ما الاستراتيجيات التي يحتاج إليها الإنسان على طاولة المفاوضات؟

ما الاستراتيجيات التي يحتاج إليها الإنسان على طاولة المفاوضات؟

يتحدث هوراشيو فالكاو، الأستاذ في ''إنسياد''، في هذا المقال، مع محرر ''إنسياد نولدج'' حول الأساليب، والاستراتيجيات التي يحتاج إليها المرء كي يتمكن من تحقيق النجاح على طاولة المفاوضات. ونجد أنه بدءا بعمليات التفاوض العادية، وصولاً إلى ما يتم تداوله من حديث عملي في غرف مجالس إدارة الشركات، فإن معرفة أصول التفاوض تعد أمراً مهماً، ومكملاً تماماً لكل من النجاح، والقدرة على الاستمرار في ممارسة النشاط العملي. ويقول فالكاو إن قليلين هم الذين أتقنوا فن إجراء المفاوضات الناجحة ''ذات القيمة الرفيعة للغاية'' ـ كما يصفها.
يعود ذلك في رأي هذا الأستاذ المتخصص إلى أن كثيرين من الناس يدخلون المفاوضات بأساليب غير صحيحة. ويضيف ''أعتقد أن كثيرين من الناس يتوقفون عند مسألة: أريد أن أفوز، ويحاولون أن يروا من خلال المفاوضات ما إذا كانوا يستطيعون تحقيق ذلك، وكيف يمكن أن يتسنى لهم الوصول إلى هذا الهدف، وما الأمور المطلوبة بالتحديد''. وهو يصف ذلك بأنه نهج ''الكسب والخسارة'' الذي لا يضيف قيمة في نهاية المفاوضات. ويؤكد إضافة إلى ذلك أن من يتبعون هذا الأسلوب في التفاوض، إنما يسعون، بكل ما توافر لديهم من قدرات إلى التركيز فقط على ما يريدونه، حتى لو تم ذلك على حساب الطرف الآخر. ومن شأن ذلك أن يوجد وضعاً يوصف بأنه لعبة الربح والخسارة.
يعتقد هذا الأستاذ الذي انتهى خلال الفترة الأخيرة من كتابة كتاب بعنوان ''مفاوضات القيمة: كيف تحقق لعبة الفوز والفوز بصورة صحيحة''، أن لعبة الفوز والخسارة هي ما يمارسه كثير من الناس بدافع من الخوف من الخسارة. وقد يعود ذلك إلى أنهم حاولوا في الماضي التعامل الصحيح مع الآخرين، ولكنهم خرجوا بنتائج بعيدة عن النضج، وبالتالي فإنهم يستخدمون تفكير الربح مقابل الخسارة كآلية يعتقدون أنها يمكن أن تجعلهم قادرين على الدفاع عن أنفسهم لدى مواجهة الأطراف الأخرى على طاولة المفاوضات.
يضيف فالكاو أنه شهد في صفوفه الدراسية، وجلسات المفاوضات المتعددة التي شارك فيها، عديد من الناس الذين قالوا له إنهم حاولوا كثيراً ممارسة لعبة الفوز والفوز، وجعل الأطراف الأخرى تشعر بالشراكة الحقيقية، وذلك دون تحقيق نتائج أفضل، الأمر الذي يمكن أن يساعد على تحويل جو المفاوضات إلى بيئة أقرب إلى العدائية. ويؤدي بهم كل ذلك إلى انتهاج أسلوب الربح مقابل خسارة تلحق بأطراف التفاوض الأخرى.
يمكن لفكرة الربح للجميع أن تكون جذابة كذلك. ويعتقد فالكاو أن هذه الفكرة صحيحة لأن عديدا من الناس يميلون إلى أجواء السلام والهدوء في بيئات النشاطات العملية، بدلاً من التوتر، والاحتقان، والعدائية. وقد تكون المهارة هي المكون المفقود بين الفكرة، والنية فيما يتعلق بالسعي إلى تحقيق النجاح. ويقول فالكاو إن ذلك يكاد يلخص ما أراد أن يعبر عنه في كتابه الجديد، إذ يرى أن ''مفاوضات القيمة هي تركيزنا الذي لا يمكن إنكاره على القيمة بعيدا عن التشدد في ممارسة عناصر القوة. وإننا نحاول من خلال كل ذلك رسم الخط المستقيم باتجاه تحقيق القيمة، لأن التوجه نحو استخدام السلطة لا يضمن للمفاوض التوصل إلى تحقيق القيمة التي يسعى إليها''.
إن من شأن أسلوب الفوز للطرفين تحقيق درجات قيمة أعلى ضمن عدد أقل من المخاطر، وذلك بالمقارنة بلعبة الفوز مقابل خسارة أطراف التفاوض المقابلة. ويبين فالكاو بالتفصيل أن أسلوب الربح على حساب الآخرين يركز على المصلحة الذاتية الضيقة لطرف ما، بينما نجد أن أسلوب الربح للجميع يركز في العادة على الاتصال الجيد لتحقيق مزيد من القيمة، وهو أمر يمكن أن يساعد على تحقيق مصالح طرفي التفاوض.
إن التحفظ الذي يمكن أن يبديه البعض إزاء أسلوب التفاوض القائم على تحقيق الربح لطرفي التفاوض يمكن أن تكون دوافعه المحركة نابعة من الاعتقاد بفكرة جهة ما أنها ''الجهة الجيدة''. وقد يظن الكثيرون أن لعبة الفوز للجميع لعبة سهلة الأداء، ولكن الحقيقة هي غير ذلك تماماً، حيث من السذاجة تصور أن تلك الفكرة هي مجرد ممارسة آلية لخبرات اكتسبها المرء. ومع ذلك، يفترض أن تظل فكرة الفوز للجميع مفهوماً إيجابياً، وليس سطحياً، وهذا تمييز مهم وضروري على الدوام من أجل ضمان استمرار سلامة الحكم على الأمور. ويحاول المرء أن يكون إيجابياً لأنه يحرص على تأسيس علاقة اتصالات إيجابية مع الطرف الآخر المقابل على طاولة المفاوضات، الأمر الذي يكون مفيداً للطرفين إذا حرص الجميع على العمل وفقاً لقواعده.
الحقيقة هي أنه إذا تم إنجاز هذا الأمر بالصورة الصحيحة، فإن لعبة الفوز للجميع يمكن أن تصبح ممارسة مفيدة في سبيل تأسيس، وتعزيز عملية بناء القوة الدافعة للتفاوض الإيجابي. ولا بد من محاولة الإقناع على مراحل، وبصورة أقرب إلى التأني والتدرج، وكذلك التفكير بتفاصيل الأمور المطروحة على جدول التفاوض. ويؤدي السلوك الهادئ والمباشر، والصادق إلى جعل الآخرين يميلون إليك، ولا يلجأون بالتالي إلى أساليب مختلفة يستعدون من خلالها للدفاع عن أنفسهم انطلاقاً من شعورهم بالخوف منك. ولن تضطر بعد ذلك إلى استعراض مواطن قوتك على طاولة التفاوض، لأن الطرف الآخر لا يقوم بمثل هذه التصرفات. ولا يتعلق الأمر هنا بأنك لا تمتلك عديدا من مواطن القوة، ولكن الهدف هو ألا تقوم باستعراض ذلك على طاولة المفاوضات، وفي مواجهة أطراف التفاوض الأخرى.
طبيعي أن كثيراً من شؤون حياتنا هذه يدور حول الخيارات، وهذا أمر لا عيب فيه، كما أن التفاوض يدخل في إطار هذا المفهوم العام للحياة. وإن من العوامل التي تجعل مواقفنا أقوى، ذلك التمييز الدقيق بين لعبة الربح على حساب الآخرين، ولعبة تحقيق الربح والفوز للطرفين المتقابلين على طاولة التفاوض.

هل مسألة ثقة؟

من الممكن أن تفكر أن الثقة هي مفتاح رئيس للمفاوضات. غير أن الأمر ليس كذلك تماماً كما يرى فالكاو. ويكاد كثيرون يشعرون بشيء من الاستغراب والتعجب إزاء القول إن الثقة ليست أمراً مهماً ورئيساً في عالم المفاوضات التي تنتهي بنتيجة الفوز للطرفين. وإذا كان معظم الناس لا يتفاوضون مع جهات يثقون بها بالفعل، فإنهم لن يتمكنوا من التحرك قدماً على طريق تحقيق شروط لعبة الفوز للجميع. وقد يصبح ذلك، في حد ذاته، عائقاً رئيساً للتوصل إلى هذه اللعبة المشتركة لطرفي عملية التفاوض.
إن أطرف ما في هذه اللعبة هو أنك لست في حاجة إلى حمل الثقة معك حين تدخل إلى مثل هذا النوع من المفاوضات. وطبيعي أننا نود بناء الثقة، ولكن بإمكاننا أن نستمر في التفاوض الناجح، والهادف إلى تحقيق لعبة فوز الطرفين، دون الحاجة إلى الثقة. وإن ما نحن في حاجة إليه خلال التفاوض، وحتى نحقق لعبة فوز الطرفين هو أن يسود مفهوم الاعتماد المتبادل الذي يمكن بناؤه في مرحلة مبكرة من عملية التفاوض عبر استخدام جملة، أو جملتين، لأن الطرفين حين يتوجهان إلى طاولة التفاوض، يفترضان ضمنياً أنهما يمكن أن يكونا ذوي فائدة لبعضهما البعض، وأن كلاً منهما في حاجة إلى الطرف الآخر، وبالتالي فإن من المصلحة المشتركة العمل معاً.
يدعو فالكاو إلى الانطلاق من نقطة ''الثقة الصفرية''، وكذلك معالجة أي موقف تفاوضي من زاوية المخاطر والمكاسب. وإن السؤال الحكيم الذي يمكن توجيهه في هذا المقام هو: ما منافع محاولة الثقة السريعة بالطرف الآخر، وما هي في المقابل العواقب التي يمكن أن تنجم عن ذلك؟ وإذا كانت الصفقة صغيرة، فإن بإمكانك التحرك سريعاً باتجاه الثقة، وقطف المزايا بصورة أسرع إذا كان موقفك صحيحاً.
مقابل ذلك، لا بد أن تكون أشد حرصاً حين يكون الأمر متعلقاً بمخاطر أعلى، لأن منح الثقة المبكر في هذه المرحلة من التفاوض يمكن ألا يعود عليك بأي شيء من المنافع.

الأكثر قراءة