غيوم الجهل

غيوم الجهل

كانت الأشهر القليلة الماضية كئيبة بالنسبة إلى أولئك الذين يعتقدون أن علم المناخ يجب أن يكون فوق مستوى الشكوك ليكون مفيدا. فقد قدمت الرسائل الإلكترونية الكثيرة من وإلى المحققين في وحدة أبحاث المناخ في جامعة East Anglia أدلة كافية تدعو إلى القلق بشأن الطريقة التي تتم بها ممارسة علم المناخ. وحقيقة إن الصورة التي رسمتها تلك الرسائل، حين تتم رؤيتها من جميع الجوانب ـ أو من الجوانب التي يسمح بها الاختيار غير المكتمل المتاح ـ لم تكن مثيرة للمخاوف بقدر العبارات المقتبسة السلبية التي تم إخراجها من سياقها، ليست مصدرا كبيرا للراحة. فقد قدمت الكثير من الأسس لكل من العار واللوم.
وفي الوقت نفسه تقريبا، أشار الجيولوجيون إلى أن أحد التصريحات المتعلقة بالجبال الجليدية في الهملايا في أحدث تقرير للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ كان خاطئا. وأدى هذا إلى اكتشاف بيانات أخرى مصاغة بصورة سيئة أو غير مدعومة بمصادر جيدة للهيئة، التي تسعى إلى إيجاد توافق في الآراء العلمية لساسة العالم، كما أدى إلى إثارة القلق بشأن تحيز وشفافية وقيادة الهيئة. وزاد هذان الاكتشافان المدعومان بانتقادات سابقة، الشكوك بشأن توافق الآراء حول التغير المناخي إلى مستويات عالية جديدة.
ويمكن أيضا أن يعزى القلق المتزايد بشأن الإجراءات المتعلقة بالتغير المناخي إلى الركود، وقمة كوبنهاجن حول التغير المناخي غير المجدية في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، والواقع السياسي لمجلس الشيوخ الأمريكي، والشتاء البارد بصورة غير عادية في معظم أنحاء نصف القارة الشمالي. لكن من الواضح أيضا أن الشكوك الجديدة المتعلقة بالعلم جزء من القصة.. فهل ينبغي أن تكون كذلك؟
في أي صورة علمية معقدة للعالم ستكون هناك فجوات وتصورات خاطئة وأخطاء. وموقفك من المشروع القائم يحدد إذا ما كان انطباعك ينبع من نظرتك إلى الأمور من منظورها الشامل أو من منظورها الجزئي. ويمكن القول إن بعضهم يرى الأمور على شكل أحجية فيما ينظر إليها آخرون كأنها بيت من ورق. ويضع أولئك الذين ينظرون إلى الأمور باعتبار أنها أحجية الصورة العامة في ذهنهم ويتقبلون أخذ أجزاء من هنا أو تحريك أجزاء أخرى أو التخلي عنها إذا لم تكن مناسبة لاستكمال الصورة العامة. أما أولئك الذين يرون الأمور بوصفها بيتا من ورق فيعتقدون أنه إذا تم تحريك أي جزء، سينهار البيت بأكمله. وحين يتعلق الأمر بالمناخ، يعد العلماء الأكاديميون من الأشخاص الذين ينظرون إلى الأمور باعتبار أنها أحجية، والمنشقون عنهم هم الذين يرونها كبيت من ورق.
ويميل المدافعون عن توافق الآراء إلى التأكيد على ترابط ووحدة جهودهم ـ الطريقة التي تدعم بها البيانات والنظرية والنمذجة بعضها بعضا. ويعد المتشككون هذا نسخة شاملة من ''التحيز التأكيدي''، أي ميل الناس إلى اختيار الأدلة التي تتفق مع توقعاتهم الأصلية. لكن على الرغم من أن هناك بالتأكيد بعض الصحة في ذلك (أخطاء الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ تزيد المشكلة سوءا) إلا أنه لا تزال هناك قوة حقيقية في الطريقة التي تميل بها الحجج ومجموعات البيانات المختلفة في علم المناخ إلى تعزيز بعضها بعضا.
ويميل المتشككون إلى التركيز على أجزاء معينة من الأدلة التجريبية، وليس على الصورة العامة. وهذا أمر مفيد ـ ليس من الضروري أن تكون الحقائق ذات أسس جيدة ـ لكنه ربما يجعل الشكوك تبدو أكثر عمقا مما هي عليه. وغالبا ما يفترض الناس أن البيانات بسيطة وقابلة للفهم وجديرة بالثقة، في حين أن النظرية معقدة وغامضة ومضللة، وبالتالي يعطون الأولوية للبيانات. وفي حالة التغير المناخي، كما هو الحال في كثير من العلوم، فإن العكس هو على الأقل صورة معقولة, فالبيانات مزعجة في حين أن النظرية واضحة تماما. بناء مجموعة من البيانات التي تدل على درجة حرارة الأرض على مر الزمن أصعب بكثير من تجميع القصة النظرية الأساسية للكيفية التي يجب أن تتغير بها درجات الحرارة، بالنظر إلى الأشياء المعروفة الأخرى حول الكون بشكل عام.

الامتصاص والانعكاس
إن الجزء الأكثر أهمية من هذه الأمور المجهولة الأخرى عن الكون هو الشرط الذي وضعته الديناميكا الحرارية، وهو أنه بالنسبة إلى الكون الذي درجة حرارته ثابته، يجب أن يكون مقدار الطاقة التي يتم امتصاصها على شكل ضوء الشمس هو المقدار نفسه الذي ينبعث ثانية إلى الفضاء في الموجات الأطول من الأشعة تحت الحمراء. وفي حالة الأرض، فإن مقدار ضوء الشمس الذي يتم امتصاصه هو 239 واط لكل متر مربع. ووفقا لقوانين الديناميكا الحرارية، يجب أن تكون درجة حرارة الجسم البسيط الذي يصدر الطاقة بهذا المعدل تبلغ نحو 18 درجة مئوية. ولا يحتاج المرء إلى كثير من البيانات المتعلقة بسطح الأرض كي يلاحظ أن هذه ليست متوسط درجة الحرارة التي تعيش في ظلها البشرية. ويعود هذا التباين إلى غازات الدفيئة في الغلاف الجوي، التي تمتص وتبعث ثانية إشعاعات الأشعة تحت الحمراء، وبالتالي تبقي الغلاف الجوي السفلي، وسطح الأرض، دافئا. ويأتي هذا الإشعاع الذي ينبعث إلى الكون من فوق غازات الدفيئة، حيث تبلغ درجة حرارة الجو نحو 18 درجة مئوية.
وزيادة كمية غازات الدفيئة في الغلاف الجوي يصعّب أكثر خروج الطاقة. ونتيجة لذلك، ترتفع درجة حرارة سطح الأرض والغلاف الجوي السفلي. ويسهم هذا في تغيير متوسط درجة الحرارة، والطريقة التي تنتقل بها الطاقة من سطح الكوكب إلى الغلاف الجوي والطريقة التي تتدفق بها الطاقة من خط الاستواء إلى القطبين، ما يغير بالتالي أنماط الطقس.
لا أحد يشك أن ثاني أكسيد الكربون من الغازات الدفيئة، وهو يمتص الأشعة تحت الحمراء. ومن الثابت أيضا أن الأنشطة البشرية تزيد مستوى ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي بقدر أكبر مما تستطيع العمليات الطبيعية إزالته. وتظهر القياسات التي تم أخذها منذ الخمسينيات أن مستوى ثاني أكسيد الكربون يزيد على أساس سنوي، من 316 جزءا لكل مليون عام 1959 إلى 387 جزءا لكل مليون عام 2009. وتبين السجلات غير المباشرة أن هذه الزيادة بدأت منذ عام 1750 تقريبا، وأن مستواه كان ثابتا عند نحو 280 جزءا لكل مليون لمدة تقارب 10.000 سنة قبل ذلك. ويتوافق هذا مع التاريخ البشري: في منتصف القرن الـ 18، بدأ الناس بحرق الوقود الأحفوري لتشغيل الآلات الصناعية. ويظهر تحليل نظائر الكربون، من بين أمور أخرى، أن ثاني أكسيد الكربون من الصناعة يسهم في معظم التراكم في الغلاف الجوي.
وتبدأ الخلافات الجدية حين يتحول النقاش إلى مستوى الاحتباس الحراري المرتبط بزيادة ثاني أكسيد الكربون. ولا يعتقد العلماء، لأسباب مختلفة، أن درجات الحرارة سترتفع بصورة متوافقة مع ثاني أكسيد الكربون (وغيره من غازات الدفيئة), فالمناخ مجال صاخب، يتغير صعودا وهبوطا، ما يجعل من الصعب ملاحظة اتجاهاته. والأكثر من ذلك هو أن المحيطات يمكنها أن تمتص قدرا كبيرا من الحرارة ـ وهناك أدلة تشير إلى أن هذا حدث ـ وعن طريق تخزين هذه الحرارة، تسهم المحيطات في زيادة قصور النظام. ويعني هذا أن درجة حرارة الغلاف الجوي سترتفع بصورة أبطأ مما يمكن توقعه من مستوى معين من غازات الدفيئة.
لقد تم جمع ثلاثة سجلات لدرجة حرارة سطح الأرض من قراءات ميزان الحرارة المستخدمة عادة من قبل علماء المناخ، وأحدها هو الذي تم جمعه في وحدة أبحاث المناخ التي تم اختراق رسائلها الإلكترونية. وتظهر كلها حدوث ارتفاع في درجة الحرارة، ومصداقيتها مقبولة على نطاق واسع في الأوساط الأكاديمية. إلا أن كتاب المدونات النشطين ليسوا مقتنعين جدا, فهم يعتقدون أن التعديلات التي تم إدخالها على البيانات الخام تؤدي إلى إيجاد تحيز فيما يتعلق بدرجات الحرارة. ويعتقدون أيضا أن تأثيرات التوسع العمراني شوشت البيانات، لأن المدن، التي تعد مصادر للحرارة، نشأت واتسعت بالقرب من محطات الأرصاد الجوية. وقد أنشأ Anthony Watts، وهو عالم أرصاد جوية سابق يكتب في المدونات عن موضوع المناخ، موقع إلكتروني هو surfacestations.org، حيث يمكن للمتطوعين المساعدة على تسجيل المواقع الفعلية لأدوات الطقس المستخدمة لتوفير البيانات المتعلقة بالمناخ، التي تظهر فيما إذا كانت تقع على مقربة من الأسفلت أو متأثرة بمصادر التحيز.
ويدرك أولئك الذين يجمعون البيانات تأثير جزيرة الحرارة الحضرية (أي أن تكون درجة حرارة المدينة أعلى من المناطق الريفية المحيطة بها)، ويحاولون بشتى الطرق تعويض ذلك. إلا أن جهودهم قد تكون غير كافية، لكن الأدلة المختلفة تشير إلى أن أي أخطاء تدرجها ليست سيئة للغاية, فمن المرجح أن يكون تأثير جزيرة الحرارة الأرضية أقوى في الليالي الهادئة مثلا، إلا أن الاتجاهات المستخلصة من البيانات المسجلة عن الليالي الهادئة ليست مختلفة كثيرا عن تلك المسجلة عن الليالي العاصفة. وتظهر درجة حرارة المياه عند سطح البحار اتجاهات مماثلة لدرجة حرارة الأرض على مدى القرن الماضي، وكذلك سجل درجة حرارة الهواء فوق المحيطات كما تم قياسها في الليل.
وجاء في تحليل جديد لـ Matthew Menne وزملائه في الإدارة الوطنية الأمريكية للمحيطات والغلاف الجوي، تم نشره في Journal of Geophysical Research، أن الاتجاهات المحسوبة من محطات المناخ التي وجد موقع surfacestations.org أن موقعها سيئ ومن محطات المناخ التي وجد أن موقعها جيد متشابهة تقريبا. إلا أن Watts غير مقتنع جدا بهذا التحليل، وقد وعد بإجراء دراسة مستفيضة لنتائج المشروع في وقت لاحق.
ولا شك أن هناك مجالا لتحسين سجل درجة حرارة الأرض ـ خاصة لأنه لا يوفر في الوقت الحالي إلا متوسطا شهريا لدرجات الحرارة، وهناك أمور أخرى يود الناس أن يعرفوا عنها. (فيما يتعلق بالقلق بشأن موجات الحر في المستقبل مثلا، فإن الأرقام الأكثر أهمية هي الأيام والليالي الحارة، وليس الأشهر الحارة) وفي شباط (فبراير)، دعا مكتب الأرصاد الجوية في بريطانيا إلى إنشاء مجموعة جديدة من قواعد بيانات درجات الحرارة بحيث يتم جمعها بطرق شفافة للغاية وتكون عرضة للتحليل والتفسير من قبل الجميع دون استثناء. ومن شأن مثل هذه المبادرة أن تخدم العلم على نحو أفضل، وتساعد على استعادة مصداقية سجلات سطح الأرض، وتثبت أن هناك انفتاحا في علم المناخ الذي لم يكن واضحا دائما في الماضي.

التبسيط والتضخيم
بالنسبة إلى كثيرين، تعد الحقائق القائلة إن زيادة مستوى ثاني أكسيد الكربون يؤدي إلى الاحترار، وإن الاحترار ملحوظ في عدد من المؤشرات والقياسات المختلفة، بمثابة بينة أولية لقبول الفكرة القائلة إن غازات الدفيئة تسهم في رفع درجة حرارة الأرض وإن المستويات الأعلى من غازات الدفيئة التي ستنتج عن الأنشطة البشرية المعتادة على مدى هذا القرن سترفع درجة حرارتها أكثر بكثير.
ويمكن حساب الاحترار الناجم عن زيادة معينة في ثاني أكسيد الكربون على أساس القياسات المخبرية التي تظهر مقدار الأشعة تحت الحمراء الذي تمتصه جزيئات ثاني أكسيد الكربون عند أطوال موجة معينة. ويبين هذا الحساب أنه إذا تمت مضاعفة مستوى ثاني أكسيد الكربون سيحصل احترار بدرجة 1 درجة مئوية تقريبا. لذا فإن الانتقال من 280 جزءا لكل مليون في فترة ما قبل التصنيع إلى مستوى 560 مليون لكل جزء، وهو المستوى الذي سيتم الوصول إليه بالاتجاهات الحالية نحو عام 2070، سيؤدي إلى زيادة درجة حرارة العالم بمقدار درجة واحدة. وإذا تمت مضاعفة المستوى مرة أخرى، إلى 1.100 مليون لكل جزء، وهو ما يبدو مستبعدا، سترتفع الحرارة بمقدار درجة أخرى.
ويعرف مقدار الاحترار المتوقع جراء مضاعفة ثاني أكسيد الكربون باسم ''حساسية المناخ'' ـ حساسية المناخ بمقدار درجة واحدة منخفضة بما يكفي للقضاء على معظم المخاوف المتعلقة بالمناخ. إلا أن التأثير المباشر لثاني أكسيد الكربون ليس الشيء الوحيد الذي يدعو للقلق, فالأنواع العديدة من الارتداد ربما تزيد تأثيره، وأهمها بخار الماء، الذي أصبح مفهوما تماما الآن، والغيوم، التي ليست كذلك. ويميل المتشككون في الأكاديميين إلى التركيز على أحد هذين المجالين.
وصحيح أن ثاني أكسيد الكربون يزيد درجة حرارة الهواء، لكنه يرطبه أيضا، وستزيد درجة الاحترار لأن بخار الماء يعد أحد غازات الدفيئة القوية. وتسهم أنشطة أخرى يمارسها الناس ـ مثل تطهير الأرض للزراعة وري المزارع ـ أيضا في تغيير مستويات بخار الماء، التي قد تكون كبيرة على الصعيد الإقليمي، إلا أن التأثيرات ليست بهذا الحجم.
ويثير المتشككون في المناخ عدة تساؤلات حول بخار الماء، بعضها تافه وبعضها خطير. وأحد التساؤلات التافهة هو قولهم إن ثاني أكسيد الكربون غير مهم لأن بخار الماء هو من غازات الدفيئة القوية. إلا أن هذا الزعم يتجاهل الحقيقة القائلة إن مستوى بخار الماء يعتمد على درجة الحرارة. وعلى النقيض من ذلك، فإن المستوى الأعلى من ثاني أكسيد الكربون يتحكم في درجة الحرارة وربما يدوم لعدة قرون.
ويتعلق أحد التساؤلات المشككة الأكثر جدية بطريقة الترطيب, ففي التسعينيات، أشار Richard Lindzen، وهو أستاذ في علم الأرصاد الجوية في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا، إلى أن هناك طرقا قد لا يسهم فيها الترطيب برفع درجة الحرارة بصورة كبيرة. وشهد العقدان اللاحقان كثيرا من البحوث النظرية وأنشطة المراقبة التي تستهدف هذه المشكلة, فالأقمار الصناعية الجديدة قادرة الآن على اقتفاء أثر بخار الماء في الغلاف الجوي على نحو أفضل بكثير من ذي قبل. ونتيجة لذلك أثبتت التقديرات الأولية القائمة على أساس التبسيط أنها قوية بصورة كافية، حيث تسهم ارتدادات بخار الماء في زيادة الاحترار المتوقع من مضاعفة ثاني أكسيد الكربون من درجة مئوية واحدة دون بخار الماء إلى نحو 1.7 درجة مئوية. ويقول الدكتور Lindzen إنه بالنسبة إلى بعض أجزاء الغلاف الجوي دون الغيوم، ربما يكون هذا صحيحا.
وهذا الترطيب وسيلة مفيدة لمعرفة نوع التغير المناخي الذي يحدث, فحين يتكاثف بخار الماء في قطرات الغيوم يصدر طاقة ويرفع درجة حرارة الهواء المحيط. وهذا يعني أنه في العالم الذي يؤدي فيه الاحترار الناجم عن غازات الدفيئة إلى ترطيب الغلاف الجوي، فإن درجة حرارة الأجزاء الدنيا من الغلاف الجوي ترتفع بمعدل أكبر من سطح الأرض، خاصة في المناطق المدارية. وفي الوقت نفسه، فإنه في التأثير الذي لا يعتمد على بخار الماء، ستؤدي زيادة ثاني أكسيد الكربون إلى تبريد طبقة الستراتوسفير العليا. وهذا النمط المتمثل في احترار الأجزاء الدنيا وتبريد المنطقة العليا متوقع من الاحترار الناجم عن غازات الدفيئة، لكنه ليس متوقعا إذا كان هناك شيء آخر غير تأثير غازات الدفيئة يسهم في رفع درجة حرارة العالم: من شأن الشمس الأكثر حرارة أن ترفع درجة حرارة طبقة الستراتوسفير، وليس العكس.
وقد أولى المتشككون لهذه النقطة أهمية كبيرة خلال التسعينيات، لأن قياسات الأقمار الصناعية لم تظهر الاحترار في الغلاف الجوي السفلي الذي تتنبأ به الظاهرة, إلا أن الصورة تغيرت خلال السنوات العشر الماضية. فأولا، كان هناك فريق واحد فقط يعمل على تحويل البيانات من الأدوات ذات الصلة التي تم تحليقها على الأقمار الصناعية للأرصاد الجوية منذ السبعينيات إلى سجل درجات حرارة يتم تحديده حسب الارتفاع. وانضم إليهم آخرون الآن، واكتشفوا أخطاء في الطريقة التي تم بها إجراء الحسابات (التي هي معقدة وتعتمد على كثير من التفاصيل الصعبة). وعلى الرغم من أن الفرق المختلفة لا تزال تحصل على كميات ومعدلات مختلفة من الاحترار في الغلاف الجوي السفلي، إلا أنه لم يعد أحد ينكر أن الاحتباس الحراري موجود. وتعمل تأثيرات استنفاذ طبقة الأوزون على تعقيد عملية تبريد طبقة الستراتوسفير، لكنها لا تبدو كبيرة بما يكفي لتفسير درجة التبريد التي لوحظت هناك، ما يعزز الحجة المؤيدة للاحتباس الحراري جراء تأثير غازات الدفيئة وليس أي شكل آخر من أشكال اضطرابات المناخ.
لكن, إضافة إلى تأثير بخار الماء، فإن الغيوم التي تتشكل منه توفر مصدرا أكبر آخر لعدم اليقين, فمن ناحية، تحتوي قطرات المياه التي تتشكل منها على تأثير قوي لغازات الدفيئة. ومن ناحية أخرى، فإن بخار الماء شفاف في حين أن الغيوم تعكس الضوء. وهي تعكس على وجه الخصوص أشعة الشمس ثانية إلى الفضاء، ما يمنع امتصاصها من قبل الأرض, وبالتالي ربما يكون للغيوم تأثير تبريدي ملحوظ وأيضا تأثير احتراري ملحوظ .. فأيهما سيزيد أكثر في عالم غازات الدفيئة؟

متاهة النماذج
وفي هذه المرحلة يجب أن تتم الاستعانة بنماذج الكمبيوتر المفصلة للمناخ. وتقسم هذه النماذج الغلاف الجوي والمحيطات إلى رزم من خلايا ثلاثية الأبعاد. ويتم تحديث حالة الهواء (درجة الحرارة والضغط وما إلى ذلك) داخل كل خلية باستمرار على أساس الحالة التي كان عليها، وعلى أساس ما يحدث في الخلايا المجاورة، وعلى أساس غازات الدفيئة والخصائص الأخرى لمحتوياتها.
وهذه النماذج معقدة للغاية. وهي أيضا مبسطة بصورة كبيرة, فحجم الخلايا يمنعها من السيطرة على العمليات التي تحدث على نطاق أصغر من 100 كيلو متر أو نحو ذلك، التي تشمل العمليات التي تؤدي إلى تشكل الغيوم.
وعلى الرغم من محدودية نماذج المناخ، إلا أنها تظهر جوانب مختلفة من المناخ الحقيقي للعالم: المواسم، الرياح التجارية، الرياح الموسمية وما شابه ذلك. وهي تضع أيضا الغيوم في الأماكن التي تتم رؤيتها فيها. وحين يتم استخدامها لاستكشاف تأثير زيادة غازات الدفيئة في الغلاف الجوي في المناخ، تتنبأ كل هذه النماذج، التي تم وضعها من قبل فرق مختلفة، بزيادة الاحتباس الحراري بمستوى أكبر ما قد تسهم التغذية الراجعة من غازات الدفيئة وارتداد بخار الماء في توفيره دون مساعدة. وكانت درجة حساسية النماذج التي تم تقييمها للتقرير الرابع للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ تراوح بين 2.1 درجة مئوية و4.4 درجة مئوية. وأشارت تقديرات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ إلى أنه إذا لم يتم حساب تأثير الغيوم، فسيكون النطاق ما بين 1.7 درجة مئوية و2.1 درجة مئوية. وهكذا نرى أنه في جميع النماذج، تسهم الغيوم في تضخيم الاحتباس الحراري، ويكون هذا التضخيم كبيرا في بعض النماذج.
ومع ذلك، لا يوجد حتى الآن أي بيانات مقنعة تدل على الكيفية التي تؤثر بها الغيوم على الاحتباس الحراري، باستثناء تلك التي توفرها النماذج. ويتفق Ray Pierrehumbert، عالم المناخ في جامعة شيكاغو، على أنه ربما تكون هناك عمليات تكبح فيها الغيوم، بدلا من أن تزيد، تأثيرات الاحتباس الحراري الناتج عن غازات الدفيئة، لكنه يضيف أنه حتى الآن، لم تتم الإشارة إلى كثير منها بطريقة منطقية.
واقترح الدكتور Lindzen وزميل له آلية معقولة عام 2001. فقد اقترحا أن الغيوم الاستوائية في الغلاف الجوي الذي يحتوي على مزيد من غازات الدفيئة ربما تجفف الأجزاء المجاورة من السماء، ما يجعلها أكثر شفافية للأشعة تحت الحمراء الصادرة. لكن تم انتقاد الأدلة التي قدمها الدكتور Lindzen لدعم وجهة النظر هذه بطرق مقنعة بما فيه الكفاية لردع غيره من العلماء عن استكشاف الفكرة وتطويرها. وتعرض بحث لاحق للدكتور Lindzen حول الملاحظات التي ربما تكون متوافقة مع أفكاره بشأن الحساسية المنخفضة لانتقادات حادة، وهو يقبل كثيرا منها, لكنه يعتقد أن تقبلها لا يضعف نهجه في البحوث. وتشير الحجج المستندة إلى المناخ في الماضي أيضا إلى أنه من غير المرجح أن تكون الحساسية منخفضة. فقد تم الاحتفاظ بكثير من التبريد الذي حدث خلال العصور الجليدية بسبب وجود غطاء جليدي كبير في نصف الكرة الشمالي يعكس كثيرا من أشعة الشمس، إلا أن مستويات ثاني أكسيد الكربون كانت أقل أيضا. ومن الأسهل تفسير التبريد، خاصة في نصف الكرة الجنوبي، حين تكون حساسية درجة الحرارة نسبة إلى ثاني أكسيد الكربون أعلى مما يتنبأ بها الدكتور Lindzen.
وكانت الأرض قبل العصر الجليدي تحتوي على كمية أكثر قليلا من ثاني أكسيد الكربون وكانت أكثر دفئا قليلا من اليوم ـ ما يوحي بوجود حساسية عالية نسبيا. والانخفاض في الآونة الأخيرة في درجات الحرارة العالمية بعد انفجار بركان Mt Pinatubo في الفلبين عام 1991، الذي أدى إلى إضافة طبقة من جزيئات الكبريت التي توزع أشعة الشمس في طبقة الستراتوسفير، يدعم وجهة النظر المؤيدة لوجود حساسية بالقرب من المركز في نطاق النموذج ـ على الرغم من أن الحساسية جراء حدث عابر والاحترار الناجم عن المضاعفة البطيئة لمستوى ثاني أكسيد الكربون ليست من النوع نفسه.

السجلات والمدونات
إلا أن الانتقال إلى البيانات من الماضي يركز النقاش على أحد المجالات التي اختارها المشككون في المدونات كساحة قتال مفضلة: سجل درجات الحرارة في الألفية الماضية، كما تم تفسيره من السجلات الطبيعية الحساسة لدرجات الحرارة والقادرة على تحديد التاريخ الدقيق. والمثال الأوضح، والأكثر إثارة للجدل، هو حلقات النمو في الأشجار. وأشهر استخدام لها هو إعادة بناء درجات الحرارة خلال الألف عام الماضية، نشر في Nature عام 1998 الذي يعرف على نطاق واسع باسم عصا الهوكي، لأنها كانت مسطحة ولها نصل في آخرها في نهاية القرن العشرين. وذهل Stephen McIntyre، استشاري التعدين الكندي المتقاعد، من الرسالة الواضحة جدا في هذا الرسم البياني وبحث في العلم الكامن وراءه، ما جعله هو والكتاب في مدونته، Climate Audit، متشككين جدا في قيمتها.
وفي عام 2006، أيد استعراض أجراه المجلس الوطني للبحوث في أمريكا الحجج التي قدمها McIntyre وزملاؤه حول بعض الطرق المستخدمة لصنع عصا الهوكي، وحول الشكوك المتعلقة بمجموعة معينة من حلقات الأشجار. وعلى الرغم من ذلك، انحاز المجلس للاستنتاج العام لعصا الهوكي، ولم يفد هذا في وقف الانتقادات. وحقيقة أن سجلات حلقات النمو في الأشجار لا تظهر الاحترار في الآونة الأخيرة يزيد الشكوك المتعلقة بقيمة مثل هذه السجلات.
وبالنسبة لعديد من أنصار McIntyre (على الرغم من أن هذا ليس محور قلقه كما يقول)، فإن الأمر المهم في هذا العمل هو أن عصا الهوكي ألغت، كما يبدو، ''فترة القرون الوسطى الدافئة''. وتعد درجات الحرارة في هذه الفترة عالية بقدر، أو أعلى من، درجات الحرارة اليوم ـ ارتفاع درجة الحرارة المرتبط باستقرار النرويجيين في جرينلاند والكروم في إنجلترا. ويعتقد كثير من علماء المناخ أنه تم إيلاء اهتمام مبالغ به من قبل علماء المناخ من الأجيال السابقة التي كانت تنظر إلى العالم من منظور المركزية الأوروبية, فهناك أدلة تشير إلى التبريد في تلك الفترة في بعض مناطق المحيط الهادئ.
إن معظم المتشككين هم من كبار المعجبين بفترة القرون الوسطى الدافئة، ويعتقدون أن حجج علماء المناخ مجرد محاولة لإعادة كتابة التاريخ من أجل تعظيم مشكلة الاحتباس الحراري الحالية وتقليل أهمية احتمالية أن يفسر التغير الطبيعي سجل القرن العشرين. إلا أن احتمالية حدوث مزيد من التقلبات المناخية لا تعني في حد ذاتها أن الاحترار الناجم عن غازات الدفيئة لا يحدث أيضا. وإذا كان ارتفاع درجة الحرارة في القرون الوسطى ناجما عن عامل خارجي، مثل الشمس الأكثر إشراقا، فإن هذا يوحي بأن المناخ كان حساسا إلى حد كبير.
ويأمل المرء أن دراسة السجلات الحديثة، التي سجلتها مقاييس الحرارة، تلقي الضوء على النموذج المناخي الأقرب للصحة، وبالتالي على درجة الحساسية الفعلية. لكن لسوء الحظ، هناك عوامل محيرة أخرى تصعب ذلك, فغازات الدفيئة ليست المكونات النشطة المناخية الوحيدة التي تضيفها الصناعة والزراعة وتطهير الأراضي إلى الغلاف الجوي. فهناك أيضا الضبوبات ـ جزيئات التلوث العائمة في الرياح. وتعمل بعض الضبوبات على تبريد الغلاف الجوي، إلا أن غيرها، المليئة بالسخام، تسهم في رفع درجة حرارته. ويعتقد أن التأثير الكلي على الصعيد العالمي هو التبريد، وربما بصورة قوية بعض الشيء. إلا أن التاريخ العام للضبوبات، التي غالبا ما تكون قصيرة الأجل، ليس معروفا مثل تاريخ غازات الدفيئة، ومن غير المرجح أن تفسر أي من النماذج على نحو صحيح الكيمياء المرتبطة بها أو تأثيراتها على الغيوم.
وإذا تم أخذ الضبوبات في الحسبان، تحاكي نماذج المناخ على نحو جيد اتجاهات المناخ في القرن الـ 20. ويبدو هذا غريبا بما أن لكل نموذج حساسية مختلفة. ومن الناحية العملية، يبدو أن الطريقة التي يتم بها تناول الضبوبات في النماذج وحساسية تلك النماذج تسيران جنبا إلى جنب؛ النماذج الحساسة لها أيضا تأثيرات تبريد قوية ناجمة عن الضبوبات.
ويعتقد Reto Kuntti من ETH Zurich، وهو خبير في حساسية المناخ، أن هذا دليل على أن الضبوبات تستخدم، بصورة متعمدة أم لا، كقوى موازنة للحساسية لضمان أن تبدو الاتجاهات صحيحة. وليس هذا دليلا على عدم النزاهة، وهو ليس بالضرورة أمرا سيئا. وبما أنه يجب أن تكون النماذج قادرة على إظهار اتجاهات القرن الـ 20، فإن تجميعها معا بهذه الطريقة أمر منطقي. لكنه يعني أن دراسة مدى تطابق النماذج المختلفة مع القرن العشرين لا يعطي مؤشرا جيدا على حساسية المناخ الفعلية لغازات الدفيئة.
وبإضافة الشكوك المتعلقة بالحساسية إلى الشكوك المتعلقة بمقدار غازات الدفيئة التي ستنبعث، تتوقع الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أن تزداد درجة الحرارة بمقدار 1.1 درجة مئوية إلى 6.4 درجة مئوية خلال القرن الـ 21. ويتوافق هذا الرقم المنخفض مع الصورة التي يعتقد المتشككون أن العلم يتجاهلها أو يخفيها. فوفقا لهذا التفسير، فإن للمناخ تقلبات طبيعية أكبر نطاقا وأطول مدة (مثل فترة ارتفاع درجة الحرارة في القرون الوسطى) ما يسمح به عادة علم المناخ، وارتفاع درجة حرارة الأرض في الآونة الأخيرة ناتج بصورة رئيسية عن مثل هذه التقلبات، التي تم المبالغة بتأثيراتها في سجل درجات حرارة سطح الأرض الملوث. ووفقا لهذا الجدل أيضا، كان الاحترار الناجم عن غازات الدفيئة ضئيلا نسبيا لأن حساسية الأرض تجاه المستويات المتزايدة من ثاني أكسيد الكربون أقل من تلك الملحوظة في النماذج، التي فيها تحيز تجاه المستويات المرتفعة من الحساسية. ونتيجة لذلك، سيكون الاحتباس الحراري الناجم ضئيلا أيضا، حتى لو استمر صدور الانبعاثات بأقصى سرعة.
ويبدو من غير المحتمل أن الأخطاء والإهمال في عدد الأنواع المختلفة من علم المناخ ستؤدي إلى هذا التأثير الضئيل. ومع ذلك، يميل المتشككون إلى الافتراض أن علماء المناخ لا يتصرفون بحسن نية، وهم مقتنعون بذلك. وقد عززت حادثة اختراق البريد الإلكتروني لوحدة أبحاث المناخ, إضافة إلى مشكلات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالمناخ هذا الموقف.
وباستخدام تقييم الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالمناخ للاحتمالات، نجد أن احتمالية أن تكون الحساسية لمضاعفة ثاني أكسيد الكربون بدرجة تقل عن 1.5 درجة مئوية في مثل هذا السيناريو صحيحة هي واحد على عشرة. لكن إذا كانت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالمناخ تقلل من شأن الأمور بواقع عامل من خمسة أو نحو ذلك، تكون الاحتمالية 50:50 لحدوث مثل هذه النتيجة المرغوبة. وحقيقة أن عدم اليقين يسمح لك ببناء مستقبل آمن نسبيا لا تسمح لك بتجاهل المستقبل الذي يكون فيه التغير المناخي كبيرا، وخطيرا في بعض الأوقات. والمتشككون على حق في قولهم إن عدم اليقين يخيم على علم المناخ. لكنهم مخطئون حين يقدمون هذا سببا للتقاعس عن العمل

الأكثر قراءة