الابتكار والتجديد .. عنوان الفصل القادم من صناعة المصرفية الإسلامية
تطرق تقرير لمجموعة Oliver Wyman لمستقبل صناعة التمويل الإسلامي إلى أن المرحلة المقبلة ستشهد عائدات أكبر لهذه الصناعة، إلا أنها ستكون ذات مخاطر يجب عدم تجاهلها. وعرض التقرير الذي يحمل عنوان: "الفصل القادم من صناعة التمويل الإسلامي" بالتحليل لقطاع بنوك الجملة التي أكد أنها تسير حالياً على ما وراء عمليات البيع العادي. أما بنوك التجزئة فقد رصد التقرير سعيها للتميز فيما تقدم من منتجات وخدمات، وتحقيق أكبر قدر من الانسيابية في الأداء.
التوسع العالمي في صناعة التمويل الإسلامي
يشير التقرير إلى أن العلماء المسلمين طوروا في القرن الثامن ما عرف فيما بعد بالنظام المالي. واستطاعت الدولة الإسلامية مترامية الأطراف أن تؤسس نموذجاً حاول الصيارفة الأوروبيون فيما بعد تقليده. وأضافوا إلى هذا النموذج في ظل خمود المصرفية الإسلامية لقرون. ولكن السنوات الأخيرة شهدت استعادة الانتشار القوي لتلك الصناعة حول العالم.
وعلى الرغم من أن إقليم جنوب شرق آسيا كان الأسبق في تبني هذه الصناعة، إلا أن دول الخليج العربي وإيران تعد حالياً أكبر الأسواق بنسبة 80 في المئة من أصول التمويل الإسلامي العالمي، إلا أن هذه النسبة لا يتعامل بها إلا 6 في المئة فقط من عدد المسلمين في العالم.
ويعتبر التمويل الإسلامي سوقاً شديدة الجاذبية، ولا سيما في ظل النمو المتسارع والربحية العالية. وقد شهدت نمواً في الأصول بلغ 30 في المئة منذ بداية العقد الحالي. وعلى الرغم من وجود لاعبين جدد في السوق العالمية إلا أن النمو في العائدات يواصل ارتفاعه بمعدل نمو سنوى مركب CAGR بلغ 44 في المئة خلال السنوات الخمس الماضية. ولم يكن النمو من نصيب دول مجلس التعاون فحسب، بل شهدت دول شرق آسيا وشمال إفريقيا وتركيا فرصاً للنمو.
وتشير الدراسات إلى أنه حال إتاحة الفرصة فإن واحدا من كل مسلمين اثنين سيختار بدائل التمويل الإسلامي. وهناك مجال لتكرار نماذج النمو الكبير لهذه الصناعة في دول مثل باكستان وتركيا، خاصة أن معدلات الاختراق تراوح بين 2 و4 في المئة فقط في عديد من الأسواق.
ويشير التقرير إلى أن تجمعات الربح Profit Pools لصناعة التمويل الإسلامي بلغت 15 مليار دولار، ومن المتوقع أن تصل إلى 32 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة.
وهناك نمو في الطلب على البنوك الإسلامية الخالصة أكثر من النوافذ الإسلامية للبنوك التقليدية. وقد بلغ النمو في أصول البنوك الإسلامية 36 في المئة مقابل 20 في المئة فقط للنوافذ الإسلامية للبنوك التقليدية وذلك خلال الفترة منذ 2002.
وبوضع هذه التوجهات في الاعتبار، قرر عديد من اللاعبين في السوق الرد على احتياجات السوق من خلال تأسيس بنوك إسلامية ضخمة برأس مال يراوح بين 1 و4 مليارات دولار، وكذلك بتحويل البنوك التقليدية إلى بنوك تمويل إسلامي، وأخيراً تحويل النوافذ الإسلامية في البنوك التقليدية إلى فروع مستقلة.
ويرصد التقرير عملية استهداف المجتمعات الإسلامية في الدول الغربية. ويشير إلى أنه حتى الآن فإن التركيز الأساسي لصناعة المصرفية الإسلامية يتركز في الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا. ولكن الدول المتقدمة التي توجد فيها جاليات إسلامية كبيرة تعد صناعة المصرفية الإسلامية فيها بمثابة أداة مهمة للاستفادة من أموال الجاليات المسلمة. وتعتبر فرنسا مثالاً للدول غير المستغلة للفرص المتاحة لها في هذا الصدد، حيث يعيش فيها أكبر المجتمعات الإسلامية في الغرب. وبالمقارنة بالفرنسيين الأصليين فإن معدلات المواليد عند المهاجرين المسلمين تقدر بـ 2.5 مقارنة بـ 1.65. وتتركز أغلبية المسلمين في مناطق جغرافية، محددة مما يسهل عملية استهدافهم من خلال شبكة فروع لبنوك إسلامية.
وقد ظهر الاهتمام بالمصرفية الإسلامية في فرنسا، حيث تشير استطلاعات الرأي أن نحو ثلثي المسلمين أعلنوا عن نيتهم التحول إلى البنوك العاملة وفقاً لأحكام الشريعة.
بنوك الجملة .. ما وراء البيع العادي
يشير التقرير إلى النمو الذي يشهده قطاع بنوك الجملة؛ ففي السبعينيات كانت البنوك الإسلامية تركز على سوق التجزئة، ومنذ فترة قريبة بدأ انتشار بنوك الجملة والمنتجات المبتكرة ذات الصلة. وقد أصبح هذا القطاع الأكبر في صناعة المصرفية الإسلامية، وبلغ النمو في الأصول 34 في المئة سنوياً منذ 2003.
ومن العوامل التي تسهم في الحد من تنمية هذا القطاع بشكل كبير، الاهتمام بعمليات تمويل البيع العادي vanilla financing وتمويل العقارات. ويعد هذا نتيجة للتحيز الشديد نحو المنتجات البسيطة التي تستخدم غالباً المضاربة والإجارة، حيث إنهما تقدمان عوائد متوقعة فضلاً عن كونهما صوراً لمنتجات تقليدية.
ويلاحظ أنهما لا تتحملان التحديات المتمثلة في الحوكمة وحساب الأرباح وتخصيص نماذج أكثر تعقيداً مثل المشاركة والمضاربة، بما يسمح بأداء عمليات تمويل أكثر تقدماً.
ويوصي التقرير صناع القرار في البنوك الإسلامية بأن يعملوا على توسيع ما تقدمه بنوك الجملة من خلال مجموعة من الخدمات تستهدف من خلال أربع شرائح من المستهلكين:
الأولى هي مؤسسات التمويل المحلية التي تفتقر غالباً إلى الخبرة اللازمة لتشكيل هذه المنتجات. ومن ثم فإن هذه البنوك تعد عملاء لبنوك أكبر يمكنها أن توفر المهارات اللازمة لأداء تلك المهام.
#2#
والشريحة الثانية هي ثروات الأفراد أو العائلات حيث يتسبب عدم وجود منتجات مبتكرة في الاتجاه إلى استثمارات بديلة. ويجب الاهتمام بتنمية عروض بديلة متخصصة في صورة مطابقة للشريعة.
أما الشريحة الثالثة فهي تمثل الشركات، حيث بدأ أخيراً اهتمام الشركات بالتمويل الإسلامي. وتحتاج تلك الشريحة إلى توسيع دائرة المنتجات والخدمات المتاحة.
رابعة الشرائح هي صناديق الثروات السيادية: وتعمل هذه الصناديق حالياً على تطوير وتنويع قطاع التمويل الإسلامي المحلي، وتهتم بمنتجات الاستثمار طويلة المدى.
التوسع نحو إدارة أصول مبتكرة:
شهدت سوق الصكوك نمواً كبيراً خلال السنوات الماضية خاصة بالنسبة للصكوك ذات الفترات الطويلة. ومن المتوقع أن يصل حجم هذه السوق إلى 130 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة. وينتظر أن يستمر نمو سوق الصكوك بالنسبة لكل من الشركات ــ التي تكون بعض إصداراتها ضخمة جداً خاصة في الإمارات ــ والصناديق السيادية، وذلك نظراً لأن الحكومات ستعمل على تنويع مصادر التمويل. ويرجع النجاح المنتظر للصكوك للقدرة على تحسين سيولة الإصدارات، وضمان سوق ثانوية قوية.
ويشير التقرير إلى أن صناعة إدارة الأصول الإسلامية شهدت نمواً قدر بـ 14 في المئة سنوياً وهو ما يعادل 34 مليار دولار من الأصول. ونظراً لأن معظم البنوك الإسلامية تقدم مدخرات مشاركة في الأرباح وحسابات استثمار فإن جزءاً كبيراً من إيداعات المؤسسات المالية الإسلامية يمكن أن يعاد تصنيفها كإدارة quasi-asset.
وعلى الرغم من التطور الذي شهدته إدارة الأصول الإسلامية إلا أنها تبقى بعيدة عن توفير ذات الفرص الاستثمارية مثل إدارة الأصول التقليدية من حيث المدة وعامل الخطر/العائد والانكشاف على القطاع والتنوع. وهناك فرصة كبيرة للمؤسسات الإسلامية كي تتوسع في عروض جديدة لإدارة الأصول البديلة.
ومن الأنشطة التي تحمل في ثناياها فرصاً كبيرة: صناديق السلع، وصناديق الأسهم الخاصة، وصناديق التحوط الإسلامية.
بالنسبة لصناديق السلع فإنها تناسب إدارة الأصول الإسلامية لأن السلع تعد أصولا أساسية، وتتيح أن تكون التعاملات المالية المختلفة مطابقة للشريعة. ومن ثم فهي منطقة للتوسع في المنتجات الطبيعية، خاصة في ضوء الزيادة الحالية في إقبال المستثمرين على صناديق السلع. وبالنسبة لاستثمارات الأسهم الخاصة ورأس المال المخاطر فإنها تناسب المصرفية الإسلامية، ولا سيما أنها تتضمن المشاركة في الربح والخسارة. ولا تزال الأسهم الإسلامية الخاصة سوقاً ناشئة حيث لا تزيد على ملياري دولار من الأصول تحت الإدارة في إقليم الشرق المتوسط وشمال إفريقيا. أما صناعة صناديق التحوط الإسلامية فإنها لا تزال في مرحلة التكوين نظراً لصعوبة إنشاء صناديق متوافقة مع أحكام الشريعة. ومن التطورات المهمة المنتظرة في السنوات القليلة المقبلة زيادة الإقبال على هذه الصناديق من قبل المؤسسات الاستثمارية وثروات الأفراد. وقام بعض مديري صناديق التحوط بتطبيق بعض الاستراتيجيات التقليدية في إطار إسلامي مثل عقود السلم والعربون.
بنوك التجزئة.. نحو عروض متميزة
تعد سوق التجزئة من أكثر الأسواق جاذبية فضلاً عن النمو الكبير الذي تشهده، فقد نمت أصول بنوك التجزئة بأكثر من 25 في المئة لكل عام منذ بداية العقد الحالي. ومن المتوقع أن تزدهر هذه السوق في ظل التقديرات التي تشير إلى أن نصف مسلمي العالم يرغبون في التعامل مع بنوك التجزئة الإسلامية إذا ما أثبتت قدرتها التنافسية بحيث تكون بديلاً للبنوك التقليدية. ومن المتوقع أن يزيد عدد سكان عشر دول إسلامية على 200 مليون نسمة ــ نصفهم أقل من 25 عاماً ــ بحلول عام 2020، وهو ما يعني تضاعف عدد المتعاملين مع بنوك التجزئة.
ويعتبر هذا القطاع مربحاً بصورة كبيرة ويدعمه ودائع غير ضخمة للمتعاملين، إضافة إلى حساسية أقل لدى العملاء من محدودية السعر، وهو ما يوضحه الهامش الصحي لإقراض التجزئة.
تحديات وفرص
يتركز قطاع بنوك التجزئة في دول الخليج وإيران وجنوب شرق آسيا. وتحافظ دول الخليج وإيران على معدلات نمو ثابتة بينما تنخفض وتيرة النمو في السوق الماليزية. وتعد منطقة شمال إفريقيا وتركيا وبعض الدول الآسيوية من الأسواق الجاذبة نظراً لارتفاع عدد السكان ووجود اختراق مصرفي آخذ في النمو فضلاً عن النمو المتزايد لصناعة المصرفية الإسلامية. وتختلف أسواق التجزئة الإسلامية في طبيعتها نظراً لخصوصيتها الاجتماعية والاقتصادية والتاريخية. ويمكن أن يتم تصنيفها اعتماداً على نموها ومستوى التطور والقدرة التنافسية إلى ثلاثة أقسام: الأول هو الأسواق الرئيسة وهي السعودية والإمارات والكويت والبحرين وقطر. وتمتاز بأن عملاءها من ذوي الدخول المرتفعة وأصحاب الثروات، وبالإقبال الشديد على المنتجات التي تقدم فيها. إلا أنها تفتقر إلى الابتكار في المنتجات.
والقسم الثاني هو الأسواق الصغيرة الواعدة مثل تركيا ومصر والهند وباكستان وإندونيسيا. وهي تعتمد على عملاء من ذوي الدخول الصغيرة. وتنال البنوك العاملة في تلك الدول فرصة أسبقية الدخول للأسواق. ومن التحديات التي تواجه هذا القسم المنافسة القوية من البنوك التقليدية.
أما القسم الثالث فهو الدول حديثة العهد بصناعة المصرفية الإسلامية مثل ألبانيا وأذربيجان وتونس وكازاخستان. وهي دول ذات عدد سكان متوسط ذي غالبية مسلمة. وتعد من الأسواق الواعدة نظراً لقربها من أوروبا. ولكنها تواجه بتحديات أهمها محدودية المتعاملين مع القطاع المصرفي.
نماذج جديدة لبنوك التجزئة
في أغلبية الأسواق المتقدمة يسعى اللاعبون الأساسيون إلى التميز كل عن الآخر من خلال نماذج أعمال لا تزال في مرحلة النشأة، مما يجعل الأسواق بالتالي لا تزال في مهدها. وهناك ثلاثة نماذج رئيسة في المنافسة في حلبة بنوك التجزئة الإسلامية:
النموذج الأول هو النوافذ الإسلامية للبنوك التقليدية. وتمتاز بأدائها القوي، حيث إن معدلات النمو فيها تبلغ في المتوسط 15 في المئة. إلا أن المزج بين التعاملات التقليدية والإسلامية يجعل كثيرين يعزفون عن التعامل من خلالها. أما النموذج الثاني فهو البنوك الإسلامية الخالصة وهي بنوك تقدم الخدمات والمنتجات المطابقة للشريعة الإسلامية مقدمة مظلة من منتجات التجزئة. وتمتاز بمعدلات نمو كبيرة تتجاوز 30 في المئة مع هامش ربح مرتفع.
أما النموذج الثالث فهو مؤسسات تركز على منتج واحد فقط مثل التمويل العقاري على سبيل المثال. ويشهد هذا النموذج توسعاً من خلال الشراكات مع كيانات دولية. ويتوقع أن تشهد الفترة المقبلة دخول نماذج جديدة في صناعة التمويل الإسلامي ومنها:
نموذج "طرف ثالث اختصاصي في التوزيع" وهو يركز على تمويل العميل والتوزيع من خلال بائعي التجزئة كمعارض السيارات على سبيل المثال. وهو نموذج يتفق مع أحكام الشريعة، حيث يعتمد على الأصل ويتيح تكاليف توزيع أقل. وهناك نموذج اختصاصي الرهن العقاري: تفتقر معظم البنوك الإسلامية إلى عروض الرهن العقاري المناسبة. ومن ثم فإن مثل هذا النموذج ــ إن أحسن تصميم المنتجات من خلاله ــ يمكن أن يصبح سبيلاً للنمو السريع والانتشار على المستوى الدولي.
كما أن هناك نموذج اختصاصي الودائع: ويلاحظ أن عملية جمع الأصول لا تزال تحت التطوير. وإذا ما أحسنت إدارة حسابات الوادئع في البنوك الإسلامية، فإن هذا سيسهم في زيادة نمو تلك الصناعة. ويمكن القيام بجمع الودائع من خلال القنوات الإلكترونية أو من خلال الشراكة مع منافذ البريد لتقليل التكلفة.
#3##4##5##6#