هيئات رقابية شرعية في المصارف الإسلامية تعمل كـ «مؤسسات خيرية» دون صفة قانونية
فندت دراسة بحثية حديثة واقع هيئات الرقابة الشرعية في المصارف الإسلامية ومدى استقلاليتها في اتخاذ القرار، وأثر ذلك في التزام إدارات المصارف ومجالسها الإدارية بالفتاوى والتوجيهات الصادرة عنها. وأبرزت الدراسة التي أجراها الدكتور عبد الرزاق رحيم الهيتي أهم العوامل المؤدية إلى وقوع العديد من المصارف الإسلامية في المخالفات الشرعية ومن أبرزها اقتصار هيئات الرقابة الشرعية على إصدار الفتاوى والتوجيهات وعدم متابعتها أثناء التنفيذ وبعده.
وخلصت الدراسة البحثية إلى أن هيئات الرقابة الشرعية في المصارف الإسلامية أشبه ما تكون بـ «المؤسسات الخيرية» التي لا تتمتع بالصفة القانونية، نظراً لعدم وجود تشريع قانوني يمنح قراراتها صفة الإلزامية في قوانين معظم الدول التي أنشأت فيها تلك المصارف.
وأكد الباحث أن بعض الهيئات الشرعية تكون تابعة لإدارات المصارف التي تعمل فيها ومجالسها الإدارية، كما تنفرد الجمعية العمومية باختيار هذه الهيئات ولا تشرك المستثمرين في ذلك، محذراً من أن عدم التواصل بين الهيئات الشرعية والمستثمرين قد يؤدي إلى وقوعهم في العديد من الأخطاء أثناء إبرام العقود مع موظفي المصرف.
وطالبت الدراسة بضرورة استحداث جهاز رقابي متخصص بمتابعة الفتاوى والتوجيهات الصادرة عن هيئة الرقابة الشرعية، وإصدار تشريعات تلزم المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية بتنفيذ جميع الفتاوى والتوجيهات الصادرة عن هذه الهيئات.
العوامل المؤثرة في الاستقلالية
الدكتور الهيتي أشار إلى أنه من البديهي جدا أن تكون هناك عوامل ومؤثرات لأي جهد أو نشاط يراد القيام به، لاسيما إذا كان ذلك الجهد تترتب عليه نتائج تحدد المسار العام لتلك المؤسسة التي يعمل بها، وبما أن النشاط الذي تقوم به الرقابة الشرعية هو الذي يحدد مسار المصرف الذي تعمل فيه من الناحية الشرعية، ويحجب أو يهز ثقة العملاء بهذا المصرف أو المؤسسة المالية، فإن ذلك يعني أنه لابد من أن تكون بعيدة كل البعد عن جميع العوامل المؤثرة في استقلاليتها.
ويمكن حصر تلك العوامل المؤثرة في استقلالية الهيئات الشرعية بحسب الهيتي في: العمل المباشر مع إدارة المصرف في تجارة أو عمل شخصي، ويمكن معالجة ذلك عن طريق قانون المصرف، تحديد أجور ومرتبات الهيئة من قبل مجلس الإدارة ودفع أجور لها أحيانا أعلى من الذي تدفعه المصارف الأخرى مقابل العمل نفسه، عندما تواجه الشركة مشاكل مالية صعبة فإن ذلك قد يؤثر في المراقب الشرعي أثناء كتابته لتقرير الإفلاس ويدفعه إلى كتابته وفق مصالح المساهمين الذين عينوه لخدمة مصالحهم.
واستنتج مؤلف كتاب «المصارف الإسلامية بين النظرية والتطبيق» بأن هيئة الرقابة الشرعية في البنوك الإسلامية يجب أن تكون منفصلة عن جميع أقسام المصرف حتى يتسنى لها تحقيق جميع أهدافها دون أي تدخل من مجلس الإدارة، أو إدارة المصرف ولهذا فإن استقلالية هيئة الرقابة الشرعية تعطي حرية كاملة في عملية اتخاذ القرارات، ففي كثير من البنوك الإسلامية تعتبر هيئة الرقابة الشرعية مستقلة ويتم انتخابها من قبل المساهمين في اجتماع الجمعية العمومية.
ومن المهم التأكيد على أن الاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية 1983م ذكر أن كل بنك إسلامي يجب عليه تشكيل لجنة رقابية شرعية وسلطتها يجب أن تعطى لها مباشرة من المساهمين في الجمعية العمومية وليست من قبل مجلس الإدارة أو إدارة البنك، وهذا لضمان استقلاليتها وحريتها خلال أدائها لمهامها، وحسب قانون الاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية فإنه على كل بنك إسلامي وخاصة الأعضاء في الاتحاد يتوجب عليه تشكيل لجنة للرقابة الشرعية، وقد استجاب البنك الإسلامي الموريتاني لهذا القرار وشكل لجنة للرقابة الشرعية.
الجمعية العمومية وأثرها
يشير الباحث الإسلامي إلى أنه كي تتمتع هيئة الرقابة الشرعية باستقلاليتها فإنه يجب أن يتم انتخاب لجنة الرقابة الشرعية من قبل أصحاب المؤسسة أو المصرف (أعضاء الجمعية العمومية) وليس من قبل مجلس الإدارة أو إدارة البنك وعليه فإنه ينبغي أن تتمتع لجنة الرقابة الشرعية بنفس القوة التي يتمتع بها مدقق الحسابات الخارجي في الغرب، ففي بريطانيا نجد أن قانون الشركات يقر بوضوح أن المساهمين لهم الحق المطلق بتعيين مدقق حسابات، حسب اختيارهم ويجب أن يحترم رأيه في كل الأوقات وأنه من الضروري جدا التأكيد على استقلالية المدقق وحمايتها.
ويضيف «لسوء الحظ فإن قانون الشركات في العالم الإسلامي – باستثناء الإمارات – لا يوضح قوة وسلطة الجمعية العمومية في تعيين لجنة الرقابة الشرعية، إلا أنه في بعض البنوك الإسلامية يتم تعيين لجنة الرقابة الشرعية عن طريق الجمعية العمومية للبنك.
أجور هيئة الرقابة الشرعية
يوضح الباحث أن عملية تحديد مكافآت لجنة الرقابة الشرعية بواسطة مجلس الإدارة أو إدارة المصرف نفسها قد يؤثر في دورها وأنشطتها ويجعلها تقترب أكثر من المجلس أو الإدارة، الأمر الذي يتعارض مع قوانين تدقيق الحسابات وفي بعض المصارف الإسلامية يتأثر اختيار (انتخاب) الرقابة الشرعية والمدقق المالي برأي مجلس الإدارة لاسيما في المصارف الإسلامية المملوكة لشخص واحد أو عائلة معينة، ولهذا فإن الاجتماع السنوي يصبح عديم الجدوى لاختيار أو انتخاب مجلس إدارة هيئة الرقابة الشرعية.
ويستطرد الهيتي «المشكلة التي تنشأ عن ذلك هي أن بعض المستشارين الشرعيين الذين يتم تعيينهم من قبل مجلس الإدارة أو إدارة المصرف قد يحابون إدارة تلك المصارف ويحاولون التشبث ببعض الآراء التي تبيح بعض المعاملات التي فيها شبهة الربا، خاصة في بعض النشاطات التي تمارسها بعض المصارف الإسلامية مع عملائها من غير المسلمين أو المصارف في الدول غير الإسلامية، والتي تبيح بعض المذاهب الإسلامية التعامل الربوي معهم، ذلك لأن أنشطة المصارف الخاصة تكون مرتبطة بشخص واحد ، الأمر الذي قد يؤدي إلى عدم استقلالية هيئة الرقابة الشرعية في قراراتها وفتاواها وانزلاقها في مزالق الشبه التي دعانا إلى تجنبها عليه أفضل الصلاة والسلام بقوله «فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات كراع يرعى حول الحمى» ولذلك نجد أن أتعاب الهيئات الشرعية في معظم المصارف الإسلامية تحدد من قبل الجمعية العمومية لتلك المصارف.
الرقابة الشرعية والمستثمرون
من المعلوم أن معظم هيئات الرقابة الشرعية في المصارف الإسلامية يتم انتخابها من قبل المساهمين في الاجتماعات الدورية للجمعية العمومية، وذلك يعني عدم مشاركة المستثمرين في انتخاب تلك الهيئة، ومن المعلوم أيضا أن المستثمرين كالمساهمين يرغبون في التأكد من أن أموالهم قد تم استثمارها وفق الضوابط الشرعية وأنها بعيدة عن الربا، الأمر الذي يستدعي ضرورة وجود علاقة قوية بينهم وبين هيئة الرقابة الشرعية حتى يسهل عليهم الاطلاع على آرائها ومناقشتها لاسيما أن العديد من الدراسات أثبتت أن غالبية عملاء المصارف خصوصا في الدول العربية والإسلامية يفضلون المصارف الإسلامية على غيرها حرصا منهم على تجنب المعاملات الربوية.
وتضيف الدراسة «بما أنه لا فروق جوهرية من حيث أولوية التعبير بين المساهمين والمستثمرين في المصارف الإسلامية، فإن عملية اختيار هيئة الرقابة الشرعية من قبل المساهمين فقط لا يفي بغرض المستثمرين الهادف إلى معرفة مدى شرعية المعاملات والأنشطة التي يقوم بها المصرف، وأن جميع عملاء البنك وليس المساهمين فقط يجب أن يسمح لهم بحضور تقرير لجنة الرقابة الشرعية وانتخابها ومناقشة تقريرها أمام الجمعية العمومية، ويبقى السؤال مطروحاً، ما هي الأسباب الكامنة وراء عدم مشاركة المستثمرين في انتخاب لجنة الرقابة الشرعية؟.
ولعل الجواب هو تأثر إدارات المصارف الإسلامية في النظام الربوي، وذلك لأن المستثمرين في ذلك النظام لا يشاركون إلا في الأرباح فقط عن طريق الفائدة الربوية بغض النظر عن نتائج أعمال البنك، مما يؤكد ضرورة المشاركة المستثمرين والدائنين في المصارف الإسلامية في انتخابات الهيئة الشرعية شأنهم في ذلك شأن المساهمين كي يتميز بذلك النظام المصرفي الإسلامي عن بقية النظم المصرفية الأخرى.
مشروعية المعاملات المصرفية
يؤكد الدكتور الهيتي أن استقلال الرقابة الشرعية يؤثر إيجاباً في نسبة المعاملات المشروعة، بمعنى أن هناك علاقة إيجابية بين استقلالية الرقابة الشرعية وارتفاع نسبة المعاملات الشرعية، فكلما تمتعت الرقابة الشرعية باستقلالية أكثر ارتفعت نسبة المعاملات المشروعة، في حين أننا نجد هذه العلاقة تكون سلبية فيما لو كانت الهيئة تحت سلطة إدارة المصرف أو مجلس الإدارة، وهذا هو ما أثبتته العديد من الدراسات العلمية والمسوحات والاستبيانات الميدانية وطالب به العديد من الخبراء في المصارف الإسلامية، كي لا تقع هذه الهيئة تحت ضغوط الإدارة وضمان شرعية كافة المعاملات والأنشطة التي يمارسها المصرف أو المؤسسة المالية.
التوصيات
- ضرورة استحداث جهاز رقابي متخصص بمتابعة الفتاوى والتوجيهات الصادرة عن هيئة الرقابة الشرعية (الرقابة المصاحبة واللاحقة).
- إصدار تشريعات تلزم المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية بتنفيذ جميع الفتاوى والتوجيهات الصادرة عن هيئات الرقابة الشرعية في قوانين الدول التي تعمل فيها تلك المصارف.
- استقلال هيئات الرقابة الشرعية عن إدارات المصارف ومجالسها الإدارية، وعدم تبعيتها لها.
- إشراك المستثمرين في اختيار وانتخاب هيئات الرقابة الشرعية وعدم اقتصار ذلك على المساهمين فقط.
- ضرورة فتح قناة اتصال بين هيئات الرقابة الشرعية والمستثمرين لإيصال آرائها لهم واستماعها لاستفساراتهم وإجابتها عن أسئلتهم كي يتداركوا بعض الأخطاء أثناء تنفيذ العقود من قبل موظفي المصرف.
- تحديد رواتب وأجور هيئات الرقابة الشرعية من قبل البنك المركزي للدولة التي يعمل فيها المصرف، أو من جهاز مالي متخصص في الاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية.
العوامل المؤثرة في عمل الهيئات الشرعية
- عدم اتصافها بالصفة القانونية التي تمنحها الصفة الإلزامية حيث إنها كانت ولا تزال أشبه ما تكون بالمؤسسة الخيرية، نظراً لعدم وجود تشريع قانوني يمنح قراراتها صفة الإلزام في قوانين معظم الدول التي أنشأت فيها تلك المصارف.
- تبعية بعض الهيئات الشرعية لإدارات المصارف التي تعمل فيها ومجالسها الإدارية.
- انفراد الجمعية العمومية (المساهمون) باختيار هيئات الرقابة الشرعية وعدم إشراك المستثمرين في ذلك.
- افتقاد التواصل بين الهيئات الشرعية والمستثمرين مما يؤدي إلى وقوعهم في العديد من الأخطاء أثناء إبرامهم العقود مع موظفي المصرف.
تحديد رواتب وأجور الهيئات الشرعية من قبل إدارات المصارف العاملة فيها ومجالسها الإدارية.
- تعدد الآراء الفقهية في العملية المصرفية الواحدة، مما يعطي الفرصة لموظفي المصارف وإداراتها إلى عدم الالتزام برأي الهيئة الشرعية التابعين لها.