استكشاف هجرة أنظمة تصنيف المرضى على المستوى العالمي
تم اعتبار نظام تصنيف المرضى أهم ابتكار على هذا الصعيد في الولايات المتحدة فيما يتعلق بموضوع التمويل الطبي، وذلك منذ الحرب العالمية الثانية. وتم في عام 1983 تطبيق نظام المجموعات ذات العلاقة بالتشخيص من أجل تصنيف المرضى، حيث منح مقدمي الرعاية الصحية، ومن يدفعون مقابلها، أداة لإدارة رعاية المرضى، إضافة إلى إبطاء سرعة ارتفاع تكاليف العلاج. واجتذبت أنظمة تصنيف المرضى، منذ ذلك الحين، اهتمام مسؤولي الرعاية الصحية، وصانعي السياسة في مختلف أرجاء العالم.
وهنالك معالجة لهذه الهجرة لتلك الأنظمة التصنيفية من الولايات المتحدة إلى بقية العالم في كتاب «عولمة الإبداع الإداري في الرعاية الصحية»، حيث شارك في تحرير هذا الكتاب، توماس دا أونو، الأستاذ في «إنسياد». وهو يقول في ذلك «إن الأمر الذي نحاول فهمه هو كيفية استخدام البلدان هذه الأنظمة، ولماذا يتم ذلك، وما نمط التبني والاستخدام. ونريد كذلك أن نفهم كيف تطورت هذه الأنظمة، وكيف تؤثر في السلطة بين المديرين، والأطباء، والحكومات، وشركات التأمين التي تدفع مقابل هذه الخدمة. ونريد أخيراً أن نفهم الشروط التي يهاجر بموجبها هذا النظام عبر العالم».
تمثل الرعاية الصحية أكبر صناعة منفردة في كثير من البلدان. ويصل الإنفاق على ذلك إلى 15 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة، كما تبلغ نسبته 10 في المائة في بقية البلدان المتقدمة. غير أنه قبل استخدام هذا النظام الخاص بتصنيف المرضى في الولايات المتحدة، لم تكن هنالك من وسيلة تمكن أولئك الذين دفعوا مقابل الرعاية الصحية من معرفة كيف تم التصرف في أموالهم. ومنح هذا النظام جهات الرعاية الصحية في الولايات المتحدة، وغيرها، وسيلة لمقارنة النتائج التي يحققها أحد المستشفيات بنتائج مستشفى آخر. وتستخدم سلطة الرعاية الصحية في الولايات المتحدة هذه البيانات كقاعدة للدفع للمستشفيات بأسلوب متجانس بخصوص المنتجات التي تقدمها.
ويقول دا أنو «إن هذه تكنولوجيا إدارية مهمة»، ويضيف أن هذه الدراسة تقدم مثالاً حول القضية الأوسع نطاقاً التي تتمثل بكيفية إدارة الممارسات في الهجرة العامة من بلد إلى آخر. ويقول كذلك «هنالك بالفعل القليل من الدراسات التجريبية التي تتناول الممارسات الإدارية الطبية حول العالم، ومدى اختلافها. ولذلك فإننا أردنا محاولة تقديم مساهمة لفهم العولمة من خلال ممارسة إدارية واحدة في صناعة بالغة الأهمية، وفهم كيفية حركة ذلك عبر العالم».
ويبني هذا الكتاب الذي شارك في تحريره كذلك جون كمبرلي من جامعة وارتون، وجيرارد دو بوفوريل من جامعة إيسيك، على تجارب قائمة، وعلى دراسة سابقة حول الموضوع أنجزها كمبرلي. وتتناول تلك الدراسة المدعومة من جانب التحالف العلمي بين «إنسياد»، وجامعة وارتون، تبني نظام التصنيف الطبي هذا في 15 بلداً، حيث تحلل أوجه الشبه والاختلاف. وتبدأ الدراسة بتطبيق هذا النظام التصنيفي في الولايات المتحدة في عام 1983، وتنتهي بتطبيقه في ألمانيا في عام 2005. أما اليوم، فإن 32 دولة في العالم تطبق هذا النظام. قبل تطبيق هذا النظام في الولايات المتحدة لم تكن لدى جهات الدفع مثل «ميديكير», أو نظام الرعاية الصحة العام في المملكة المتحدة, أي وسيلة لمعرفة ما كانت تفعله المستشفيات أو ما التكاليف الحقيقية لكل ذلك. أما بعد ذلك, فأصبحت لدى جهات الدفع أداة لمعرفة كل هذه الأمور, حيث تعرف شروط إدخال المرضى إلى المستشفيات, وكم عدد المرضى الذين يتولى علاجهم مستشفى ما في كل حالة, إضافة إلى معدل تكلفة الرعاية الطبية لكل مريض. وتستخدم جهة الدفع هذا المعدل لتقدر كم ستدفع لكل حالة. ويقول دا أنو «إننا نستخدم هذا النظام أداة محاسبية مهمة للغاية في إطار المعركة التي تخوضها الحكومات لتخفيض التكاليف, حيث أصبح لديها في الوقت الراهن أساس تجريبي للقياس, ويعمل هذا النظام أساسا على إيصال البيانات إلى جهات الدفع».
وهناك تسارع في رحلة هجرة هذا النظام, نظرا لاستمرار تسارع ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية, ونظرا كذلك لوجود الإصلاح الصحي في برامج كثير من جهود الإصلاح السياسي, ويتحرك هذا النظام سريعا كذلك نظرا لملاءمته عددا من الأولويات والسياسات الوطنية. وتتيح هذه الدراسة لصانعي القرار الذين يدرسون تطبيق هذا النظام التصنيفي في بلدانهم فرصة مقارنة بلدانهم بالبلدان الأخرى.
ويساعد هذا الكتاب بصفة خاصة المعنيين على التعلم من أخطاء الأقران ونجاحاتهم, حتى لا يتم تكرار الأخطاء. وعانت سويسرا ـ على سبيل المثال ـ مشكلات هائلة وهي تحاول تطبيق هذا النظام, ولذلك فإن بإمكان صانعي السياسة أن يروا الأخطاء التي وقعت فيها سويسرا ومدى إمكانية التعلم من ذلك, وأما اليابان والبرتغال فسارت إجراءات تطبيق هذا النظام فيهما على نحو أسرع, وبذلك يتمكن صانعو السياسة من الاطلاع على هذه التجربة وتقليد عوامل النجاح فيها.
وعلى الرغم من وجود عدد من العوامل المؤيدة لانتقال هذا النظام التصنيفي, إلا أن هناك عناصر معارضة لذلك, ومن المنتظر أن تواجه البلدان ذات أنظمة المعلومات الأقل مركزية, مزيدا من المشكلات في تبني هذا النظام. ونجد ـ على سبيل المثال ـ أن ألمانيا رغم تقدمها التكنولوجي والصناعي المعروف أمضت وقتا طويلا في محاولة التوفيق بين أقاليمها الـ 18 فيما يتعلق بأنظمة الدفع قبل أن تتمكن من تبني نظام التصنيف عام 2005.
وكانت لدى فرنسا وبريطانيا اللتان تشتركان في كثير من الأمور المتعلقة بأنظمة الرعاية الصحية الوطنية, خبرات متفاوتة للغاية في تطبيق هذا النظام, حيث إن نظام دفعات الرعاية الصحية في بريطانيا مركزي للغاية, إذ تدفع سلطة الخدمات الصحية الوطنية 95 في المائة من إجمالي تكاليف الرعاية الصحية في المملكة المتحدة. وأما في فرنسا, المعروفة بمركزيتها على نطاق واسع, فكانت هناك مشكلات عديدة في تطبيق هذا النظام لأن كثيرا من العمليات الجراحية في البلاد تتم في قطاع المستشفيات الخاصة, كما أن كثيرين من أصحاب الأعمال في فرنسا يقدمون خدمات الرعاية الصحية للعاملين لديهم, الأمر الذي يعد تكاملا مع الضمان الصحي الوطني في البلاد.
إن البلدين مركزيان بصورة عامة, حيث إن ذلك أمر معروف عن فرنسا على وجه الخصوص, لكن نظام المدفوعات مشتت في فرنسا, مقارنة بما هو عليه في المملكة المتحدة, ولذلك كان التطبيق في المملكة المتحدة أسرع. وتعطينا المقارنات كثيرا من النماذج الشائقة في دراسة التطبيق بين هذين البلدين. غير أن الأمر الأكثر من ذلك, هو أن هذا النظام مثير للجدل إلى حد كبير. ويميل إليه مديرو المستشفيات لأنه يمنحهم وسيلة يستخدمونها في المفاوضات مع جهات الدفع, كما أنه يتيح فرصة للسيطرة على الأطباء من جانب آخر. ويمكن لمدير المستشفى أن يستخدم هذه البيانات للتأثير في الأطباء لمعالجة المرضى بشروط اقتصادية ضمن إطار يعمل على تخفيض التكلفة, ويميل الأطباء إلى اعتبار أنفسهم جهة خاسرة في هذه العملية, وهم يحاولون, بصورة عامة, مقاومة الجهود التي تعمل على ضبط ممارساتهم, ويرون أنهم أفضل جهة تعرف ما هو مناسب للمرضى, وما إذا كان الأمر يتطلب تكاليف إضافية. وهم يميلون إلى ممارسة أعمالهم وفقا لهذا المفهوم.
كذلك الأمر بالنسبة إلى المستشفيات التي يدفع لها مبلغ محدد عن كل تشخيص, حيث تميل إلى تسريع تحصيل أتعابها من المرضى. وهناك مشكلة أخرى تتعلق بإضافة المستشفيات بنودا أخرى على قوائم التكاليف, بحيث تحصل على دفعات إضافية, وبالتالي فإن المريض يدفع نوعين من الدفعات مقابل خدمات المستشفى.
وهناك تفاوت في وسائل تطبيق هذا النظام التصنيفي, حيث تحقق بعض البنود أرباحا أعلى من غيرها. ويبرز بالتالي هنا الأمر المتعلق بالمستشفيات ذات التخصصات رفيعة المستوى التي لا تعالج سوى الأمراض التي تحقق من ورائها أرباحا أعلى, وذلك مثل الجراحات القلبية والعصبية وجراحات إعتام عدسة العين.
ومع ذلك, فإنه نظرا لاستمرار ارتفاع تكاليف الرعاية الطبية والقلق المتعلق بكل ذلك, فإن من المؤكد أن استخدام أنظمة تصنيف المرضى سيزداد, حيث إن مزيدا من الدول, وبالذات الكبرى منها, ينضم إلى ركب مستخدمي هذه الأنظمة التي تعالج مشكلات المدفوعات بصورة أساسية. وثبت أن هذه الأنظمة مفيدة لكل الجهات المعنية بتقديم الخدمات الصحية, مع الحرص على جودتها.