الاقتصاد السعودي في 2015 من منظور صندوق النقد الدولي
أصدر صندوق النقد الدولي الأسبوع الماضي تقريره السنوي حول تطورات الاقتصاد العالمي وتوجهاته. صدر التقرير بعنوان ''آفاق الاقتصاد العالمي .. استعادة توازن النمو''. والتقرير في طبيعته إنتاج نصف سنوي يحمل في طياته نتائج دراسات قدمتها مجموعة من الباحثين في الصندوق عن تطورات الاقتصاد العالمي وتوجهاته خلال المدى القصير والمتوسط. يركز التقرير على أهم التطورات التي تواجه اقتصادات العالم المتقدمة منه والنامية، وما قد تقود إليه هذه التطورات من استقراء لتوجهات الاقتصاد العالمي.
عديدة هي الفوائد عندما ننظر إلى أهم تطورات الاقتصاد السعودي من واقع تقرير ''آفاق الاقتصاد العالمي''، ومقارنتها بالتطورات ذاتها من منظور الاقتصاد السعودي ذاته. الهدف الرئيس من هذه النظرة المزدوجة محاولة تكوين صورة أكثر وضوحاً عن توجهات الاقتصاد السعودي خلال المديين القصير والمتوسط، والمساهمة في استقراء هذه الفترة الزمنية بما يسهم في المشاركة في نمو الاقتصاد السعودي.
لكن من الأهمية بمكان قبل النظر في التقرير تسليط الضوء على أهم ثلاثة تطورات يمر بها الاقتصاد السعودي خلال المرحلة الزمنية الحالية، وانعكاسات هذه التطورات على مسار الاقتصاد السعودي للوصول إلى أهدافه التنموية وبلوغ آفاقها.
التطور الأول، إعلانات الشركات القيادية المساهمة حول نتائجها المالية الأولية للربع الأول من 2010، وما تضمنته هذه الإعلانات من تباين في النتائج المتوقعة والمحققة. تكمن أهمية هذه النتائج في توقيتها، كون الربع الأول من 2010 يمثل بداية انطلاق خطة التنمية التاسعة (2010 - 2014).
والتطور الثاني، ما أقره مجلس الوزراء الموقر مطلع الشهر الحالي من أهداف عامة لخطة التنمية التاسعة (2010 - 2014). تكمن أهمية هذه الخطة في منهجيتها، كون خطة التنمية التاسعة تأتي بعد خطة التنمية الثامنة (2005 - 2009)، وقبل خطة التنمية العاشرة (2015 - 2019م)، والحادية عشرة (2020 ـ 2024م). تشكل هذه الخطط التنموية الأربع سلسلة من خطة عشرينية تهدف إلى تحقيق رؤية الاقتصاد السعودي ''رؤية 2025''.
والتطور الثالث، المسار الواضح الذي يسير عليه الاقتصاد السعودي خلال ربع العقد الزمني من القرن الحالي في إعادة هيكلة جميع مقوماته بما يتوافق والاحتياجات الداخلية والمهام الدولية. تكمن أهمية هذا المسار في إعلانه، الموجود في ''رؤية 2025''، التي أعلن عنها مطلع العقد الحالي، وانعكاسات ذلك على أهمية تطابق المأمول مع المحقّق.
لنعود الآن إلى توقعات تقرير صندوق النقد الدولي، ''آفاق الاقتصاد العالمي .. استعادة توازن النمو''، وما حمله التقرير من توقعات لنمو مجموعة من مؤشرات الاقتصاد السعودي، وما قد تقود إليه هذه التوقعات في حال تحقيقها من استقراء لتوجهات الاقتصاد السعودي خلال المديين القصير والمتوسط.
على المدى القصير، توقع التقرير أن يحقق الاقتصاد السعودي معدل نمو في أربعة مؤشرات رئيسة بنهاية 2010. المؤشر الأول نمو إجمالي الناتج المحلي بمقدار 3.75 في المائة. والمؤشر الثاني نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي بمقدار 3.7 في المائة. والمؤشر الثالث نمو أسعار المستهلك بمقدار 5.2 في المائة. والمؤشر الرابع نمو ميزان الحساب الجاري بمقدار 9.1 في المائة.
المحرك الرئيس لمعدلات النمو هذه هو توسع الإنفاق الحكومي على مشاريع البنى التحتية، وانعكاسات ذلك على احتمالية زيادة الإنفاق الفعلي على إنفاق الموازنة العامة للدولة للعام الحالي بنسبة 16 في المائة.
أما على المدى المتوسط، فتوقع التقرير أن يحقق الاقتصاد السعودي معدل نمو في ثلاثة مؤشرات رئيسة بنهاية 2015. المؤشر الأول نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي بمقدار 4.6 في المائة. والمؤشر الثاني نمو أسعار المستهلك بمقدار 3 في المائة. والمؤشر الثالث نمو ميزان الحساب الجاري بمقدار 10.2 في المائة.
المحرك الرئيس لمعدلات النمو هذه، أولاً، زيادة درجة محاكاة السياسة النقدية السعودية مثيلتها الأمريكية بسبب ارتباط الريال السعودي بالدولار الأمريكي، وانعكاسات ذلك على الموازنة بين الإيجابيات والسلبيات. وثانياً، تراجع معدلات التوسع في الإنفاق الحكومي على مشاريع البنى التحتية بنهاية 2014، واكتمال تنفيذ مشاريع البنى التحتية التي تضمنتها خطة التنمية التاسعة.
حملت توقعات تقرير صندوق النقد الدولي، ''آفاق الاقتصاد العالمي .. استعادة توازن النمو'' في طياتها عديدا من المؤشرات الإيجابية حول نمو الاقتصاد السعودي خلال منتصف العقد المقبل. مجموعة من المؤشرات من الأهمية بمكان التأكيد من خلالها على ثلاثة أمور.
الأمر الأول أهمية عدم الركون لتوقعات الأوساط الدولية دون العمل الدؤوب من جميع مقومات الاقتصاد السعودي لتسجيل مستويات أعلى من المتوقع. والأمر الثاني أهمية مضاعفة الشركات القيادية المساهمة جهودها عن تلك المبذولة في الفترة الماضية بما يضمن تحقيق نتائج تتوافق ونتائجها المتوقعة. والأمر الثالث أهمية مراجعة الإنجازات المتحققة، واتخاذ تدابير الثواب والعقاب الكفيلة بجعل جميع مقومات الاقتصاد السعودي مقومات تبلغ الآفاق، عوضا عن تبرر الإخفاقات.