الصورة تنقلب.. مبررات اقتصادية تجيز تداول المشتقات في الخليج

الصورة تنقلب.. مبررات اقتصادية تجيز تداول المشتقات في الخليج

كشفت لـ «الاقتصادية» مصادر في صناعة المال الإسلامية أن الشيخ نظام يعقوبي كان من بين الفقهاء الذين فتحوا باب المشتقات في وجه صناعة المال الإسلامية، وأضفوا عليها الغطاء الشرعي، مما يعني بداية مرحلة جديدة في عصر الصيرفة الإسلامية، بعد أن كان الفقهاء يتفقون على تحريم المشتقات قبل سنوات ليست ببعيدة.
وكانت جمعية العقود المتبادلة والمشتقات الدولية ISDAقد نشرت قبل ثلاثة أسابيع، المعايير العالمية لعقود المشتقات الإسلامية في خطوة ينتظر منها أن تساعد الشركات والمستثمرين على إدارة المخاطر بصورة فعالة وعلى نحو أسرع وأرخص من ذي قبل.
وبذلك تشهد الصيرفة إطلاق أول قاعدة معيارية لعقود المشتقات الإسلامية خارج البورصات الرسمية over-the-counter.
وساعد الشريك الغربي هيئة «السوق المالية الإسلامية الدولية» - مقرها البحرين- التي أمضت أربع سنوات في إعداد المعايير المذكورة. وفي بيان مشترك قالت هيئة «السوق المالية الإسلامية الدولية» وجمعية العقود المتبادلة والمشتقات الدولية إن «»اتفاقية التحوط الأساسية»» تقدم هيكلاً تستطيع المؤسسات بموجبه التداول في المشتقات التي من قبيل عقود التأمين المتبادل على معدلات الربح والعملات.
يذكر أن جمعية العقود المتبادلة والمشتقات الدولية تتخذ من نيويورك مقرا لها، وهي تمثل أكثر من 830 منظمة نشطة في سوق المشتقات، التي تبلغ قيمتها 592 تريليون دولار.
وقال لـ «الاقتصادية» العضو المنتدب لهيئة «السوق المالية الإسلامية الدولية» إجلال ألفي إن «الاتفاقية الرئيسية للتحوط ، من المتطلبات اللازمة في الصناعة، سواء في السعودية أو في منطقة أخرى. لدينا عدد من المؤسسات في المملكة أظهرت اهتماماً بهذه الوثيقة، وستنتفع من الاتفاقية الرئيسية (الخاصة بالتحوط).
من ناحيته قال خالد حمد، المدير التنفيذي للرقابة المصرفية في مصرف البحرين المركزي، أثناء مؤتمر صحافي في المنامة: «قبل بضعة أعوام لم تكن المشتقات مباحة، بل لم يكن من الجائز أن تتحدث عنها لأنه كان هناك شعور بأنها مخالفة للأحكام الشرعية.»
يذكر أن الفقهاء المسلمين منقسمون على أنفسهم بخصوص جواز التعامل في المشتقات، إذ يرى بعضهم أنها أدوات استثمارية جائزة شرعاً بهدف التحوط ضد المخاطر. لكن فريقاً آخر من الفقهاء يعتبرها تعاملات قائمة على المضاربة والتكهن، وهي أمور تحرمها الشريعة الإسلامية.

موجة توصيات
شهدت الفترة الأخيرة موجة من التوصيات، بقيادة المحامين والمصرفيين الغربيين، بضرورة تنويع محفظة المنتجات الإسلامية، التي أدت في نهاية المطاف إلى توجه الصناعة نحو المشتقات الإسلامية، والبنوك التي تدعم هذا النوع من العقود هي بنوك من قبيل المؤسسة العربية المصرفية في البحرين، وبنك كريدي أجريكولCredit Agricole وبنك ستاندارد تشارترد. أما شركة المحاماة التي كانت وراء صياغة هذه الاتفاقية فكانت كليفورد تشانس البريطانية.
وقال خبراء في صناعة المال الإسلامية إن المطالب الخاصة بتنويع محفظة الاستثمارات الإسلامية تؤدي إلى زيادة الطلب على منتجات المشتقات الرامية إلى التحوط ضد المخاطر، وإن خلق منتجات التحوط علامة على أن سوق المنتجات الإسلامية تمر بمرحلة النضج وإنها تسعى لتظل تنافسية مع المصرفية التقليدية.

تفاصيل اتفاقية التحوط
في حين أن الاتفاقية الرئيسية «تشبه» قواعد جمعية العقود المتبادلة والمشتقات الدولية الخاصة بتعاملات المشتقات التقليدية، إلا أن الأطراف المقابلة التي تستخدم المعايير الجديدة «ستفهم أنه لن تكون هناك فوائد مدينة أو دائنة، ولن يسمح بالتسوية القائمة على التقييم أو التي لا ترتكز على موجودات»، بحسب ما جاء في البيان المشترك مع الهيئة الأمريكية .
العقد المعروف باسم «التحوط» من شأنه خلق إطار قانوني موحد للمشتقات خارج البورصات الرسمية في السوق الإسلامية، في حين أن العقود في الوقت الحاضر يتم ترتيبها على أساس بعدي حسب المناسبة لكل حالة. وكانت «الاقتصادية» قد انفردت قبل خمسة أشهر بنشر تقرير يكشف عن استعداد الهيئة الأمريكية بنشر المعاير الخاصة بعقود المشتقات في الخليج.

تقصير فترة تصميم العقد
قال سايمون إيدل، العضو المنتدب للمصرفية الإسلامية لدى بنك كريدي أجريكول لوكالة رويترز: «من شأن ذلك اختصار الوقت»، وأضاف أنه سيساعد الصناعة كذلك على إدارة المطلوبات المتعلقة بموجوداتها.
يذكر أن صناعة المصرفية الإسلامية خاضعة لمزيج غير متناسق من الأنظمة المصرفية من دول مختلفة، ومن الأجهزة التنظيمية الإسلامية التي تنظم عمل هذه الصناعة نفسها، ومن الفقهاء الذين تختلف اجتهاداتهم في تفسير الأحكام الشرعية، ما يجعل العقود أكثر تعقيداً مما ينبغي.
وقال إيدل إن تصميم عقد للمشتقات بين طرفين كان يستغرق في الماضي ما بين ستة وتسعة أشهر، وستقل هذه المدة بصورة لا يستهان بها من خلال استخدام الاتفاقية الرئيسية للتحوط.
وتابع إيدل أن الاتفاقية ربما تعمل على إقناع المؤسسات التي لديها شكوك حول جواز التعامل في هذه الأدوات الاستثمارية على التحوط ضد مخاطرها على نحو أكثر سهولة من ذي قبل. وأضاف: «سنشهد مزيدا من التحوط على منتجات الشركات لأنه يوجد معيار بين أيدينا الآن».
وقال إيدل: «بطبيعة الحال حين ننظر إلى الصورة الإجمالية للموضوع، فإننا لا نريد لهذه الاتفاقية أن تشجع المضاربة. ليس الهدف من إنتاج هذا العقد التشجيع على تكرار العمليات المعروفة في المصرفية التقليدية».
وتابع خالد حمد: «بالنظر إلى الطبيعة المتنامية لصناعة المصرفية الإسلامية، فإن المؤسسات العاملة بموجب الأحكام الشرعية لن يعود بمقدورها أن تترك صفقاتها وتعاملاتها دون تحوط.
المرابحة تدخل في التحوط
قال بيتر فيرنر، المدير الأعلى للسياسة لدى جمعية العقود المتبادلة والمشتقات الدولية: «من المفترض أن يكون هذا العقد قابلاً للتطبيق على معظم النطاق الحالي من تعاملات المشتقات الإسلامية القائمة على عقود المرابحة بالسلع، أو عقود التأمين المتقابل الإسلامية على العملات ومعدلات الربح».
وقال منير خان، الرئيس العالمي للمصرفية الإسلامية لدى مؤسسة سيمونز أند سيمونز، إن منتجات المشتقات تتطور بصورة سريعة، خصوصاً فيما يتعلق بعقود التأمين المتقابل على معدلات الأرباح وعقود التأمين على أسعار العملات الأجنبية، وهي عقود من شأنها التصدي لمخاطر العملات.
في المصرفية الإسلامية تتم هيكلة عقود التأمين المتقابل على معدلات الأرباح استناداً إلى عقد المرابحة، الذي على أساسه يتفق أحد الطرفين على تبادل ربح ثابت أو معدل ثابت للعوائد مع طرف آخر. يوافق كل طرف على تبادل دفعات المعدلات الثابتة والعائمة فيما بينهما بتاريخ محدد في المستقبل.
وأضاف خان أن الهدف من ذلك هو التحوط ضد الخسائر وليس الدخول في أي تعاملات قائمة على المضاربة، التي تحرمها الشريعة الإسلامية.
يمكن اعتبار أحد التعاملات على أنه قائم على المضاربة إذا لم يكن التعامل هادفا إلى التحوط ضد الخسائر وإنما لاستغلال الحركات في السوق في سبيل تحقيق الربح من وراء ذلك.
من جهته، توقع آفاق خان، كبير التنفيذيين في بنك صادق من ستاندارد تشارترد أن يطلق البنك أحد المشتقات الإسلامية في عقود السلع في الربع الأول، وهو موجه نحو شركات الاستيراد أو التوزيع الباحثة والساعية إلى «تثبيت» سعر إحدى السلع.
وقال خان إن البنك عقد مباحثات متقدمة مع شركات التداول والأجهزة الحكومية الساعية إلى إدارة سعر السلع، مثل النفط، الرز، السكر، والفولاذ، على نحو يلتزم بالأحكام الشرعية في الإسلام.
يذكر أن المشتقات هي أدوات مالية ترتبط بالأسهم والسندات والقروض والعملات والسلع، أو بأحداث مثل التغير في الطقس أو أسعار الفائدة. وحيث إن الإسلام يحرم التعامل بالربا والمضاربة وجوانب اللبس، فإن كثيراً من المستثمرين المسلمين يبتعدون عن العقود التي من هذا القبيل.

التحوط من الصكوك
يبدو أن هذه الإرشادات الخاصة بالمشتقات يمكن لها أن تساعد على التحوط من الصكوك لأول مرة. يقول أنجوس أمران، رئيس قسم الخزانة والأسواق الرأسمالية لشركة كاجاماس، وهي أكبر شركة في ماليزيا لشراء القروض السكنية: «ستكون لدى المستثمرين القدرة على التداول في الصكوك التي ربما لم تكن لديهم القدرة على فعل ذلك من قبل لو لم تكن أداة التحوط متاحة لهم» .
وكانت الأجهزة التنظيمية الأمريكية والأوروبية قد طالبت بتبني «بيوت للمقاصة» clearinghouses في سبيل تقليص مخاطر المشتقات بعد أن وصفت إدارة الرئيس باراك أوباما هذه العقود بأنها «مصدر رئيس للعدوى» إبان أزمة الانقباض الائتماني. وتعتمد صناعة المشتقات على قيام الأطراف المتعاقدة بالتفاوض على طلباتهم الخاصة في الشراء والبيع، دون ضمانات بأن أي طرف من الأطراف سيكمل التعامل. وفي مقابلة هاتفية قالت ديبورا شولر، مسؤولة ائتمان الشركات في موديز لمنطقة آسيا والشرق الأوسط وإفريقيا: «في المالية الإسلامية يعتبر القمار من الأمور المحرمة، لكن الدخول في عقد مفتوح كبير دون تحوط هو في رأيي نوع من المقامرة، بالتالي يسرني أن أسمع أنه سيكون هناك مزيد من البدائل المتاحة لتقليص المخاطر».

الأكثر قراءة