القيادة.. سحر شخصية وتوافق وأفكار وتحديات
حين تفكر في كلمات تستخدم في وصف القيادة الجيدة فإن «سحر الشخصية» يأتي في مقدمة لائحة تلك الكلمات. والحقيقة هي أن كل الأفكار الموجودة على سطح الأرض لن تتقدم خطوة واحدة لديك إذا لم يكن هنالك أناس يستمعون إلى ما تقوله. غير أن صفة سحر الشخصية ليست ملازمة لكل الرؤساء التنفيذيين، كما أن الأمور المعقدة التي نجمت عن الأزمة الاقتصادية الحالية أوجدت الكثير من التحديات الفعلية أمام كل من المسؤولين التنفيذيين، والمحترفين الذين يتولون تدريبهم.
عقدت مبادرة القيادة في إنسياد خلال الفترة الأخيرة مؤتمراً لتطوير القيادة بعنوان «تطوير القادة: تحديات للمفاهيم، والممارسات والأبحاث»، وذلك لتحديد بعض القضايا التي تتم مواجهتها في أيامنا هذه في مجال القيادة، بهدف إطلاق مزيد من البحث فيما يتعلق بالبرامج التدريبية.
يقول منظم هذا المؤتمر، جيانبيرو بترجليري، أستاذ السلوك التنظيمي في إنسياد «في زمن الأزمة، يكون الإغراء هائلاً لوضع كل أملنا في أيدي أفراد قليلين من أصحاب سحر الشخصية، كما يمكن اللجوء إلى تطوير الإدارة لتعزيز هذا التصور الخاص بأن بإمكان عدد قليل من القادة العظام المدربين جيداً القيام بكل ما نحن في حاجة إليه. ولكن علينا أن نتساءل كذلك: ما العوامل الشاملة للنظام ككل التي قادتنا إلى هذه الأزمة التي نعانيها في أيامنا هذه؟».
لذلك اجتمع 50 من الأكاديميين والمحترفين في إطار مؤتمر إنسياد هذا، حيث ضم في جنباته أساتذة ديناميكية نفسية، وأساتذة في العلوم المعرفية، والأخلاق، وقادة من المجالات الصناعية والعسكرية. ويواجه القادة في أيامنا هذه تحديات تشمل كل هذه الأمور، حيث يتبين أن أساليب التدريب القديمة تصبح أقل فاعلية على نحو مستمر.
وقد أثبت النموذج الذي يضم امتلاك الجوانب النظرية، والأسباب، والمهارات، أنه محدود للغاية، على الرغم من أهمية كل هذه المكونات. وإن ما نحتاج إليه بالفعل هو صيغ أعمق وأوسع على صعيد تطوير الإدارة. ولا بد من توافر هاتين الصفتين في قادة هذه الأيام لأنهم يواجهون طيفاً واسعاً من التحديات العملية، ودون امتلاكهم لقدرات جديدة ومبتكرة، فإنهم سيعانون مشكلة الإعجاب بالذات. وهنالك تعقيدات على درجة كبيرة من المسؤوليات التي يواجهها قادة النشاطات العملية في أيامنا هذه. ولا بد لهم أولاً من فهم حوافزهم الذاتية في القيادة والعمل. وإن تعبير سحر الشخصية جاء من اليونان، حيث ينظر إليه على أساس أنه هبة خاصة من السماء، وأنه حين ينعم القادة السماويون على بعض بني البشر بهذه الصفة، فإنه يظل بمقدور القادة السماويين أن ينتزعوها منهم. ولقد شهدنا الكثير من حالات السحر الشخصي الجذاب للقادة العمليين في السنوات الأخيرة، كما شهدنا كثيراً من حالات تراجع القدرات الإدارية.
وإن من المهم للغاية بالنسبة إلينا أن نسلك الطريق المعاكس لهذا الاتجاه. وهذا لا يعني أن الجوانب الفردية غير مهمة، ولكن الأمر الأهم هو استمرار تطوير قدرات الأفراد لكي يزدادوا إحساساً، ومهارةً، ومسؤوليةً. وعلينا أن نوفر لهم أشكالاً وأنماطاً جديدة فيما يتعلق بتطوير قدراتهم الإدارية التي تمكن المجتمعات من مواجهة التحديات التي تقف في طريقها.
إن ذلك يعني مزج عدد من مسارات البحث، والتخلص من كل العوائق القائمة، حيث إن اتخاذ المساقات بصورة منفردة لن يساعدنا على فهم مبادئ وقواعد الإدارة العملية السليمة. وعلينا أن نعيد مراجعة إجراءاتنا الإدارية، وننظر في وسائل مساعدة القياديين على أن يزيدوا من فعاليتهم في الأمور التي يتولون إنجازها.
وهنالك أمر مهم آخر يتمثل في كيفية جعل قادة النشاطات العملية أكثر وعياً، وانتباهاً للقيم التي يمثلونها، وكيفية توظيفهم لعدد من القيم التي تعمل في صالح مؤسساتهم. ومن المؤكد أن بعضنا سيركزون على مسألة القيم الأخلاقية، وكيفية زيادة إشعار قادة النشاطات العملية بأهمية مسؤولياتهم الأخلاقية وهم يؤدون عملهم في مؤسساتهم وشركاتهم.
وبإمكانك أن تدرك كل هذه التحديات حين تمعن النظر في النطاق المتوسع لمفاهيم المسؤولية لدى قادة النشاطات العملية في أيامنا هذه في ظل العولمة، وإمكانات التواصل الفوري. وهنالك قدر كبير من المعلومات التي يتحتم على قادة النشاطات العملية التعامل معه، كما أن هنالك المزيد من الأمور المتعلقة بالشؤون العاطفية والمشاعر الخاصة إزاء مهام النشاط العملي. وهنالك درجة متزايدة من التعقيدات التي تشهدها التحديات القائمة في مجال إنجاز المهام الإدارية. ولن يستطيع فرد واحد، مهما كانت إمكاناته، الإحاطة بكل هذه الأمور، حيث تتعاظم مسألة إقناع الآخرين بسلامة الأفكار المطروحة. ونظراً لتوسع عدد من الشركات على الصعيد العالمي، فإن كثيراً من قادة النشاط العملي قد لا تتاح لهم فرصة الالتقاء مع بعضهم البعض، ولو لمرة واحدة خلال فترة عملهم في الشركات.
وهنالك الكثير من القلق الجماعي الهائل الذي يجد قادة النشاطات العملية في أيامنا هذه أنفسهم في مواجهته. ومن شأن ذلك أن يفرض كثيراً من القيود على أدائهم القيادي. ويطلب منهم على الدوام تقديم كثير من الوضوح، في الوقت الذي يواجهون فيه الكثير من عوامل التغيير. ويطلب منهم التصرف الحاسم، والشامل في الوقت ذاته. وحين يتطلب الأمر اتخاذ قرار ما إزاء أمر معين، فإنه لا بد لهم من اعتبار القيم والحاجات المختلفة لفئات متعددة على صعيد النشاط العملي. وعلى القادة إبداء الثقة بأنفسهم مع الاحتفاظ بالقدرة على المساءلة الذاتية حين يتطلب الأمر مثل هذه المساءلة.
هل نحن بصدد ترديد صدى أواخر القياصرة وهم يحاولون السيطرة على إمبراطورية واسعة للغاية؟، وهل أن قادة النشاطات العملية في أيامنا هذه يواجهون ظروفاً أصعب من أن يتمكنوا من النجاح في التغلب عليها؟. إن ما نحن في حاجة إلى تطويره هو مجتمعات القادة، بدلاً من القادة العظام. ولذلك فإن السؤال القائم بهذا الخصوص هو: ما الذي نحن في حاجة إلى أن نعرفه، وكيف يمكننا إتاحة الفرص الملائمة أمام هذه الأنواع من القيادات لكي تتمكن من التطور؟
إن القدر الهائل من التعقيد المعرفي، والكثافة العملية، التي على قادة النشاطات العملية في أيامنا هذه أن يواجهوه يعني أنهم في حاجة إلى نوع جديد من تطوير القدرات الإدارية. ومن المهم أن نحول تطوير القيادة من مجرد عملية تطبيقية للمعرفة إلى عالم جديد من التعلم والتساؤل.