لسنا المخطئين

لسنا المخطئين

إن الرغبة في إنقاذ السمعة المتضررة تعتبر دافعا قويا. وهذا هو أحد الاستنتاجات التي يمكن استخلاصها من البحث المكون من 48 صفحة الذي كتبه ألان جرينسبان، الرئيس السابق لمجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي البالغ من العمر 83 عاما، لمؤسسة بروكينجز. وهذا الرجل، الذي كان يعد في السابق المصرفي المركزي البارز في العالم، يتلقى اللوم بشكل روتيني عن فقاعة الأصول وانهيارها اللاحق. وهذه هي محاولة جرينسبان لوضع الأمور في نصابها.
وهو يقول إن الأزمة نابعة عن ''فقاعة كلاسيكية مبهجة'' تكمن جذورها في التراجع العالمي الحاد لأسعار الفائدة الاسمية والحقيقية طويلة الأجل في السنوات الأولى الممتدة من عام 2000 إلى عام 2009، التي غذت الطفرة غير المستدامة لأسعار المنازل. وبفضل هذه النشوة، أخطأت البنوك في حساب المخاطر الكامنة في الأدوات المالية الجديدة المعقدة. ويعتقد جرينسبان بأن أفضل علاج هو تحسين قدرة النظام على استيعاب الخسائر عن طريق رفع رأسمال البنوك ونسب السيولة وزيادة متطلبات الضمانات عن المنتجات المالية المتداولة.
وإلى هنا، لا يثير هذا الجدل. فتحليل جرينسبان لأوجه ضعف التمويل، والمقترحات التي قدمها، تعكس توافق الآراء الحالي في مجال السياسة. والمجال الوحيد الذي يختلف فيه مع توافق الآراء المتعلق بالإصلاح هو ما يتعلق بحكمة ''منظم النظام''. وصنّاع السياسة اليوم يعدون هذا المنظم، الذي يراقب سلامة النظام المالي ويتعرف على المشكلات في بدايتها، تحسنا مهما بالقدر نفسه. إلا أن جرينسبان يقول إنه من المستحيل توقع الأزمات, ويعد هذا المنظم أنه ''غير حكيم''.
إلا أن أكبر فجوة بين جرينسبان والحكمة التقليدية تكمن في دور السياسة النقدية في التسبب بالأزمة, فوفقا لجرينسبان، كانت البنوك المركزية متفرجة بريئة وعاجزة أمام التحول العالمي في الاقتصاد الكلي. ويقول إنه بفضل نهاية الحرب الباردة والإصلاح في الصين، تم استيعاب مئات الملايين من العمل في الاقتصاد العالمي. ومع تزايد نمو الناتج المحلي الإجمالي في الاقتصادات الناشئة، لم يواكب استهلاكهم الدخل المتزايد بصورة سريعة، وزاد معدل الادخار. وأدت الزيادة في الادخار العالمي المرغوب نسبة إلى الاستثمار المرغوب إلى تراجع عالمي في الأسعار طويلة الأجل، التي انفصلت عن الأسعار قصيرة الأجل التي يسيطر عليها محافظو البنوك المركزية.
وهذا التفسير مماثل إلى حد كبير لفكرة ''تخمة الادخار العالمية'' التي يتبناها بن بيرنانك، الرئيس الحالي لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، منذ فترة طويلة. ولا تنتهي أوجه التشابه بين دفاع الرجلين عن سجلاتهما النقدية هنا. فالجزء الأكثر حماسا في بحث جرينسبان ـ الذي يقول إن السياسة النقدية في السنوات الأولى من 2000 إلى 2009 لم تكن سبب فقاعة الإسكان ـ مماثل بصورة مذهلة للخطاب الذي أدلى به بيرنانك في الاجتماع السنوي لجمعية الاقتصاد الأمريكي في كانون الثاني (يناير).
ويقدم الرجلان ثلاث نقاط رئيسية. أولا، ينكران أن السياسة النقدية في السنوات الأولى بين 2000 و2009 كانت متساهلة إلى حد مفرط وفقا للقواعد الأساسية للبنوك التقليدية. وهذا الانتقاد يثار مرارا من قبل John Taylor من جامعة ستانفورد، مؤلف قاعدة تايلور حول الكيفية التي يجب فيها تغيير أسعار الفائدة استجابة لتحركات التضخم والناتج المحلي الإجمالي. ويشير بيرنانك إلى أنه استنادا إلى التوقعات المعاصرة لمقياس التضخم المفضل لديه، اتبع مجلس الاحتياطي الفيدرالي قاعدة تايلور من كثب إلى درجة معقولة.
ثانيا، يقول الرجلان إنه ليس هناك أدلة تشير إلى أن أسعار الفائدة قصيرة الأجل أدت إلى ارتفاع أسعار المنازل. ويقول جرينسبان إن العلاقة الإحصائية بين أسعار المنازل وأسعار الفائدة طويلة الأجل أقوى بكثير منها مع أسعار الفائدة لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، وإنه خلال الفترة من 2000 إلى 2009 انهارت العلاقة القوية بين أسعار فائدة البنوك والأسعار طويلة الأجل. ويشير بيرنانك إلى النماذج الهيكلية التي أظهرت أن السياسة النقدية أسمهت بجزء ضئيل فقط من طفرة أسعار المنازل.
ويتشكك كلاهما بالقدر نفسه في حقيقة أن زيادة القروض العقارية ذات الأسعار المعدلة جعلت الأسعار قصيرة الأجل محركا أقوى لأسعار المنازل. ويقول جرينسبان إن وتيرة إصدارات القروض العقارية ذات الأسعار المعدلة بلغت ذروتها قبل عامين من أسعار المنازل، ما يوحي بأنها لم تؤد إلى الفقاعة. ويقول بيرنانك إن المدفوعات الشهرية للقروض العقارية ذات الأسعار المعدلة كانت في المتوسط أقل بنسبة 16 في المائة من المدفوعات للقروض العقارية ثابتة الأسعار ـ وهي فجوة صغيرة جدا لا تكفي للاعتقاد أن الأسعار قصيرة الأجل أدت إلى الطفرة.
ثالثا، يشير بيرنانك وجرينسبان إلى الطابع العالمي لطفرة أسعار المنازل كدليل على أن اللوم لا يقع على السياسة النقدية. ويستشهد كلاهما بالأبحاث الجديدة من الاقتصاديين في مجلس الاحتياطي الفيدرالي التي تظهر أن تساهل السياسة المالية في الدول المختلفة ليس مرتبطا بالتغييرات في أسعار المنازل.

الاحتجاج المبالغ فيه
هناك شيء غريب بشأن محافظي البنوك المركزية الذين ينكرون أي مسؤولية على الإطلاق عن الأسعار طويلة الأجل، التي هي، مبدئيا، قائمة جزئيا على تقييم تيار الأسعار قصيرة الأجل. وليس من الواضح أيضا ما إذا كانت الأسعار قصيرة الأجل غير ذات صلة كما يقترح بيرنانك وجرينسبان. ويشير Jeremy Stein من جامعة هارفارد، وهو أحد الذين يناقشون بحث جرينسبان، إلى أن أسعار البنوك المنخفضة قد تكون ذات أهمية كبيرة للمقترضين ذوي الدخل المقيد. ويشير إلى أنه تم استخدام القروض العقارية ذات الأسعار المعدلة في المدن الغالية بصورة أكبر، وهو اتجاه أصبح أكثر وضوحا مع انخفاض أسعار الفائدة على الأموال.
وقد أخذ بيرنانك وجرينسبان في الاعتبار تأثير السياسة النقدية في أسعار المنازل فقط، لذا كانت وجهة نظرهم محدودة للغاية بشأن التأثير المحتمل لأسعار البنك المنخفضة. وقد جادل عديد من الاقتصاديين بصورة مقنعة مثلا أن أسعار البنك المنخفضة غذت نمو الديون الأوسع نطاقا في الأسواق المورقة.
وربما تكون السياسة النقدية أداة غير حادة للتعامل مع فقاعات الأصول. إلا أن هذا لا يعني أنها ليست ذات صلة. وما يثير الاهتمام هو أن أحد المصرفيين المركزيين الأمريكيين تبنى وجهة نظر أكثر دقة، حيث قال إنه ''في المرحلة الحالية، كان من الممكن أن تقيد أسعار الفائدة قصيرة الأجل الأعلى الطلب على الإسكان عن طريق رفع أسعار الفائدة للقروض العقارية.. إضافة إلى ذلك، ربما تكون السياسة النقدية الأكثر تشددا مرتبطة بتقليل الديون وبطء النمو الائتماني.'' وهذه الخبيرة الاقتصادية هي Janet Yellen، رئيسة مجلس ''الاحتياطي'' في سان فرانسيسكو، التي ستصبح على الأرجح النائبة الجديدة لبيرنانك. وبقليل من الحظ، قد تدفع رئيسها لإعادة النظر في رأيه.

الأكثر قراءة