معايير التحوط الإسلامية.. خطوة في طريـــق شرعنة المشتقات
تجدد الجدل أخيراً حول المشتقات ومدى شرعيتها. وتزامن هذا الجدل مع إعلان سوق دبي المالي عن خططه لإصدار أول معيار للصكوك المدرجة، وذلك في أعقاب الانتهاء من تطبيق معيار الأسهم المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية. تأتي تلك الخطوة بعد أقل من شهرين من إبرام اتفاقية التحوط الرئيسية بين السوق المالية الإسلامية الدولية IIFA، والمؤسسة الدولية للمبادلات والمشتقات ISDA.
وفي هذا الصدد أشار معبد الجارحي ــ أمين ومستشار هيئة الفتوى والرقابة الشرعية في سوق دبي المالي ــ إلى أن الخطوة الأولى لإقرار هذا المعيار ستبدأ بجلسة استماع تضم المهتمين بتبادل الصكوك وهيكلتها من الشركات والبنوك والمؤسسات المالية، وذلك بهدف جمع الآراء من هذه الجهات لإدخال التعديلات اللازمة. وأكد ــ في تصريحات نشرتها صحيفة "الاتحاد" الإماراتية ــ أن إقرار المعيار سيكون بعد الانتهاء من القراءة الأخيرة له خلال يونيو 2010، مشيراً إلى عزم سوق دبي المالي ــ بعد تطبيق معياري الأسهم المتوافقة مع أحكام الشريعة والصكوك ــ إنشاء وحدة خاصة لتطبيق هذين المعيارين والمعايير الأخرى التي يتم إعدادها بهدف إرساء معايير لأول سوق مالية إسلامية في العالم.
أما عيسى الكاظم ــ رئيس مجلس الإدارة التنفيذي لسوق دبي المالي ــ فقد أوضح أن أية شركة ليست ملتزمة 100 في المئة بشروط المعايير الذي سيتم العمل على توجيهها وتصنيفها وفقاً لمدى الالتزام بأحكام الشريعة. وقال إن هذه الخطوة تعزز من دقة معرفة إيرادات السوق المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية، وكيفية إدارة الفوائض المالية وتوظيفها وفقاً للشريعة والاقتراض حسب الشريعة.
اتفاقية التحوط الإسلامي
من جانبه بشّر المحلل جاك بانكر بأن صناعة المصرفية الإسلامية ستزدهر كما لم تزدهر من قبل، وذلك بعد إقرار المعايير الخاصة بالمشتقات المتفقة مع أحكام الشريعة من خلال اتفاقية التحوط الأساسية. وأشاد بالخطوة التي اتخذها كل من السوق المالية الإسلامية الدولية IIFA، والمؤسسة الدولية للمبادلات والمشتقات ISDA. وتعد هذه الاتفاقية ــ التي أطلقت في مارس الماضي ــ إنجازاً غير مسبوق في مجال التمويل الإسلامي وإدارة المخاطر، كما أنها الأولى من نوعها في العالم في مجال التوثيق المعياري لمنتجات التحوط الإسلامية القابلة للتداول. وبهذا الإعلان تتخلص منتجات كل من الطرفين من عديد من القيود في ظل التعطش لإجراءات تنظيمية. وتوفر اتفاقية التحوط التي عقدت بين كل من الطرفين، الأساس القانوني الذي يتيح للمؤسسات إبرام صفقات التحوط الإسلامية، مثل مبادلات معدل الربح ومبادلات العملات، التي تشكل ــ حسب التقديرات ــ الغالبية العظمى من صفقات التحوط الإسلامية. كما أنها معدة للاستخدام من قبل الطرفين المتعاقدين كاتفاقية أساسية. وبحسب الاتفاقية لا تترتب على الطرفين ولا تستحق لهما أية فوائد في صفقات التحوط، ولا تبنى تسوية الالتزامات على التنضيض، ولا تتم من دون وجود أصول ملموسة. كما أن أطراف اتفاقية التحوط الأساسية تدرك بصورة مسبقة أن الصفقات التي تبرمها مطابقة لأحكام الشريعة الإسلامية. وتوفر اتفاقية التحوط الأساسية إطاراً قانونياً دولي الطابع يمتلك صفة الحياد في التعامل مع كلا الطرفين المتعاقدين، وتلبي في الوقت نفسه شروط الالتزام التام بأحكام الشريعة الإسلامية .
نحو مزيد من الشفافية
وأكد د. أحمد الرفاعي ــ رئيس القسم الشرعي في السوق المالية الإسلامية الدولية ــ أن مثل تلك الاتفاقية الغرض منها هو تجنب اللبس والغرر وسوء التفسير. وأشار إلى أن السوق المالية الإسلامية تتبنى مثل تلك الاتفاقيات لتحري عنصر الوضوح والشفافية في أعمالها وصفقاتها، واعتبر أن هذه الخطوة تمهد الطريق للالتزام بأحكام الشريعة، كما تفتح الباب أمام ابتكار منتجات جديدة. ويرى أن اتفاقية التحوط الأساسية تعد خطوة مهمة نحو تعزيز عملية تنميط معايير الجودة الإسلامية على الصعيد الدولي لأن غياب مثل تلك المعايير الموافقة لأحكام الشريعة قد ينعكس سلباً على صناعة المالية الإسلامية. ويؤكد المحلل روبين ويجلز وورث، أن تلك الاتفاقية التي تقع تفاصيلها في 42 صفحة هي نتاج عمل أربع سنوات تمت خلالها دراسة كل الصعوبات التي تعترض عملية "شرعنة" أدوات التحوط بحيث تدخل في منظومة التمويل الإسلامي. ويشير إلى أن البنوك الإسلامية يمكنها الاستفادة من المشتقات الإسلامية بعد الأخذ بالمعايير التي وضعتها الاتفاقية الرئيسة التي يتم توضيحها من خلال ورش عمل تنظمها المؤسستان اللتان وضعتا المعايير بغرض تشجيع البنوك على تبني تلك المعايير. وإذا ما تم العمل بهذه المعايير على نطاق واسع فإنها ستعمل على تشجيع البنوك الإسلامية على التحوط بصورة أكبر ومن ثم مساعدة صناعة التمويل الإسلامي على مواجهة التحديات التي تفرضها عليها الظروف العالمية. ويضرب ويجلز وورث مثالاً ببنك الراجحي الذي يعمل خارج المملكة السعودية، أيضاً، مشيراً إلى أن البنك سيحقق مكاسب كبيرة من وراء تبني تلك المعايير. ومن المتوقع أن يستفيد من تحوط العملة، وتحقيق إدارة مخاطر أفضل. ولا تقتصر الاتفاقية الجديدة على البنوك الإسلامية بل تمتد إلى النوافذ الإسلامية في البنوك التقليدية، ولا سيما العالمية منها مثل بنوك: سيتي جروب، وستاندارد تشارترد، وإتش إس بي سي.
ويرى المراقبون أن توقيت انطلاق تلك المعايير مناسب إلى حد كبير؛ فعلى الرغم من أن صناعة التمويل الإسلامي نجت من تداعيات الأزمة العالمية إلا أن تنامي حجم الصناعة ونضجها يعني أن إدارة الأزمات أصبحت أكثر ضغطاً. ويعمد المستثمرون من خلال التمويل الإسلامي إلى استخدام مجموعة من العقود والمفاهيم الإسلامية الموجودة بالفعل، لتحل محل أدوات التحوط التقليدية. ومن أكثر المنتجات استخداماً في هذاالصدد: الوعد، والمضاربة في مقابل صيغة "البيع والدفع المرجأ" التقليدية. إلا أنه يمكن استخدام منتجات أخرى مثل العربون وبيع السلم .