هل تراجع مستوى «جودة» القرار الاستراتيجي في سابك؟

وصلتني في ساعة متأخرة من الليل رسالة نصية من صديق فاضل مهتم بالشأن الاقتصادي يلفت نظري فيها لمقال الدكتور حمد آل الشيخ المعنون بـ ''سابك وجودة القرار الاستراتيجي'' المنشور في الاقتصادية العدد 6025 بتاريخ 10 نيسان (أبريل) 2010 طالبا مني إبداء الرأي .. ولتواجدي وقتها خارج المملكة قرأت المقال على موقع الاقتصادية الإلكتروني وتعقيبات القراء عليه التي جاء معظمها مساندا للكاتب الأمر الذي أسهم في زيادة قتامة الصورة التي رسمت عن سابك والقرارات الاستراتيجية التي تبنتها إدارتها التنفيذية .. وبعد تردد طويل ـ ليس تهيبا من السباحة ضد التيار كما قد يظن البعض ـ شعرت بحكم قربي من هذه الصناعة وعملا بقول الإمام الشافعي ''قف دون رأيك في الحياة مجاهدا'' بأهمية تقديم وجهة نظر موضوعية هدفي منها وضع الأمور في نصابها وإيضاح بعض الجوانب التي تطرق لها الكاتب الفاضل، التي لم تقدم في تقديري الصورة كاملة..
ومقال الدكتور حمد كما دل عليه عنوانه جاء نقديا وقدم عددا من المعطيات كمسلمات على الرغم من أنها تحتمل أكثر من تفسير، وهو ما يستغرب من باحث أكاديمي ملم بقيم التفكير النقدي والبحث العلمي. فهو بدأ مقالته مكيلا المديح للإدارات التنفيذية السابقة واصفا إياها ''بالحصيفة والحريصة والموفقة'' بسبب أسلوبها التحوطي، وهذا التوصيف محل خلاف، لأنه مهما بلغت درجة تحوط الإدارة لا يمكنها أن تلغي المخاطرة التي تعد من سمات هذه الصناعة. وما يؤكد ذلك تعثر مشاريع سابقة لسابك إضافة إلى مشروع ابن رشد الذي أشار إليه الكاتب مثل مشروع شركة طيف للبلاستيك، وكلا المشروعين كانا مبادرات للإدارات السابقة المتحوطة!! أما مأخذه على الإدارة التنفيذية بعدم اتخاذ قرار بإيقاف مشروع ابن رشد فلا بد أن وراء ذلك اعتبارات تقنية واقتصادية والشركات تلجأ في العادة لمثل هذا الخيار كحل أخير لكون التكاليف الاقتصادية والاجتماعية لإغلاق المصانع تتجاوز أحيانا تكاليف استمرار تشغيلها. كما أجدني أختلف معه في ما ذهب إليه من كون الأسلوب التحوطي للإدارات التنفيذية السابقة الذي يجسده حرصها على سماع أكثر من رأي من المستشارين قبل تبني أي مشروع أو اتخاذ أي قرار يشكل ميزة إيجابية للإدارة التنفيذية، بل قد يشكل أيضا مؤشرا على ضعفها، فالوقت له قيمة والفرص الجيدة لا تنتظر طويلا، وقد لا تتكرر، إضافة إلى ما أقر به الكاتب من زيادة الإنفاق على جيوش المستشارين، وهم المستفيد الأول من هذا النهج.
ولعلي أشير في هذا السياق إلى أن عوائد نشاط الاستشارات عالميا نمت خلال الـ 30 سنة الماضية بنسبة 30 في المائة لتصل حاليا إلى نحو 70 مليار دولار في السنة، وخلال الفترة نفسها وقعت 100 أزمة مالية، وكأن نمو نشاط الاستشارات وزيادة الأزمات وجهان لعملة واحدة! إضافة إلى ذلك، فإن الاستشاري لا يكون دائما في صالح الشركة، بل قد يتسبب في مزيد من الخسائر، ولا يسأل قانونيا عن مسؤولياته في التقصير إلا في نطاق إخلاله بتنفيذ العقد. كما أن سابك الآن ليست كسابك قبل 20 سنة، وما لديها حاليا من خبرات وكفاءات داخلية لا تقل عن مستوى المسشارين الخارجيين إن لم تتفوق عليهم! أما إذا كان الكاتب يلمح إلى الاستعانة بالاستشاريين ومراكز الاستشارات المحلية فليسمح لي أن أختلف معه أيضا، وأقول بكل موضوعية إن الموجود منها محليا لا تتوافر فيه الخبرات المتخصصة لتقديم استشارات لسابك وأخواتها في مجال استراتيجي كمجال الاستحواذات الخارجية لعدم وجود الخبرات والمعلومات الخاصة بهذه الصناعة.
وقد يرى البعض في أطروحاتي ميلا للدفاع عن ''سابك'' وهو أمر لا أنفيه بالكامل بحكم الغيرة على هذا الكيان الذي شرفت في فترة سابقة بالعمل فيه وأدين له بكثير مما تعلمت إضافة إلى ما أثمرته تلك الفترة من صداقات متينة أعتز بها كثيرا. وعلى الرغم من هذه الحقيقة سأحاول بمهنية الباحث التجرد من هذه التأثيرات ومناقشة أطروحات الدكتور حمد آل الشيخ بموضوعية تامة مبتعدا عن كل ما يمكن أن يفسر بأنه دفاع عن الإدارة التنفيذية للشركة التي لديها من هم أقدر مني للتصدي لهذه المهمة ومركزا بدلا من ذلك على أمرين أولهما ''جودة'' القرارات الخاصة بصفقات الاستحواذات الخارجية وثانيهما ''جودة'' استراتيجيات إعادة الهيكلة ودمج الوحدات الخارجية والمحلية.
أولا: ''جودة'' القرارات الخاصة بصفقات الاستحواذات الخارجية
قد يكون المدخل المناسب لمناقشة هذا الموضوع طرح السؤال التالي: لماذ تلجأ الشركات إلى عمليات الاستحواذ الخارجية؟
وللإجابة عن هذا السؤال أشير إلى أن النمو في أعمال الشركات عامة ومن ضمنها شركات البتروكيماويات يتم عبر آليتين، الأولى من خلال إضافة طاقات إنتاجية عبر توسعة المشاريع القائمة أو بناء مشاريع صناعية جديدة وهو ما يطلق عليه النمو العضوي (Organic Growth)، والأخرى هي النمو غير العضوي الذي يتم من خلال الاندماج مع أو الاستحواذ على شركات لها مشاريع قائمة ومنتجة. وقد تتم صفقات الاستحواذ من خلال اتفاق إدارتي الشركتين أو عبر تقدم الشركة المستحوذة بعرضها مباشرة إلى مالكي الأسهم في حالة رفضه من قبل إدارة الشركة، ومثل هذه الصفقات يطلق عليها الاستحواذات العدائية (Hostile takeover). وعموما يمكن تصنيف صفقات الاستحواذ وفقا لدوافعها ضمن مجموعتين:
1. الاستحواذات الاستراتيجية (Strategic) وهي تلك المرتبطة بالأهداف الاستراتيجية للشركة كنقل التقنية والحصول على المعرفة وأساليب الإدارة الحديثة واختراق الأسواق العالمية. ويندرج ضمن هذه المجموعة الاستحواذات التي تسعى لبناء كيانات تمتلك (Critical Mass) وهو أمر حيوي لتحقيق النمو في صناعة عالمية كصناعة البتروكيماويات، فالكيانات الكبرى تمتلك القدرة على النمو والمنافسة في الأسواق العالمية، وتتوافر لديها الموارد للاستثمار في مجالات حيوية للنمو مثل: تطوير الموارد البشرية والبحث والتطوير.
2. الاستحواذات المرتبطة باستغلال الفرص (Opportunistic) وهي التي تسنح نتيجة لإعادة التوجهات لشركة ما (مثلما حصل مع عديد من الشركات الأوروبية والأمريكية ومنها DSM وهانتسمان التي انسحبت من قطاع البتروكيماويات السلعية لعدم مقدرتها على منافسة المنتجين من الشرق الأوسط) أو لمصاعب مالية وإدارية تواجهها شركة ما (مثل شركة Nova Chemicals الكندية التي استحوذت عليها ''أيبك'' من أبو ظبي مقابل 2.3 مليار دولار عام 2009).
ولا تخلو عمليات الاستحواذ في القطاعات الاقتصادية ومن ضمنها الصناعات البتروكيماوية من مخاطر كما أنها تتطلب وقتا طويلا وجهدا مكثفا قبل أن تنعكس على أداء الكيانات الناتجة عن تلك العمليات سلبا أو إيجابا. ويصف الرئيس التنفيذي لشركة بتروكيماويات آسيوية رائدة التحديات التي ترتبط بعمليات الاستحواذ بكونها تماثل المصاعب التي تكتنف تبني شاب عمره 18 عاما ومحاولة تغيير سلوكياته وقيمه لتتماشى مع قيم العائلة الجديدة. وبسبب تلك التحديات تقدر دراسة حديثة أعدتها شركة A.T. Kearneyالاستشارية العالمية نسبة الفشل في تحقيلق نتائج إيجابية بنحو 70 في المائة من إجمالي صفقات الاستحواذ عالميا. وتقف أسباب عدة وراء نسبة الفشل العالية هذه، أبرزها: ضعف درجة التكامل بين عمليات الطرفين، والتوقيت غير المناسب، وثقافات العمل المتناقضة.
وأستحضر هنا مثالين كلاسيكيين لمخاطر الاستحواذ الأول استحواذ ''ديملر بنز'' الألمانية على ''كرايسلر'' الأمريكية في عام 1998 في صفقة بلغت قيمتها 36 مليار دولار ووصفها مسؤول تنفيذي بارز في شركة ''ديملر بنز'' في حينه بأنه ''زواج باركته السماء''، لكن بعد تسع سنوات باعت ''ديملر'' نحو 80 في المائة من ''كرايسلر'' إلى شركة استثمارية خاصة مقابل 7.4 مليار دولار واضعة نهاية لصفقة استحواذ غير ناجحة. والمثال الآخر المرتبط بالتوقيت يتمثل في صفقة شراء ''داو كيميكال'' شركة ''روم آند هاس'' في صيف عام 2008 بقيمة بلغت 18.8 مليار دولار (78 دولارا نقدا للسهم)، ومع انطلاق شرارة الأزمة المالية انخفض سعر سهم ''روم آند هاس'' بأكثر من 50 في المائة وفشلت ''داو كيميكال'' في تأمين التمويل المطلوب لتغطية قيمة الصفقة بسبب جفاف مصادر التمويل فدخل طرفا الصفقة في نزاع قضائي طويل سببه رغبة ''داو'' في عدم الاستمرار في الصفقة وفق الشروط المتفق عليها سابقا.
السؤال الذي أتمنى أن أجد له إجابة مقنعة لدى الكاتب.. هل هذه الصفقات مؤشر على تراجع ''جودة'' القرار الاستراتيجي في هذه الشركات العالمية العملاقة مثلما هي الحال في صفقات ''سابك'' كما صورها الكاتب؟ ولماذا لم تتبن إدارات هذه الشركات الأسلوب التحوطي كي توفر مليارات الدولارات؟
وهذا يقودنا إلى سؤال آخر لماذا نشطت ''سابك'' الأم في صفقات الاستحواذ الخارجية؟
في السياق التاريخي لتطور صناعة البتروكيماويات في المملكة يلاحظ أن استحواذات ''سابك'' الخارجية بدأت بعد عام 2000 الذي شهد تشغيل أول مجمع بتروكيماوي مملوك بالكامل للقطاع الخاص بعد فتح المجال أمام الأخير للاستثمار في قطاع الصناعات الأساسية ما أسفر عن دخول لاعبين جدد وصل عددهم اليوم إلى 14 شركة مدرجة تتنافس على إمدادات الغاز فيما بينها ومع منافسين من قطاعات أخرى تستهلك الغاز كوقود (التحلية، الكهرباء، مصاهر الحديد والألمنيوم). وبحكم محدودية المتاح لـ ''سابك'' من الغاز وما يتوافر لديها من موارد مالية وتصنيف ائتماني مرموق تبنت الشركة استراتيجية الاستحواذ وأتمت أربع صفقات لكل منها أسبابه وهي:
1. الاستحواذ بالمشاركة مع شركة Sud-Chieme الألمانية في عام 2003 على شركة ساينتفيك ديزاين المتخصصة في صناعة الحفازات وهندسة العمليات من شركة لندي Linde الألمانية، ويعد أحد أهم الاستحواذات الناجحة التي لم يتطرق إليها الكاتب. وهذا الاستحواذ عزز قدرات ''سابك'' التقنية وتحديدا في تقنيات إنتاج الجلايكول التي تعد ''سابك'' المنتج الأول عالميا له.
2. الاستحواذ على DSM و''هانتسمان'' لتعزيز موقع ''سابك'' كأحد أهم منتجي البولي أولفينات في أوروبا التي تعد أحد أكبر أسواق البتروكيماويات ذات الحمائية العالية لتتيح لـ ''سابك'' موطئ قدم فيها بعيدا عن أسواقها التقليدية في شرق آسيا التي تشتد فيها المنافسة من قبل المنتجين المحليين.
3. الاستحواذ على قطاع البلاستيكات الهندسية في شركة جنرال إلكتريك لتنويع قاعدة منتجاتها التقليدية البتروكيماويات السلعية بإضافة الكيماويات المتخصصة التي تمتاز بكونها ذات قيمة مضافة أعلى وأسعار أقل تذبذبا إضافة إلى إمتلاك تقنيات إنتاجها المحتكرة من قبل عدد محدود من الشركات العالمية. جدير بالتذكير أن الصفقة جاءت بعد منافسة قوية مع شركة Basell الألمانية وشركة استثمارية أمريكية Apollo Management. وسؤالي هنا للكاتب : هل الشركات التي نافست ''سابك'' لديها مشكلة في مستوى ''جودة'' القرار الاستراتيجي خصوصا أن السباق كان محموما والمبالغ المعروضة من قبل المنافسين تجاوزت سقف العشرة مليارات دولار؟
وإذا كنت أتفق مع الكاتب أن الاستحواذات لم تحسن القوائم المالية لـ ''سابك'' وقد تشكل عبئا عليها في المدى القصير أو المتوسط لكني لا أتفق معه على اعتبار ذلك مؤشرا لتراجع مستوى ''جودة القرار الاستراتيجي''. وللتدليل على ذلك ألفت نظر الكاتب إلى محاولات استحواذ سابقة لـ ''سابك'' في أوروبا وتركيا منها على سبيل المثال محاولة الاستحواذ على شركة إينيكم الإيطالية EniChemفي عام 2005 التي تم الإنسحاب منها بعد عمليات تقييم الأصول والإلتزامات ونظرا لكون المبلغ المطلوب تجاوز القيمة العادلة للشركة وهو ما يعكس ترشيد القرار في سابك.
وما وجدته صعبا على الاستيعاب في آرائه بشأن الاستحواذات الخارجية إشارته إلى أن ''سابك'' قامت بشراء جي أي بلاستيك بعد ظهور بوادر الأزمة المالية العالمية! وهذا في تقديري يفتقد الدقة فالأزمة العالمية انطلقت شرارتها في الربع الرابع من عام 2008 وأجزم بأن ''سابك'' والشركات المتنافسة لو كانت رأت بوادر الأزمة العالمية كما أشار الكاتب لتريثت حتى نهاية العام لتشتريها بأبخس الأثمان. الرأي الثاني الذي وجدته صعبا على الاستيعاب أعتبار الكاتب أن قرار شراء ''سابك'' لشركة DSM الهولندية كان خطأ استراتيجيا مشيرا إلى أن ''سابك'' كان بإمكانها إزاحة الأخيرة من المسرح الأوروبي والحلول محلها، ولم يوضح لنا كيف يمكن ذلك؟ وما مصلحة ''سابك'' في الإبقاء على DSM على قيد الحياة؟
ويواصل الكاتب قراءته لاستثمار ''سابك'' خارجيا فيرى أنها بذلك القرار ''لم يعد هدفها الرئيس إنشاء صناعة وطنية وتطوير التقنية الخاصة بها وزيادة القيمة المضافة للناتج المحلي. فبدلاً من أن تنشئ ''سابك'' صناعة وطنية وفرصاً وظيفية جديدة في شركات جديدة وطنية تحولت إلى شراء شركات متعثرة في اقتصاديات خارجية''. وهذا في تقديري يتناقض مع ما ذكره في مقاله أن أحد أسباب اتجاه ''سابك'' خارجيا يكمن في المنافسة الحادة على الغاز محليا. و''سابك'' وأخواتها عِطاش للغاز ومتى ما توافرت كميات منه لن يترددوا في إقامة مجمعات جديدة. وليس أدل على ذلك من مشروع ''ينساب'' ودخول ''سابك'' في مشروع كيان على الرغم من عدم تحمسها لهيكل المنتجات الذي تم على أساسه تخصيص الغاز للمشروع إضافة إلى حصتها الصغيرة نسبيا فيه (35 في المائة) وهو ما يمثل سابقة في مشاريع ''سابك''. أما كون الشركات المستحوذ عليها متعثرة فهذا غير صحيح فشركة DSM كانت رابحة منذ البداية ومازالت على ما أعتقد أن جي إي بلاستيك قد تراجعت أرباحها بشكل حاد بسبب الأزمة المالية العالمية لإرتباط منتجاتها (البولي كاربونيت) بصناعة السيارات التي انكمشت عالميا. ومع تحسن أوضاع هذا القطاع من المتوقع أن يتحسن أدائها مستقبلا خصوصا إذا ما عرفنا أن تواضع أرباحها في السنوات التي سبقت بيعها كان بسبب ارتفاع أسعار المواد الأولية بنسبة زادت على 100 في المائة وأهمها البنزين الذي تستهلك منه أكثر من 1.1 مليون طن سنويا والذي تنتج منه ''سابك'' حاليا 700 ألف طن ولديها مشاريع لزيادة طاقاتها الإنتاجية منه.
وأود هنا أن أختم تعليقي على استثمارات ''سابك'' الخارجية بالقول إن أبرز عناصر الميزة التنافسية في صناعة البتروكيماويات تتمثل في القرب أما من مصادر اللقيم أو من الأسواق الرئيسة. وتحقيق العنصر الثاني يتطلب الوجود في الأسواق الرئيسة في آسيا وأوروبا وأمريكا أما من خلال عمليات الاستحواذ أو من خلال الدخول في مشاريع مشتركة مع منتجين محليين وهذا ما يمثله توجه كل من ''سابك'' و''أرامكو السعودية'' لإقامة مشاريع مشتركة في الصين أيضا.
ثانيا : جودة استراتيجية ''إعادة الهيكلة''
ما أقلقني فعلا في المقالة هو تناول الكاتب لتوجه ''سابك'' لتطبيق استراتيجية ''سابك واحد''، واستنتاجه بأن الهدف هو تحسين ربحية الوحدات الخارجية المتعثرة، منبها إلى أن هذه الاستراتيجية ربما ستدمر ما تبقى من ميزة تنافسية لـ ''سابك'' على المدى الطويل، إضافة إلى أنها في رأيه ستؤدي إلى نقل وظائف ومهام وعمليات حيوية ومهمة من ''سابك'' الأم إلى هذه الوحدات وطرد موظفين سعوديين أكفاء أو إيقاف علاواتهم لتغطية خسائر الوحدات الخارجية. والحقيقة أن هذا الكلام كبير جدا وفيه تسطيح للأمور مع بالغ احترامي للكاتب. وليسمح لي باستعارة مفردات ذكرها في مقاله فأتساءل: هل يستوعب عاقل أن تطرد سابك موظفين سعوديين أكفاء؟ وهل يعلم الكاتب الفاضل أن سابك تعاني تسرب الكفاءات السعودية ليس طردا أو بسبب عدم ''جودة'' القرار الاستراتيجي كما ذكر، بل لأن ما يعرض عليهم من مكافآت وحوافز مالية لدى منافسي سابك المحليين يزيد على 60 في المائة عما يحصلون عليه من سابك!
الموضوعية تقتضي القول إن أي عملية إعادة هيكلة تشكل فرصة للتخلص من الموظفين غير الأكفاء وأرجو أن لا يغضب مني أحد إذا قلت إن ''سابك'' أسوة بغيرها من المؤسسات والشركات شبه الحكومية لا تخلو من هذه الشريحة وجرى بالفعل تسريح عدد محدود منهم على حد علمي جراء عملية إعادة الهيكلة الحالية. لكني لا أشك مطلقا بأن إدارات الشركات الصناعية ومنها سابك لن تتردد لحظة واحدة في التمسك بالموظف الكفؤ بل وتفضيل المواطن على الأجنبي إذا كان الأول بكفاءة الثاني نفسها.
النقطة الثانية التي أود تناولها هي تصوير الكاتب للاستحواذات الخارجية على أنها شكلت طوق نجاة لموظفي الشركات المستحوذ عليها مع تحول سابك إلى حاضنة للموارد البشرية الأجنبية التي أخذت مواقع متقدمة على حساب الكفاءات الوظيفية التي يشغلها المواطنون في سابك الأم!! وهذا أيضا رأي يصعب الاقتناع به، فصحيح أن هؤلاء يحصلون على مكافات مالية عالية نسبة إلى ما يحصل عليه أقرانهم المواطنون لكن بالنسبة لمن يعمل منهم في الخارج فهذا مستوى المرتبات التي يتقاضونها ولا يمكن استقدامهم للعمل في المملكة ما لم يحتفظوا بتلك المستويات نفسها. أما كونهم يشغلون مواقع متقدمة في الهيكل الجديد في سابك فلا أرى في ذلك مبررا للقلق بل على العكس قد يكون ذلك في مصلحة الشركة ومساهميها.
وأود هنا أن أعرج على حقيقة مهمة هي أن سابك شركة عالمية وهي ليست شركة الكهرباء أو مؤسسة تحلية المياه التي تبيع منتجاتها إلى زبائن محليين، وعولمة الإنتاج تأتي معها عولمة الموارد البشرية وأعتقد أنه من الواجب علينا جميعا ككتاب وباحثين ومفكرين أن نقلل الحساسية من شغل كفاءات غير مواطنة لمواقع قيادية في سابك، فالكفاءة والإنتاجية يجب أن تكون هي المعيار الذي يتم على أساسه اختيار شاغل الوظيفة وبغير ذلك ستتدهور نتائج سابك كما تراجعت مخرجات الجامعات نتيحة لسياسات التوطين السريعة وغير المدروسة. ولنا أسوة بجامعة الملك عبد الله التي اختير ليرأسها كفاءة عالمية وهذه خطوة في الاتجاه الصحيح تسجل لولي الأمر حفظه الله. معلومة أخيرة أود تصحيحها للكاتب الفاضل تعليقا على قوله: ''لا يمكن لشخص عاقل أن يتخيل سيناريو أو وضعا تتعرض فيه شركة سابك للخسائر، فهي تحصل على المدخل الرئيس لمصانعها بـ 20 في المائة تقريباً من تكلفة غالبية منافسيها'' وأفيده بأنه ليس كل ما تنتجه سابك محليا بالأسعار التفضيلية للغاز يدر عليها ذهبا، فبعض منتجاتها ذات هامش ربح منخفض مثل الميثانول والبولي ستايرين والبي في سي والأول منتج يصدر معظمه للأسواق الخارجية وعندما تمر الصناعة بقعر دورتها يباع الميثانول بسعر يقارب سعر التكلفة أو أقل إذا ما أضفنا إليه تكاليف الشحن والضرائب التي تمثل أكثر من 35 في المائة من سعر المنتج النهائي. أما ربحية سابك فتأتي أساسا من مشتقات الإثيلين وخصوصا مجمعاتها التي تم تشغيلها قبل عام 1994 وكانت تغذى بغاز الإيثان بنسبة 100 في المائة. وللموضوعية لم يخل مقال الكاتب من نقاط أتفق معه فيها أهمها قضية أكسون موبيل والتعويضات التي دفعتها سابك والتي كان من الممكن حلها وديا خارج إطار التقاضي وهذا ما كانت تعرضه على حد علمي أكسون في حينها. يبقى من المهم التأكيد على أن الاستحواذ توجه استراتيجي يجب أن لا يتوقف فهو يختصر مراحل زمنية في تطور الصناعة وصولا إلى امتلاك ناصية تقنيات متقدمة والدخول إلى الأسواق العالمية .. وحبذا لو تدعم الدولة توجهات شركات البتروكيماويات الوطنية في هذا المجال بإطلاق صندوق يقدم تمويلا لصفقات الاستحواذ الخارجية بقروض ميسرة.
ختاما.. أجد من الواجب تقديم الشكر للدكتور حمد آل الشيخ على تناوله لموضوع بهذه الأهمية. وحتى مع اختلافي معه في طروحاته فإن ما يجمعنا هو السعي إلى إبراز الحقائق. وهذا ما دفعني بدوري للمبادرة بكتابة هذه المقالة مؤكدا للجميع أن ما كتبته وجهة نظر شخصية لا تعدو كونها اجتهادا فرديا غير منزه عن الخطأ.. وحسبي أن للمجتهد أجرا إن أخطأ وأجرين إن أصاب .. والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي