الحاجة إلى نموذج للتخفيف من هجرة العقول في الشرق الأوسط

الحاجة إلى نموذج للتخفيف من هجرة العقول  في الشرق الأوسط

تمثل الإمارات حالة دراسية عملية مثيرة في مجال رأس المال البشري
ويعود ذلك جزئياً إلى عدم وجود كثير من المناطق في العالم تكون غالبية قوة العمل فيها أجنبية. ورغم أن اقتصاد الإمارات، وغيرها من الدول الغنية بالنفط، لا يزال قوياً، فإن الآثار طويلة الأجل للاعتماد على المواهب الأجنبية التي تقيم لفترة قصيرة، قد تقف حجر عثرة في سبيل تقدم الأجيال القادمة.
كان هذا الموضوع الشائك إحدى النقاط التي نوقشت ضمن ندوة ''التعلم في العالم العربي والتعلم منه'' Learning in and from the Arab World التي ضمت قادة من القطاعين الحكومي والخاص، في أول قمة للقيادة في الشرق الأوسط نظمتها إنسياد INSEAD في أبوظبي.
ويقول ديفيد أركلس David Arkless رئيس الشؤون الحكومية والمؤسسية في مانباور Manpower Inc، أكبر شركة توظيف غير حكومية في الإمارات العربية المتحدة: ''وضعنا بعض التوقعات بشأن الإمارات، ربما قبل عام ونصف العام، أي قبل حلول الأزمة المالية الحقيقية. وخلصت التوقعات إلى أن الإمارات بحاجة سنوياً إلى نحو ربع مليون شخص ماهر مؤهل، للحفاظ على استمرار نمو اقتصادها''.

وأوضح أركلس لمعرفة النابعة لإنسياد قائلاً إن عدد المواليد في الإمارات لن يكون كافياً ''لتغذية ذلك النمو الاقتصادي، ثمة معطيان اثنان مهمان . أحدهما أن المنطقة ستعتمد بصورة دائمة على قوة العمل الوافدة إلى حد ما''.
لنأخذ قطاع النفط والغاز مثلاً، وهو قطاع يعاني أيضاً من هجرة العقول. سيخسر هذا القطاع وفقاً لسلطان الحجي، معاون المدير العام لشركة ''توتال أبو البخوش'' Total Abu Al Bukhooshللنفط والغاز، نحو 40 في المائة من مهندسيه الماهرين خلال السنوات الخمس المقبلة، لأن معدل مغادرة العاملين أعلى من معدل قدومهم.
أما شريف الديواني، مدير إدارة الشرق الأوسط ومجلس الأعمال العربي في المنتدى الاقتصادي العالمي، فيقول إنه لا يجب النظر إلى نقص المواهب المحلية، باعتباره خطراً بل باعتباره فرصةً.
''أعتقد أنه من المهم لأي دولة في العالم، ترغب في النجاح أن تبحث عن أفضل المواهب، وأن تشتري أفضل الخدمات من أي مكان في العالم. ما من شيء أبداً يدعو إلى الخجل أو القلق من ذلك الجانب. وبالتالي، فإن وجود قوة عمل أجنبية لا يمثل مشكلة''.
وعوضاً عن ذلك، يجب أن تسعى الدول، كما يقول، إلى أن تصبح قادرة على جذب أفضل المواهب في العالم بصرف النظر عن جنسياتهم، وذلك من خلال تقديم مستوى معيشة مرتفع لهم ولعائلاتهم؛ فقوة العمل السعيدة تكون قوة عمل منتجة أيضاً.
وفي حين أقر قادة أبوظبي بأن المواهب الأجنبية قد ساهمت حقاً في تحفيز نمو اقتصادهم، فإنهم توصلوا إلى أن القضية لا تكمن كثيراً في الاحتفاظ بالمواهب، وإنما في نقل المعرفة إلى المواطنين عندما يغادر العمال الأجانب.
يقول علي الكتبي الأمين العام المساعد لقطاع الإدارة العامة في الأمانة العامة للمجلس التنفيذي في أبوظبي: ''لقد استفاد هذا البلد منذ سبعينيات القرن العشرين من الخبرات الأجنبية، ولا يزال يستفيد منها حتى الآن لتحقيق رؤيته. حتى في عملية التحديث التي تمت في الأعوام الأربعة الماضية، فقد كان التركيز مؤسسياً، لأن تلك الخبرات الأجنبية كانت ميزة لنا، ولا نزال حريصين على المحافظة عليها ''.
''ما ينقصنا حالياً هو تلك الآلية التي تنقل المعرفة لتضعها في إطار مؤسسي من أجل تعميم الفائدة على الصعيد الفردي والمؤسسي، وعلى صعيد المجتمع كله''.
يمثل ذلك النقل للمعرفة المؤسسية، أو المعرفة العملية، مجالاً يعتقد أعضاء الندوة أن لمؤسسات تعليمية مثل إنسياد دوراً محورياً فيه.
يقول أركلس: ''إذا رغبت هذه المنطقة في النمو الاقتصادي فلا مناص أمامها من استقدام العمالة الوافدة. والسؤال المطروح هنا: كيف يمكنك إدارة تلك العمالة ووضع إطار عمل لها؟ أي كيف يمكنك عقد المعاهدات وإنشاء العلاقات الثنائية مع البلدان الأخرى، تحديداً شبه القارة الهندية والفلبين وغيرها من الدول، لتحقيق دورة عمالة يأتي فيها العمال المؤهلون إلى بلدان الخليج والعالم العربي، فيساهموا مساهمة ما، ينقلوا فيها مهاراتهم إلى أبناء البلد؟''.
ويعتقد الديواني أن هذه الأسئلة قد تشير إلى الحل: ''أعتقد بضرورة النظر إلى اكتساب المعرفة من قبل المؤسسات، أي سبل اكتساب المعرفة في النطاق الحكومي، وتوثيقها ونقلها وتمريرها، وسبل تحديثها باستمرار، وتعميمها وفقاً لذلك. وقد يكون هذا مجالاً يمكن، لمؤسسات متواجدة هنا مثل إنسياد وغيرها، التركيز عليه ومساعدة المؤسسات الحكومية على التعامل مع ذلك التحدي.
ويشاطره أركلس وجهة النظر هذه فيقول: ''أحد الأدوار التي يمكن لمؤسسة مثل إنسياد أن تلعبها هو تقديم الأبحاث والتطوير على الأجل البعيد، إضافة إلى توفيرها لمركز بحثي. كما يمكنها تغيير الأمور الإدارية والعلمية من أجل المستقبل وتكوين عقلية جديدة، وكذلك يمكنها تغيير ممارسة السياسات بوضعها الحالي الذي يتميز بأفكار عظيمة لكن يعاني من بيروقراطية سيئة جداً وبالتالي من تنفيذٍ ضعيف جداً، كما يمكنها مساعدة القيادة بأكملها ودعم عملية التعليم لتحويل ذلك إلى نموذج حكومي للقرن الحادي والعشرين''.
ويقول الحجي: ''إن مجرد وجود إنسياد في أبوظبي ظاهرة في حد ذاته. فإنسياد محفز لتبادل الأفكار والتبادل الثقافي، وهي جسر يربط بين ثقافة الغرب وثقافة الشرق. دعونا نستخدم هذه الثقافة التي تفيدنا كلنا. دعونا نكون إطار عمل بغية تطوير بلدنا ومواطنينا''.

الأكثر قراءة