نموذج التمويل المصغر في آسيا يقضي على مشكلات الفقر

نموذج التمويل المصغر في آسيا يقضي على مشكلات الفقر

هنالك أكثر من ثلاثة ملايين شخص يعانون الفقر في العالم. غير أن هنالك أيضاً عدة ملايين من الناس الذين نجحوا في الارتقاء بمستوى معيشتهم إلى حد ما، وذلك بفضل التمويل المصغر للغاية. ومع ذلك، فإن هنالك مجالاً واسعاً للارتقاء بنموذج العمل الحالي الخاص بمؤسسات الإقراض متناهي الصغر، بما يكفل العمل على مساعدة أناس آخرين. وكانت منظمات مثل منظمة Accion ترغب في زيادة رهاناتها إزاء القدرة على مساعدة الفقراء منذ سنوات سبعينيات القرن الماضي، كما أن التمويل المصغر يشهد حالة من الانتعاش والرواج، ولا سيما على نطاق القارة الآسيوية في الوقت الراهن، حيث هنالك أكثر من 49 مليون مقترض ضمن نظام القروض المصغرة هذا في القارة الآسيوية.
ويقول الرئيس التنفيذي لهذه المنظمة، ستانلي ووك «إننا محايدون بخصوص المنتجات، وكذلك بخصوص النوع الجندري». وكان هذا المسؤول قد شارك في محادثات جرت في هونج كونج، خلال الفترة الأخيرة، حول «التمويل المصغر في آسيا». فما الذي يحتويه مخزن هذه الأفكار؟
بصفته أحد الخبراء في مجال التمويل المصغر، أو متناهي الصغر كما يطلق عليه، فإن ووك يكشف النقاب عن أنه لم يكن من السهل على منظمته أن تمارس نشاطاتها خلال فترة عملها الأولى، حيث استغرقها الأمر 12 عاماً لمعرفة مدى قدرة هذا التمويل المصغر على خدمة الناس. وقد قدمت هذه المنظمة قرضها المصغر الأول في عام 1973. وكانت القروض المقدمة إلى الفقراء في ذلك الحين متواضعة للغاية، حيث كان معدل القرض الواحد 100 دولار أمريكي فقط. وانطلقت المنظمة من ذلك الإطار لتحقيق عدة نجاحات في مسيرة عملها الإقراضي على نطاق القروض المصغرة، كما عملت، على الدوام، على محاولة تحسين نموذجها العملي.
وقال مشارك آخر في هذا الحوار، وهو ماثيو جامسر، من مؤسسة التمويل الدولية، إن تلك الخطوة عملت على تمهيد السبيل أمام مؤسسات أخرى كانت تعمل في هذا المجال. وتمثل هذه المؤسسة ذراع الاستثمار الخاص لدى مجموعة البنك الدولي، كما أن لها مساهمات كثيرة في عدد من مؤسسات تقديم القروض المصغرة على نطاق العالم ككل. ويقول هذا المسؤول «أثبتت لنا الأيام الأولى من العمل أن فقراء قارة أمريكا اللاتينية كانت تحدوهم رغبة كبيرة في سداد القروض. وقد تعلمت المؤسسات العاملة في هذا المجال، في ذلك الحين، أن المقترضات من النساء أشد حرصاً من الرجال على الالتزام ببرامج تسديد القروض. وكان أهم درس جرى تعلمه في ذلك الوقت هو أنك تستطيع أن تسترد القروض، وكذلك أن تحقق ما يكفي من العائد عليها، بحيث تستطيع أن تتوسع في نطاق هذا النوع من الاستثمار من خلال تقديم عدد أكبر من القروض لفقراء آخرين، وذلك بشرط أن تدير هذا النشاط العملي على أسس إدارية، ومالية سليمة. وأما باقي الأمور، فمرور الأيام كفيل به.
لقد كانت قيمة القرض الأول الذي قدمه محمد يونس، مؤسس بنك غرامين، 27 دولاراً لـ 42 امرأة من أجل مساعدتهن على توسيع عملهن في مجال تصنيع أثاث البامبو. وظل ينطلق من نجاح إلى نجاح منذ تلك القروض قبل نحو 30 عاماً، حتى حصل محمد يونس على جائزة نوبل مقابل نشاطه هذا. وتقول جنيفر ميهان، الرئيسة التنفيذية لمؤسسة غرامين في آسيا «لقد بدأ هذا النشاط العملي حين كان الأفراد يعتقدون أنه ما من أحد يمكن أن يقدم إليهم الخدمة. وكان هذا النشاط العملي نزيهاً، وموثوقاً، ولم يكتف بتقديم قروض إلى الفقراء، وإنما ظل حريصاً على الدوام على متابعة مشاريعهم، وتزويدهم بالخدمات التي كانوا بحاجة ماسة إليها».
وأضافت ميهان في مقابلة خاصة مع مجلة «إنسياد نولدج»، «أعتقد أن التمويل المصغر أداة حيوية تبرز الحاجة إليها. ولا يمكنك دون رأسمال أن تكسر حلقات الدخل المتدني، والاستثمار الضعيف، والأسقف المعيشية بالغة التدني. وبالتالي، فإن الحصول على التمويل، يمثل من وجهة نظري الشخصية، شرطاً مسبقاً لتحقيق كل تلك الفرص التنموية التي نعرف عنها في الوقت الراهن. وبالتالي، فإنني أعتقد أن ذلك الشأن يمثل قطعة رئيسية من اللغز».
مع كل ذلك، فإن هذه المسؤولة تحذر من أن للتمويل المصغر محدودياته الخاصة به، وبالتالي، فإنه ليس بمثابة «الرصاصة الفضية» العجيبة، كما أنه ليس العلاج، أو الترياق الشافي لجميع مشكلات نقص التمويل، على الرغم من أنه يمثل أداة قوية يمكنك أن تضعها في يدي شخص فقير». ويمكن لهؤلاء الأشخاص الذين يكون معظمهم من الأميين، أو الذين لا يتقنون حتى العمليات الحسابية البسيطة، أن يساعدوا أنفسهم من خلال افتتاح محل للعناية بالشعر في الفلبين مثلاً، أو البدء بمشروع صغير لتربية الماشية في منغوليا الداخلية.
وتعتقد ميهان، إضافة إلى كل ذلك، أن التمويل المصغر لم يصل بعد حدوده القصوى، لأنه في ظل وجود أكثر من ثلاثة مليارات شخص يعيشون دون خط الفقر المطلق في العالم، أي بدخل يقل عن 2.5 دولاراً أمريكياً يومياً، ووجود أكثر من نصف عددهم ممن يعيشون تحت خط الفقر المدقع (1.25 دولار أمريكي من الدخل في اليوم)، فإن هنالك كثير من الناس الذين يمكن تخليصهم من براثن الفقر.
هكذا، فإن الارتقاء بمستوى نموذج النشاط العملي الحالي في إطار التمويل المصغر، ما زال يمثل حاجة أشد إلحاحاً. فما الذي يعنيه هذا التمويل المصغر في الإطار الأوسع لمفاهيم التمويل الاستثماري؟ إنه أمر لا يقتصر على الائتمان المصغر، وإنما يشمل، إضافة إلى ذلك، الادخار، وتحويل الأموال، وعمليات التأمين، وذلك في إطار النشاط العملي الذي يطلق عليه «التأمين المسؤول»، حيث التصميم، والإدارة، والتنظيم، تظل جميعاً على المحك. وهنالك مجالات واسعة للتوسع في المناطق الريفية، وبالذات بهدف تحسين مستوى القطاع الزراعي، وتأمين الحصول على الأمن الغذائي، إذ إن هذين الأمرين اكتسبا المزيد من الأهمية، والاهتمام في ظل التطورات المتسارعة ذات العلاقة بالتغير المناخي. ولكن يلاحظ أن عدداً قليلاً من المنظمات يركز على تمويل التنمية الزراعية. ويعتقد المسؤولون عن مثل هذا التمويل المصغر أن الحاجة ماسة إلى تطوير نموذج العمل هذا، حيث إن النموذج الحالي غير ملائم في الأجل الطويل، ولا يمكنه، على الإطلاق أن يرتقي إلى مستوى المشكلات القائمة. وتبرز الحاجة الماسة إلى تطوير النموذج في ظل بلوغ معدل الفائدة على بعض القروض الصغيرة 30 في المائة.
وتوضح ميهان «ربما تكون قضية الفوائد أصعب أمر مفاهيمي يواجهه الناس خارج نطاق هذه الصناعة. كما أن العاملين فيها يجدون أن من الصعب فهم هذه المعدلات المرتفعة من الفوائد. ومن الأمور البارزة في ذلك أن كثيراً من هذه القروض تقدم لأناس يحصلون عليها لأول مرة، كما أنه لا تتوافر لديهم أي ضمانات مقابل الحصول على هذه القروض».
إن من المكلف للغاية، حسب ما تعترف به، أن يتم تقديم مثل هذه الخدمات المالية على مستوى القرية، وبالذات إذا كان مبلغ القرض بمعدل 100 دولار أمريكي فقط. وإذا لجأ المسؤولون إلى التحرك من قرية إلى أخرى، ومن بلدة إلى أخرى، ومن خلال استخدام الموظفين الدراجات النارية في ذلك، فإن عمليات التمويل سوف تستهلك كثيرا من الوقت، والجهد. ولكن من خلال استخدام بعض الأدوات، مثل الهواتف الجوالة، فإن ذلك يمكن أن يعمل على إحداث تحول إيجابي على نطاق واسع في هذه العمليات التمويلية متناهية الصغر.
إن الأمر، حسب ما يرى المختصون فيه، يتطلب التركيز على تطوير نموذج النشاط العملي، واستخدام كل الأدوات المتاحة لتسهيل عمليات التمويل، وتقليل تكاليفها، والحد من الوقت الطويل الذي تستغرقه مؤسسات التمويل المصغر للوصول إلى المستفيدين في المناطق الريفية على النطاق الفردي. وهنالك، إضافة إلى كل ذلك، حاجة ماسة إلى توجيه الحوافز بصورة سليمة، بحيث يزداد نشاط الشركات، والبنوك، والموزعين، وشركات المقاصة في هذا المجال التمويلي المصغر.
إن الأمر يتعلق في الأساس بالتواؤم مع ما يجري في القطاع المالي، وجعل كل مكونات عملية التمويل المصغر تعمل بصورة أكثر انسجاماً، بحيث تعمل، على الدوام، على تلبية متطلبات الفئات السكانية الفقيرة.

الأكثر قراءة