عبد الله بن خميس .. شاعر وأديب وناقد وباحث هام ببلاده شعراً ونثراً واستجلى غموضها وأسرارها
واحد من جيل الرواد العصاميين، ولد مع الشعر وكتابة المقالة والبحث والنقد، مسيرة طويلة، تشبّع بتاريخ أمته ووعي أحداثها، انطلق في معظم إنتاجه شعرا ونثرا من منطلقات وطنية وقومية وإسلامية، هام بحب بلاده وحاول استجلاء غموضها وأسرارها.
عبد الله بن محمد بن خميس أحد رواد الأدب والصحافة في المملكة، سجل اسمه كمؤسس لمجلة الجزيرة قبل نصف قرن تحولت فيما بعد إلى جريدة أسبوعية ثم يومية، كانت له إسهامات فكرية وثقافية لافتة، وعدّ أول رئيس للنادي الأدبي في الرياض، كما صنف كأبرز من اشتغل في البحث الأدبي، بل كان له في معظمه قصب السبق والريادة، تجاوز حضوره ميدان التأليف والبحث والشعر والنقد إلى آفاق أخرى ليصبح عضوا في مجمع اللغة العربية في القاهرة، وعضوا في المجمع العلمي الوافي، والمجمع اللغوي الفلسطيني، حصل قبل 23 عاما على جائزة الدولة التقديرية الأولى، كما حصل قبل 17 عاما على وسام مجلس التعاون الخليجي في القمة الخليجية التي عقدت في عمان وذلك تقديرا لجهوده وإسهاماته الفكرية والثقافية واعترافا به كرائد من رواد الوعي والثقافة والأدب في العصر الحالي. بدأ بن خميس رحلته مع الكلمة في سن مبكرة من خلال الشعر إذ نشرت له صحيفة أم القرى في عام 1366هـ قصيدة ألقاها في مدرسة دار التوحيد أمام الأمير عبد الله الفيصل، وبعدها بعام نشرت الصحيفة ذاتها قصيدة له ألقاها بين يدي الملك المؤسس في الحوية في الطائف، وأصدر في عام 1397هـ أول ديوان له أسماه "على ربى اليمامة"، وبعد هذا التاريخ بـ 16 عاما أصدر ديوانا آخر.
ولم يكن الشعر وسيلة مهمة للتعبير عنده وقد أوضح علاقته بالشعر في مقدمة ديوانه الأول عندما قال: "وإذا كان لي أن ألتمس لنفسي عذرا تجاه الشعر، وما عسى أن أكون قد قصرت فيه فهو أنه لم يعطني إلا بمقدار ما أعطيته، ولم يواتني إلا بمقدار ما واتيته، فالشعر صعب الانقياد، شموس المواتاة له طقوس يؤثرها وأجواء يحلق فيها، ودوافع ودواع يأنس بها ولها، فإلى جانب الملكة والاستعداد الفطري فلا بد أيضا أن يكون الجو مهيأ لمنادمته، والمجال صالحا لمناغاته. وما هكذا كنت معه فلقد أعرب عنه زمنا طويلا، وأعيش في غير موكبه حقبة، وتكون أسفاره عني بمنأى وندية عني بمحال، ثم تأتي خاطرة عجلى، أو دوافع طارئة، أو مناسبة ملحة، فأعاوده فينأى بي، وأداعبه فيمتنع، وأغازله وأفاكهه ولم أزل به حتى يعطيني بعضه، وينفحني برمذ ضئيل ومد قليل. وما هكذا لو كنت معه على المهد، ومع معطياته على وعد، أحوم دائما حول ورده، وأتعهد مغناه، ولا تنقطع صلتي بسوحه، ولذا كان بي حفيا وكان عطاؤه سخيا، ولكنه، وهذه معاملتي معه يقارضني مقارضة، ولا يعطي إلا بقدر ما يأخذ، على أنني والحالة هذه أكتفي بما أخذه مني وما أخذته منه ويكفي من القلادة ما أحاط بالعنق..."
وعبر ابن خميس في شعره عن هيامه بالوطن وطبيعته وتاريخه ورموزه، كما استأثر معظم موضوعات قصائده بقضية فلسطين، وبرز في شعره إحساسه بما منيت به الأمة العربية من ضعف وهوان، كما دعا في قصائده إلى ترسيم الهدي النبوي، والاعتزاز بالتراث الإسلامي والإفادة من تاريخ الأمة، وأجاد في قصائده في شعر الوصف بشكل عام، كما نظم قصائد في المدح والرثاء والإخوانيات.
وبرز عبد الله بن خميس في كتابة المقالة الاجتماعية وجمع إسهاماته في هذا المجال في كتابه "فواتح الجزيرة" الذي صدر قبل 22 عاما، كما كتب في حقل الاقتصاد وطرح أفكارا وطنية تنويرية في الاقتصاد والاجتماع والتربية والأدب والسلوك، وسجل لابن خميس بريادته الأول كتاب تطرق إلى الشعر الشعبي أو النبطي في الجزيرة العربية وهو كتاب الأدب الشعبي في جزيرة العرب الذي صدر قبل 40 عاما وتناول فيه تاريخ هذا اللون من الشعر ونشأته وخصائصه وأغراضه ومعانيه وأوزانه وعلاقة هذا الشعر بالشعر القديم، كما أصدر مؤلفا عن أقدم شعراء النبط الذي اشتهر بشعر الحكمة والوصف وإلمامه بقواعد علم الفلك وهو راشد الخلاوي، إضافة إلى كتاب عن أهازيج الحرب وشعر العرضة، وآخر عن رموز من الشعر الشعبي وربطه بأصله الفصيح، وجمع الشيخ عبد الله بن خميس في كتابه "من جهاد قلم" معظم نتاجه النقدي الذي نشره في الصحف أو المجلات وأنتهج فيه الموضوعية مع الاعتماد على مخزونه المعرفي الديني واللغوي والتراثي، ونجح ابن خميس في مجال جغرافية البلاد من خلال أعماله التي تأتي في طليعتها كتب:
"المجاز بين اليمامة والحجاز"، "معجم اليمامة"، "معجم جبال الجزيرة" وتناول فيها بشمولية أمكنة العلم ووصفها وما قيل فيها من الأشعار ومعلومات متنوعة عن الأمكنة، ولابن خميس جهود في نشأة الصحافة والطباعة في المنطقة الوسطى من البلاد حيث أصدر مجلة الجزيرة الشهرية الأدبية والاجتماعية وصدر العدد الأول منها عام 1379هـ، وتحولت فيما بعد إلى جريدة أسبوعية ثم يومية وسبق هذا التاريخ إصداره لصحيفة عندما كان مديرا للمعهد العلمي في الهفوف حيث أصدر النادي الأدبي في المعهد هذه الصحيفة، أعقبها عام 1376هـ إصداره لمجلة "هجر"، كما أسس في عام 1397هـ مطابع الفرزدق التي أسهمت في طبع المئات من الإنتاج الفكري، إضافة إلى طباعة نحو 30 مؤلفا لمؤسسها.
وحدد ابن خميس في كتابه الذي أصدره عام 1374هـ وهو أول كتبه وعنوانه "شهر في دمشق" رأيه في الصحافة وما ينبغي أن يكون عليه منهاجها بقوله: "إن الصحافة التي لا تتسم بالرزانة، والتثبت مما تنشره، وبالاستقلال الذاتي وعدم الخضوع للمؤثرات الخاصة والأغراض والأنانيات والنعرة الطائفية، صحافة لا تليق بالحياة ولا تستحق الوجود".
وعرف عن ابن خميس أنه لم يكن ناقدا اجتماعيا وسياسيا وأدبيا فحسب لكنه كان منظرا إعلاميا يدعو لقيام صحافة ناضجة تسيرها الأفكار المستنيرة وتحررها الأقلام النزيهة الواعية المتحررة من الأهواء.
طرق ابن خميس أبواب الإعلام المسموع من خلال برنامجه "من القائل" الذي يحاكي في أسلوبه البرنامج الشهير "قول على قول" المقدم من إذاعة لندن ويعده حسن الكرمي، وبدأ البرنامج الذي بثته إذاعة الرياض في عام 1402هـ واستمر ثلاث سنوات وأجاب فيه الشيخ على أسئلة المستمعين عن قائل بعض الأبيات في الشعر العربي والشعبي، وقد تم تدوين البرنامج في كتاب مطبوع من أربعة أجزاء تزيد صفحاتها على 2500 صفحة.
ولد الشيخ عبد الله بن خميس في الملقا القريبة من الدرعية في عام 1339هـ، ونشأ في الدرعية وتلقى تعليمه الأول فيها من خلال أحد الكتاتيب، ثم التحق بمدرسة دار التوحيد في الطائف ونال شهادتها، وبعد تخرجه فيها أكمل دراسته في كلية الشريعة في مكة، وعين بعد ذلك مديرا للمعهد العلمي في الأحساء، ثم تولى إدارة كليتي الشريعة واللغة العربية في الرياض، ثم عمل مديرا عاما لرئاسة القضاء فوكيلا لوزارة المواصلات فرئيسا لمصلحة مياه الرياض ثم ترك العمل الوظيفي متفرغا للعلم والأدب والبحث.