سابقة تاريخية في المصرفية الإسلامية.. شركة كويتية تنقلب على مجلسها الشرعي
أسهمت محكمة بريطانية في جعل شركة دار الاستثمار الكويتية المشاركة في ملكية شركة إنتاج السيارات البريطانية «آستون مارتن» في تسجيل «سابقة تاريخية» في صناعة الصيرفة الإسلامية، وذلك عندما منحتها حكما قضائيا يكشف عن انقلاب الشركة الكويتية على مجلسها الشرعي.
وتعود تفاصيل القضية، إلى قيام الفقهاء الخمسة قبل أقل من ثلاث سنوات بالتوقيع على فتوى إجازة معاملة شرعية تعرف باسم «الوكالة» مع بنك لبناني، إلا أن محامي الشركة الكويتية أنكروا شرعية هذه الصفقة وقالوا في حجتهم الدفاعية إن هذه الصفقة كانت مخالفة للأحكام الشرعية.
وأصدرت إحدى المحاكم الإنجليزية حكما قضائيا يشير إلى أن اتفاقية «الوكالة»، التي تعد عملياً نوعاً من القروض بقيمة 10.7 مليون دولار، التي أبرمتها مع بنك لبنان والمهجر، كانت مخالفة للأحكام الشرعية. ونتيجة لذلك يتعين على «دار الاستثمار» سداد رأس المال فقط، وليس الربح، الذي يدفع إلى البنك بدلاً من الفائدة بموجب الأحكام الشرعية. حيث يصر البنك اللبناني على أن يحصل على نسبة 5 في المائة ربحا من هذا الاستثمار.
في مايلي مزيد من التفاصيل:
أسهمت محكمة بريطانية في جعل شركة دار الاستثمار الكويتية المشاركة في ملكية شركة إنتاج السيارات البريطانية ''آستون مارتن'' تسجل ''سابقة تاريخية'' على صناعة الصيرفة الإسلامية، وذلك عندما منحتها حكما قضائيا يكشف عن انقلاب الشركة الكويتية على مجلسها الشرعي.
وتعود تفاصيل القضية، إلى قيام الفقهاء الخمسة قبل أقل من ثلاث سنوات بالتوقيع على فتوى إجازة معاملة شرعية تعرف باسم ''الوكالة'' مع بنك لبناني، إلا أن محامي الشركة الكويتية أنكروا شرعية هذه الصفقة وقالوا في حجتهم الدفاعية إن هذه الصفقة كانت مخالفة للأحكام الشرعية.
وأصدرت إحدى المحاكم الإنجليزية حكما قضائيا يشير إلى أن اتفاقية'' الوكالة''، التي تعد عملياً نوعاً من القروض بقيمة 10.7 مليون دولار، التي أبرمتها مع بنك لبنان والمهجر، كانت مخالفة للأحكام الشرعية. ونتيجة لذلك يتعين على دار الاستثمار سداد رأس المال فقط، وليس الربح، الذي يدفع إلى البنك بدلاً من الفائدة بموجب الأحكام الشرعية. حيث يصر البنك اللبناني على أن يحصل على نسبة 5 في المائة ربحا من هذا الاستثمار.
وقبل أن تربح القضية، رفضت ''دار الاستثمار'' الكويتية في البداية أن تدفع مبلغ 10.7 مليون دولار إلى بنك لبنان والمهجر، حيث تقول إن الصفقة الأصلية لم تكن وفق الأحكام الشرعية الإسلامية، في خطوة يمكن أن تؤدي إلى الضغط على صناعة المصرفية الإسلامية. يذكر أن اللوائح الداخلية لـ ''دار الاستثمار'' تحظر عليها الدخول في تعاملات مخالفة للشريعة الإسلامية.
وبموجب الصفقة المعروفة باسم الوكالة، كانت دار الاستثمار تعمل كوكيل وتقبل الأموال من بنك لبنان والمهجر، حيث تستثمرها في استثمارات جائزة شرعاً. حيث أصدر أحد القضاة الإنجليز حكماً مفاده أنه لا يتعين على ''دار الاستثمار'' الكويتية أن تتمسك بأحكام قرض إسلامي لأن العقد لم يكن وفق الأحكام الشرعية الإسلامية، وهذا بالتالي يجعل العقد باطلاً.
الشركة أم الصناعة
لكن دار الاستثمار، في خطوة قانونية بقول الخبراء إنها ستلفت الأنظار بصورة كبيرة، جادلت بأن الصفقة (التي وافق عليها المجلس الشرعي للدار) لم تكن في النهاية ملتزمة بالأحكام الشرعية الإسلامية وبالتالي تعد باطلة على هذا الأساس.
يذكر أن المجلس الشرعي للدار يتكون من خمسة فقهاء لا يتمتعون بشهرة عالمية كبرى، ويمكن الحصول على أسمائهم بزيارة موقع الشركة الإلكتروني.
يعلق على ذلك برناردو فيزكاينو المدير التنفيذي لشركة للاستشارات الشرعية للمنتجات المصرفية: ''هل استشارت دار الاستثمار المجلس الشرعي للشركة بخصوص الإجراءات والطعون القانونية؟ من المثير للدهشة أن هذا الأسلوب القانوني يوحي بأن المجلس الشرعي إما أنه ارتكب خطأً في إجازة الصفقة المذكورة وإما أنه لم يكن على علم بهذه القضية القانونية. في النهاية ما الجهة التي يجب أن يوليها المجلس الشرعي واجب الرعاية والاهتمام؟ (هل هي الشركة التي يعمل لديها أم صناعة الصيرفة الإسلامية بصورة عامة''.
ويتابع: ''ربما فضل المجلس الشرعي أن يكون صامتا. وإذا كان يساند بالفعل موقف دار الاستثمار فإننا على وشك أن نشهد سابقة قانونية لتعاملات منتج ''الوكالة''، حيث يمكن أن يتحول من منتج شرعي إلى تقليدي، وفقا لرؤية مناطق الاختصاص الأخرى''. ويواصل: أما في حالة فضل المجلس الشرعي الوقوف مع شركته، فإن ذلك معناه أنهم يقرون بوجود خطأ من جانبهم في عملية الإشراف الشرعية على الصفقة، ووفقاً للمذكرة القانونية الخاصة بالقضية، فإن بنك لبنان والمهجر أقام دعوى ضد دار الاستثمار في إحدى المحاكم البريطانية، مطالباً إياها برأس المال الذي استثمره، إضافة إلى عائد مقداره 5 في المائة، وفقاً لصفقة مهيكلة أبرمها البنك مع دار الاستثمار في عام 2007.
صدق النية بإقالة الفقهاء
يقول نيكن فيروزي، رئيس شركة IFR Advisors للاستشارات الشرعية، الدفاع المقدم من دار الاستثمار يعد تهربا من مسؤولياتها والتزاماتها تجاه العقد. إذا قلنا إن العقد الأصلي كان مخالفاً للأحكام الشرعية، فإن ذلك يعد خطيئة فوق خطيئة.
وهنا يوضح بقوله: ''بصورة خاصة، استراتيجية الدفاع بحجة مخالفة النظام أو الأحكام الشرعية، بمعنى أن العقد كان في واقع الأمر مخالفاً للأحكام الشرعية منذ البداية عند دخول دار الاستثمار فيه، ثم تأتي دار الاستثمار في اللحظة الأخيرة وتستخدم هذه الحجة، فإن هذا يضع العبء الثقيل الذي لا داعي له على جميع الأطراف المتعاقدة المقابلة لتحديد ما إذا كانت التعاملات التي يقال عنها إنها ملتزمة بالأحكام الشرعية هي فعلاً تعاملات ملتزمة بالأحكام الشرعية''. وتابع: ''إذا كان العقد فعلاً مخالفاً للأحكام الشرعية، لا بد في هذه الحالة أن تبرهن دار الاستثمار على صدق نيتها وتقيل كامل أعضاء مجلسها الشرعي، وأن تدينهم علناً أو تفعل شيئاً من هذا القبيل. وينظر القضاة في الأحكام حسب طبيعة كل حالة، لكن الأحكام السابقة تسجل بالفعل إجراءً معيناً يمكن إتباعه. في نهاية الأمر فإن قرار القاضي حول ''دار الاستثمار'' يؤيد الذين يجادلون بأن المصرفية الإسلامية في الغالب لا تلتزم بالأحكام الشرعية الإسلامية إلا كنوع من الشكليات، لكن ليس في جوهرها الحقيقي.
التوقيت سيئ
وأضاف الخبراء أن حجة الدفاع المذكورة من ''دار الاستثمار'' من شأنها زيادة المخاوف بين المستثمرين المحتملين بخصوص المخاطر طويلة الأجل المرتبطة بالدخول في تعامل قائم على الأحكام الشرعية.
وقال أحد المحامين ـ طلب عدم الإفصاح عن اسمه: ''التوقيت سيئ. من الواضح أن الشركة تعاني صعوبات ومشكلات مالية، وأنها تحاول أي حجة للتهرب من الدفع، لكنها يمكن أن تسبب المخاوف بالنسبة للمستثمرين المؤسسيين الذين ينظرون في إمكانية الدخول في تعاملات مالية إسلامية''. وتابع: ''لكن الآن مع هذا الحكم من المحكمة البريطانية فإنه يمكن لذلك أن يسجل سابقة للحالات الأخرى''.
وأضاف أن المؤسسات المالية بدأت من الآن تشعر بالتوتر بخصوص المصرفية الإسلامية وأنها يمكن أن تعتبر هذا القرار سبباً في الابتعاد عن الصناعة.
رغم أن المستثمرين بصورة عامة مدركون لمدى تعقيد المصرفية الإسلامية، إلا أن التعقيد لا يعني بالضرورة مزيدا من المخاطر، كما يقول الخبراء. وقال مايكل ريني، شريك في شركة كينج آند سبولدينج King & Spalding في لندن، إن حجة الدفاع على ما يبدو ستكون سبيلاً لتثبيط عدد من دائني دار الاستثمار ومنعهم من السعي بصورة مستقلة للحصول على تعويضات عن الأضرار في المحاكم وإرغامهم على المشاركة في عملية إعادة الهيكلة. وتابع ''على أقل تقدير فإن من شأن ذلك خلق مزيد من عوامل اللبس، وهو أمر سيئ لصناعة المصرفية الإسلامية''.
ليست المرة الأولى
الأمر المثير للاهتمام أن هذا الحكم الخاص بمنتج بنكي إسلامي يختلف عن آخر حكم قضائي صدر من المحاكم البريطانية. في عام 2005، ضِمن قضية بين بنك شامل البحريني وشركة بيكسيمكو (من بنجلادش)، قرر قاض في إحدى المحاكم العليا الإنجليزية أن المحكمة غير مخولة بإصدار أحكام استناداً إلى الأحكام الشرعية الإسلامية، على اعتبار أنه لا يجوز أن يكون هناك نظامان متنازعان من القوانين يحكمان العقد نفسه. وقال الحكم إنه حتى لو كان التعاقد مخالفاً للأحكام الشرعية في الإسلام، فليس من صلاحية المحكمة إصدار رأي بهذا الخصوص. وأمر القاضي شركة بيكسيمكو أن تسدد ما عليها من دين.
وقال ناطق باسم الحكومة البريطانية في السنة الماضية إنه لا يمكن استخدام الأحكام الإسلامية كمبرر لارتكاب مخالفات بالقانون الإنجليزي، كما لا يجوز إدراج الأحكام الشرعية الإسلامية في محكمة مدنية في سبيل حل النزاعات.
ضربة مزدوجة
كانت المصرفية الإسلامية تعد في الماضي ملاذاً آمناً، وذلك بالنظر إلى تحريم التعاملات القائمة على المضاربة في الشريعة الإسلامية. وكان هذا الجانب يعد جذاباً بصورة خاصة، على اعتبار أن الشركات المالية كانت تعاني من الأزمة الاقتصادية.
لكن حين صرح فقيه بارز، هو الشيخ تقي عثماني، بأنه يشكك في شرعية معظم السندات الإسلامية، وما تبع ذلك بعد فترة من العدد المتزايد من حالات التعثر والإعسار من بعض الشركات البارزة في المنطقة، فإن كل ذلك أدى إلى تشويه صورة صناعة المصرفية الإسلامية. ويقول الخبراء إن حجة الدفاع التي استخدمتها ''دار الاستثمار'' ليس من شأنها إلا أن تزيد من المتاعب التي تعانيها الصناعة.
ويأتي حكم المحكمة الإنجليزية في لندن ضربة مزدوجة للمنطقة. ففي الوقت الذي جفت فيه أموال التمويل من البنوك، وأسهمت متاعب دبي العالمية في إضفاء مزيد من التعقيد والكآبة على المزاج العام للمستثمرين، تبحث الشركات الآن عن المصرفية الإسلامية لمساعدتها في الوفاء باحتياجاتها التمويلية. لكن حتى الآن لم يتم إصدار إلا حالة واحدة من الصكوك في الخليج العربي هذا العام، وهي صكوك بقيمة 450 مليون دولار من ''دار الأركان''، وهي إحدى كبريات شركات العقارات في السعودية.
ولكن بعد الحكم القضائي المثير للجدل، يتساءل المراقبون عما إذا كانت الأوضاع ستبقى على ما هي عليه، وذلك بعد أن دخلت الأحكام الشرعية قاعة المحاكم.