ما نوع العمل الموجود في الاستدامة؟

ما نوع العمل الموجود في الاستدامة؟

سواء في الطاقة، أو الرعاية الصحية أو الاستثمار بالغ الصغر، هل هناك نموذج عمل حقيقي يعمل على إدامة موارد العالم وتحسين نوعية الحياة بالنسبة لسكانه؟ حضرت مجلة «إنسياد نوليج» مؤتمر الأثر الصافي للعمل الخيري والعمل الجيد الذي عقد في معهد دراسات العمل العليا في برشلونة أخيرا، ووجدت دليلاً على أن الكثير من الشركات والأفراد يجدون أن هناك نماذج عمل إذا كان المرء على استعداد للتفكير بشكل خلاق وأن يكون مغامراً قليلاً.
ويقول إيمانويل لاجاريج النائب الأول لرئيس شركة شنايدر الكتريك التي تقدم المنتجات والحلول للحفاظ على الطاقة لقاعدة عملائها المكونة من ثلاث فئات هم: الأفراد، والشركات والحكومات:» إننا نرى العالم اليوم كمعادلة مختلفة جداً ينبغي حلها. «إننا نرى أن الحاجة إلى الطاقة كبيرة جداً.. فمراكز تقنية المعلومات تستخدم الطاقة بقدر ما تستخدمها صناعة النقل الجوي – لكن يترتب علينا أن نخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الصادرة عنا بشكل كبير. المشكلة اليوم هي أن 75 في المائة من الكهرباء يتم توليدها من النفط، أو الغاز أو الفحم، وهذه المصادر ليست صديقة للبيئة تماماً بسبب ما تطلقه من غاز ثاني أكسيد الكربون.»
ثم هناك العالم النامي. «لدينا الآن 1.6 مليار شخص لا يستطيعون الوصول إلى الطاقة بشكل جيد ويعتمد عليه، ويعيش هؤلاء الناس في بلدان تتطور بسرعة: الصين، والبرازيل، والهند وإندونيسيا. إن هؤلاء الناس يستحقون وسوف يحصلون على نصيبهم من الكهرباء،» كما يتوقع لاجاريج.
هناك شخص عازم على توفير مصدر للطاقة .. الإنارة للأجزاء النامية من العالم وهو سمير حاجي، خريج إنسياد وأحد رواد المشاريع الذي تحدثت معه مجلة «إنسياد نوليج» عندما كان يطلق مشروعه الرامي لتوفير وحدة إنارة قابلة لإعادة الشحن في الهند ومنطقة جنوب الصحراء الإفريقية. وتحدث حاجي في مؤتمر العمل الخيري والعمل الجدي حول التوسع في المشاريع الاجتماعية- وهو ما يعمل عليه بنشاط في الموقعين اللذين وقع اختياره عليهما.
تقوم شركة نورو للإنارة التي أسسها حاجي ببيع وحدات الإنارة القابلة لإعادة الشحن والتي تعمل على البطارية وأجهزة إعادة شحنها التي تستمد طاقتها من دراجة هوائية إلى أصحاب المشاريع المحليين الذين يقومون ببيع المصابيح وخدمات إعادة الشحن. وبعد أن بسط حاجي بضاعته على الأرض، واجه ظروفاً لم تكن في الحسبان.
ويقول في هذا الصدد:» تبين أن المناطق التي أجرينا فيها الاختبارات في الهند فيها كهرباء. ولمدة ساعتين يومياً تنقطع عنها الكهرباء، وكان من دواعي سرورهم أن تكون لديهم مصابيح خلال هذا الوقت، لكنهم لم يكونوا بحاجة إلى وحدات إعادة الشحن – لأن بإمكانهم إعادة شحن وحدات الإنارة أثناء النهار عندما تكون لديهم كهرباء.» ومن دون تردد، قام حاجي ببيع وحدات الإنارة من دون الشاحن في هذا المكان وبذلك يكون قد وجد سوقاً جديدة في سوق الطاقة المخدومة بشكل جزئي، بينما لا يزال أصحاب المشاريع يقدمون خدمات إعادة الشحن للمناطق التي لا تغطيها الشبكة « حيث لا يوجد موطئ قدم لشركائنا الحاصلين على قروض صغيرة».
ولكن على النطاق الأوسع، فإن مصادر الطاقة البديلة والمتجددة ما زالت غير مربحة. ويدعي لاجاريج من شركة شنايدر الكتريك أن «هذا العمل الذي يشهد نمواً كبيراً قائم فقط على الدعم الذي تقدمه له الحكومات. إن الطاقة الكهروضوئية على سبيل المثال، ليست عملاً قائماً بحد ذاته إلا في مكانين هما: ولاية كاليفورنيا وإيطاليا، لأن شبكة الكهرباء فيهما تتسم بالفوضى قليلاً، وتوليد الكهرباء فيهما مكلف جداً لدرجة تجعل النشاط الكهروضوئي مربحاً.»
بيد أن عدم الربحية هذا أمر مؤقت. إذ يتوقع لاجاريج أن تنخفض التكاليف التي تتحملها مزارع الطاقة الشمسية بسرعة، وسوف تصبح مقدوراً عليها في عام 2015. ويقول لاجاريج:» هناك فعلاً شركات في إفريقيا تقول إن لديها الشمس ونحن لدينا الوسائل الخاصة بالطاقة، فلنولد الطاقة من الشمس في شمال إفريقيا ونصدرها إلى أوروبا الغربية».
أصبحت الرعاية الصحية والتأمين الصحي بنوداً تتصدر جداول الأعمال حول العالم لكن توفير الرعاية والتغطية التأمينية في إفريقيا يشكل تحدياً مختلفاً تجري معالجته منذ عام 2006 من قبل صندوق التأمين Insurance Fund الذي تم تأسيسه بمنحة قدرها 100 مليون يورو من الحكومة الهولندية، ومنحة قدرها 60 مليون دولار من البنك الدولي ومنحة قدرها 20 مليون دولار من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية UsAid . وتقول إيما كوليز ، مديرة صندوق التأمين الصحي:» إن نسبة 10 في المائة فقط من تكاليف الرعاية الصحية في إفريقيا مغطاة بنوع من آلية التأمين الصحي. وفي الوقت الراهن، يدفع الناس 50 في المائة من تكاليف الرعاية الصحية من جيوبهم».
وهناك شراكة قائمة بين صندوق التأمين الصحي وبين مجموعة فارم أكشن التي يوجد مقرها في إفريقيا وتم تأسيسها منذ عشرة أعوام كبرنامج للصحة العامة لتشجيع جميع المانحين المحتملين. وتشرح السيدة Coles الأمر قائلة:» إن ما نحاول أن نقوم به هو جمع البيانات الخاصة بالرعاية الصحية في هذه البلدان (الإفريقية) لكي نكون قادرين على تسعير تكلفة الرعاية الصحية لمرض معين في البلدان ذات الدخل المنخفض».
ومن خلال الشركة التي ترأسها، تستطيع الأسر شراء التأمين الصحي بنحو 25 دولاراً في العام. وُيظهر التسعير في الوقت الراهن أن التكلفة الحقيقية تقدر بـ 60 دولاراً للأسرة الواحدة، ولكن بما أننا ندفع إعانة، فإن التكلفة التي يتحملها العميل تراوح بين 8 و15 في المائة من تلك التكلفة».
وتضيف:» في نيجيريا، تعتبر الملاريا المشكلة الصحية رقم 1، وبعد ذلك تأتي أمراض الجهاز التنفسي العلوي، والإسهال، وهناك أيضاً أمراض شرايين القلب كارتفاع ضغط الدم. وبدأت الأمراض السارية تزداد في الانتشار مع تطور البلدان».
وتحاول السيدة كوليز توسعة نطاق عمل صندوق التأمين الصحي في المستقبل القريب. وتقول في هذا الشأن» سوف نطلق تغطيتنا التأمينية تالياً في تنزانيا، وسنعمل هناك أيضاً مع شركة القروض التمويلية الصغيرة ومع تعاونيات البن».
ولكن ليست منظمات الخدمة الاجتماعية وشركات القروض التمويلية الصغيرة وحدها هي التي تفكر في الاستدامة. إذ تدعي شركة الأثاث السويدية إيكيا IKEA التي تأسست منذ 65 عاماً أنها تمارس الاستدامة كأسلوب حياة. ويقول ثوماس بيرجمارك، مدير الاستدامة الذي يعمل في الشركة منذ 20 عاماً: في ذلك الوقت لم نفكر في البيئة بحد ذاتها. وقد جاء بيرجمارك هذا العام في المرتبة 13 في قائمة أكثر الأشخاص تأثيراً في أخلاقيات العمل التي أصدرتها إحدى المجلات الأمريكية.
وهو يقول: في عام 1956، أدخلنا الأثاث الجاهز للتجميع ... طاولة جاهزة للتجميع يتم شحنها مفككة على أن يجمعها العميل بنفسه». وقد ساعدنا ذلك على توفير كميات كبيرة من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون عبر النقل الأكثر فاعلية. وما تطور عبر السنين هو رؤية، برنامج نستطيع فيه أن ندخل عامل الاستدامة في جميع أبعاد العمل، من الإنتاج إلى الإدارة إلى سلسلة الإمداد ثم إلى عمليات بيع التجزئة التي نقوم بها. وتعتبر الاستدامة اليوم واحدة من الأولويات الرئيسية الأربع لمجموعة إيكيا في عام 2015».
إن هذا لا يتأتى من دون وقت واهتمام واستثمار من جانب الشركة.» لدينا ما بين 80 و 100 مدقق يعملون لدى إيكيا، حيث يقومون بتدقيق عمل كل مصنع، لكنهم أيضا يساعدون المصانع على حل المشاكل التي نحددها من خلال عملية التدقيق – وهكذا فإن الأمر لا يتعلق بضبط العمل.. إنه يتعلق بالتطوير أيضا. وقد وجدنا أنه عندما يتم التقيد بميثاق العمل، يكون المصنع أكثر نظاماً وتزداد الإنتاجية.
«أما الوضع اليوم، فهو أن الكثير من العلامات التجارية الكبيرة لديها ميثاق السلوك الخاص بها ولكننا جميعاً نقوم بعمليات التدقيق. ولذلك، من وجهة نظر المورد، هناك الكثير من عمليات التدقيق التي تجري- والكثير من الزيارات وعليك أن تستعد لكل واحدة منها على انفراد».
ولكن هل يقدر العميل كل هذا الجهد؟ يقول بيرجمارك:» بإمكاني القول إن عملاء إيكيا يتوقعون منا أن نطور منتجات جيدة بأسعار منخفضة. وتصميم جيد، ولكن يتوقعون منا أيضاً أن نولي عناية لبعد الاستدامة. لكنني لا أعتقد أن هناك الكثير من العملاء الذين هم على استعداد لأن يدفعوا أكثر، ولاينبغي أن يدفعوا، لأننا إذا عملنا بذكاء عبر كامل سلسلة القيمة، فإننا نستطيع العمل على مواضيع الاستدامة وفي الوقت نفسه المحافظة على انخفاض السعر».
إلى جانب رؤية الشركة، فإن قدرة إيكيا على النجاح بهذا الشكل يساعدها عدم وجود حملة أسهم لديها. يقول بيرجمارك:» إننا في مركز جيد من حيث أننا مؤسسة .. ولسنا مدرجين في أية بورصة ولذلك فإننا نستطيع أن نعمل على المدى الطويل مع أي شريك عمل، بما في ذلك الموردون، وهذا أمر مفيد على المدى الطويل حتى من منظور مالي».

الأكثر قراءة