لن نغير ما بإعلامنا حتى تغيروا ما بإعلامكم

أستغرب أن الرئيس الأمريكي لم يحرك ساكناً تجاه التصريحات المحرضة. أستغرب ألا يكترث السيد بوش بتهجم روبرتسون وفوكس وهانيتي على الإسلام، وبذلك يكون قد حلل مقولة "السكوت علامة الرضا". لا فرق إذاً بين بن لادن والزرقاوي وهذا التعصب ضد العرب والمسلمين.

يبدو أن الرئيس جورج بوش لم يجد من يهاجمه هذا الأسبوع فقرر مهاجمة التلفزيونات العربية "غير المنصفة" للمرة الثالثة خلال أقل من شهرين. اتهم بوش الإعلام العربي ببث "دعاية غير صحيحة وغير عادلة" عن الولايات المتحدة. وخرج بوش عن نص خطابه الأسبوع الماضي لإطلاق مبادرة الأمن القومي ليهاجم التغطية التلفزيونية العربية عموماً، معتبراً أنها تعطي في غالبية الأحيان، انطباعاً خاطئاً عن أمريكا. قد تكون هذه "شطحة" ذكية أخرى من شطحات الرئيس بوش في استغلال الإعلام لاتهام الإعلام الآخر.
ولم يكن السيد بوش هو المحرض الوحيد، فقد فاحت قريحة القس الأمريكي بات روبرتسون بأنشودة أخرى شاذة هذا الأسبوع، وأعلن أن الله يعاقب شارون لأنه أعطى الأرض للفلسطينيين. كان روبرتسون قد وصف الرسول محمد ـ صلى الله عليه وسلم بأنه: "متطرف وسارق وقاطع طريق، والإسلام خدعة هائلة، والقرآن سرقة دقيقة من الشريعة اليهودية." لو وجّه هذا الحديث أي إنسان مسلم أو مسيحي أو هندوسي أو بوذي تجاه إسرائيل وزعمائها، لوصمه السيد بوش بمعاداة السامية والتعصب الأعمى ضد إسرائيل. بات روبرتسون من أكثر الإنجيليين تعصبا لإسرائيل في أمريكا وسبق أن حذر (!) بوش قبل الانتخابات بأنه سيخسر الصوت الإنجيلي إذا أصر على التصريح بإقامة الدولة الفلسطينية. المحرض الآخر هو المذيع شون هانيتي في قناة فوكس الأمريكية الذي تَعَرَضَ للإسلام وللرسول صلى الله عليه وسلم بإساءات بالغة وبشكل متكرر ومستمر.
أستغرب أن الرئيس الأمريكي لم يحرك ساكناً تجاه التصريحات المحرضة. أستغرب ألا يكترث السيد بوش بتهجم روبرتسون وفوكس وهانيتي على الإسلام، وبذلك يكون قد حلل مقولة "السكوت علامة الرضا". لا فرق إذاً بين بن لادن والزرقاوي وهذا التعصب ضد العرب والمسلمين. أستغرب أن تخرج إلى العلن أكبر قوة في العالم، وتتبرع بمشاريع ديمقراطية، وإطلاق الحريات في العالم، بينما يتحرك من جذورها من يملك التأثير في الإعلام والمنابر الدينية بنشر التعصب والعداوات ضد العرب والإسلام والمسلمين. وأستغرب أكثر أننا لم نرفع أي دعاوى قضائية على روبرتسون أو شون هانيتي أو محطة فوكس بدلاً من الاستنكار والشجب كعادتنا التاريخية.
في المقابل، أكد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله خلال كلمته في أعمال مؤتمر مكة السادس، أن العلوم الإسلامية هي المادة التي تصاغ منها الشخصية الإسلامية الفردية والجماعية فتتحدد ذاتيتها أو هويتها ووجهتها. كما أن أخطر التحديات على حاضر الأمة ومستقبلها، ما كان له صلة بالتعليم الإسلامي ومصادره ومناهجه، وأن علينا أن تكون مواقفنا وأعمالنا إيجابيةً وواقعيةً تنطلق من القراءة المتأنية الواعية لواقع هذه التحديات ومدى تأثيرها وللإمكانات المتوافرة في التعامل معها. هذا هو حقاً التسامح وهذه هي الإنسانية بأحلى صورها.
نحن ننبذ التطرف الديني أو العرقي بكل ما يحمل من كراهية وعدوانية لأي دين من الأديان وأي شعب من الشعوب المحبة للسلام. ولكن علينا ألا نتغاضى عن قيام شخصيات نافذة سياسية أو دينية أو إعلامية بتبني تيارات إرهابية فكرية ضد العرب والإسلام والمسلمين. إننا ندعو إلى التسامح مع كل الشعوب والأديان من منطلق أن الإسلام يدعو للتعايش الإنساني. لا بد من أن يكون خطابنا للعالم من منطلق سماحة الإسلام كما تكون مواقفنا وأعمالنا إيجابية وواقعية تنطلق من القراءة المتأنية للأمور بعيداً عن التشنج العرقي أو الديني أو التفرقة العنصرية بكل صورها.
نواجه اليوم تحديات جسيمة تحاول بشتى الوسائل الإعلامية وغير الإعلامية أن تُلقي بظلالها الخبيثة على أوضاعنا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية. إن أقل ما يجب عمله اليوم هو التماسك والوحدة الوطنية ضد كل من يريد إضعاف الأمة الإسلامية والعربية، وبهذا نستطيع أن نجابه الدعاوى المتطرفة التي تسعى جاهدة للربط بين الأعمال الإرهابية التي تورط فيها بعض أبناء المسلمين جهلاً منهم وضلالاً وبين جوهر الإسلام ومنابعه الصافية. لكن هذا لا يعفينا من مراجعة وتطوير مناهجنا حتى نتمكن من الدفاع عن براءة التعليم الإسلامي من وصمة الإرهاب من خلال وسائل الإعلام والتثقيف المختلفة.

اقت... صاد

فقأت الإدارة الأمريكية عيون حرية الإعلام في عقر دارها، فهناك تقارير عن احتمال قيام العم سام بالتجسس على الصحافية كريستيانا أمانبور التي تعمل في "سي. إن. إن"، واحتمال أن تكون محادثات هاتفية لأمانبور قد تم تسجيلها. كنت قد استضفت السيدة أمانبور خلال الاجتياح العراقي للكويت، ولم ألمس منها إلا الموضوعية الفكرية والمنهجية الصحافية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي