودات».
ولكن أين توجد الأسواق التي تتيح لك تخفيض التكلفة بفعل الحجم الكبير من المنتجات؟ ما الحد الأدنى من الطلب الذي يكفي ليجعل إنتاج خط من المنتجات الإسلامية مربحاً بالنسبة لشركة في مستوى فيدلتي Fidelity أو برودنشال Prudential أو إنفسكو INVESCO؟ يقول بيندال: «لدينا عدد فني صغير للغاية، فكل فئة من فئات الصناديق لديها حد أدنى معين. ولكن الأمر الذي نريده هو ما يلي: هل هذا الأمر ممكن فعلاً من الناحية الاقتصادية من منظور الأجل الطويل؟ إذا صممت استراتيجية تأتي بصندوق واحد وتقول إن هذا أمر ممكن التحقيق، فإن الحسابات ستكون مختلفة تماماً حين نتعامل مع خط من المنتجات. نحن نعمل الآن باتجاه السيناريو الثاني. لذلك نحن لا نقول إننا سننشئ صندوقاً وإننا بالتالي بحاجة إلى 50 أو 100 أو 200 مليون لهذا الغرض، فليس هذا هو ما نسعى لتحقيقه».
لكن بالنسبة للمديرين المحليين فإن الصناديق الشرعية هي خبزهم اليومي. يقول جويل دسوزا: «هناك طلب هائل في الكويت وفي منطقة الخليج العربي بصورة عامة, على جميع أنواع الصناديق والمنتجات الإسلامية، من مستثمري التجزئة ومن المستثمرين المؤسسيين. ونشهد الآن ظهور كثير من شركات الاستثمار الإسلامي الجديدة في المنطقة، وهذه المؤسسات لا تستطيع أن تستثمر أو تعرض على زبائنها صناديق أو منتجات غير ملتزمة بالأحكام الشرعية». وتوجد في الكويت واحدة من كبريات المؤسسات الاستثمارية الإسلامية في العالم، وهي بيت التمويل الكويتي. وفي المملكة العربية السعودية هناك الآن ثلاثة بنوك إسلامية بالكامل، وهي بنك الراجحي وبنك البلاد وبنك الجزيرة، ومن البديهي أنها لا تبيع إلا المنتجات الإسلامية. وكثير من الشركات التقليدية في إدارة الموجودات، مثل «إن سي بي كابيتال» وبنك ساب SABB تركز الآن بصورة شبه تامة على المنتجات الشرعية في منتجاتها الجديدة، خصوصاً في الأسهم. وحتى حين ترضخ الشركات الدولية للأمر الواقع في نهاية الأمر وتطلق نطاقاً من المنتجات الشرعية، فإن هذا لن يكون من شأنه التأثير في عمل المديرين المحليين للموجودات. ذلك لأن هذه الشركات المحلية ستعرض صناديق على مستوى منطقة الخليج العربي أو في بلد بعينه، وستعرض الشركات الدولية نسخاً ملتزمة بالأحكام الشرعية من منتجاتها العالمية القائمة أصلاً.
أحد المجالات المثيرة للاهتمام في التمويل الإسلامي هو مجال سوق الصكوك. والصكوك اسم آخر للسندات الإسلامية، وهي تمثل السوق المتطورة في مجال الإصدارات، وتدفع عوائد جذابة. فكل شخص يود اقتناءها، والمشكلة أن الصكوك لا يتم تداولها أبدا.
هذا هو السبب الأكبر في أن ظهور صناديق الصكوك يتسم بالبطء، رغم أن عدداً قليلاً منها الآن يعمل بصورة منتظمة. جاء أول صندوقين من صناديق إدارة الموجودات التي تأسست حديثاً في المملكة العربية السعودية، وهما فالكوم إنفستمنتس Falcom Investments واستثمارات جدوى. تتعامل «جدوى» مع قضايا السيولة عن طريق شراء الصكوك لحسابها هي حين تصبح هذه الصكوك متوافرة للبيع، ثم تبيعها إلى الصندوق حسب الطلب. ويأتي في المرتبة التالية صندوق «ألجبرا كابيتال»، الذي يتوقع أن ينشئ صندوق الصكوك الخاص به في مايو المقبل. وهناك تحد آخر أمام هذه الصناديق هو أن وجهات النظر والآراء حول التزام المنتجات بالأحكام الشرعية يختلف من مكان لآخر حول العالم. ففي ماليزيا توجد سوق قوية للغاية للصكوك، ولكن بالنظر إلى الموجودات التي تقوم عليها الصكوك المذكورة فإنها في الغالب لا تعتبر ملتزمة بالأحكام الشرعية من وجهة نظر الفقهاء في الشرق الأوسط. ومن المفهوم أن بنك الراجحي في السعودية كان سيطلق صندوقاً من هذا القبيل قبل عدة سنوات لو أنه استطاع إجازة الأوراق المالية من قبل المجلس الشرعي الاستشاري للبنك.
ولكن بدلاً من ذلك تستخدم معظم السندات الإسلامية هيكلاً يدعى «المرابحة»، وأقرب منتج مكافئ له في التمويل التقليدي هو سوق المال. وهذه الصناديق منتشرة في المملكة العربية السعودية، وإن بعضاً من كبار الصناديق الفردية في الشرق الأوسط بأكمله يقع في هذه الفئة.